التحفة السنية (مخطوط) - السيد عبد الله الجزائري - الصفحة ٧٧
من جواري الملك أو غلام من غلمانه فإنه من أفحش الاستهزاء بالملك وإنما عدي في العبارة بحرف الاستعلاء دون الالصاق كما هو الأصل لتضمنه معنى الجرأة أو الايثار وذلك بايثار رضا غيره (تع) على رضاه فطلب المنزلة عندهم دونه وايثار تعظيم نفسه في القلوب على تعظيمه (تع) في قلبه وايثار الاحتراز عن مقت غيره على الاحتراز عن مقته عز وجل حيث تعرض له بريائه فعن أبي عبد الله (ع) من أظهر للناس ما يحب الله وبارز الله بما كرهه لقي الله وهو ماقت له وثالثها رد العمل فإنه (تع) يرد المشوب ولا يقبل إلا الخالص كما في حديث الحفظة وعن أبي عبد الله (ع) قال الله أنا خير شريك من أشرك معي غيري في عمل عمله لم أقبله إلا ما كان لي خالصا ورابعها اللوم من الملائكة في القيامة فعن النبي صلى الله عليه وآله المرائي ينادي به على رؤس العباد يا فاجر يا كافر يا غادر يا خاسر أما استحيت إذا اشتريت بطاعة الله عرض الدنيا راقبت قلوب العباد واستهزأت بطاعة الله وتحببت إلى العباد بالتبغض إلى الله وتزينت لهم بالشين عند الله وتقربت إليهم بالبعد عن الله وتحمدت إليهم بالتذمم عند الله وطلبت رضاهم بالتعرض لسخط الله أما كان أحد أهون عليك من الله وخامسها الحرمان عن الأجر المستحق بالعمل لو كان خالصا فإن من عمل للناس كان ثوابه على الناس كما ورد عن أبي عبد الله (ع) وينقسم الرياء على وجوه متعددة بحسب اعتباره في نفسه وفي موضوعه وهو العمل المرائي به وفي غايته المطلوبة به وهي ما يرائى له وله بحسب كل منها درجات متفاوتة في التفاحش والأفحش باعتباره في نفسه أن لا يريد الثواب أصلا كالذي يصلي بين أظهر الناس ولو أنفرد لكأن لا يصلي وربما يصلي مع الناس من غير طهارة فهذا جرد قصده إلى الرياء وهو في غاية المقت عند الله ثم ما فيه إرادتان الثواب والرياء جميعا ولكن الرياء غالب والثواب معاون بحيث لو كان في الخلوة لا يفعله و لا يحمله ذلك القصد على العمل ولو لم يكن الثواب لكان قصد الرياء يحمله عليه وهذا لا يصلي من غير طهارة وهو دون الأول لكنه قريب منه في المقت ثم ما استويا فيه متشاركين بحيث لو كان كل منهما منفردا عن الآخر لم يبعثه على العمل فلما اجتمعا انبعث الرغبة وهذا أيضا لا يقدم عليه في الخلوة ثم ما يرجح فيه قصد الثواب ويعاونه قصد الرياء بحيث يكون اطلاع الناس مقويا لنشاطه ولو لم يكن ذلك لكأن لا يترك العمل ولو كان قصد الرياء وحده لما أقدم وعن أمير المؤمنين (ع) ثلاث علامات للمرائي ينشط إذا رأى الناس ويكسل إذا كان وحده ويحب أن يحمد في كل أموره وهذا أدنى الرياء بحسب درجاته في نفسه وأما درجاته باعتبار ما يرائي به فأفحشها الرياء بأصل الايمان بالتظاهر به تجملا إلى المسلمين مع التكذيب به باطنا وهو النفاق المشحون بذكره الكتاب كقوله عز وجل إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد أنك لرسول الله والله يعلم أنك لرسوله والله يشهد أن المنافقين لكاذبون وفيه الخلود في النار فإنه كفر بل المنافق أسوء حالا وأعظم فتنة على الاسلام من الكفار المجاهدين ومن ثمة كان عذابه أشد كما قال عز وجل أن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ثم الرياء بأصل الفرايض يأتي بها في المحاضر استرضاء للناس واحترازا عن مقتهم ويتركها في الخلوات كسلا مع التصديق القلبي بالعقائد الدينية وهذا محكوم باسلامه في الجملة لكونه معتقدا بأصل الايمان وإنما يرائي