التحفة السنية (مخطوط) - السيد عبد الله الجزائري - الصفحة ٨٢
إن المطلوب من متاع الدنيا هو العدة على الطاعة بتقوية البدن وتغذيته ورعايته وتعهده بما يصلحه ويعينه كالناقة التي تعلف في طريق الكعبة ليبلغ بها إلى الوجه المقصود وهو (تع) قادر على اعطائها بسبب حاصل من الطلب من المستعد وبدون ذلك السبب بل بسبب آخر يسببه إن شاء فاللايق الانقطاع إليه (تع) ليعطي كيف شاء بأي سبب شاء والثالث أن التعلق بالأسباب والالحاح في السعي إن كان للتشوق إلى الغناء وتحصيل ما يزيد على قدر الضرورة فربما يكون في ذلك فساد حاله إذ الصلاح مستور وارتكاب المشاق فيما لا يدري أنه نفع أو ضرر جهل وسفه وإن كان لقدر الضرورة فقد كفل الله (تع) ذلك في قوله سبحانه وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها فإنه ضمان للرزق من غير تعليق كما في آية المغفرة فإن كان لا يثق بذلك فما أقبح من يثق على قول سوقي بعد الاقراض والضيافة ولا يثق على ضمانه (تع) ومثل هذا في غاية البعد عن الفلاح لضعف ايمانه ووهن عقيدته وينبغي أن يبتدئ بتقويم حاله وتقوية ايمانه إلى أن يترقى إلى مرتبة اليقين فيترشح لمقام التوكل والانخراط في سلك المتوكلين إلا أنه سبحانه أبى أن يجري الأشياء إلا بالأسباب فجعل لكل شئ سببا كما ورد في حديث أبي عبد الله (ع) فلا يكاد يقع شئ في هذا العالم إلا بسبب ظاهر أو خفي وفي حديث آخر عنه (ع) أحب الله لعباده أن يطلبوا منه مقاصدهم بالأسباب فمن تمام الأدب أن يتسببوا بها كما سببها لهم وأمرهم بذلك تحقيقا لحكمته عز وجل في خلق الأسباب والمسببات والارتباط بينهما كما في حديث موسى (ع) أنه مرض فوصف بنو إسرائيل له دواءا فقال لا أتداوى حتى يعافني الله من غير دواء فطالت عليه فأوحى إليه فتداوى فلما برئ أوحى الله إليه أردت أن تبطل حكمتي بتوكلك علي فمن أودع العقاقير منافع الأشياء غيري وقد مضت رواية أخرى في هذا المعنى أو هي هي فتحصيل الأسباب لا ينافي التوكل إذا كانت مباحة لم يسكن إليها بل يكون سكونه إلى الله الذي خلقها وأمر بها مع تجويز أن يؤتيه الله مطلوبه من حيث لا يحتسب دون هذه الأسباب وأن يقطع الله هذه الأسباب عن مسبباتها ولم يستقص فيها بل أجمل في الطلب كما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحملنكم استبطاء شئ من الرزق أن تطلبوه بمعصية الله وعن أبي عبد الله (ع) ليكن طلبك المعيشة فوق كسب المضيع ودون طلب الحريص وقال إذا فتحت بابك وبسطت بساطك فقد قضيت ما عليك سواء في ذلك السبب المقطوع به وهو ما جرت سنته (تع) بتوقف المسبب عليه جريانا مطردا لا يتخلف كمد اليد إلى الطعام وتناوله ومضغه وابتلاعه فإن هذا القدر من السعي والحركة مما لا يسوغ الامتناع عنه للجوعان وإن كان متوكلا وانتظاره أن يخلق الله فيه شبعا من دون الخبز أو يخلق في الخبز حركة إليه أو يبعث ملكا ليمضغه ويوصله إلى جوفه سفه وجهل بسنة الله وليس من التوكل في شئ نظير أن يطمع في أن يخلق الله له نباتا من غير بذر أو تلد زوجته من غير وقاع بل التوكل هنا أن يكون ساكن القلب معتمدا على فضل الله في خلق الطعام له واقداره عليه والسبب المظنون وهو ما جرت السنة الغالبة فيه بالتوقف وإن احتمل بعيدا حصوله دونه