التحفة السنية (مخطوط) - السيد عبد الله الجزائري - الصفحة ٤٩
من النفس أو قلع أصله بتحصيل ضده المحمود كما يأتي في موضعه الأنسب بالتفصيل ولنذكر هنا بالاجمال علاجا كليا بمنزلة الروادع المستعملة لتسكين المواد الهايجة في البدن وهو مضادة الحسد بأن يحكمه وينظر ما يتقاضاه من قول وفعل وترك فيكلف نفسه بنقيضه الأخص فإن بعثه على اطلاق اللسان فيه بالوقيعة ألزم نفسه المدح له والثناء عليه وذكر محامده وإن بعثه على إيذائه ألزمها الاحسان إليه والتعطف عليه و بعثه على هجره وقطيعته ألزمها الاختلاف إليه ومواصلته وهكذا فإذا فعل ذلك مرارا مالت إليه نفس المحسود بالتودد والتلطف وتطييب نفس الحسود بذلك ويحصل بينهما المودة والمحبة والموافقة ويزول الحسد وأما الأول فالعلاج الممكن فيه المجاهدة والرياضة واكراه النفس على النصيحة حتى لا تتلظى ناره ولا يتدره آثاره كما تقدم والثاني ذكر الآفات الدنيوية والأخروية المذكورة التي هي لوازم الحسد ليتحرز عنها بالاحتراز عن ملزومها وذكر ما ورد فيه من النهي والذم وما ورد في وجوب موالاة المؤمن ورعاية حقوقه التي أيسرها أن يحب له ما يحب لنفسه ويكره له ما يكره لنفسه كما تقدم ويأتي وبهذا يعالج العداوة أيضا وما ورد في عظم قدره وأن روحه لأشد اتصالا بروح الله من اتصال شعاع الشمس بها وأنه ليزهر نوره لأهل السماء كما تزهر نجوم السماء لأهل الأرض وأنه ولي الله وأن من قال له أنت عدوي فقد كفر ونحو ذلك مما يدل على أنه لا يحسن كراهة نعمته وذكر ما ورد في التعاون أو في وجوبه فإن ذلك مما يحرك إلى السعي في قضاء حوايجه وهو يتجر إلى حصول المصافات بينهما وزوال الحسد كما عرفت أو يكون معطوفا على الذكر كما يليه وهو أقرب معنى والأول لفظا وبركة الجماعة في الصلاة وفي مجالس الخير فإنها تبعث على التسالم والتصافح والتعاطف ونحوها من المحاسن المرغوبة الدينية الجالبة للتحابب والمناصحة المميتة للأحقاد والضغاين كما هو المشاهد وهو من أوضح الوجوه المعقولة في الحث على الاجتماعات الشرعية باب حب الخمولة يقال أخمل صوته أي أخفاه والخامل الساقط الذي لا نباهة له وهو من ملكات النفس المطمئنة من شعب التواضع وكان الأولى تأخيره عنه وله فضيلة عظيمة والفضيلة هي الدرجة الرفيعة في الفضل فورد في الحديث النبوي طوبى لعبد نؤمة عرفه الله ولم يعرفه الناس أولئك مصابيح الهدى وينابيع العلم الحديث والنؤمة كهمزة وقيل بالتسكين الخامل الذكر وفيه رب أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه لو أقسم على الله لأبره منهم البراء بن مالك والأشعث المغبر الرأس أو المتفرق الشعر والأغبر الذي فيه لون الغبر محركة وهو التراب وهما من صفات العيوب والطمر بالكسر الثوب الخلق أو الكساء البالي من غير الصوف ولا يؤبه به أي لا يفطن له وضمن الأقسام معنى التحكم فعدى تعديته والأبرار امضاء اليمين على الصدق وضده حب الجاه وهو من ملكات النفس الأمارة من شعب الكبر ولو اتسع من جهة الله بلا تكلف طلب من العبد فلا بأس إلا أن فيه فتنة على الضعفاء دون الأقوياء كالغريق الضعيف السباحة إذا كان معه جماعة من الغرقى فالأولى به أن لا يعرفه أحد منهم فإنهم يتعلقون به فيضعف عنهم فيهلك معهم وأما القوي فالأولى أن يعرفه الغرقى ليتعلقوا به فينجيهم ويثاب عليهم وربما يجب عليه أن يعرفهم نفسه ويدعوهم إلى التعلق به انقاذا لهم من الهلكة وعلى هذا تحمل ما بلغك من حال بعض الأكابر في