التحفة السنية (مخطوط) - السيد عبد الله الجزائري - الصفحة ٧٩
متشوقة إلى التشبه والاقتداء بل إظهار المرائي للعبادة إذا لم يعلم أنه رياء فيه خير كثير للناس وإن كان شرا لنفسه فكم من مخلص كان سبب اخلاصه الاقتداء بمن هو مرائي عند الله ويحكى أنه كان يجتاز الانسان في سكك البصرة عند الصبح فيسمع أصوات المصلين بالقرآن من البيوت فصنف بعضهم كتابا في دقايق الرياء فتركوا ذلك وترك الناس الرغبة فيه فكانوا يقولون ليت ذلك الكتاب لم يصنف وفي الحديث إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر وبأقوام لا خلاق لهم في الآخرة ومن وظيفة المظهر أن يراقب قلبه فإنه ربما يكون فيه حب الرياء الخفي فيدعوه إلى الاظهار بعذر الترغيب والاقتداء وإنما شهوته التجمل بالعمل ويعرف الصدق بأنه لو قدر اقتداء الناس بغيره واستواء أجر السر والاعلان لما رغب فيه وإن وجد من نفسه الرغبة عند عرض ذلك عليها فليعلمها كاذبة في الاعتذار وكذا يحمد كتمان المعاصي لا لأن يعتقد فيه الورع رياءا بل للتحامي عن الهتك المذموم عقلا أو لأن الستر مأمور به شرعا كما تقدم التنبيه عليه وفي الحديث النبوي من ابتلي بشئ من هذه القاذورات فليستره بستر الله فهتك الستر معصية ثانية تنضاف إلى الأولى واخفاؤها من قوة الايمان لكراهة الله ظهورها ويعرف الصدق فيه بكراهة ظهورها عن الغير أيضا على حد كراهته من نفسه أو لأنه إذا افتضحت مساويه لا تنفك الألسن أن تناله بالمذمة والوفيعة فيه وهو يتألم بالذم فإنه مؤلم للطبع كما أن الضرب مؤلم للبدن فيكتم ذنوبه ويكره الفضيحة حذرا أن يذم بها ويتألم بسببه و لا ضير في ذلك فهو مباح في نفسه لكونه جبليا وإن كان الخواص منخلعين عنه أو لأن الناس شهداؤه يوم القيامة كما ورد أن الناس شهداء بعضهم على بعض فيكره اطلاعهم على فضائحه حياء من شهادتهم عليه يوم يقوم الأشهاد أو لأن المذمة من لوازم الافتضاح كما ذكر والذام يصير عاصيا فيكره الافتضاح من حيث استلزامه معصية الذام لا من حيث استلزامه ذمه ويعرف الصدق فيه بتسوية ذمه وذم غيره في الكراهة ومقدارها لاستوائهما في المعصية كما سبق أو لخوف أن يقصد بسوء ممن يطلع على دخيلة ذنبه ومنه الحد والتعزير كما تقدم أو للحياء فهو كرم الطبع من الأخلاق الفاضلة لأن الملكة الموجبة لانكسار النفس إذا استشعر منها ما تلام عليه وفي حديث آدم (ع) أنه والدين من لوازم العقل وفي الحديث النبوي الحياء خير كله وفيه الحياء شعبة من الايمان وفيه الحياء لا يأتي إلا بالخير والفاسق الوقح الذي لا يستحي من ظهور فسقه وتسامح مع الناس به أسوء حالا وأعظم فتنة من المستحي المستتر به إلا أنه والرياء متشابهان والفرق بينهما عسر جدا وأكثر المرائين يزعمون أن الداعي إلى تحسينهم العبادات في المرائي إنما هو الحياء من الناس فيستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وأحسن فارق بينهما الوجدان السليم وقد علم من الرسم أن انكسار النفس عن مثل الوعظ والإمامة وسؤال العالم وتغليظ القول على الذين يتعاطون المنكرات ونحو ذلك مما لا ملامة فيه ليس من الحياء المحمود وإنما هو من ضعف القلب وقلة الاحتمال ويحمد ذلك في النساء والصبيان أو لأن لا يقتدي به الغير فإن النفوس متشوقة إلى التشبه كما مر سيما في الشهوات وسيما أتباعه المتطلعين إلى أحواله فإنهم لا يكتفون بما أتاه بل يزيدون ومن الأمثال المنظومة إذا كان رب البيت بالدف مولعا فشيمة أهل