التحفة السنية (مخطوط) - السيد عبد الله الجزائري - الصفحة ٨١
الصوفية الفناء في التوحيد فإنه من حيث لا يرى إلا واحدا لا يرى نفسه أيضا ويقال إن القائل ليس في جبتي سوى الله إنما عنى هذه المرتبة من التوحيد إذ نفى نفسه وأثبت ربه كما قال القائل انرا كه فنا شيوه وفقرايين است ني كشف ويقين نه معرفت ني دين است رفت أو زميان همه خدا ماند خدا الفقر إذا تم هو الله أين است وبهذا يفرق بينه وبين من قال إنا ربكم الأعلى وما علمت لكم من إله غيري إذا ثبت هذا نفسه و نفى ربه واستيفاء القول في هذه المرتبة مما لا يهم في المطلوب إذ هي فوق التوكل والمرتبط بالتوكل إنما هو ما قبلها كما مر فمن أيقن أنه لا فاعل إلا الله وأن كل ما هو موجود من خلق ورزق وعطاء ومنع وحياه و موت وغنى وفقر إلى غير ذلك فالمتفرد بابداعه واختراعه هو الله وحده لا شريك له كان منه خوفه وإليه رجاؤه وبه ثقته وعليه اتكاله من غير نظر ولا التفات إلى غيره والالتفات إلى الغير يكون لأحد سببين أما لضعف اليقين بالتوحيد المذكور بحيث لا يقوى على رفعه بالكلية أما لتطرق الشك بسبب ما يشاهد من الأغيار من أفعالهم الاختيارية فيختلج بالبال أنه كيف يكون الكل من الله وهذا الانسان يعطيك رزقك باختياره فإن شاء أعطاك وإن شاء منعك وهذا قادر عليك إن شاء قتلك وإن شاء عفى عنك ونحو ذلك وهذا إشارة إلى وجود المانع أو عدم غلبة اليقين بحيث يثبت له الاستيلاء على القلب وهذا إشارة إلى نقص المقتضي وهما يكونان غالبا في بداية الحال قبل تمام التحصيل ويرجى زوالهما بالرياضة والاستكمال وأما للضعف الجبلي والخور الفطري في القلب بسبب الأوهام الغالبة عليه بحيث لا يرجى اصلاح حاله وإن بولغ في رياضته وتكميله ما بولغ فإن القلب قد ينزعج تبعا للوهم وطاعة له من غير نقصان في اليقين كالجبان مطيع الوهم فإنه ربما لا يطيق البيتوتة في بيت خال وثيق الأغلال مع يقينه بأنه لا عدو ثمة أو في بيت فيه ميت مع يقينه بأنه جماد لا حراك به وعدم نفرته عن سائر الجمادات فالتوكل لا يتم إلا بقوة القلب وقوة اليقين جميعا إذ بهما يحصل سكون القلب و طمأنينته وكم من يقين لا طمأنينة معه كما قال سبحانه لخليله أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي فالتمس أن يشاهد احياء الميت بعينه ليثبت اليقين في خياله فإن النفس تتبع الخيال وتطمئن به ولا تطمئن باليقين في أوائل الحال وإنما تصير مطمئنة في أواخرها وأدنى رتب التوكل أن يعتمد المتوكل على الله اعتماد الموكل على الوكيل الذي يختاره لكفاية مهم من مهماته عنه فإنه لا يستريح إليه إلا بعد الوثوق لشفقته لتكون باعثة له على بذل كل المجهود في نصرته ورعايته وقدرته على انجاح ذلك المهم على وجه تقتضيه مصلحة الحال بحيث لا يمنعه جبن ولا حياء أو صارف أخر من الصوارف المضعفة للقلب عن إقامة المصلحة والاصرار عليها وعلمه بمواقع الصلاح والفساد حتى لا يخفى عليه من غوامض الأمر الموكل فيه شئ أصلا لئلا يغلبه الخصم بالتلبيس أو يخبط هو بجهله فإذا أيقن الموكل بهذه الخصال الثلاث في وكيله قوى وكوله عليه ومهما شك في شئ منها أو ضعف يقينه به ضعف الوكول وقل الاعتماد واضطربت النفس على حسبه وهذا بعينه حال المتوكل في قوة يقينه أو ضعفه بعلمه (تع) وقدرته وعنايته بعباده واختلاف توكله قوة وضعفا بحسب ذلك ثم إن يعتمد عليه اعتماد الطفل الصغير على الأم فإنه لا يعرف غيرها ولا يفزع إلى سواها فإن رآها تعلق بذيلها وإن نابه أمر في غيبتها كان