التحفة السنية (مخطوط) - السيد عبد الله الجزائري - الصفحة ٦٠
وللأخذ بصيغة المصدر آداب يأتي ذكرها في باب مفرد في موضعها الأليق من كتاب الزكاة (انش تع) باب الزهد وهو لغة ضد الرغبة كما تقدم ومنه قوله (تع) وكانوا فيه من الزاهدين وعرفا عزوف القلب بضم الفاء أي انصرافه عن رغائب الدنيا رغبة إلى رغائب الآخرة طوعا فههنا قيود آ انصراف القلب فلو صرف يده عنها وقلبه متعلق بها لم يكن زاهدا بل هو متزهد كما سيأتي ولو أنصرف قلبه عنها وهي في يده كان زاهدا فالملاك القلب ولا يعبؤ باليد أو الفعل منصوب بأن المقدرة عطفا على المصدر كما في قوله للبس عباءة وتقر عيني فيكون من تتمة الحد ويكون المعنى عدم الاكتراث بما في اليد من عروض الدنيا كما روي عن أبي عبد الله (ع) ليس الزهد في الدنيا بإضاعة المال ولا تحريم الحلال بل الزهد في الدنيا أن لا تكون بما في يدك أوثق منك بما عند الله عز وجل ب أن يكون المنصرف عنه مرغوبا له بالطبع فالمنصرف عما لا يرغب إليه طبعه لا يسمى زاهدا بالنسبة إليه وإن كان مرغوبا لغيره ج أن يكون ذلك رغبة إلى الآخرة فالعازف عن رغائب الدنيا أو بعضها استراحة عن متاعبها أو لغير ذلك من الأغراض الدنيوية كبعض المرتاضين ليس زاهدا د أن يكون بالطوع والاختيار فتارك ما لا قدرة له عليه المأيوس من حصوله لا يسمى زاهدا ومن ثمة قال بعض المشايخ لما قيل له يا زاهد لست زاهدا إنما الزاهد عمر بن عبد العزيز حيث أقبلت عليه الدنيا فأعرض عنها ثم إن كان المعزوف عنه جميع رغائب الدنيا فزهد مطلق وإن كان بعضها دون بعض فزهد مبعض كالتوبة المبعضة وصاحبه زاهد حريض باعتبارين وهو ينشأ من العلم بأن المرغوب عنه حقير بالنسبة إلى المرغوب إليه كعلم التاجر بأن العوض خير من المبيع فمن قوى يقينه بأن ما عند الله باق وأن الآخرة خير وأبقى وأن ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقها إلا الصابرون اشتاقت نفسه إلى الآخرة وعزفت عن الدنيا ومن ثمة سماه الله بيعا في قوله عز وجل إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التورية والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم ولا يحتاج من العلم في الزهد إلا إلى هذا القدر وقد يعلم ذلك من لا يزهد إما لضعف يقينه أو لاستيلاء الشهوة عليه في الحال فيغتر بمواعيد الشيطان في التسويف إلى أن يختطفه أحد الخطرين المتقدم بيانهما ويثمر العلم المقصود لذاته وهو النور الإلهي المقذوف في قلب من يريد الله أن يهديه وفي الحديث النبوي من أراد أن يؤتيه الله علما بغير تعلم وهدى بغير هداية فليزهد في الدنيا وقد تقدم فيه أنه علامة ذلك النور وعبر عنه بالتجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود والتهيؤ للموت قبل نزوله وعن أبي عبد الله (ع) من زهد في الدنيا أثبت الله الحكمة في قلبه وأنطق بها لسانه الحديث والفراغ للعبادة فإن المتعلق بالدنيا في شغل شاغل فإن الوجيه متفرق الهم مشغول القلب بصيانة جاهه والمحافظة على سد الأبواب التي يدخل عليها الخلل من جهتها والمميل أكثرهما واشغل قلبا فصاحب الضيعة يمسي ويصبح متفكرا في خصومة الفلاح ومحاسبته وخيانته وخصومة الشركاء ومنازعتهم في الماء والحدود وخصومة أعوان السلاطين في الخراج والاجراء في التقصير في العمارة وصاحب التجارة في خيانة شريكه وكساد سلعته ومماطلة معامليه ومخاطرة قافلته من اللصوص وكذا صاحب الحيوان والزراعة وغيرها