فيما سواه من الأعمال ولو كلف بعبادة غير الله لامتنع عنه فهو دون الأول وفيه المقت عند الله كما سبق ثم الرياء بأصل السنن والنوافل التي لا معصية في تركها عند الله ولا عند الناس كالاختلاف إلى المساجد والآتيان بالنوافل ونحوهما فيكسل عنها في الخلوة لفتور رغبته في ثوابها أو ايثار اللذة الراحة ويأتي بها في مشهد الناس طلبا لرضا هم عنه المقتضي لانطلاق الألسن فيه بالمحمدة والثناء وهو أيضا عظيم ممقوت عند الله لكنه دون ما قبله ووعيده دون وعيده واللائق فيه نصفه لأن ذلك أنما استحق ما استحقه من المقت الكبير بسببين قد اقتصر هذا على أحدهما لايثار رضا غيره (تع) على رضاه دون ايثار الاحتراز عن مقت غيره (تع) على الاحتراز عن مقته فجنايته على النصف من جنايته ولا يظلم ربك أحدا ثم الرياء بالأوصاف المرعية في الأعمال لا بأصولها وهي أدون المراتب وفيها أيضا درجات متفاوتة فالأفحش المرآة بالوصف الواجب كتعديل الأركان واتمام الطمأنينات في الصلاة في حضور الناس وتخفيفها في الخلوة ثم بالوصف المكمل لها مما تنقص الصلاة بدونه وإن صحت كتطويلها باختيار السور الطوال في القراءة والاكثار من أذكار الركوع والسجود والآتيان بالأفعال المندوبة وتحسين الهيئة بالتخشع وترك الالتفات والوصفان داخلان في نفس العبادة ثم بالوصف الزايد الخارج عنها كالبكور في المسجد قبل القوم وقصد الصف الأول من الجماعة واختيار يمين الإمام ونحو ذلك وأما درجاته باعتبار ما يرائى له فأفحشها قصد المعصية باظهار التقوى والورع والامتناع عن الشبهات لتحسن فيه الظنون فيتمكن بذلك من مقاصده محظورة لا تتسر له إلا بها كتقلد الوقف وتولي مال الغائب والمحجور عليه للمداهنة وهي الغش والأكل بالباطل وهؤلاء من أبغض المرائين إلى الله إذ جعلوا طاعته سلما إلى معصيته ثم قصد المباح كنكاح الشريفة ومصاهرة العابد فيظهر الزهد والخشوع لترغب الشريفة إلى ازدواجه أو العابد إلى تزويجه ابنته فيكون قد طلب بطاعة الله (تع) حظ النفس ومتاع الدنيا وفي الحديث القدسي ويل للذين يختلون الدنيا بالدين لكنه دون الأول لأن المطلوب مباح في نفسه ثم قصد التميز عن العامة لئلا ينظر إليه بعين النقص والحقارة كما ينظر إلى عوام الناس فيتظاهر بالصلاح ليعد من الخواص فيكرم اكرامهم ويتوقر في المشي في الأسواق والشوارع العامة وإن كان مستعجلا في حاجته لئلا يظن فيه الطيش والخفة فإن انقطعت المارة عن الطريق وصادف خلوة جرى على عجلته وإذا حس بأحد عاد إلى تؤدته ووقاره فهذه أقسام الرياء بدرجاتها وجميعها جالبة لمقت الله وغضبه وهو من أشد المهلكات ومن شدته أن فيه شوائب هي أخفى من دبيب النملة السوداء على الصخرة الملساء في الليلة الظلماء حتى أنه قد يخفى على المرائي نفسه كما أن من الأمراض الطبيعية ما قد يخفى على المريض نفسه فينبغي التنبه لذلك والاستدلال بالعلامات الدقيقة على حقيقة
(٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الطهارة 16
2 باب جرايم الجوارح 17
3 باب التوبة 24
4 باب التدارك 27
5 باب الحد والتعزير 28
6 باب الجناية 35
7 باب ذمايم القلب 40
8 باب الصبر 42
9 باب الحلم 45
10 باب النصيحة 47
11 باب حب الخمولة 49
12 باب التواضع 52
13 باب الفقر 57
14 باب الزهد 60
15 باب السخا 63
16 باب الرضا 65
17 باب الشكر 66
18 باب الرجاء والخوف 68
19 باب قصر الامل 70
20 باب النية 72
21 باب الاخلاص 75
22 باب الصدق 79
23 باب التوحيد والتوكل 80
24 باب تطهير السر عما سوى الله 83
