التحفة السنية (مخطوط) - السيد عبد الله الجزائري - الصفحة ٦١
التي لها مدخل في الأعمال الصالحة كقدر الحاجة من الطعام والمسكن ونحوهما من ضرورات التعيش في الدنيا وما لا بد منه فيها وهذا إن أريد به حيثية الحظ العاجل التحق بالدنيا وإن أريد حيثية المعونة على العبادة التحق بالعبادة وقد عد التعرض للرزق من العبادة وفي الحديث النبوي العبادة سبعون جزءا أفضلها طلب الحلال والعبادة وإن كانت معدودة من الدنيا بوجه كما في الحديث النبوي حبب إلي من دنياكم ثلاث النساء والطيب وقرة عيني في الصلاة إلا أنها بأنواعها العلمية والعملية وكذا ما لا بد منه فيها بوجه أقوى معدودة من الآخرة لأنها لها وعن أبي عبد الله (ع) أنه قال له رجل والله إنا لنطلب الدنيا ونحب أن نأتيها فقال تحب أن تصنع بها ماذا قال أعود بها على نفسي وعيالي وأصل بها وأتصدق بها وأحج واعتمر فقال ليس هذا طلب الدنيا هذا طلب الآخرة ولخروجها عما جمع من الأمور الخمسة محصورة فيها الحياة الدنيا في قوله عز وجل إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد بين سبحانه أن ما لا يتوصل به من أمور الدنيا إلى سعادة الآخرة أمور وهمية عديمة النفع سريعة الزوال وإنما هي لعب يتعب الناس به أنفسهم أتعاب الصبيان في الملاعب من غير فائدة ولهو يلهون به أنفسهم عما يهمهم وزينة من ملابس شهية ومراكب بهية ومنازل رفيعة ونحو ذلك وتفاخر بالأنساب والاحتساب و تكاثر بالعدد والعدد فهذه هي أحوال الدنيا بأجمعها مما لا يتعلق منها بالآخرة مترتبة في الذكر ترتب مرورها على الانسان غالبا فإن أول ما يظهر في الصبي في مبدأ تمييزه وحركته واستقلاله غرائزه بها يستلذ اللعب حتى يكون ذلك عنده ألذ الأشياء ثم يظهر فيه بعد ذلك استلذاذ اللهو واستماع الأشعار والأقاصيص وركوب الدواب الفارهة فيستخف معها اللعب بل يستهجنه ثم يظهر فيه بعد ذلك لذة الزينة بالنساء والمنزل والخدم فيستحقر ما سواها ثم يظهر فيه بعد ذلك لذة الجاه والرياسة ومباهات الأقران ومفاخرة الأكفاء ثم لذة التكاثر من الأموال وجمعها والاستظهار بالأعوان والأتباع والأولاد وهذه آخر لذات الدنيا ثم قد يظهر بعد ذلك لذة العلم بالله وقربه ومحبته والقيام بوظائف عباداته وترويح الروح بمناجاته فيستحقر معها جميع اللذات السابقة ويتعجب من المنهمكين فيها وكما أن طالب المال والجاه يضحك من لذة الصبي باللعب بالجوز مثلا كذلك صاحب المعرفة يضحك من طالب المال والجاه ويسخر به وكذا أصحاب المعرفة بعضهم من بعض بحسب تفاوتهم في مراتبها وفوق كل ذي علم عليم ومتاعها الذي هو موضوع هذه الأحوال الخمسة ما جمع من الأمور السبعة في قوله (تع) زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام و الحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب واختلف في المزين فقيل هو الله إذ خلق الانسان على جبلة الشهوة لها ابتداء كما قال إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا و قيل بل الشيطان لأنه (تع) قد ذم الدنيا وقبح شهواتها فلم يكن مزينا لها وقيل ما يحسن منها فمن الله وما يقبح من الشيطان والشهوات هي المشتهيات وسميت شهوات مبالغة وايماء إلى أنهم انهمكوا في محبتها حتى أحبوا شهواتها كقوله (تع) حكاية عن سليمان إني أحببت حب الخير والقنطار قيل المال الكثير وفي الحديث أنه ملأ مسك ثور ذهبا والمقنطرة