من الحرف والصناعات والمحروم منهما محترق الفؤاد بنيران الحسرة والحسد وتنفس الصعداء وسوء الحال والنكد فأين فرصة العبادة أو القلب الفارغ لها وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه وعن أبي عبد الله (ع) إنما أرادوا بالزهد في الدنيا لتفرغ قلوبهم للآخرة و ادراك حلاوتها كما سبق في التوبة وعنه (ع) أنه حرام على قلوبكم أن تعرف حلاوة الايمان حتى تزهد في الدنيا وقال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لا يجد الرجل حلاوة الايمان في قلبه حتى لا يبالي من أكل الدنيا وقال عيسى (ع) بحق أقول لكم كما ينظر المريض إلى الطعام فلا يلتذ به من شدة المرض كذلك صاحب الدنيا لا يلتذ بالعبادة ولا يجد حلاوتها مع ما يجد من حب الدنيا الحديث وتعظيم قدرها بالاهتمام بها والتشوق إليها و والتهيؤ لها قبل دخول وقتها والقيام بآدابها وكمالاتها واليقين بأن التوفيق لها نعمة مشكورة من الله لأنها تعريض للثواب ومحبة الله بالإضافة إلى الفاعل أو المفعول ففي الحديث النبوي أزهد في الدنيا يحبك الله وعن أبي عبد الله (ع) إذا تخلى المؤمن من الدنيا سما ووجد حلاوة حب الله وكان عند أهل الدنيا كأنه قد خولط وإنما خالط القوم حلاوة حب الله فلم يشتغلوا بغيره فهذه ثمرات الزهد وخصايصه أو الأخيرة خاصة فإنها لا تحصل إلا بدوام الذكر والفكر غالبا الممتنعين مع الشغل بالدنيا فالزهد فيها رفع للمانع والدنيا والآخرة عبارة عن جملة حالات القلب فالقريبة الدانية منها هي الدنيا وهي الحالات التي قبل الموت والمتراخية المتأخرة هي الآخرة وهي الحالات التي بعده لكن جميع الحالات الدانية ليست من الدنيا المذمومة التي يزهد فيها مطلقا بل تنقسم أولا إلى اختيارية وغيرها وغير الاختيارية لا تحمد ولا تذم سواء كان للنفس رغبة إليها كالعافية وسعة الرزق أو عنها كالمحن والشدائد والاختيارية تنقسم أقساما منها أمور حاضرة تميل إليها النفس وتستلذها مما لا منفعة لها بعد الموت سواء كانت لها مضرة كالتلذذ بالمعاصي والمحرمات أم لا كالتنعم بفضول المباحات فإنها لا تستتبع عقابا وإن كانت محرمة عن فضل كثير وهذا من المذموم المزهود فيه و منها أمور عاجلة يؤتى بها في الحياة وتظهر ثمرتها بعد الممات وهي الأعمال الصالحة وما لا بد فيها من العلوم سواء كان للنفس بها لذة أم لا فإن العابد قد يأنس بعبادته ويستلذها بحيث يهجر فيها النوم والنكاح والطعام لأنها أشهى عنده من الجميع ولو منع عنها لكان ذلك أشد النكايات عليه قال بعضهم ما أخاف من الموت إلا لأنه يحول بيني وبين قيام الليل وكذا العالم بعلمه وكان بعضهم إذا انكشف له شئ من العلم ينادي أين أبناء الملوك من هذه اللذات ومنها ما يتوسط بين القسمين وهي الحظوظ العاجلة
(٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الطهارة 16
2 باب جرايم الجوارح 17
3 باب التوبة 24
4 باب التدارك 27
5 باب الحد والتعزير 28
6 باب الجناية 35
7 باب ذمايم القلب 40
8 باب الصبر 42
9 باب الحلم 45
10 باب النصيحة 47
11 باب حب الخمولة 49
12 باب التواضع 52
13 باب الفقر 57
14 باب الزهد 60
15 باب السخا 63
16 باب الرضا 65
17 باب الشكر 66
18 باب الرجاء والخوف 68
19 باب قصر الامل 70
20 باب النية 72
21 باب الاخلاص 75
22 باب الصدق 79
23 باب التوحيد والتوكل 80
24 باب تطهير السر عما سوى الله 83
25 باب الماء 88
26 باب الأخباث وتطهيرها 90