25 باب الماء 88
26 باب الأخباث وتطهيرها 90
27 باب آداب التخلي 95
28 باب الاتفاث وازالتها 96
29 باب آداب التنظيف 97
30 باب الاحداث ورفعها 100
31 باب الوضوء 102
32 باب الغسل 104
33 باب التيمم 110
34 كتاب الصلاة 111
35 باب الشرايط 112
36 باب الأوقات 118
37 باب المكان 121
38 باب اللباس 125
39 باب القبلة 127
40 باب النداء 129
41 باب الهيئة 130
42 باب الآداب والسنن 132
43 باب المكروهات 135
44 باب وظائف يوم الجمعة والخطبتين 136
45 باب آداب العيدين وسننهما 137
46 باب آداب الآيات وسننها 138
47 باب الجماعة 139
48 باب الخلل 141
49 باب التعقيب 145
50 باب الدعاء 146
51 باب فضل قراءة القرآن 148
52 كتاب الزكاة 150
53 باب التعداد والشرايط 150
54 باب المقادير والنصب 153
55 باب المصرف 154
56 باب الأداء 155
57 باب الخمس 156
58 باب المعروف 158
59 باب آداب المعطى 159
60 باب آداب الآخذ 162
61 كتاب الصيام 163
62 باب الشرايط 165
63 باب الهيئة 167
64 باب الآداب 168
65 باب فوايد الجوع 173
66 باب الاعتكاف 174
67 كتاب الحج 175
68 باب الشرايط 177
69 باب الهيئة 178
70 باب المحرمات 181
71 باب الخلل 190
72 باب حرمة الحرم 195
73 باب الزيارات 196
74 كتاب الحسبة 198
75 باب الجهاد 198
76 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 201
77 باب إقامة الحدود 203
78 باب الفتيا 205
79 باب القضا 206
80 باب الشهادة 209
81 باب اخذ اللقيط 212
82 باب الحجر 212
83 كتاب البر 214
84 باب العطية 214
85 باب العتق 217
86 باب التدبير 219
87 باب الكتابة 220
88 باب النذر والعهد 220
89 باب اليمين 222
90 كتاب الكسب 224
91 باب الآداب 227
92 باب البيع 229
93 باب الربا 234
94 باب الشفعة 236
95 باب الشركة 237
96 باب القراض 238
97 باب الجعالة 240
98 باب الإجارة 242
99 باب المزارعة 244
100 باب المساقاة 245
101 باب احياء الموات 245
102 باب الغصب 248
103 باب اللقطة 250
104 باب السبق 251
105 باب الدين 252
106 باب الرهن 253
107 باب الضمان 254
108 باب الحوالة 255
109 باب الوكالة 256
110 باب الكفالة 257
111 باب الوديعة 258
112 باب الاقرار 259
113 باب الصلح 259
114 كتاب النكاح 260
115 باب التعداد والجدوى 260
116 باب المحارم 263
117 باب الولاية 271
118 باب العقد 272
119 باب الصداق 274
120 باب الخلوة 277
121 باب الحقوق 279
122 باب النشوز 281
123 باب الفسخ 282
124 باب الطلاق 284
125 باب الخلع والمباراة 286
126 باب الظهار 287
127 باب الايلاء 288
128 باب اللعان 289
129 باب العدد 290
130 باب الولد 294
131 باب القرابة 300
132 كتاب المعيشة 300
133 باب الطعام 301
134 باب الأكل 309
135 باب الشرب 312
136 باب الضيافة 313
137 باب اللباس 314
138 باب الطيب 315
139 باب المسكن 316
140 باب المنام 317
141 باب التحية 319
142 باب الكلام 321
143 باب الإخاء 326
144 باب المعاشرة 328
145 باب العزلة 333
146 باب الورد 335
147 باب السفر 338
148 كتاب الجنايز 343
149 باب المرض 343
150 باب الوصية 345
151 باب العيادة 346
152 باب الاحتضار 349
153 باب التغسيل 350
154 باب التكفين 351
155 باب التشييع والتربيع 353
156 باب الصلاة على الميت 354
157 باب الدفن 355
158 باب التعزية 357
159 باب الهدية للميت 357
160 باب زيارة القبر 358
161 كتاب الفرايض 358
162 باب الأسباب والطبقات 358
163 باب الموانع 360