التحفة السنية (مخطوط) - السيد عبد الله الجزائري - الصفحة ٦٢
فيه وفي عارضه وهو ما يوصف به من الأحكام الشرعية وله بحسب كل منها درجات مترتبة يتدرج من أوائلها إلى ثوانيها في السلوك وأدنى درجات الزهد باعتبار نفسه أن يترك الدنيا وقلبه متعلق بها فيتكلف ويجاهد فيه لميل النفس إلى الدنيا وهو تزهد ومبدء للزهد في حق من يصل إليه و المتزهد على خطر إذ ربما تغلبه نفسه وتجذبه شهوته فيعود إلى الدنيا والاستراحة بها في قليل أو كثير ثم إن يتنفر القلب عنها فلا يحتاج إلى مجاهدة فهو زهد من ملكات النفس المطمئنة إلا أنه لا يخلو عن شوب تشويش بسبب التنفر وربما يرى زهده ويلتفت إليه كما يرى البايع مبيعه وإن كان لا يشق عليه البيع إذا سلف ما يسوى قليلا بثمن رابح لكن يحتاج إلى انتظار الموعد فيكاد أن يظن بنفسه أنه ترك شيئا له قدر لما هو أعظم منه وهذا أيضا نقصان ثم عدم الميل والتنفر جميعا لتسوية الوجود والعدم عنده فهو استغناء كما سبق وقد تقدمت الإشارة إلى أنه من مواضع الغرور وربما يظنه الواجد بنفسه لسكونها بما ظفرت به من المقصود فليجربها ويعرف بتسوية سرقة ماله ومال غيره في عدم الاعتداد فإن صح فهو أكثر اطمئنانا وأثبت فليأمن الزاهد ثم عدم اعتباره بزهده إذ لا يرى أنه ترك شيئا لأنه عرف أن الدنيا لا شئ فيكون كمن ترك خنفساءة وأخذ جوهرة فلا يرى ذلك معاوضة ولا نفسه تاركا شيئا والدنيا بالإضافة إلى الآخرة أخس من خنفساءة إلى جوهرة ومن منعه عن الدخول إلى الملك كلب على بابه فألقى إليه قطعة عظم شغله بها ودخل فتناول من الموائد المبذولة وتمتع بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ونال الكرامة والقرب من الملك افتري أنه يرى لنفسه بدا عند الملك بما ألقيه إلى كلب من العظمة فالشيطان كلب على باب الله والدنيا كقطعة من العظم فمن يتركها لينال ما ينال بتركها كيف يلتفت إليها ويعتد بها بل نسبة الدنيا إلى الآخرة أقل من نسبة العظمة إلى موائد الملك وكرامته نسبة المتناهي إلى غير المتناهي وهذا هو الكمال في الزهد بحسب درجاته في نفسه ولكل منها عرض عريض وأما درجاته باعتبار مأمنه فأدناها أن يترك الدنيا من خوف النار وسائر عذاب الآخرة وهذا زهد الخائفين وكأنهم رضوا بالعدم لو أعدموا فإن الخلاص من الألم يحصل بمجرد العدم ثم من الرجاء شوقا إلى الجنة وما فيها من الحور والقصور ونحوها وهذا زهد الراجين فإنهم لم يتركوا الدنيا قناعة بالعدم والخلاص من الألم بل طمعوا في وجود دايم على نعيم قائم لا آخر له وهذه فوق الأولى وإن كانتا ليستا بذاك لاقتضائهما المحبة لسلامة النفس وحظوظها ومثال الأول مثال المريض الذي يترك الأغذية المضرة طمعا في العافية والثاني مثال الذي لا يأكل اليوم توفيرا لشهوته غدا في ضيافة مترقبة ثم من رفع الالتفات إلى ما سواه (تع) من غير تقيد بالنار وآلامها ليقصد الخلاص منها ولا بالجنة ولذاتها ليقصد نيلها والظفر بها وهذا زهد العارفين الذين همهم مقصورة عليه (تع) لا رغبة لهم إلا فيه وفي لقائه فإن من عرفه سبحانه يستحقر جميع ما سواه ويرى الراغب إلى الجنة للاحتظاظ بما فيها من اللذات الحسية الغافل عن لذة النظر إليه عز وجل كالصبي المستلذ للعب بالعصفور لقصوره عن ادراك لذة السلطنة مثلا وأما درجاته باعتبار ما فيه فأدناها أن يزهد في المال دون الجاه وإليه أشار فضيل بقوله