مأخوذة منه للتأكيد كقولهم ألف مؤلفة والمسومة المعلمة بالغرة والتحجيل أو المرعية والأنعام الإبل والبقر والغنم والحرث الزرع والنبات قيل وإنما لم يذكر الدور والقصور لأنها لم تكن معتادة عند العرب والمعدودات أنواع الشهوة وقد أجملها الله تحت الجنس معبرا عنه بالهوى في قوله عز وجل وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى والشغل بها على وجهين أحدهما وهو الأصل حب حظوظها باطنا ويندرج فيه جميع الصفات القلبية المتعلقة بالدنيا كالكبر والحقد والحسد والرياء والسمعة وسوء الظن والحرص وغيرها وهي الدنيا الباطنة ومنه ينشأ الوجه الآخر و هو الحركة إلى تحصيلها ظاهرا بأنواع الحيل والعلاجات المرتبطة بعضها ببعض الصارفة لذويها عن الله المستغرقة لجميع أوقاتهم وحواسهم حتى نسوا ما ذكروا به وكان عاقبة أمرهم خسرا ومشاعل الدنيا متواصلة متلازمة يجر قليلها إلى الكثير وصغيرها إلى الكبير ولا ينبئك مثل خبير و علاج حبها نوعان من العلم أحدهما معرفة الرب وحكمته في خلق الأمتعة المذكورة ومعرفة النفس والحكمة في ركوز حبها في الجملة في جبلتها فإنها إنما خلقت ليتمتع بها السالك في وجهته إلى الله الذي هو غاية مقاصد السايرين كما قال عز وجل وأن إلى ربك المنتهى وإلا إلى الله تصير الأمور فهي أشبه شئ لعلف الدابة في طريق الحج فإن البدن الذي هو مركب النفس لا يقوم إلا بمطعم وملبس فلا بد منهما بقدر الحاجة والاشتغال بالزيادة نظير توقف الحاج في منازل الطريق لجمع أنواع الحشيش وادخارها وتحصيل الماء البارد للناقة والجلال الملونة واشتغاله بذلك حتى يفوت الوقت والقافلة وهو غافل عن الحج ومرور القافلة وبقائه في البادية وحيدا فريسة للسباع هو وناقته والحاج البصير لا يهمه من أمر الناقة إلا القدر الذي تقوى به على المشي فيتعهدها وقلبه إلى الكعبة والحجاج والآخر معرفة شرف الآخرة ليرغب إليها وخساسة الدنيا ليرغب عنها فإن التاجر ما لم يعلم أن المرغوب إليه خير له من المرغوب عنه لم تسمح نفسه بالمعاملة ولم يفارق حب المرغوب عنه قلبه ويكمل ذلك بمعرفة المنافاة بينهما وأنهما كالمشرق والمغرب كلما تقاربت من أحدهما تباعدت من الآخر أو كالضرتين كلما أرضيت أحدهما أغضبت الأخرى فإذا انتقشت هذه المعارف في القلب عزف عن حب الدنيا وبردت رغبته فيها وفتر شوقه إليها فتركها والزهد الحقيقي كما عرفت هو عزوف القلب المستلزم للترك المذكور وبسبب هذه الملازمة ربما يتجوز باطلاق اسم الزهد على الترك سواء كان بسبب عزوف القلب أو غيره ويقسم على وجوه متعددة بحسب اعتباره في نفسه وفي علته وهو المزهود منه وفي محله وهو المزهود
(٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الطهارة 16
2 باب جرايم الجوارح 17
3 باب التوبة 24
4 باب التدارك 27
5 باب الحد والتعزير 28
6 باب الجناية 35
7 باب ذمايم القلب 40
8 باب الصبر 42
9 باب الحلم 45
10 باب النصيحة 47
11 باب حب الخمولة 49
12 باب التواضع 52
13 باب الفقر 57
14 باب الزهد 60
15 باب السخا 63
16 باب الرضا 65
17 باب الشكر 66
18 باب الرجاء والخوف 68
19 باب قصر الامل 70
20 باب النية 72
21 باب الاخلاص 75
22 باب الصدق 79
23 باب التوحيد والتوكل 80
24 باب تطهير السر عما سوى الله 83
25 باب الماء 88
26 باب الأخباث وتطهيرها 90
27 باب آداب التخلي 95
28 باب الاتفاث وازالتها 96
