التحفة السنية (مخطوط) - السيد عبد الله الجزائري - الصفحة ٨٥
محسن إلى الناس ولو في البلاد البعيدة التي لا مطمع للسامع في الوصول إليها فإنه يميل إليه بالقلب ويحبه ويدعو له بالخير وليس ذلك إلا بسبب الاحسان المحبوب بالطبع وهذا راجع إلى الثاني فإن الاحسان على هذا الوجه من أقوى أنواع الكمال المحبوب إلا أن المصنف تبع بعض السلف في افراده بالذكر وربما تتركب الأسباب فتقوى المحبة جدا مثل من له ولد عالم صالح جميل محسن إليه وإلى الناس وأقوى ما يمكن أن يفرض من صور التركيب ما يصدق في حقه تعالى ومن ثمة اصطلحوا على تسمية حبه سبحانه عشقا وذلك لأنه المفيض لأصل الوجود لجميع كمالاته ولا كمال حقيقيا إلا له تعالى ولا احسان إلا منه وإن كان الخلق وسايط مسخرين في ايصال بعضه تسخير القلم في يد الكاتب ومن وقع عليه الملك بأنعام يستوفيه فلا يليق أن يحب القلم ويشكره ويعده المنعم المحسن فإن المنعم المحسن هو الملك وإنما هذا القلم آلة من آلات الكتابة لا مدخل له في الانعام وإن حسن حبه من حيث إنه قلم للملك و منسوب إليه ولقد أحسن القائل برد رشاهم كدائي نكته در كار كرد بر سر خوان كه بنشستم خدا رزاق بود وربما تنفرد فتتفاضل مراتب المحبة المسببة عنها والأعلى في هذا المقام المحمود أن يحب الله لذاته فإنها الخالصة الباقية وهو من المواهب الإلهية لا مطمع فيها بالتعمل إلا أن التوغل في العلم والتفكر يرشحان القلب لأن تفاض عليه هذه الموهبة من المبدء الفياض إذ لا بخل فيه وإنما يتوقف الفيض على استعداد المفاض عليه ثم إن يحبه للكمال ثم الاحسان إليه وهذا الترتيب مرعي في سائر المحبات أيضا وإنما كانت المحبة الاحسانية أدنى لما فيها من شوب حض النفس وكونها عرضة للزوال بانقطاع سببها الذي يوشك أن ينقطع وأما الكمالية فإنها تشاركها في الأخير خاصة فإن الصالح قد ينقلب فاسقا والعادل ظالما دون الأول فمن ثم كانت أعلى منها والعلو المطلق لما خلص عن النقصين جميعا وآثارها المحمودة كثيرة والمذكور منها خمسة مترتبة ترتبها في التعشقات الصورية وهي الشوق والأنس والانبساط والقرب والاتصال وربما وربما يستنكر بعض هذه الألفاظ بادئ الرأي إلا أن لها معاني مقبولة قد عبر عنها في الكتاب والسنة بغير هذه بل وبهذه الألفاظ أيضا في بعض الأخبار و الأدعية المأثورة سيما المناجاة الإنجيلية الطويلة المروية عن سيد الساجدين صلوات الله عليه ودعاء عرفة المأثورة عن سيد الشهداء (ع) على أن المناقشة في اللفظ بعد وضوح المعنى ليس من دأب المحصلين وبيان ذلك مختصرا أن الشوق عبارة عن توقان النفس إلى محبوب حاضر من وجه غايب من وجه آخر كمن أنقطع عن معشوقه فإنه يشتاق إليه لأنه غايب عن نظره حاضر في ذهنه فلو طالت المفارقة حتى نسيه وغاب عن ذهنه أيضا فصار غايبا مطلقا لا يتصور أن يشتاق إليه كما لا يتصور أن يشتاق إلى من لم يره أصلا ومن لم يسمع بوصفه مطلقا وكذا لو حضر المعشوق عنده وصار حاضرا مطلقا فإنه لا يبقى شوق حينئذ إلا أنه يمكن أن يكون حضوره على وجه يراه في ظلمة أو من وراء ستر رقيق فإنه يتصور أن يكون مشتاقا إلى زوال تلك الظلمة أو ذلك الستر حتى يدركه على الوجه الأتم الأوضح لأن الحضور في الظلمة أو من وراء الستر لا يخلو عن غيبة ما وكذا يمكن