الزهد هو القناعة ثم في الجاه دون المال وإليه أشار بشر بقوله الزهد في الدنيا هو الزهد في الناس وهو فوق الأول لأن الجاه أشهى من المال كما سبق وهما كالتوبة عن بعض الذنوب المفيدة لنقصان العقوبة دون النجاة لأنها بترك الكل كما تقدم ثم في كليهما وإليه الإشارة في حديث أبي عبد الله (ع) الزاهد الذي يختار الآخرة على الدنيا والذل على العز والجهد على الراحة والجوع على الشبع وعافية الأجل على محنة العاجل والذكر على الغفلة ويكون نفسه في الدنيا وقلبه في الآخرة ثم في جميع ما سواه (تع) حتى في نفسه وعنه (ع) الزهد مفتاح باب الآخرة والبراءة من النار وهو تركك كل شئ يشغلك عن الله من غير تأسف على فوتها ولا اعجاب بتركها ولا انتظار فرح منها وطلب محمدة عليها ولا عوض لها بل ترى فوتها راحة وكونها آفة وتكون أبدا هاربا من الآفة معتصما بالراحة وأما درجاته باعتبار ما يعرضه من الحكم الشرعي فأدناها الفرض وهو أن يزهد في الحرام خاصة وهو زهد العدول ثم السنة وهو الزهد فيما يرجح تركه ولم يثبت تحريمه من الشبهة والمكروه وهو زهد المتقين وإليه أشار بعض السلف بقوله الزهد التقوى ثم النقل بمعنى أخص من السنة وهو في فضول المباح وإليه الإشارة بقول أبي عبد الله (ع) وقد سئل عن الزاهد في الدنيا الذي يترك حلالها مخافة حسابه ويترك حرامها مخافة عذابه ونزلها في الحقايق على ثلاث أيضا الفرص كما هنا والسلامة في الشبهات والنفل في الحلال وهو الموافق للاحياء والدرجات العالية قد تتصادق فإن عدم الاعتبار بالزهد في جميع ما سواه لرفع الالتفات إليه نفل بالوجهين إلا أن تحديد فضول المباح التي يقع فيها الزهد و هي التنعمات المستلذة بالمباحات التي يمكن الغنى عنها وكذا ضبط مقدار الضرورة في كل شئ على التعيين حتى يحكم على الزايد بأن القصد إليه ينافي الزهد متعذر ولاختلاف الأشخاص والأحوال في ذلك مدخل عظيم وكذا لاختلاف النيات والقصود في تعاور الأحكام المختلفة والالتحاق تارة بالدنيا المزهودة وأخرى بالآخرة المرغوبة كما مرت الإشارة إليه فمما ينافيه ويخرج عنه القصد إلى الكسب للذة وإن كانت مباحة فإنها من الدنيا دون ما إذا قصد فيه العدة على العبادة وإن حصلت اللذة بالتبع فإنها حينئذ معدودة من الآخرة كما سبق وكذا يخرج عنه الادخار إن زاد المدخور على قوت السنة له ولعياله بحسب حاله دون ما لم يزد كما مر من حال سلمان وعن الرضا (ع) أن الانسان إذا ادخر طعام سنة خف ظهره واستراح وكان أبو جعفر وأبو عبد الله لا يشتريان عقدة حتى يحرزا طعام سنتهما ويتأكد الرخصة في المعيل والمنع في غيره إلا لمن لا يكسب بعمل ولا
(٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الطهارة 16
2 باب جرايم الجوارح 17
3 باب التوبة 24
4 باب التدارك 27
5 باب الحد والتعزير 28
6 باب الجناية 35
7 باب ذمايم القلب 40
8 باب الصبر 42
9 باب الحلم 45
10 باب النصيحة 47
11 باب حب الخمولة 49
12 باب التواضع 52
13 باب الفقر 57
14 باب الزهد 60
15 باب السخا 63
16 باب الرضا 65
17 باب الشكر 66
18 باب الرجاء والخوف 68
19 باب قصر الامل 70
20 باب النية 72
21 باب الاخلاص 75
22 باب الصدق 79
23 باب التوحيد والتوكل 80
24 باب تطهير السر عما سوى الله 83
25 باب الماء 88
26 باب الأخباث وتطهيرها 90
27 باب آداب التخلي 95
28 باب الاتفاث وازالتها 96
