التحفة السنية (مخطوط) - السيد عبد الله الجزائري - الصفحة ٧٥
وتجري في الخيرات والشرور جميعا وبتعدد الجزاء بتعددها خيرا كان كالدخول في المسجد للزيارة فإن من دخل المسجد فقد زار الله كما في الحديث النبوي وفي الحديث القدسي المساجد بيوتي في الأرض فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني في بيتي وانتظار وقت الصلاة أو كمالها والاعتكاف والانزواء عن الناس تحفظا من آفاتهم والتجرد للذكر عن الشواغل الخارجة وترك الذنوب خشية أو حياء وإصابة أخ مستفاد في الله أو علم مستطرف أو كلمة تدل على هدى أو ترده عن ردى أو رحمة منتظرة كما في حديث أمير المؤمنين (ع) فإن كلا منها طاعة مندوب إليها على حدة وقد تداخل جميعا في فعل واحد ويترتب عليه الثواب الموعود على كل منها وكلها منتهية إلى وجه الله سبحانه فهي مشوبة خالصة من وجهين أو شرا كالقعود فيه للتحدث بالباطل وملاحظة النساء حيث تحرم ومماطلة الغريم والمناظرة للمباهات وهي المفاخرة مع الطرف أو غيره والمرآة للحاضرين فيها أو هي معطوفة على المناظرة أو التحدث من غايات العقود وخيرها يجعل المباح وهو هنا ما يقابل الطاعة والمعصية فيندرج فيه المكروه عبادة كالتطيب لمن يريد المسجد يوم الجمعة أو العيد لإقامة السنة وتعظيم المسجد واليوم ودفع الأذى عن الجليس بالنتن وادخال السرور عليه بالعرف وهو بفتح العين الرايحة طيبة أو كريهة ثم غلبت في الأول وسد باب الغيبة بصيانة نفسه أن يغتاب بالنتن والتفل وجليسه أن يتعرض له بالغيبة بهما ويستحق الإثم وبمثل هذا ورد الأمر في قوله صلى الله عليه وآله يا أبا ذر ليكن لك في كل شئ نية حتى في الأكل والنوم وفي كلمات بعض المشايخ ليكن لك في كل حركة بركة إشارة إلى أن النية تؤثر في المباح وتلحقه بالعبادة وربما تفضله على محضها فالترفه للمولول في جزء من الزمان بنومة أو دعابة مباحة لرد نشاط الطبيعة واقبال القلب على الصلاة في الجزء التالي أفضل منها في ذلك الجزء مع الملال ومن ثم وردت الرخصة في ترك النوافل والاقتصار على الفرايض عند ادبار القلوب وتأخير الصلاة عن أول وقتها من المكروهات المنصوصة ويندب إليه إذا قصد به الوصول إلى المسجد أو فضيلة الجماعة أو الطهارة المائية كما يأتي في محله وروي أن زكريا (ع) كان يعمل في حايط بالطين وكان أجير القوم فقدموا إليه رغيفين إذ كان لا يأكل إلا من كسب يده فدخل عليه قوم فلم يدعهم إلى الطعام حتى فرغ منه فتعجبوا منه لما علموا من سخائه وزهده فقال إني أعمل لقوم بأجرة وقدموا إلي الرغيفين لأتقوى بهما على عملهم فلو أكلتم معي لم يكفكم ولم يكفني وضعفت من عملهم وكما يؤثر خيرها في المباح فيخرجه إلى الطاعة كك يؤثر شرها فيه بل وفي الطاعة أيضا فيخرجهما إلى المعصية فالمباح الذي يجعله النية معصية كالتطيب للتفاخر باظهار الثروة علي غير وجه التحديث بالنعمة والتزين للزنا والطاعة كالعمل المرائي به فإن نية الرياء تلحقه بالمعاصي ولا تؤثر النية في الحرام باخراجه إلى قسميه كما فيهما فلا يباح شرب الخمر لموافقة الإخوان ولا الزنا لإجابة التماس المراود ولو توارد على بعض أفراده قصود فاسدة تضاعف وزره وعظم وباله كما لو قتل أحدا ليتمكن من غصب ماله والزنا بزوجته والفطن إذا أتقن هذه الجملة التفت منه إلى أن تصميم القصد إلى ماله صورة خارجة من المعاصي كالزنا وشرب الخمر من المعاصي كما هو ظاهر قوله (تع) إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم وفي تتمة الحديث السابق نية الكافر شر من عمله وفي حديث الرضا (ع) مع المأمون والمعصوم لا يهم بذنب ولا يأتيه وهو