التحفة السنية (مخطوط) - السيد عبد الله الجزائري - الصفحة ٣٣٣
في النبوي لكن مورده جنازة المشرك باب العزلة بضم الفاء وسكون العين وهي الانقطاع عن الناس والمراد بها ما يقابل المعاشرة العامة والاختلاف في ترجيح الراجح منها ومن المخالطة كالاختلاف فيه من النكاح والعزوبة والقول للقول وجدواها إما التحلي بخيرات لا يتيسر تحصيلها إلا بالخلوة أو التخلي عن شرور يتعرض لها بالمخالطة وكل منهما إما دينية أو دنيوية فهذه أربعة أقسام هي مجامع ما ذكره المصنف وغيره من فوائدها منها الفراغ للعبادة والفكر والاستيناس بمناجاة الله و استكشاف أسراره في ملكوت السماوات والأرض وآيات الآفاق والأنفس فإن ذلك يستدعي فراغا ولا فراغ مع المعاشرة فالخلق شاغلون ومن ثم كان رسول الله صلى الله عليه وآله في ابتداء أمره يعتزل في جبل حراء من جبال مكة حتى قوى فيه نور النبوة وصار بحيث لا يحجبه الخلق عن الله فإن الجمع بين معاشرة الخلق ظاهرا والاقبال على الله باطنا متعذر إلا لمن استغرق باطنه به تعالى بحيث لا يبقى لغيره فيه متسع فغاب عنهم قلبا وشهدهم لسانه وهم الذين صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالملأ الأعلى كما سلف ومنها الخلاص عن المعاصي التي يتعرض لها بالمعاشرة ولا يسلم عنها إلا بالعزلة كالرياء فقد عرفت أنه أخفى من دبيب النملة السوداء على الصخرة الملساء في الليلة الظلماء وكل من خالط الناس داراهم ومن داراهم راءاهم ووقع فيما وقعوا وأقل ما يلزم فيه النفاق فإن الخصومات بين الناس كثيرة فأنت لا تنفك عن مخالطة متخاصمين فإن لم تلق كلا منهما بوجه يوافقه صرت بغيظا إليهما وإن جاملتهما جميعا كنت ذا وجهين وقد علمت قريبا حاله وأقل ما يعتاد في المخالطة إظهار الشوق والمبالغة فيه ولا يخلو ذلك عن كذب أما في الأصل وأما في الزيادة واظهار الشفقة بالسؤول عن الأحوال فقولك كيف أنت وكيف أهلك وأنت في الباطن فارغ القلب من همومه نفاق محض ومن آية ذلك أنك ترى هذا يقول كيف أنت ويقول الآخر كيف أنت فالسائل لا ينتظر الجواب والمسؤول يشتغل بالسؤول ولا يجيب وذلك لمعرفتهم بأن ذلك صادر عن رياء لا عن حقيقة والغيبة فإن من الأعراض العامة التمضمض بالأعراض والتفكه بلحوم الناس وإن وافقت المعاشرين تعرضت لسخط الله وإن سكت شريكا والمستمع أحد المغتابين وإن أنكرت أبغضوك واستنقلوك وتركوا أذاك ووقعوا فيك ومزقوا اهابك وضيعوا حقك وحق الله فيك فإما أن تستوجب السخط بهم أو يستوجبوا السخط بك ومنها الخلاص من غوائل البدع والمناكير الغالبة فإنه إن تشمر لرفعها أعياه ذلك وفتح عليه أبوابا من الضرر بما يجره طلب الخلاص منها إلى معاصي أكثر وأكبر مما نهى عنه ابتداء ومن جرب النهي عن البدع ندم عليه غالبا فإنه كجدار مايل يريد الانسان أن يقيمه فيوشك أن يسقط عليه فإذا سقط عليه يقول ليتني تركته مائلا نعم لو وجد أعوانا يمسكون الحايط حتى يحكمه بدعامة استقام وأنت اليوم لا تجد الأعوان والخطر عليك شديد وإن تغافل عنها واستمر على مشاهدتها والاغضاء عنها هان أمرها عليه وزال وقعها في قلبه واستعظامها عنده فهي تورث الاستحقار وكلما كثرت وطالت كثر وقوي حتى يوشك أن تنحل القوة الوازعة ويذعن الطبع للميل إليه أو لما دونه ومهما طالت مشاهدته للكبائر من غيره استحقر الصغاير من نفسه كما أن الناظر إلى الأغنياء يستحقر نعمة الله على نفسه ومنها الخلاص عن الجليس السوء