أن يرى وجهه دون شعره أو شعره دون محاسنه أو كلامه أو مشيه فيشتاق إلى أن يحيط بادراكه بحيث لا يغيب عنه من أحواله شئ وفي مقام الشوق يتصور الوجهان جميعا فإن المعارف المنكشفة على المحبين لا تخلو عن شوب خفاء بظلمة الوهم وحجاب الغيب والخلوص عنهما بالكلية مما لا تيسر في دار الدنيا لأحد وإن تيسر أحيانا فلا يبقى و لا يدوم بل هو كالبرق الخاطف كما سبق نظيره وأبقى ما اتفق منه لأكمل الأولين والآخرين صلى الله عليه وآله ما سنح له في ليلة المعراج فأنى يطمع غيره في ذلك أيضا الأمور الإلهية لا نهاية لها وإنما ينكشف على العارف بعضها والبواقي مستورة عنه مجهولة عنده وهو يعلم وجودها ويتوق إلى معرفتها فلا يزال ينبعث قصده إلى استيضاح ما لم يتضح من المطلوب و استكمال الوضوح فيما اتضح منه اتضاحا ما وينزعج قلبه لذلك ويهيج إليه كما قال (تع) يسعى نورهم بين أيديهم وبايمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا وهذا هو الشوق وفي مناجاة داود (ع) أنه شمس خزانة الله سبحانه وهي القلب وإذا غلب عليه الشغف بمطالعة ما حضرة واتضح له من الجمال المكشوف غير ملتفت إلى ما ورائه من ما هو مغيب عنه استبشر القلب بما يلاحظه وسكن إليه وهذا هو الأنس وفي حديث مجاشع أن الطريق إليه الوحشة من النفس وإذا غلب الأنس ودام واستحكم ولم يشوشه قلق الشوق ولم ينغصه خوف البعد والحجاب أثمر ذلك نوعا من الخلاعة في الأقوال والأفعال والمناجات مع الله وهذا هو الانبساط وقد يكون منكرا بحسب الصورة لما فيه من رائحة الجرأة وقلة الهيبة وسوء الأدب ولكنه محتمل ممن أقيم مقام الأنس كقول موسى (ع) إن هي إلا فتنتك ومن لم يقم في ذلك المقام وأحب التشبه بهم في الفعل والكلام أدب على ذلك وغلظ عليه بما يليق كما غلظ على يونس (ع) لما أقيم مقام القبض والهيبة فأدب بالسجن في بطن الحوت في ظلمات ثلاث إلى أن نادى سبحانك لا إله إلا أنت إني كنت من الظالمين ونهى نبينا صلى الله عليه وآله أن يقتدي به فقيل له واصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم والجالس على بساط الانبساط موف بما سبق في الأزل من العهد القديم الذي بينه وبين الحق سبحانه في قوله ألست بربكم قالوا بلى وهو القرب والطريق إليه التباعد عن النفس كما في الحديث المذكور والقريب يلاحظ وجوده متصلا بالوجود الأحدي يقطع النظر عن تقييد وجوده بعينه واسقاط إضافته إليه فيرى اتصال
(٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الطهارة 16
2 باب جرايم الجوارح 17
3 باب التوبة 24
4 باب التدارك 27
5 باب الحد والتعزير 28
6 باب الجناية 35
7 باب ذمايم القلب 40
8 باب الصبر 42
9 باب الحلم 45
10 باب النصيحة 47
11 باب حب الخمولة 49
12 باب التواضع 52
13 باب الفقر 57
14 باب الزهد 60
15 باب السخا 63
16 باب الرضا 65
17 باب الشكر 66
18 باب الرجاء والخوف 68
19 باب قصر الامل 70
20 باب النية 72
21 باب الاخلاص 75
22 باب الصدق 79
23 باب التوحيد والتوكل 80
24 باب تطهير السر عما سوى الله 83
25 باب الماء 88
26 باب الأخباث وتطهيرها 90
27 باب آداب التخلي 95
28 باب الاتفاث وازالتها 96
29 باب آداب التنظيف 97
30 باب الاحداث ورفعها 100
31 باب الوضوء 102
32 باب الغسل 104