الذي صرح به أمين الاسلام في تفسير قوله (تع) إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء قال القول فيما يخطر بالبال من المعاصي إن الله سبحانه لا يؤاخذ به وإنما يؤاخذ بما يعزم عليه الانسان ويعقد قلبه مع امكان التحفظ عنه فيصير من أفعال القلب فيجازيه كما يجازيه بأفعال الجوارح وإنما يجازيه جزاء العزم لا جزاء عين تلك المعصية لأنه لم يباشرها وهذا بخلاف العزم على الطاعة فإن العازم على فعل الطاعة يجازي على عزمه ذلك جزاء تلك الطاعة كما جاء في الأخبار أن المنتظر للصلاة في الصلاة ما دام ينتظرها وهذا من لطائف نعم الله على عباده انتهى وقال السيد في تنزيه الأنبياء إرادة المعصية والعزم عليها معصية وقد تجاوز ذلك قوم حتى قالوا إن العزم على الكبيرة كبيرة وعلى الكفر كفر هذا كلامه ونسبه بعض الفضلاء الذين عاصرناهم إلى أكثر المحدثين والمتكلمين وجمهور العامة وجماعة من أصحابنا وخالف في ذلك قوم فزعموا أن نية المعصية لا تؤثر عقابا ولا ذما ما لم يتلبس بها وادعوا أن ذلك قد ثبت في الأخبار العفو عنه فإن كان نظرهم إلى رواية زرارة عن أحدهما (ع) إن الله جعل لآدم في ذريته من هم بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة ومن هم بحسنة وعملها كتبت له عشرا ومن هم بسيئة ولم يعملها لم تكتب عليه سيئة ورواية أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال إن المؤمن ليهم بالحسنة ولا يعملها فتكتب له حسنة فإن هو عملها كتبت له عشر حسنات وأن المؤمن ليهم بالسيئة إن لم يعملها فلا تكتب عليه فهما وما في معناهما غير صريحة في خلاف ما نقلناه عن التفسير مع أن في أسانيدها على طريقتهم قصورا وبالجملة فالقطع بأن العزم غير مؤاخذ عليه كما صرح به بعض المعاصرين مما لا ريب في انتفائه باب الاخلاص وهو كما عرفت تجريد النية شرا أو خيرا عن الشوب بأقسامه فالمتصدق لمحض الرياء مخلص كالمتصدق لمحض ابتغاء وجه الله ثم غلب مطلقه في الثاني بحيث لا ينصرف إلا إليه تغليب الالحاد الذي هو مطلق الميل إلى الميل عن الحق في بعض العقايد وهو يتصور على وجهين متفاضلين فالأعلى إرادة وجهه (تع) أي موافقة إرادته وامتثال أمره شكرا له أو حياءا منه ومهابة أو تعظيما و انقيادا أو حبا أو لكونه أهلا للعبادة كما في حديث أمير المؤمنين (ع) ما عبدتك خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك ولكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك وهي من مواضع الغرور فكثيرا ما يغتر الناوي بنفسه وبنيته فيراها من هذه المرتبة ويعرف صدتها بالتفكر في صفاته (تع) وأفعاله ومداومة السر على المناجاة معه في جميع أحواله فإن فقد هذه العلامات فليوقن أن ليس منها إلا في حديث النفس وخديعة الوسواس كما مر من حال الواطي ثم إرادة نفع الآخرة بجلب الثواب أو الخلاص من العقاب أو كليهما وكيف كان فهو حظ من حظوظ النفس يخرج عن الاخلاص المطلق وإنما يعد اخلاصا بالإضافة إلى الحظوظ العاجلة ومن ثم حكم كثير من علماء الفريقين ببطلان العبادة بهذا القصد فإن صاحبه إنما قصد الرشوة والبرطيل
(٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الطهارة 16
2 باب جرايم الجوارح 17
3 باب التوبة 24
4 باب التدارك 27
5 باب الحد والتعزير 28
6 باب الجناية 35
7 باب ذمايم القلب 40
8 باب الصبر 42
9 باب الحلم 45
10 باب النصيحة 47
11 باب حب الخمولة 49
12 باب التواضع 52
13 باب الفقر 57
14 باب الزهد 60
15 باب السخا 63
16 باب الرضا 65
17 باب الشكر 66
18 باب الرجاء والخوف 68
19 باب قصر الامل 70
20 باب النية 72
