التحفة السنية (مخطوط) - السيد عبد الله الجزائري - الصفحة ٧٤
والضرورة قاضية بأنه كثيرا ما نغفل عنها في أثناء الحركة ومع ذلك تصدر تلك الحركة من غير انقطاع ولا فتور خصوصا إذا كانت تلك الحركة مما اعتادته النفس وتمرنت فيه وظاهر أن الحركة الصادرة عن الإرادة الناشية من تصور النفع والغرض يطلق عليها في العرف أنها صادرة بنية تلك المنفعة وأنه عمل بنية وإن ذهل المتحرك في أثنائها عن تصورها وتصور الفعل لكن يكون بحيث لو رجع إلى نفسه لا ستشعر به ما لم تحدث له إرادة أخرى لاصدار تلك الحركة ناشية من تصور غرض آخر وكما يجوز الذهول في الأثناء مع بقاء الاشتغال بالحركة كذلك يمكن صدورها أيضا بالإرادة لغرض مع الذهول عنهما مفصلا في ابتداء الفعل أيضا إذا تصور الفعل والغرض في زمان سابق ولم تحدث إرادة أخرى والضرورة حاكمة أيضا بوقوع هذا الفرض عند ملاحظة حال الأفعال فحينئذ يجوز أن يصدر العمل لغرض الامتثال والقربة باعتبار تصوره وتصور ذلك الغرض في الزمان السابق وإن اتفق الذهول حين الشروع سيما أيضا في العاديات ولا دليل على البطلان في الفرضين مع صدق العمل بالنية فيهما فإن تمسكوا في اشتراط المقارنة بالاجماع فاثباته في غاية الاشكال إذ لم ينقل من القدماء شئ في أمر النية مطلقا وتحققه على وجه يكون حجة في أعصار الخائضين فيه يكاد يلحق بالمجالات نعم نقل الشهيد في الذكرى عن الجعفي أنه لا عمل إلا بنية ولا بأس إن تقدمت النية على العمل أو كانت معه وهذا تصريح بالخلاف عن المتقدمين ومن ثم عول أكثر المحققين من المتأخرين على سهولة أمرها جدا وأن الاستغراق فيها بهذه التدقيقات المحيرة للعوام مشغلة للقلب عما هو أهم منها من استشعار عظمة المعبود والتفكر في جلاله وكبريائه عز شأنه عند التلبس بالعبادة وفي أثنائها إذ ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه واعلم أن ما حكم به المصنف ومن وافقه من جزئية النية لا ينافي الشرطية التي ذكرها غيرهم فإن كلا من أجزاء المركب يمكن اعتباره شرطا عقليا من حيث إنه يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده الوجود وتسميتها جزء أجود لأنه أدل على مدخليتها في العبادة وألصق بما هو بضده من أنها أشرف الجزئين وخيرهما ففي المشهور المتفق عليه نية المؤمن خير من عمله وذلك لتوقف نفع العمل وهو استحقاق الثواب أو سقوط العقاب أو كلاهما عليها ابتداء واستدامة دون العكس فإن النية وحدها نافعة فعن أبي عبد الله (ع) إن العبد لينوي من نهاره أن يصلي بالليل فتغلبه عينه فينام فيثبت الله لصلاته ويكتب نفسه تسبيحا ويجعل نومه صدقة وعنه (ع) إن العبد المؤمن الفقير ليقول يا رب ارزقني حتى أفعل كذا وكذا من البر ووجوه الخير فإذا علم الله ذلك منه بصدق نية كتب الله له من الأجر مثل ما يكتب له لو عمله إن الله واسع كريم ولكون الغرض الأصل من العمل بالجوارح إنما هو تأثر القلب بسبب ما بينهما من الارتباط بالميل إليه (تع) والانصراف عن الغير وإلا فالأعمال الجسمانية بأنفسها ليست متعلقة لغرض التكليف ولا موجبة للوصول والزلفى إليه جل شأنه فإن السجود مثلا لم يقصد من حيث إنه وضع للجبهة على الأرض بل لأنه يؤكد صفة التواضع في القلب ويؤثر فيه بالعبودية المقربة إليه سبحانه كما قال الله (تع) لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم إذ كان العرب في الجاهلية يلطخون حيطان الكعبة بدماء القرابين فلما حج المسلمون هموا بمثل ذلك فنبههم الله بأن المقصود من القربان ليس اللحوم ولا الدماء ولا هما مما يوجب الوصلة إليه سبحانه