29 باب آداب التنظيف 97
30 باب الاحداث ورفعها 100
31 باب الوضوء 102
32 باب الغسل 104
33 باب التيمم 110
34 كتاب الصلاة 111
35 باب الشرايط 112
36 باب الأوقات 118
37 باب المكان 121
38 باب اللباس 125
39 باب القبلة 127
40 باب النداء 129
41 باب الهيئة 130
42 باب الآداب والسنن 132
43 باب المكروهات 135
44 باب وظائف يوم الجمعة والخطبتين 136
45 باب آداب العيدين وسننهما 137
46 باب آداب الآيات وسننها 138
47 باب الجماعة 139
48 باب الخلل 141
49 باب التعقيب 145
50 باب الدعاء 146
51 باب فضل قراءة القرآن 148
52 كتاب الزكاة 150
53 باب التعداد والشرايط 150
54 باب المقادير والنصب 153
55 باب المصرف 154
56 باب الأداء 155
57 باب الخمس 156
58 باب المعروف 158
59 باب آداب المعطى 159
60 باب آداب الآخذ 162
61 كتاب الصيام 163
62 باب الشرايط 165
63 باب الهيئة 167
64 باب الآداب 168
65 باب فوايد الجوع 173
66 باب الاعتكاف 174
67 كتاب الحج 175
68 باب الشرايط 177
69 باب الهيئة 178
70 باب المحرمات 181
71 باب الخلل 190
72 باب حرمة الحرم 195
73 باب الزيارات 196
74 كتاب الحسبة 198
75 باب الجهاد 198
76 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 201
77 باب إقامة الحدود 203
78 باب الفتيا 205
79 باب القضا 206
80 باب الشهادة 209
81 باب اخذ اللقيط 212
82 باب الحجر 212
83 كتاب البر 214
84 باب العطية 214
85 باب العتق 217
86 باب التدبير 219
87 باب الكتابة 220
88 باب النذر والعهد 220
89 باب اليمين 222
90 كتاب الكسب 224
91 باب الآداب 227
92 باب البيع 229
93 باب الربا 234
94 باب الشفعة 236
95 باب الشركة 237
96 باب القراض 238
97 باب الجعالة 240
98 باب الإجارة 242
99 باب المزارعة 244
100 باب المساقاة 245
101 باب احياء الموات 245
102 باب الغصب 248
103 باب اللقطة 250
104 باب السبق 251
105 باب الدين 252
106 باب الرهن 253
107 باب الضمان 254
108 باب الحوالة 255
109 باب الوكالة 256
110 باب الكفالة 257
111 باب الوديعة 258
112 باب الاقرار 259
113 باب الصلح 259
114 كتاب النكاح 260
115 باب التعداد والجدوى 260
116 باب المحارم 263
117 باب الولاية 271
118 باب العقد 272
119 باب الصداق 274
120 باب الخلوة 277
121 باب الحقوق 279
122 باب النشوز 281
123 باب الفسخ 282
124 باب الطلاق 284
125 باب الخلع والمباراة 286
126 باب الظهار 287
127 باب الايلاء 288
128 باب اللعان 289
129 باب العدد 290
130 باب الولد 294
131 باب القرابة 300
132 كتاب المعيشة 300
133 باب الطعام 301
134 باب الأكل 309
135 باب الشرب 312
136 باب الضيافة 313
137 باب اللباس 314
138 باب الطيب 315
139 باب المسكن 316
140 باب المنام 317
141 باب التحية 319
142 باب الكلام 321
143 باب الإخاء 326
144 باب المعاشرة 328
145 باب العزلة 333
146 باب الورد 335
147 باب السفر 338
148 كتاب الجنايز 343
149 باب المرض 343
150 باب الوصية 345
151 باب العيادة 346
152 باب الاحتضار 349
153 باب التغسيل 350
154 باب التكفين 351
155 باب التشييع والتربيع 353
156 باب الصلاة على الميت 354
157 باب الدفن 355
158 باب التعزية 357
159 باب الهدية للميت 357
160 باب زيارة القبر 358
161 كتاب الفرايض 358
162 باب الأسباب والطبقات 358
163 باب الموانع 360