تعرفهم إلى الخلق وعرض أنفسهم على السلاطين والولاة وقبول الولايات أو طلبها و حينئذ فالمطلوب بالحقيقة ليس هو الجاه بل ما يترتب عليه من الفوايد الدينية كالاقتدار على إقامة شعاير الحق والحسبة وارشاد المسترشدين وقضاء الحوائج وعموم النفع وإنما المذموم حبه لغير ما ذكر إما لنفسه أو للمقاصد الدنيوية أو للضعفاء الذين ليسوا من أهل الفوايد الدينية إلا أن ههنا موضع غرور وقد أشرنا إلى نظيره فيما سلف وهو أن من الضعفاء من يشتبه عليهم حال أنفسهم فيعتقدون بأنفسهم القدرة ويظنون أنهم من الأقوياء الذين من شأنهم انقاذ الهلكى فيهلكون وأيضا إذا انفتح باب الرخصة ربما يتخذ ذلك رخصة علة ويتسع الخرق فمن ثم ورد ما ورد في ذم الجاه والنهي عن حبه مطلقا من غير تقييد قال الله (تع) تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا و في الحديث ملعون من ترائس ملعون من هم بها ملعون من حدث بها نفسه وأصله انتشار الصيت وهو قريب من كلام أهل اللغة أنه القدر والمنزلة مقلوب وجه وحقيقته تلك القلوب وهو أحد شطري الدنيا والآخر المال وحقيقته تلك الأعيان فإن الموصل إلى المقاصد بأسرها من نيل الشهوات ودفع الآفات منحصر فيهما ومن ثم يتهالك عليهما توصلا إليها وربما يفضي الأمر إلى إهمال معنى التوصل والتهالك عليهما لنفسهما لتعلق القلب بهما بالذات من غير أن يقصد ورائهما غرض ولا غاية وذلك كما أن الرجل قد يحب حليلته من حيث إنه يدفع بها فضلة الشهوة كما يدفع ببيت الماء فضلة الطعام ولو كفى مؤنة الشهوة لكان يهجرها كما يهجر بيت الماء لو كفي قضاء الحاجة وربما يحبها محبة العشاق بحيث لو كفي الشهوة لبقي مستصحبا لها أيضا لشغفه بها لنفسها لا لأجل شئ آخر والجاه هو الشطر الأعظم فإنه أشهى من المال لوجوه أما أولا فلأن تحصيل الغرض فيما يطلب لأجله به أيسر فإن المميل لا يحصل به غرضه إلا ببذله فهو وإن كان مستكملا بحصول الغرض إلا أنه منتقص بذهاب المال بخلاف الوجيه فإنه مستكمل بتحصيل الغرض من غير انتقاص وأيضا التوصل بالجاه إلى المال لو كان هو الغرض أيسر من التوصل بالمال إلى الجاه فالعالم أو الزاهد الذي تقرر له جاه في القلوب لو قصد اكتساب الأموال لم يتعسر عليه فإن أموال أرباب القلوب مبذولة له وأما الخسيس الذي لا جاه له إذا وجد كنزا مثلا وأراد أن يكتسب به جاها فربما تعوقه عنه العوائق وأما ثانيا فلأن المال معرض للتوى والتلف لأنه يسرق ويغصب ويطمع فيه الملوك والظلمة ويتطرق إليه أخطار كثيرة لا سلامة منها إلا بتعب شديد مع صرف بعضه في حراسة الباقي بخلاف الجاه فإنه مأمون عن نحو السرقة والغصب نعم ربما تنحرف القلوب وتتغير الاعتقادات وذلك مما يهون دفعه عند المتقيدين به وأما ثالثا فلأن الجاه نام بنفسه من غير تعب لأن القلوب إذا اعتقدت في أحد كمالا
(٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الطهارة 16
2 باب جرايم الجوارح 17
3 باب التوبة 24
4 باب التدارك 27
5 باب الحد والتعزير 28
6 باب الجناية 35
7 باب ذمايم القلب 40
8 باب الصبر 42
9 باب الحلم 45
10 باب النصيحة 47
11 باب حب الخمولة 49
12 باب التواضع 52
13 باب الفقر 57
14 باب الزهد 60
15 باب السخا 63
16 باب الرضا 65
17 باب الشكر 66
18 باب الرجاء والخوف 68
19 باب قصر الامل 70
20 باب النية 72
21 باب الاخلاص 75
22 باب الصدق 79
23 باب التوحيد والتوكل 80
24 باب تطهير السر عما سوى الله 83
25 باب الماء 88