ومناولة قربه ورضاه وإنما الموجب لها التقوى التي هي من أفعال القلوب ومن ثم أضيفت إليها في قوله عز وجل ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب والمراد ميلها عن حب الدنيا وبذلها ايثارا لوجه الله وهو الغرض المقصود من القربان وهذا التأثر قد يحصل عند جزم النية والهم وإن عاق عن العمل عائق وإنما الاتيان به يزيده تأكيدا ورسوخا وفي أسرار الأحكام الشرعية لمن عقلها شواهد متواردة على أصالة القصد وتبعية العمل له في الحكم ألا ترى إلى إثم المجامع امرأته المباحة على قصد أنها غيرها فإنه في حكم الزاني بخلاف المجامع غيرها على قصد أنها امرأته فإنه لا إثم عليه فانظر كيف انقلب الحلال حراما والحرام حلالا بسبب النية بل الفعل الواحد يكون طاعة ومعصية بالنية كلطم اليتيم للتأديب أو للتعذيب وفي الحديث أن رجلين قدما إلى خراسان فسئلا الرضا (ع) عن صلاتهما في الطريق فقال لأحدهما كان يجب عليك التقصير لأنك قصدتني وعلى صاحبك التمام لأنه قصد السلطان وما ذكر من الوجهين من أوجه ما قيل في حل الحديث وعن أبي عبد الله (ع) وقد سئل كيف تكون النية خيرا من العمل قال لأن العمل ربما كان رياءا للمخلوقين والنية خالصة لرب العالمين فيعطي عز وجل على النية ما لا يعطي على العمل الحديث وإليه يرجع ما قيل إن طبيعة النية خير من طبيعة العمل وفيه صراحة في معنى التفضيل وسقوط ما قيل من حمل الخبر على الصفة المشبهة والمراد أنها من جملة أعماله التي يثاب عليها وعن أبي جعفر وأبي عبد الله (ع) أن النية أفضل من العمل وأما الايراد بأن النية من أفعال القلوب فلا تكون عملا لأنه مختص بالعلاج فهو كما ترى وتمام الكلام في حاشية الأربعين وإذ قد عرفت أن النية هي القصد المخصوص المحرك إلى العمل فاعلم أنه لا يخلو عن قسمين خالص ومشوب لأن الباعث المنهض لآلات القدرة أما أمر واحد بسيط وهو الخالص ويسمى العمل الصادر عنه اخلاصا بالإضافة إلى الغرض المتصور كالقيام للاكرام الصادر ممن دخل عليه مستحقة بزعمه وأما متعدد وهو المشوب كالتصدق على الفقير للفقر والقرابة معا ومثاله من المحسوس أن يتعاون اثنان على حمل شئ بمقدار من القوة كافية في حمله لو انفردت وهو يتصور على وجهين فإنه إما أن لا يستقل شئ منهما بالانهاض كما لو تعاون ضعيفان على الحمل بحيث لو أنفرد أحدهما لم يطق و يعرف بالامتناع عند الانفراد فلو تعرض له الفقير الأجنبي أو القريب الغني لم يتصدق عليهما ولكن اجتماع السببين يدعوه إلى البذل ويسمى مشاركة الباعث أو يستقل أحدهما به وهذا أيضا على أحد وجهين لأنه إما أن يفرض كل منهما متساويا مع الآخر في السببية والتحريك كما لو تعاون قويان على الحمل ولو أنفرد به كل منهما أمكنه ذلك ولم يتعذر عليه ويسمى مرافقة الباعث أو متفاوتا بأن يكون أحدهما قويا مستقلا لو أنفرد بنفسه والثاني ضعيفا غير مستقل ولكن لما انضاف إليه لم ينفك عن تأثير بالإعانة والتسهيل ويسمى هذا معاونة فالباعث الثاني أما أن يكون شريكا أو رفيقا أو معاونا وهي أقسام النية المشوبة
(٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الطهارة 16
2 باب جرايم الجوارح 17
3 باب التوبة 24
4 باب التدارك 27
5 باب الحد والتعزير 28
6 باب الجناية 35
7 باب ذمايم القلب 40
8 باب الصبر 42
9 باب الحلم 45
10 باب النصيحة 47
11 باب حب الخمولة 49
12 باب التواضع 52
13 باب الفقر 57
14 باب الزهد 60
15 باب السخا 63
16 باب الرضا 65
17 باب الشكر 66
18 باب الرجاء والخوف 68
19 باب قصر الامل 70
20 باب النية 72
21 باب الاخلاص 75