البيت كلهم الرقص أو للتحامي عن انصراف القلوب عنه لاطلاعهم على باطن أمره من حيث حبه محبة الناس له لا للتوصل بذلك إلى معصية بل ليعلم منه محبة الله له فيفرح بفضل الله ورحمته كما أمر ويقوى رجاؤه فإن من أحبه (تع) جعله محبوبا في قلوبهم كما ورد لكنه لا ينعكس كليا لكونه موجبة كلية فلا يتم به الاستدلال باب الصدق وهو مطابقة الواقع في جميع الأحوال ويتعدد وجوهه بتعددها ومجامعه ستة ولفظ الصدق يطلق على كل منهما بالتشكيك ويقابله فيها جميعا الكذب وأدناه الصدق في القول وما يجري مجراه في كل حال من الرضا والغضب و العسر واليسر وغيرها سواء تعلق بالماضي أو الحال أو المستقبل وهو من أهم ما تجب المحافظة عليه فإن الكذب تضييع لأوضح الخواص الانسانية وهو النطق وابطال لفائدته ومن ثم ورد في الأمر بصدق الحديث ما ورد وكماله بأمرين أحدهما ترك المعاريض وهي جمع معراض كمفتاح الكلمات الموري فيها بالقصد إلى معنى غير ما يتبادر إلى الفهم من ظاهر اللفظ من غير ضرورة دينية أو دنيوية والمراد بها المصلحة الراجحة شرعا أو عقلا وإن لم تبلغ حد الاضطرار مثل تأديب الصبي وتهديد الغلام وفي الحديث أنه (ع) قال لبعض غلمانه والله لأن قصرت في العمل لأضربنك ضرب الحمار فقيل له وما ضرب الحمار قال ضربة خفيفة حد ما يستقيم على الجادة وعن النبي صلى الله عليه وآله أنه كان إذا توجه إلى غزو قوم ورى بغيرهم لئلا يبلغهم الخبر فليستعدوا والمعاريض في كلام أئمتنا صلى الله عليه وآله كثيرة وأغلبها لمصلحة التقية وعنهم (ع) أنه لن يستكمل المؤمن حتى يفهم معاريض كلامنا وأن الكلمة منا لتنصرف على سبعين وجها لنا في كل منها المخرج وربما يعد من المصلحة الراجحة تطييب قلوب الحاضرين بالمزاح كقوله صلى الله عليه وآله لن يدخل الجنة عجوز وقوله الذي في عينه بياض ونحو ذلك وبدونها لا يجوز قطعا حذرا من محذور الكذب وهو تفهيم الخلاف في المتكلم وكسب القلب صورة كاذبة في المخاطب وقد رخص في الكذب في الحرب والاصلاح ومع الأهل فعن أبي عبد الله (ع) كل كذب مسؤول عنه صاحبه يوما إلا كذبا في ثلاثة رجل كايد في حربه فهو موضوع عنه أو رجل أصلح بين اثنين يلقي هذا بغير ما يلقي به هذا و يريد بذلك الاصلاح بينهما أو رجل وعد أهله شيئا وهو لا يريد أن يتم لهم ومع ذلك فليتحفظ على التورية من يحسنها كما في قول إبراهيم (ع) بل فعله كبيرهم هذا فسئلوهم إن كانوا ينطقون وقول يوسف (ع) إنكم لسارقون أي سرقتم يوسف من أبيه وكانا يريدان الاصلاح كما ورد ويأتي لهذا تتمة في باب الكلام والآخر رعايته معه تعالى في الألفاظ التي يناجيه بها فمن قال وجهت وجهي لله والمتمكن في قلبه سواه أو قال إياك نعبد أو أنا عبدك وهو يعبد الدنيا فهو كاذب في دعوته إذ التوجه ليس إلا انصراف وجه القلب إلى
(٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الطهارة 16
2 باب جرايم الجوارح 17
3 باب التوبة 24
4 باب التدارك 27
5 باب الحد والتعزير 28
6 باب الجناية 35
7 باب ذمايم القلب 40
8 باب الصبر 42
9 باب الحلم 45
10 باب النصيحة 47
11 باب حب الخمولة 49
12 باب التواضع 52
13 باب الفقر 57
14 باب الزهد 60
15 باب السخا 63
16 باب الرضا 65
17 باب الشكر 66
18 باب الرجاء والخوف 68
19 باب قصر الامل 70
20 باب النية 72
21 باب الاخلاص 75
22 باب الصدق 79
23 باب التوحيد والتوكل 80
24 باب تطهير السر عما سوى الله 83
25 باب الماء 88
26 باب الأخباث وتطهيرها 90
