التحفة السنية (مخطوط) - السيد عبد الله الجزائري - الصفحة ٤٢
فالاشتغال به تضييع زمان بغير فائدة فإن المطلوب هو قطع التفات القلب إلى الحظوظ العاجلة وهو محال وربما يقرر الاستدلال لهم بوجه آخر وهو أن الأخلاق ملكات طبيعية ولا شئ من الطبيعيات بممكنة التغيير أما الصغرى فمعلومة بما يشاهد من أن المزاج الصفراوي يغلب فيه الطيش و الغضب والدموي الشهوة والفرح والسوداوي البخل والامساك والبلغمي البله وسلامة الصدر وبعض الناس مجبولون على الجربزة والدهاء مع قلة ممارستهم لمداق الأمور وبعضهم على البلادة والحمق مع كثرة كدهم وولوعهم في التحصيل وهكذا وأما الكبر فبالضرورة فإن الجسم الثقيل كالماء يميل بطبعه إلى المركز و الخفيف كالهواء إلى المحيط ولا مطمع للمعالج في صرفهما إلى العكس ومما يؤكد هذا الحسبان ما رواه القوم عن النبي صلى الله عليه وآله إذا سمعتم بجبل زال عن مكانه فصدقوه وإذا سمعتم برجل زال عن خلقه فلا تصدقوه فإنه سيعود إلى ما جبل عليه وعنه صلى الله عليه وآله الناس معادن كمعادن الذهب والفضة خيارهم في الجاهلية خيارهم في الاسلام إذا فقهوا و بإزاء هذا التفريط افراط من ذهب إلى أنه لا شئ من الأخلاق بطبيعي وأن الانسان مجبول على فطرة ساذجة عن جميع الأخلاق والملكات بالفعل صالحة لجميعها بالقوة ثم إنه يختار ما يختار ما يختار منها بيسر أو بعسر على وفق اقتضاء مزاجه الخاص فهي بأسرها اعراض صالحة للتغيير قابلة للإزالة واستدلوا أيضا بوجهين أنه لولا ذلك لبطلت المواعظ والوصايا والتأديبات وغيرها ولما قال النبي صلى الله عليه وآله حسنوا أخلاقكم ب ما يشاهد من تبدل الأخلاق في حق الأشرار الملازمين لمجالسة الأخيار والأحداث الذين يهتم بتأديبهم وتهذيبهم سيما المنقولين قبل ظهور قوة التمييز فيهم من بلدهم إلى بلد آخر وإن كانوا متفاوتين في سرعة القبول وبطئه وكيف ينكر هذا في حق الآدمي وهو في الحيوانات العجم مما لا يكاد ينكر فإن الحيوان الوحشي ربما يؤدب فيصير إنسيا والمحيط خبرا بما أشرنا إليه غير مرة من مبادي الأخلاق ومعنى تهذيبها يتسهل عليه الوقوف على حقيقة الحق في الباب وتمييز القشر من اللباب ولنستأنف البيان مختصرا فاعلم أن الأخلاق على تباينها وتقابلها تنقسم بحسب المبدأ إلى قسمين طبيعية حاصلة بمقتضى الطبع من دون تعمل واختيار وعادية حاصلة بمقتضى العادات العارضة من تكرار ممارسة الحركات البدنية والنفسية أما الأخلاق العادية فلا ريب في امكان تغييرها لأنها مسببة عن العادات وهي أعراض قابلة للزوال وزوال السبب ملزوم لزوال المسبب وإن كانت أفرادها متفاوتة في عسر التغيير ويسره بسبب كثرة الرسوخ في النفس وقلته ففائدة الاشتغال بتحسين الأخلاق فيها ظاهرة وأما الأخلاق الطبيعية فتنقسم إلى نوعية وهي ما يشترك فيه أبناء النوع في الجملة وشخصية وهي ما يختص بكل فرد بحسب اقتضاء مزاجه الخاص أما النوعية كالشهوة و الغضب فلا نمنع تعذر إزالتها لكن ليس المراد من تهذيبها إزالتها بالكلية كيف والخمود والجبن اللذان هما النقصان فيهما معدودان من الرذايل ولو هما لاختل النظام وانقطع النوع بل المراد تطويعهما لحكم العقل و الشرع وجعلهما منقادين تحت أمرهما وذلك ليس بممتنع وأما الشخصية فالمعلوم باستقراء أحوال الناس أنهم بحسب الجبلة الأولى فيها على أقسام قسم يوجد فيهم أخلاق محمودة فاضلة وهم قليلون وقسم يوجد فيهم أخلاق مذمومة وهم كثيرون وقسم لا يوجد فيهم شئ منهما وإنما يكتسبونها بعد التمييز بالعادات وهم الأكثرون وهؤلاء فاقدون للأخلاق الشخصية وإنما أخلاقهم كلها عادية وقد عرفت فائدة تهذيب الأخلاق فيها وأما القسم الأول ففائدته فيهم تقوية الملكات المحمودة وزيادة الخير وأما المجبولون على الملكات المذمومة فلا تنازع أنه في إزالتها عنهم لكن لا نسلم انتفاء الفائدة في حقهم إذ لو لم تجاهد وتدافع أخلاقهم المذمومة تكون الأفعال الصادرة عنهم جارية بحسب اقتضائها فتتعاضد العادة والطبيعة جميعا وتقوى الذميمة جدا بخلاف ما إذا جوهدت بالمخالفة واجراء العادة على ما يضادها فإن العادة حينئذ تعاوق الطبيعة وتمانعها وينتقص الشر فإن الصفراوي الغضوب مثلا لو خلي وطبعه لتكرر منه الغضب لوجود المقتضي وفقد المانع كما هو المفروض فتصير الذميمة الطبيعية