27 باب آداب التخلي 95
28 باب الاتفاث وازالتها 96
29 باب آداب التنظيف 97
30 باب الاحداث ورفعها 100
31 باب الوضوء 102
32 باب الغسل 104
33 باب التيمم 110
34 كتاب الصلاة 111
35 باب الشرايط 112
36 باب الأوقات 118
37 باب المكان 121
38 باب اللباس 125
39 باب القبلة 127
40 باب النداء 129
41 باب الهيئة 130
42 باب الآداب والسنن 132
43 باب المكروهات 135
44 باب وظائف يوم الجمعة والخطبتين 136
45 باب آداب العيدين وسننهما 137
46 باب آداب الآيات وسننها 138
47 باب الجماعة 139
48 باب الخلل 141
49 باب التعقيب 145
50 باب الدعاء 146
51 باب فضل قراءة القرآن 148
52 كتاب الزكاة 150
53 باب التعداد والشرايط 150
54 باب المقادير والنصب 153
55 باب المصرف 154
56 باب الأداء 155
57 باب الخمس 156
58 باب المعروف 158
59 باب آداب المعطى 159
60 باب آداب الآخذ 162
61 كتاب الصيام 163
62 باب الشرايط 165
63 باب الهيئة 167
64 باب الآداب 168
65 باب فوايد الجوع 173
66 باب الاعتكاف 174
67 كتاب الحج 175
68 باب الشرايط 177
69 باب الهيئة 178
70 باب المحرمات 181
71 باب الخلل 190
72 باب حرمة الحرم 195
73 باب الزيارات 196
74 كتاب الحسبة 198
75 باب الجهاد 198
76 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 201
77 باب إقامة الحدود 203
78 باب الفتيا 205
79 باب القضا 206
80 باب الشهادة 209
81 باب اخذ اللقيط 212
82 باب الحجر 212
83 كتاب البر 214
84 باب العطية 214
85 باب العتق 217
86 باب التدبير 219
87 باب الكتابة 220
88 باب النذر والعهد 220
89 باب اليمين 222
90 كتاب الكسب 224
91 باب الآداب 227
92 باب البيع 229
93 باب الربا 234
94 باب الشفعة 236
95 باب الشركة 237
96 باب القراض 238
97 باب الجعالة 240
98 باب الإجارة 242
99 باب المزارعة 244
100 باب المساقاة 245
101 باب احياء الموات 245
102 باب الغصب 248
103 باب اللقطة 250
104 باب السبق 251
105 باب الدين 252
106 باب الرهن 253
107 باب الضمان 254
108 باب الحوالة 255
109 باب الوكالة 256
110 باب الكفالة 257
111 باب الوديعة 258
112 باب الاقرار 259
113 باب الصلح 259
114 كتاب النكاح 260
115 باب التعداد والجدوى 260
116 باب المحارم 263
117 باب الولاية 271
118 باب العقد 272
119 باب الصداق 274
120 باب الخلوة 277
121 باب الحقوق 279
122 باب النشوز 281
123 باب الفسخ 282
124 باب الطلاق 284
125 باب الخلع والمباراة 286
126 باب الظهار 287
127 باب الايلاء 288
128 باب اللعان 289
129 باب العدد 290
130 باب الولد 294
131 باب القرابة 300
132 كتاب المعيشة 300
133 باب الطعام 301
134 باب الأكل 309
135 باب الشرب 312
136 باب الضيافة 313
137 باب اللباس 314
138 باب الطيب 315
139 باب المسكن 316
140 باب المنام 317
141 باب التحية 319
142 باب الكلام 321
143 باب الإخاء 326
144 باب المعاشرة 328
145 باب العزلة 333
146 باب الورد 335
147 باب السفر 338
148 كتاب الجنايز 343
149 باب المرض 343
150 باب الوصية 345
151 باب العيادة 346
152 باب الاحتضار 349
153 باب التغسيل 350
154 باب التكفين 351
155 باب التشييع والتربيع 353
156 باب الصلاة على الميت 354
157 باب الدفن 355
158 باب التعزية 357
159 باب الهدية للميت 357
160 باب زيارة القبر 358
161 كتاب الفرايض 358
162 باب الأسباب والطبقات 358
163 باب الموانع 360