27 باب آداب التخلي 95
28 باب الاتفاث وازالتها 96
29 باب آداب التنظيف 97
30 باب الاحداث ورفعها 100
31 باب الوضوء 102
32 باب الغسل 104
33 باب التيمم 110
34 كتاب الصلاة 111
35 باب الشرايط 112
36 باب الأوقات 118
37 باب المكان 121
38 باب اللباس 125
39 باب القبلة 127
40 باب النداء 129
41 باب الهيئة 130
42 باب الآداب والسنن 132
43 باب المكروهات 135
44 باب وظائف يوم الجمعة والخطبتين 136
45 باب آداب العيدين وسننهما 137
46 باب آداب الآيات وسننها 138
47 باب الجماعة 139
48 باب الخلل 141
49 باب التعقيب 145
50 باب الدعاء 146
51 باب فضل قراءة القرآن 148
52 كتاب الزكاة 150
53 باب التعداد والشرايط 150
54 باب المقادير والنصب 153
55 باب المصرف 154
56 باب الأداء 155
57 باب الخمس 156
58 باب المعروف 158
59 باب آداب المعطى 159
60 باب آداب الآخذ 162
61 كتاب الصيام 163
62 باب الشرايط 165
63 باب الهيئة 167
64 باب الآداب 168
65 باب فوايد الجوع 173
66 باب الاعتكاف 174
67 كتاب الحج 175
68 باب الشرايط 177
69 باب الهيئة 178
70 باب المحرمات 181
71 باب الخلل 190
72 باب حرمة الحرم 195
73 باب الزيارات 196
74 كتاب الحسبة 198
75 باب الجهاد 198
76 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 201
77 باب إقامة الحدود 203
78 باب الفتيا 205
79 باب القضا 206
80 باب الشهادة 209
81 باب اخذ اللقيط 212
82 باب الحجر 212
83 كتاب البر 214
84 باب العطية 214
85 باب العتق 217
86 باب التدبير 219
87 باب الكتابة 220
88 باب النذر والعهد 220
89 باب اليمين 222
90 كتاب الكسب 224
91 باب الآداب 227
92 باب البيع 229
93 باب الربا 234
94 باب الشفعة 236
95 باب الشركة 237
96 باب القراض 238
97 باب الجعالة 240
98 باب الإجارة 242
99 باب المزارعة 244
100 باب المساقاة 245
101 باب احياء الموات 245
102 باب الغصب 248
103 باب اللقطة 250
104 باب السبق 251
105 باب الدين 252
106 باب الرهن 253
107 باب الضمان 254
108 باب الحوالة 255
109 باب الوكالة 256
110 باب الكفالة 257
111 باب الوديعة 258
112 باب الاقرار 259
113 باب الصلح 259
114 كتاب النكاح 260
115 باب التعداد والجدوى 260
116 باب المحارم 263
117 باب الولاية 271
118 باب العقد 272
119 باب الصداق 274
120 باب الخلوة 277
121 باب الحقوق 279
122 باب النشوز 281
123 باب الفسخ 282
124 باب الطلاق 284
125 باب الخلع والمباراة 286
126 باب الظهار 287
127 باب الايلاء 288
128 باب اللعان 289
129 باب العدد 290
130 باب الولد 294
131 باب القرابة 300
132 كتاب المعيشة 300
133 باب الطعام 301
134 باب الأكل 309
135 باب الشرب 312
136 باب الضيافة 313
137 باب اللباس 314
138 باب الطيب 315
139 باب المسكن 316
140 باب المنام 317
141 باب التحية 319
142 باب الكلام 321
143 باب الإخاء 326
144 باب المعاشرة 328
145 باب العزلة 333
146 باب الورد 335
147 باب السفر 338
148 كتاب الجنايز 343
149 باب المرض 343
150 باب الوصية 345
151 باب العيادة 346
152 باب الاحتضار 349
153 باب التغسيل 350
154 باب التكفين 351
155 باب التشييع والتربيع 353
156 باب الصلاة على الميت 354
157 باب الدفن 355
158 باب التعزية 357
159 باب الهدية للميت 357
160 باب زيارة القبر 358
161 كتاب الفرايض 358
162 باب الأسباب والطبقات 358
163 باب الموانع 360