لوقوع التخلف فيه أحيانا كالكسب للتحامي عن ذل السؤال ومنة المخلوقين فإن البطالين من أبغض خلق الله خصوصا من لم يكن مشتغلا في فراغه بعلم أو عبادة وإن أمكن عثوره بغتة على كنز وكذا حمل الزاد للسفر في البوادي المقفرة كما يؤثر من سيرة الأولين من الذين مقامهم فوق التوكل ومثله اتخاذ البضاعة بقدر الكفاية للتاجر بشرط أن يكون الاعتماد في جميع ذلك على فضل الله سبحانه ويعرف ذلك بتسوية حاله عند وجود ذلك الأسباب وفقدها فلو تعوق كسبه أو سرق زاده أو بضاعته كان سكون قلبه واطمئنان نفسه واتكاله على ربه مثل ما كان قبل ذلك علما منه بأن الله لا يقضي على عباده إلا ما هو الأصلح لهم وتوطينا لنفسه على أن غاية الأمر أن يموت جوعا ولا ضير في ذلك فإن الجوع سبب من أسباب الموت الذي لا محيص عنه فيكون راضيا بما ارتضاه الله له وكذا لا ينافيه الادخار في الجملة كما لا ينافي الزهد كما علمت ولا سيما من المضطر وهو من لا يكسب ولا يأخذ من الأيدي فإن استشعر في نفسه اضطرابا يشغل قلبه عن العبادة والذكر والفكر فادخار ما انساق إليه بإرث أو نحوه من الأسباب الاتفاقية أولى له من تفريقه واخراجه من يده ولو في سبيل الله بل لو أمسك ضيعة يكون دخلها وافيا بقدر كفايته وكأن لا يتفرغ قلبه إلا به فذاك له أولى لأن الغرض اصلاح القلب ليتجرد لذكر الله ورب شخص يشغله وجود المال ورب شخص يشغله عدمه والمحذور ما يشغل عن الله وإلا فالدنيا في نفسها ليست محذورة لا وجودها ولا عدمها كما مرت الإشارة إليه وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أصناف الخلق وفيهم التجار والمحترفون وغيرهم فلم يأمر التاجر بترك تجارته ولا المحترف بترك حرفته ولا التارك لهما بالاشتغال بهما بل دعا الكل إلى الله وأرشدهم إلى فوزهم و نجاتهم في انصراف قلوبهم عن الدنيا إلى الله وعمدة الاشتغال بالله هو القلب فصواب الضعيف الادخار كما أن صواب القوي تركه وأما حده فللسنة للمعيل كما سبق تطييبا لقلوب الضعفاء من عياله والزيادة مبطلة لتوكله لأن أسباب الدخل تكرر بتكرر السنين غالبا ولا قل منها بقدر الأمل من غيره والفضل لقصره فكلما كان أقصر كان أفضل والتحديد للأربعين لا يعرف له وجه وروي أن رسول الله صلى الله عليه وآله ادخر لعياله قوت سنة ونهى أم أيمن أن تدخر له شيئا لغد ونهى بلالا عن كسرة خبز ادخرها ليفطر
(٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الطهارة 16
2 باب جرايم الجوارح 17
3 باب التوبة 24
4 باب التدارك 27
5 باب الحد والتعزير 28
6 باب الجناية 35
7 باب ذمايم القلب 40
8 باب الصبر 42
9 باب الحلم 45
10 باب النصيحة 47
11 باب حب الخمولة 49
12 باب التواضع 52
13 باب الفقر 57
14 باب الزهد 60
15 باب السخا 63
16 باب الرضا 65
17 باب الشكر 66
18 باب الرجاء والخوف 68
19 باب قصر الامل 70
20 باب النية 72
21 باب الاخلاص 75
22 باب الصدق 79
23 باب التوحيد والتوكل 80
24 باب تطهير السر عما سوى الله 83
25 باب الماء 88
26 باب الأخباث وتطهيرها 90
27 باب آداب التخلي 95
28 باب الاتفاث وازالتها 96
29 باب آداب التنظيف 97
30 باب الاحداث ورفعها 100
31 باب الوضوء 102
32 باب الغسل 104
33 باب التيمم 110
34 كتاب الصلاة 111