أول سابق إلى لسانه وخاطرة ذكرها فإنها مفزعة أو وثق بكفالتها وكفايتها وشفقتها ثقة ليست خالية عن نوع ادراك بالتميز الذي له ولو طولب بتفصيل هذه الخصال لم يقدر على تلفيق لفظها ولا على احضارها مفصلة في ذهنه فمن كان تألهه إلى الله ونظره إليه كلف به كما يكلف الصبي بأمه فيكون متوكلا وهذه تفارق الأولى بوجهين أحدهما عدم الالتفات إلى الاعتماد فإن هذا المتوكل قد فنى في توكله عن توكله فلا التفات له إلا إلى المتوكل عليه فقط استغراقا به عن غيره كاستغراق الصبي بالأم بخلاف الأول فإن له التفاتا إلى توكله وذلك شغل صارف عن ملاحظة المتوكل عليه وحده والآخر ترك التدبير فإن الصبي لا يرى لنفسه مع الأم مصلحة بل مفوض أمره كله إليها وأما الموكل فإنه ربما يشير على الوكيل ويعرفه وجوه المصالح ويأمره بالتحفظ عليها ثم إن يكون بين يدي الله في حركاته وسكناته كالميت بين يدي الغسال لا يفارقه إلا في أنه يرى نفسه ميتا وتحركه القدرة الأزلية كما تحرك يد الغاسل الميت وهو الذي قوى يقينه بأنه (تع) مجري الحركة والقدرة والعلم والإرادة وسائر الصفات فيكون عين الانتظار لما يجري عليه وهذه تفارق الثانية بترك الالتفات مطلقا فإن الصبي يفزع إلى أمه ويصيح ويتعلق بذيلها ويعدو خلفها والميت لا حراك به بل مثال هذا مثال صبي علم أنه وإن لم يزعق بأمه فالأم تطلبه وإن لم يتعلق بذيلها فهي تحمله وإن لم يسأل اللبن فهي تفاتحه وتسقيه وهذه المرتبة من التوكل تثمر ترك الدعاء والسؤال ثقة منه بكرمه (تع) وعنايته وهي أندر وقوعا من الأولتين وأقل بقاء منهما لأن حصول اليقين المؤدي إليها نادر جدا وإذا حصل كان كالبرق الخاطف لا مطمع في دوامه فهي تشبه صفرة الوجل وحمرة الخجل ثم الثانية فهي كصفرة المحموم قد تدوم يوما أو يومين ثم الأولى فهي كصفرة مريض استحكم مرضه فلا يبعد أن يدوم ولا يبعد أن يزول وعن سهل أنه سئل عن التوكل ما أدناه قال ترك الأماني قيل ما وسطه قال ترك الاختيار قيل فما أعلاه فلم يذكره قال لا يعرفه إلا من بلغ أوسطه إشارة إلى عزة مثالها وبعدها عن الأفهام العامية لندرة وقوعها وعدم أنسهم بها و جداوة حبه (تع) كما قال عز من قائل إن الله يحب المتوكلين وكمال الايمان كما قال وعلى الله توكلوا إن كنتم مؤمنين والتفرغ للعبادة بالاعراض عن الالتفات إلى ما يشغل عنها وكفايته (تع) فعن أبي عبد الله (ع) من أعطى التوكل أعطى الكفاية ثم قال أتلوت كتاب الله عز وجل ومن يتوكل على الله فهو حسبه وعن النبي صلى الله عليه وآله لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا أي تخرج جياعا وتعود شباعا والطريق إليه في باب الرزق والكسب أن يعلم أمورا بالنظر في مقدماتها أحدها أن المقدر المقسوم في علم الله الأزلي لا يتغير بعلاجات المخلوقين وتدبيراتهم مما لم يثبت أن لها مدخلا في البدا فلا يترتب عليه فائدة والثاني
(٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الطهارة 16
2 باب جرايم الجوارح 17
3 باب التوبة 24
4 باب التدارك 27
5 باب الحد والتعزير 28
6 باب الجناية 35
7 باب ذمايم القلب 40
8 باب الصبر 42
9 باب الحلم 45
10 باب النصيحة 47
11 باب حب الخمولة 49
12 باب التواضع 52
13 باب الفقر 57
14 باب الزهد 60
15 باب السخا 63
16 باب الرضا 65
17 باب الشكر 66
18 باب الرجاء والخوف 68
19 باب قصر الامل 70
20 باب النية 72
21 باب الاخلاص 75
22 باب الصدق 79
23 باب التوحيد والتوكل 80
24 باب تطهير السر عما سوى الله 83