21 باب الاخلاص 75
22 باب الصدق 79
23 باب التوحيد والتوكل 80
24 باب تطهير السر عما سوى الله 83
25 باب الماء 88
26 باب الأخباث وتطهيرها 90
27 باب آداب التخلي 95
28 باب الاتفاث وازالتها 96
29 باب آداب التنظيف 97
30 باب الاحداث ورفعها 100
31 باب الوضوء 102
32 باب الغسل 104
33 باب التيمم 110
34 كتاب الصلاة 111
35 باب الشرايط 112
36 باب الأوقات 118
37 باب المكان 121
38 باب اللباس 125
39 باب القبلة 127
40 باب النداء 129
41 باب الهيئة 130
42 باب الآداب والسنن 132
43 باب المكروهات 135
44 باب وظائف يوم الجمعة والخطبتين 136
45 باب آداب العيدين وسننهما 137
46 باب آداب الآيات وسننها 138
47 باب الجماعة 139
48 باب الخلل 141
49 باب التعقيب 145
50 باب الدعاء 146
51 باب فضل قراءة القرآن 148
52 كتاب الزكاة 150
53 باب التعداد والشرايط 150
54 باب المقادير والنصب 153
55 باب المصرف 154
56 باب الأداء 155
57 باب الخمس 156
58 باب المعروف 158
59 باب آداب المعطى 159
60 باب آداب الآخذ 162
61 كتاب الصيام 163
62 باب الشرايط 165
63 باب الهيئة 167
64 باب الآداب 168
65 باب فوايد الجوع 173
66 باب الاعتكاف 174
67 كتاب الحج 175
68 باب الشرايط 177
69 باب الهيئة 178
70 باب المحرمات 181
71 باب الخلل 190
72 باب حرمة الحرم 195
73 باب الزيارات 196
74 كتاب الحسبة 198
75 باب الجهاد 198
76 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 201
77 باب إقامة الحدود 203
78 باب الفتيا 205
79 باب القضا 206
80 باب الشهادة 209
81 باب اخذ اللقيط 212
82 باب الحجر 212
83 كتاب البر 214
84 باب العطية 214
85 باب العتق 217
86 باب التدبير 219
87 باب الكتابة 220
88 باب النذر والعهد 220
89 باب اليمين 222
90 كتاب الكسب 224
91 باب الآداب 227
92 باب البيع 229
93 باب الربا 234
94 باب الشفعة 236
95 باب الشركة 237
96 باب القراض 238
97 باب الجعالة 240
98 باب الإجارة 242
99 باب المزارعة 244
100 باب المساقاة 245
101 باب احياء الموات 245
102 باب الغصب 248
103 باب اللقطة 250
104 باب السبق 251
105 باب الدين 252
106 باب الرهن 253
107 باب الضمان 254
108 باب الحوالة 255
109 باب الوكالة 256
110 باب الكفالة 257
111 باب الوديعة 258
112 باب الاقرار 259
113 باب الصلح 259
114 كتاب النكاح 260
115 باب التعداد والجدوى 260
116 باب المحارم 263
117 باب الولاية 271
118 باب العقد 272
119 باب الصداق 274
120 باب الخلوة 277
121 باب الحقوق 279
122 باب النشوز 281
123 باب الفسخ 282
124 باب الطلاق 284
125 باب الخلع والمباراة 286
126 باب الظهار 287
127 باب الايلاء 288
128 باب اللعان 289
129 باب العدد 290
130 باب الولد 294
131 باب القرابة 300
132 كتاب المعيشة 300
133 باب الطعام 301
134 باب الأكل 309
135 باب الشرب 312
136 باب الضيافة 313
137 باب اللباس 314
138 باب الطيب 315
139 باب المسكن 316
140 باب المنام 317
141 باب التحية 319
142 باب الكلام 321
143 باب الإخاء 326
144 باب المعاشرة 328
145 باب العزلة 333
146 باب الورد 335
147 باب السفر 338
148 كتاب الجنايز 343
149 باب المرض 343
150 باب الوصية 345
151 باب العيادة 346
152 باب الاحتضار 349
153 باب التغسيل 350
154 باب التكفين 351
155 باب التشييع والتربيع 353
156 باب الصلاة على الميت 354
157 باب الدفن 355
158 باب التعزية 357
159 باب الهدية للميت 357
160 باب زيارة القبر 358
161 كتاب الفرايض 358
162 باب الأسباب والطبقات 358
163 باب الموانع 360