35 باب الشرايط 112
36 باب الأوقات 118
37 باب المكان 121
38 باب اللباس 125
39 باب القبلة 127
40 باب النداء 129
41 باب الهيئة 130
42 باب الآداب والسنن 132
43 باب المكروهات 135
44 باب وظائف يوم الجمعة والخطبتين 136
45 باب آداب العيدين وسننهما 137
46 باب آداب الآيات وسننها 138
47 باب الجماعة 139
48 باب الخلل 141
49 باب التعقيب 145
50 باب الدعاء 146
51 باب فضل قراءة القرآن 148
52 كتاب الزكاة 150
53 باب التعداد والشرايط 150
54 باب المقادير والنصب 153
55 باب المصرف 154
56 باب الأداء 155
57 باب الخمس 156
58 باب المعروف 158
59 باب آداب المعطى 159
60 باب آداب الآخذ 162
61 كتاب الصيام 163
62 باب الشرايط 165
63 باب الهيئة 167
64 باب الآداب 168
65 باب فوايد الجوع 173
66 باب الاعتكاف 174
67 كتاب الحج 175
68 باب الشرايط 177
69 باب الهيئة 178
70 باب المحرمات 181
71 باب الخلل 190
72 باب حرمة الحرم 195
73 باب الزيارات 196
74 كتاب الحسبة 198
75 باب الجهاد 198
76 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 201
77 باب إقامة الحدود 203
78 باب الفتيا 205
79 باب القضا 206
80 باب الشهادة 209
81 باب اخذ اللقيط 212
82 باب الحجر 212
83 كتاب البر 214
84 باب العطية 214
85 باب العتق 217
86 باب التدبير 219
87 باب الكتابة 220
88 باب النذر والعهد 220
89 باب اليمين 222
90 كتاب الكسب 224
91 باب الآداب 227
92 باب البيع 229
93 باب الربا 234
94 باب الشفعة 236
95 باب الشركة 237
96 باب القراض 238
97 باب الجعالة 240
98 باب الإجارة 242
99 باب المزارعة 244
100 باب المساقاة 245
101 باب احياء الموات 245
102 باب الغصب 248
103 باب اللقطة 250
104 باب السبق 251
105 باب الدين 252
106 باب الرهن 253
107 باب الضمان 254
108 باب الحوالة 255
109 باب الوكالة 256
110 باب الكفالة 257
111 باب الوديعة 258
112 باب الاقرار 259
113 باب الصلح 259
114 كتاب النكاح 260
115 باب التعداد والجدوى 260
116 باب المحارم 263
117 باب الولاية 271
118 باب العقد 272
119 باب الصداق 274
120 باب الخلوة 277
121 باب الحقوق 279
122 باب النشوز 281
123 باب الفسخ 282
124 باب الطلاق 284
125 باب الخلع والمباراة 286
126 باب الظهار 287
127 باب الايلاء 288
128 باب اللعان 289
129 باب العدد 290
130 باب الولد 294
131 باب القرابة 300
132 كتاب المعيشة 300
133 باب الطعام 301
134 باب الأكل 309
135 باب الشرب 312
136 باب الضيافة 313
137 باب اللباس 314
138 باب الطيب 315
139 باب المسكن 316
140 باب المنام 317
141 باب التحية 319
142 باب الكلام 321
143 باب الإخاء 326
144 باب المعاشرة 328
145 باب العزلة 333
146 باب الورد 335
147 باب السفر 338
148 كتاب الجنايز 343
149 باب المرض 343
150 باب الوصية 345
151 باب العيادة 346
152 باب الاحتضار 349
153 باب التغسيل 350
154 باب التكفين 351
155 باب التشييع والتربيع 353
156 باب الصلاة على الميت 354
157 باب الدفن 355
158 باب التعزية 357
159 باب الهدية للميت 357
160 باب زيارة القبر 358
161 كتاب الفرايض 358
162 باب الأسباب والطبقات 358
163 باب الموانع 360