25 باب الماء 88
26 باب الأخباث وتطهيرها 90
27 باب آداب التخلي 95
28 باب الاتفاث وازالتها 96
29 باب آداب التنظيف 97
30 باب الاحداث ورفعها 100
31 باب الوضوء 102
32 باب الغسل 104
33 باب التيمم 110
34 كتاب الصلاة 111
35 باب الشرايط 112
36 باب الأوقات 118
37 باب المكان 121
38 باب اللباس 125
39 باب القبلة 127
40 باب النداء 129
41 باب الهيئة 130
42 باب الآداب والسنن 132
43 باب المكروهات 135
44 باب وظائف يوم الجمعة والخطبتين 136
45 باب آداب العيدين وسننهما 137
46 باب آداب الآيات وسننها 138
47 باب الجماعة 139
48 باب الخلل 141
49 باب التعقيب 145
50 باب الدعاء 146
51 باب فضل قراءة القرآن 148
52 كتاب الزكاة 150
53 باب التعداد والشرايط 150
54 باب المقادير والنصب 153
55 باب المصرف 154
56 باب الأداء 155
57 باب الخمس 156
58 باب المعروف 158
59 باب آداب المعطى 159
60 باب آداب الآخذ 162
61 كتاب الصيام 163
62 باب الشرايط 165
63 باب الهيئة 167
64 باب الآداب 168
65 باب فوايد الجوع 173
66 باب الاعتكاف 174
67 كتاب الحج 175
68 باب الشرايط 177
69 باب الهيئة 178
70 باب المحرمات 181
71 باب الخلل 190
72 باب حرمة الحرم 195
73 باب الزيارات 196
74 كتاب الحسبة 198
75 باب الجهاد 198
76 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 201
77 باب إقامة الحدود 203
78 باب الفتيا 205
79 باب القضا 206
80 باب الشهادة 209
81 باب اخذ اللقيط 212
82 باب الحجر 212
83 كتاب البر 214
84 باب العطية 214
85 باب العتق 217
86 باب التدبير 219
87 باب الكتابة 220
88 باب النذر والعهد 220
89 باب اليمين 222
90 كتاب الكسب 224
91 باب الآداب 227
92 باب البيع 229
93 باب الربا 234
94 باب الشفعة 236
95 باب الشركة 237
96 باب القراض 238
97 باب الجعالة 240
98 باب الإجارة 242
99 باب المزارعة 244
100 باب المساقاة 245
101 باب احياء الموات 245
102 باب الغصب 248
103 باب اللقطة 250
104 باب السبق 251
105 باب الدين 252
106 باب الرهن 253
107 باب الضمان 254
108 باب الحوالة 255
109 باب الوكالة 256
110 باب الكفالة 257
111 باب الوديعة 258
112 باب الاقرار 259
113 باب الصلح 259
114 كتاب النكاح 260
115 باب التعداد والجدوى 260
116 باب المحارم 263
117 باب الولاية 271
118 باب العقد 272
119 باب الصداق 274
120 باب الخلوة 277
121 باب الحقوق 279
122 باب النشوز 281
123 باب الفسخ 282
124 باب الطلاق 284
125 باب الخلع والمباراة 286
126 باب الظهار 287
127 باب الايلاء 288
128 باب اللعان 289
129 باب العدد 290
130 باب الولد 294
131 باب القرابة 300
132 كتاب المعيشة 300
133 باب الطعام 301
134 باب الأكل 309
135 باب الشرب 312
136 باب الضيافة 313
137 باب اللباس 314
138 باب الطيب 315
139 باب المسكن 316
140 باب المنام 317
141 باب التحية 319
142 باب الكلام 321
143 باب الإخاء 326
144 باب المعاشرة 328
145 باب العزلة 333
146 باب الورد 335
147 باب السفر 338
148 كتاب الجنايز 343
149 باب المرض 343
150 باب الوصية 345
151 باب العيادة 346
152 باب الاحتضار 349
153 باب التغسيل 350
154 باب التكفين 351
155 باب التشييع والتربيع 353
156 باب الصلاة على الميت 354
157 باب الدفن 355
158 باب التعزية 357
159 باب الهدية للميت 357
160 باب زيارة القبر 358
161 كتاب الفرايض 358
162 باب الأسباب والطبقات 358
163 باب الموانع 360