29 باب آداب التنظيف 97
30 باب الاحداث ورفعها 100
31 باب الوضوء 102
32 باب الغسل 104
33 باب التيمم 110
34 كتاب الصلاة 111
35 باب الشرايط 112
36 باب الأوقات 118
37 باب المكان 121
38 باب اللباس 125
39 باب القبلة 127
40 باب النداء 129
41 باب الهيئة 130
42 باب الآداب والسنن 132
43 باب المكروهات 135
44 باب وظائف يوم الجمعة والخطبتين 136
45 باب آداب العيدين وسننهما 137
46 باب آداب الآيات وسننها 138
47 باب الجماعة 139
48 باب الخلل 141
49 باب التعقيب 145
50 باب الدعاء 146
51 باب فضل قراءة القرآن 148
52 كتاب الزكاة 150
53 باب التعداد والشرايط 150
54 باب المقادير والنصب 153
55 باب المصرف 154
56 باب الأداء 155
57 باب الخمس 156
58 باب المعروف 158
59 باب آداب المعطى 159
60 باب آداب الآخذ 162
61 كتاب الصيام 163
62 باب الشرايط 165
63 باب الهيئة 167
64 باب الآداب 168
65 باب فوايد الجوع 173
66 باب الاعتكاف 174
67 كتاب الحج 175
68 باب الشرايط 177
69 باب الهيئة 178
70 باب المحرمات 181
71 باب الخلل 190
72 باب حرمة الحرم 195
73 باب الزيارات 196
74 كتاب الحسبة 198
75 باب الجهاد 198
76 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 201
77 باب إقامة الحدود 203
78 باب الفتيا 205
79 باب القضا 206
80 باب الشهادة 209
81 باب اخذ اللقيط 212
82 باب الحجر 212
83 كتاب البر 214
84 باب العطية 214
85 باب العتق 217
86 باب التدبير 219
87 باب الكتابة 220
88 باب النذر والعهد 220
89 باب اليمين 222
90 كتاب الكسب 224
91 باب الآداب 227
92 باب البيع 229
93 باب الربا 234
94 باب الشفعة 236
95 باب الشركة 237
96 باب القراض 238
97 باب الجعالة 240
98 باب الإجارة 242
99 باب المزارعة 244
100 باب المساقاة 245
101 باب احياء الموات 245
102 باب الغصب 248
103 باب اللقطة 250
104 باب السبق 251
105 باب الدين 252
106 باب الرهن 253
107 باب الضمان 254
108 باب الحوالة 255
109 باب الوكالة 256
110 باب الكفالة 257
111 باب الوديعة 258
112 باب الاقرار 259
113 باب الصلح 259
114 كتاب النكاح 260
115 باب التعداد والجدوى 260
116 باب المحارم 263
117 باب الولاية 271
118 باب العقد 272
119 باب الصداق 274
120 باب الخلوة 277
121 باب الحقوق 279
122 باب النشوز 281
123 باب الفسخ 282
124 باب الطلاق 284
125 باب الخلع والمباراة 286
126 باب الظهار 287
127 باب الايلاء 288
128 باب اللعان 289
129 باب العدد 290
130 باب الولد 294
131 باب القرابة 300
132 كتاب المعيشة 300
133 باب الطعام 301
134 باب الأكل 309
135 باب الشرب 312
136 باب الضيافة 313
137 باب اللباس 314
138 باب الطيب 315
139 باب المسكن 316
140 باب المنام 317
141 باب التحية 319
142 باب الكلام 321
143 باب الإخاء 326
144 باب المعاشرة 328
145 باب العزلة 333
146 باب الورد 335
147 باب السفر 338
148 كتاب الجنايز 343
149 باب المرض 343
150 باب الوصية 345
151 باب العيادة 346
152 باب الاحتضار 349
153 باب التغسيل 350
154 باب التكفين 351
155 باب التشييع والتربيع 353
156 باب الصلاة على الميت 354
157 باب الدفن 355
158 باب التعزية 357
159 باب الهدية للميت 357
160 باب زيارة القبر 358
161 كتاب الفرايض 358
162 باب الأسباب والطبقات 358
163 باب الموانع 360