26 باب الأخباث وتطهيرها 90
27 باب آداب التخلي 95
28 باب الاتفاث وازالتها 96
29 باب آداب التنظيف 97
30 باب الاحداث ورفعها 100
31 باب الوضوء 102
32 باب الغسل 104
33 باب التيمم 110
34 كتاب الصلاة 111
35 باب الشرايط 112
36 باب الأوقات 118
37 باب المكان 121
38 باب اللباس 125
39 باب القبلة 127
40 باب النداء 129
41 باب الهيئة 130
42 باب الآداب والسنن 132
43 باب المكروهات 135
44 باب وظائف يوم الجمعة والخطبتين 136
45 باب آداب العيدين وسننهما 137
46 باب آداب الآيات وسننها 138
47 باب الجماعة 139
48 باب الخلل 141
49 باب التعقيب 145
50 باب الدعاء 146
51 باب فضل قراءة القرآن 148
52 كتاب الزكاة 150
53 باب التعداد والشرايط 150
54 باب المقادير والنصب 153
55 باب المصرف 154
56 باب الأداء 155
57 باب الخمس 156
58 باب المعروف 158
59 باب آداب المعطى 159
60 باب آداب الآخذ 162
61 كتاب الصيام 163
62 باب الشرايط 165
63 باب الهيئة 167
64 باب الآداب 168
65 باب فوايد الجوع 173
66 باب الاعتكاف 174
67 كتاب الحج 175
68 باب الشرايط 177
69 باب الهيئة 178
70 باب المحرمات 181
71 باب الخلل 190
72 باب حرمة الحرم 195
73 باب الزيارات 196
74 كتاب الحسبة 198
75 باب الجهاد 198
76 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 201
77 باب إقامة الحدود 203
78 باب الفتيا 205
79 باب القضا 206
80 باب الشهادة 209
81 باب اخذ اللقيط 212
82 باب الحجر 212
83 كتاب البر 214
84 باب العطية 214
85 باب العتق 217
86 باب التدبير 219
87 باب الكتابة 220
88 باب النذر والعهد 220
89 باب اليمين 222
90 كتاب الكسب 224
91 باب الآداب 227
92 باب البيع 229
93 باب الربا 234
94 باب الشفعة 236
95 باب الشركة 237
96 باب القراض 238
97 باب الجعالة 240
98 باب الإجارة 242
99 باب المزارعة 244
100 باب المساقاة 245
101 باب احياء الموات 245
102 باب الغصب 248
103 باب اللقطة 250
104 باب السبق 251
105 باب الدين 252
106 باب الرهن 253
107 باب الضمان 254
108 باب الحوالة 255
109 باب الوكالة 256
110 باب الكفالة 257
111 باب الوديعة 258
112 باب الاقرار 259
113 باب الصلح 259
114 كتاب النكاح 260
115 باب التعداد والجدوى 260
116 باب المحارم 263
117 باب الولاية 271
118 باب العقد 272
119 باب الصداق 274
120 باب الخلوة 277
121 باب الحقوق 279
122 باب النشوز 281
123 باب الفسخ 282
124 باب الطلاق 284
125 باب الخلع والمباراة 286
126 باب الظهار 287
127 باب الايلاء 288
128 باب اللعان 289
129 باب العدد 290
130 باب الولد 294
131 باب القرابة 300
132 كتاب المعيشة 300
133 باب الطعام 301
134 باب الأكل 309
135 باب الشرب 312
136 باب الضيافة 313
137 باب اللباس 314
138 باب الطيب 315
139 باب المسكن 316
140 باب المنام 317
141 باب التحية 319
142 باب الكلام 321
143 باب الإخاء 326
144 باب المعاشرة 328
145 باب العزلة 333
146 باب الورد 335
147 باب السفر 338
148 كتاب الجنايز 343
149 باب المرض 343
150 باب الوصية 345
151 باب العيادة 346
152 باب الاحتضار 349
153 باب التغسيل 350
154 باب التكفين 351
155 باب التشييع والتربيع 353
156 باب الصلاة على الميت 354
157 باب الدفن 355
158 باب التعزية 357
159 باب الهدية للميت 357
160 باب زيارة القبر 358
161 كتاب الفرايض 358
162 باب الأسباب والطبقات 358
163 باب الموانع 360