فإن مسارقة الطبع لما يشاهده من أخلاق الناس وأعمالهم مما لا سبيل إلى انكاره وورد في النبوي مثل الجليس السوء كمثل القين إن لم يحرقك بشرره علق بك من ريحه ومثل الجليس الصالح مثل صاحب المسك ألا يهب لك منه تجد ريحه ومنها الخلاص عن الفتن والخصومات وصيانة النفس والدين عن الخوض فيها والتعرض لأخطارها وقل ما يخلو الناس عنها ولا سلامة إلا بالاعتزال عنهم فورد عن النبي صلى الله عليه وآله ألزم بيتك وأملك عليك لسانك وخذ ما تعرف ودع ما تنكر وعليك بأمر الخاصة ودع عنك أمر العامة حين ذكر الفتنة ووصفها وقال إذا رأيت الناس مرجت عهودهم وضعفت أماناتهم وكانوا هكذا وشبك بين أصابعه فقيل ماذا تأمرني في زمان الفتن يا رسول الله والقائل عبد الله بن عمرو بن العاص ومنها الخلاص عن شر الناس وايذائهم بنحو الغيبة والنميمة والتهمة و البهتان والحسد وطمعهم ما يتعسر الوفاء به فرعاية الحقوق شديدة وأيسرها التسليم والترحيب وزيارة الإخوان وعيادة المرضى وحضور الجنائز والولائم وفيها ضياع الأوقات وفوات المهمات وربما يعوق عن بعضها عائق ويستقبل فيها عذر ولا يمكن إظهار كل الأعذار فينفتح باب الملال و العتاب وأنك قمت بحق فلان ولم تقم بحقي وينشأ منه ضروب العداوة والأذية ومن زعم الناس كلهم بالحرمان سكتوا عنه وانقطع طمعهم منه وسلم من ذلك وكذا قطع الطمع عنهم فالنظر إلى زهرات الدنيا يحرك رغبة الحريص فيتحرك للطلب ولا يقع إلا على الخيبة والحرمان في أكثر الأطماع فيتألم قلبه و ينطلق لسانه بالوقيعة فيهم بما عرفت من أنواع الهذر ومهما اعتزل لم يشاهد فلم يرغب ومنها الخلاص عن لقاء الثقيل والأحمق وغير المجانس ومقاساة خلقهم وأخلاقهم فهو من أشد البلايا على الروح وورد أنه لما غضب سليمان (ع) على الهدهد وحلف ليعذبنه عذابا شديدا حبسه مع البومة فكان ذلك عذابه الشديد والوجه في التأذي بصحبة الأحمق وغير المجانس ظاهر وأما الثقيل فإن كان بسبب رداءة ظاهرة أو باطنة فكذلك أيضا وإلا كما يشاهد كثيرا فلعله تناكر الأرواح ومن ثم ترى من تستثقله أنت وتتبرم عن مؤالفته يستخفه غيرك ويرغب إليه وسئل بعض الحكماء ما بال الحمل الثقيل لا يتأذى به الانسان تأذيه عن الصاحب الثقيل فأجاب بأن الحمل الثقيل يتعاون في تحمله الروح والجسد فيخف على كل منهما وأما الصاحب الثقيل فيستقل بتحمله الروح فمن ثم يكون تأذيه به أكثر فهذه فوايد العزلة ومرجعها جميعا إلى الخلاص عن آفات المخالطة وأما آفاتها فهي أيضا أمور دينية ودنيوية ومرجعها جميعا إلى فوات فوايد المخالطة والمذكور منها ست التعلم والتعليم والانتفاع
(٣٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 328 329 330 331 332 333 334 335 336 337 338 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الطهارة 16
2 باب جرايم الجوارح 17
3 باب التوبة 24
4 باب التدارك 27
5 باب الحد والتعزير 28
6 باب الجناية 35
7 باب ذمايم القلب 40
8 باب الصبر 42
9 باب الحلم 45
10 باب النصيحة 47
11 باب حب الخمولة 49
12 باب التواضع 52
13 باب الفقر 57
14 باب الزهد 60
15 باب السخا 63
16 باب الرضا 65
17 باب الشكر 66
18 باب الرجاء والخوف 68
19 باب قصر الامل 70
20 باب النية 72
21 باب الاخلاص 75
22 باب الصدق 79
23 باب التوحيد والتوكل 80
24 باب تطهير السر عما سوى الله 83
25 باب الماء 88
26 باب الأخباث وتطهيرها 90
27 باب آداب التخلي 95