33 باب التيمم 110
34 كتاب الصلاة 111
35 باب الشرايط 112
36 باب الأوقات 118
37 باب المكان 121
38 باب اللباس 125
39 باب القبلة 127
40 باب النداء 129
41 باب الهيئة 130
42 باب الآداب والسنن 132
43 باب المكروهات 135
44 باب وظائف يوم الجمعة والخطبتين 136
45 باب آداب العيدين وسننهما 137
46 باب آداب الآيات وسننها 138
47 باب الجماعة 139
48 باب الخلل 141
49 باب التعقيب 145
50 باب الدعاء 146
51 باب فضل قراءة القرآن 148
52 كتاب الزكاة 150
53 باب التعداد والشرايط 150
54 باب المقادير والنصب 153
55 باب المصرف 154
56 باب الأداء 155
57 باب الخمس 156
58 باب المعروف 158
59 باب آداب المعطى 159
60 باب آداب الآخذ 162
61 كتاب الصيام 163
62 باب الشرايط 165
63 باب الهيئة 167
64 باب الآداب 168
65 باب فوايد الجوع 173
66 باب الاعتكاف 174
67 كتاب الحج 175
68 باب الشرايط 177
69 باب الهيئة 178
70 باب المحرمات 181
71 باب الخلل 190
72 باب حرمة الحرم 195
73 باب الزيارات 196
74 كتاب الحسبة 198
75 باب الجهاد 198
76 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 201
77 باب إقامة الحدود 203
78 باب الفتيا 205
79 باب القضا 206
80 باب الشهادة 209
81 باب اخذ اللقيط 212
82 باب الحجر 212
83 كتاب البر 214
84 باب العطية 214
85 باب العتق 217
86 باب التدبير 219
87 باب الكتابة 220
88 باب النذر والعهد 220
89 باب اليمين 222
90 كتاب الكسب 224
91 باب الآداب 227
92 باب البيع 229
93 باب الربا 234
94 باب الشفعة 236
95 باب الشركة 237
96 باب القراض 238
97 باب الجعالة 240
98 باب الإجارة 242
99 باب المزارعة 244
100 باب المساقاة 245
101 باب احياء الموات 245
102 باب الغصب 248
103 باب اللقطة 250
104 باب السبق 251
105 باب الدين 252
106 باب الرهن 253
107 باب الضمان 254
108 باب الحوالة 255
109 باب الوكالة 256
110 باب الكفالة 257
111 باب الوديعة 258
112 باب الاقرار 259
113 باب الصلح 259
114 كتاب النكاح 260
115 باب التعداد والجدوى 260
116 باب المحارم 263
117 باب الولاية 271
118 باب العقد 272
119 باب الصداق 274
120 باب الخلوة 277
121 باب الحقوق 279
122 باب النشوز 281
123 باب الفسخ 282
124 باب الطلاق 284
125 باب الخلع والمباراة 286
126 باب الظهار 287
127 باب الايلاء 288
128 باب اللعان 289
129 باب العدد 290
130 باب الولد 294
131 باب القرابة 300
132 كتاب المعيشة 300
133 باب الطعام 301
134 باب الأكل 309
135 باب الشرب 312
136 باب الضيافة 313
137 باب اللباس 314
138 باب الطيب 315
139 باب المسكن 316
140 باب المنام 317
141 باب التحية 319
142 باب الكلام 321
143 باب الإخاء 326
144 باب المعاشرة 328
145 باب العزلة 333
146 باب الورد 335
147 باب السفر 338
148 كتاب الجنايز 343
149 باب المرض 343
150 باب الوصية 345
151 باب العيادة 346
152 باب الاحتضار 349
153 باب التغسيل 350
154 باب التكفين 351
155 باب التشييع والتربيع 353
156 باب الصلاة على الميت 354
157 باب الدفن 355
158 باب التعزية 357
159 باب الهدية للميت 357
160 باب زيارة القبر 358
161 كتاب الفرايض 358
162 باب الأسباب والطبقات 358
163 باب الموانع 360