22 باب الصدق 79
23 باب التوحيد والتوكل 80
24 باب تطهير السر عما سوى الله 83
25 باب الماء 88
26 باب الأخباث وتطهيرها 90
27 باب آداب التخلي 95
28 باب الاتفاث وازالتها 96
29 باب آداب التنظيف 97
30 باب الاحداث ورفعها 100
31 باب الوضوء 102
32 باب الغسل 104
33 باب التيمم 110
34 كتاب الصلاة 111
35 باب الشرايط 112
36 باب الأوقات 118
37 باب المكان 121
38 باب اللباس 125
39 باب القبلة 127
40 باب النداء 129
41 باب الهيئة 130
42 باب الآداب والسنن 132
43 باب المكروهات 135
44 باب وظائف يوم الجمعة والخطبتين 136
45 باب آداب العيدين وسننهما 137
46 باب آداب الآيات وسننها 138
47 باب الجماعة 139
48 باب الخلل 141
49 باب التعقيب 145
50 باب الدعاء 146
51 باب فضل قراءة القرآن 148
52 كتاب الزكاة 150
53 باب التعداد والشرايط 150
54 باب المقادير والنصب 153
55 باب المصرف 154
56 باب الأداء 155
57 باب الخمس 156
58 باب المعروف 158
59 باب آداب المعطى 159
60 باب آداب الآخذ 162
61 كتاب الصيام 163
62 باب الشرايط 165
63 باب الهيئة 167
64 باب الآداب 168
65 باب فوايد الجوع 173
66 باب الاعتكاف 174
67 كتاب الحج 175
68 باب الشرايط 177
69 باب الهيئة 178
70 باب المحرمات 181
71 باب الخلل 190
72 باب حرمة الحرم 195
73 باب الزيارات 196
74 كتاب الحسبة 198
75 باب الجهاد 198
76 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 201
77 باب إقامة الحدود 203
78 باب الفتيا 205
79 باب القضا 206
80 باب الشهادة 209
81 باب اخذ اللقيط 212
82 باب الحجر 212
83 كتاب البر 214
84 باب العطية 214
85 باب العتق 217
86 باب التدبير 219
87 باب الكتابة 220
88 باب النذر والعهد 220
89 باب اليمين 222
90 كتاب الكسب 224
91 باب الآداب 227
92 باب البيع 229
93 باب الربا 234
94 باب الشفعة 236
95 باب الشركة 237
96 باب القراض 238
97 باب الجعالة 240
98 باب الإجارة 242
99 باب المزارعة 244
100 باب المساقاة 245
101 باب احياء الموات 245
102 باب الغصب 248
103 باب اللقطة 250
104 باب السبق 251
105 باب الدين 252
106 باب الرهن 253
107 باب الضمان 254
108 باب الحوالة 255
109 باب الوكالة 256
110 باب الكفالة 257
111 باب الوديعة 258
112 باب الاقرار 259
113 باب الصلح 259
114 كتاب النكاح 260
115 باب التعداد والجدوى 260
116 باب المحارم 263
117 باب الولاية 271
118 باب العقد 272
119 باب الصداق 274
120 باب الخلوة 277
121 باب الحقوق 279
122 باب النشوز 281
123 باب الفسخ 282
124 باب الطلاق 284
125 باب الخلع والمباراة 286
126 باب الظهار 287
127 باب الايلاء 288
128 باب اللعان 289
129 باب العدد 290
130 باب الولد 294
131 باب القرابة 300
132 كتاب المعيشة 300
133 باب الطعام 301
134 باب الأكل 309
135 باب الشرب 312
136 باب الضيافة 313
137 باب اللباس 314
138 باب الطيب 315
139 باب المسكن 316
140 باب المنام 317
141 باب التحية 319
142 باب الكلام 321
143 باب الإخاء 326
144 باب المعاشرة 328
145 باب العزلة 333
146 باب الورد 335
147 باب السفر 338
148 كتاب الجنايز 343
149 باب المرض 343
150 باب الوصية 345
151 باب العيادة 346
152 باب الاحتضار 349
153 باب التغسيل 350
154 باب التكفين 351
155 باب التشييع والتربيع 353
156 باب الصلاة على الميت 354
157 باب الدفن 355
158 باب التعزية 357
159 باب الهدية للميت 357
160 باب زيارة القبر 358
161 كتاب الفرايض 358
162 باب الأسباب والطبقات 358
163 باب الموانع 360