28 باب الاتفاث وازالتها 96
29 باب آداب التنظيف 97
30 باب الاحداث ورفعها 100
31 باب الوضوء 102
32 باب الغسل 104
33 باب التيمم 110
34 كتاب الصلاة 111
35 باب الشرايط 112
36 باب الأوقات 118
37 باب المكان 121
38 باب اللباس 125
39 باب القبلة 127
40 باب النداء 129
41 باب الهيئة 130
42 باب الآداب والسنن 132
43 باب المكروهات 135
44 باب وظائف يوم الجمعة والخطبتين 136
45 باب آداب العيدين وسننهما 137
46 باب آداب الآيات وسننها 138
47 باب الجماعة 139
48 باب الخلل 141
49 باب التعقيب 145
50 باب الدعاء 146
51 باب فضل قراءة القرآن 148
52 كتاب الزكاة 150
53 باب التعداد والشرايط 150
54 باب المقادير والنصب 153
55 باب المصرف 154
56 باب الأداء 155
57 باب الخمس 156
58 باب المعروف 158
59 باب آداب المعطى 159
60 باب آداب الآخذ 162
61 كتاب الصيام 163
62 باب الشرايط 165
63 باب الهيئة 167
64 باب الآداب 168
65 باب فوايد الجوع 173
66 باب الاعتكاف 174
67 كتاب الحج 175
68 باب الشرايط 177
69 باب الهيئة 178
70 باب المحرمات 181
71 باب الخلل 190
72 باب حرمة الحرم 195
73 باب الزيارات 196
74 كتاب الحسبة 198
75 باب الجهاد 198
76 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 201
77 باب إقامة الحدود 203
78 باب الفتيا 205
79 باب القضا 206
80 باب الشهادة 209
81 باب اخذ اللقيط 212
82 باب الحجر 212
83 كتاب البر 214
84 باب العطية 214
85 باب العتق 217
86 باب التدبير 219
87 باب الكتابة 220
88 باب النذر والعهد 220
89 باب اليمين 222
90 كتاب الكسب 224
91 باب الآداب 227
92 باب البيع 229
93 باب الربا 234
94 باب الشفعة 236
95 باب الشركة 237
96 باب القراض 238
97 باب الجعالة 240
98 باب الإجارة 242
99 باب المزارعة 244
100 باب المساقاة 245
101 باب احياء الموات 245
102 باب الغصب 248
103 باب اللقطة 250
104 باب السبق 251
105 باب الدين 252
106 باب الرهن 253
107 باب الضمان 254
108 باب الحوالة 255
109 باب الوكالة 256
110 باب الكفالة 257
111 باب الوديعة 258
112 باب الاقرار 259
113 باب الصلح 259
114 كتاب النكاح 260
115 باب التعداد والجدوى 260
116 باب المحارم 263
117 باب الولاية 271
118 باب العقد 272
119 باب الصداق 274
120 باب الخلوة 277
121 باب الحقوق 279
122 باب النشوز 281
123 باب الفسخ 282
124 باب الطلاق 284
125 باب الخلع والمباراة 286
126 باب الظهار 287
127 باب الايلاء 288
128 باب اللعان 289
129 باب العدد 290
130 باب الولد 294
131 باب القرابة 300
132 كتاب المعيشة 300
133 باب الطعام 301
134 باب الأكل 309
135 باب الشرب 312
136 باب الضيافة 313
137 باب اللباس 314
138 باب الطيب 315
139 باب المسكن 316
140 باب المنام 317
141 باب التحية 319
142 باب الكلام 321
143 باب الإخاء 326
144 باب المعاشرة 328
145 باب العزلة 333
146 باب الورد 335
147 باب السفر 338
148 كتاب الجنايز 343
149 باب المرض 343
150 باب الوصية 345
151 باب العيادة 346
152 باب الاحتضار 349
153 باب التغسيل 350
154 باب التكفين 351
155 باب التشييع والتربيع 353
156 باب الصلاة على الميت 354
157 باب الدفن 355
158 باب التعزية 357
159 باب الهدية للميت 357
160 باب زيارة القبر 358
161 كتاب الفرايض 358
162 باب الأسباب والطبقات 358
163 باب الموانع 360