عادية ويعظم الخطب أما لو تأدب بالرياضة والتهذيب على خلاف مقتضى الطبع فإن المانع يضعف أثر المقتضي فالفائدة في هذا القسم موجودة أيضا وهي تنقيص الشر ولو فرض أن أفرادا نادرة من الذمايم الطبيعية الشديدة الرسوخ يتعذر الخلوص عن مقتضاها في بعض الأفراد النادرة من الناس لم يكن ذلك قادحا فيما يشتمل على مصلحة الأكثرين كما أن تعذر معالجة بعض الأمراض في بعض المرضى ليس قادحا في علم الطب ولا مقتضيا لبطلانه إذ يكفي في صحته امكان معالجة بعض الأمراض في بعض المرضى ولا يتوقف على امكان معالجة جميعها في جميعهم فإن قلت فعلى هذا لا يحسن تكليف كل فرد من أفراد الانسان بتهذيب كل فرد من أفراد الأخلاق إذ يحتمل كونه مما يتعذر تهذيبه قلت كل فرد من أفراد الأخلاق لا قطع عليه بأنه مما يتعذر تهذيبه فهو في مرتبة الاحتمال والأفراد الغالبة ممكنة التهذيب فيقوي الحاقه بها فيحسن التكليف وبما قررناه ظهر لك حال أدلة الطرفين وهو من الأمر بين الأمرين والرذايل يجر بعضها بعضا فإن الشره في شهوة البطن مثلا يؤدي غالبا إلى الشبق وتشتد الحاجة إلى المال لتقويم المأكول والمنكوح ويحصل الحرص والبخل وإلى الجاه لتحصيل المال وحفظه ويتولد منه العجب والكبر والحقد والحسد والغضب والغرور والرياء والنفاق وغير ذلك وكما أن جرائم الجوارح قلما يتفق أن يخرج شئ منها إلى الوجود إلا مكتنفا بأمثاله من الذنوب فإن الزنا مثلا لا يكاد يقع غالبا إلا مسبوقا بالنظر والمراودة والملامسة والمضاجعة والتقبيل ونحوها من اللوازم العادية كما ورد في حديث أمير المؤمنين (ع) أنه إذا سكر هذى وإذا هذى افترى ولذلك يجلد حد المفتري كذلك ذمائم القلب وكذا الفضايل كما روي في تفسير قوله (تع) إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر من أن كل شكل يدعو إلى شكله ويصرف عن ضده ولنأت بجملة وافية من أصول المطهرات إذا أتقنها الطالب علما وعملا كفى ما عداها انشاء الله تعالى وذلك في بضعة عشر بابا أولها باب الصبر وهو لغة الحبس واصطلاحا ثبات باعث الدين في مقابلة باعث الهوى وهو من الخواص الانسانية لا يتصور في البهائم لانحصار باعثها في باعث الهوى ولا في
(٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الطهارة 16
2 باب جرايم الجوارح 17
3 باب التوبة 24
4 باب التدارك 27
5 باب الحد والتعزير 28
6 باب الجناية 35
7 باب ذمايم القلب 40
8 باب الصبر 42
9 باب الحلم 45
10 باب النصيحة 47
11 باب حب الخمولة 49
12 باب التواضع 52
13 باب الفقر 57
14 باب الزهد 60
15 باب السخا 63
16 باب الرضا 65
17 باب الشكر 66
18 باب الرجاء والخوف 68
19 باب قصر الامل 70
20 باب النية 72
21 باب الاخلاص 75
22 باب الصدق 79
23 باب التوحيد والتوكل 80
24 باب تطهير السر عما سوى الله 83
25 باب الماء 88
26 باب الأخباث وتطهيرها 90
27 باب آداب التخلي 95
28 باب الاتفاث وازالتها 96
29 باب آداب التنظيف 97
30 باب الاحداث ورفعها 100
31 باب الوضوء 102
32 باب الغسل 104
33 باب التيمم 110
34 كتاب الصلاة 111
35 باب الشرايط 112
36 باب الأوقات 118
37 باب المكان 121
38 باب اللباس 125
39 باب القبلة 127
40 باب النداء 129
41 باب الهيئة 130
42 باب الآداب والسنن 132
43 باب المكروهات 135
44 باب وظائف يوم الجمعة والخطبتين 136
45 باب آداب العيدين وسننهما 137
46 باب آداب الآيات وسننها 138
47 باب الجماعة 139
48 باب الخلل 141
49 باب التعقيب 145
50 باب الدعاء 146
51 باب فضل قراءة القرآن 148
52 كتاب الزكاة 150
53 باب التعداد والشرايط 150
54 باب المقادير والنصب 153
55 باب المصرف 154
56 باب الأداء 155
57 باب الخمس 156
58 باب المعروف 158
59 باب آداب المعطى 159
60 باب آداب الآخذ 162
61 كتاب الصيام 163
62 باب الشرايط 165
63 باب الهيئة 167
64 باب الآداب 168
65 باب فوايد الجوع 173
66 باب الاعتكاف 174
67 كتاب الحج 175
68 باب الشرايط 177
69 باب الهيئة 178
70 باب المحرمات 181
71 باب الخلل 190
72 باب حرمة الحرم 195
73 باب الزيارات 196
74 كتاب الحسبة 198
75 باب الجهاد 198
76 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 201
77 باب إقامة الحدود 203
78 باب الفتيا 205
79 باب القضا 206
80 باب الشهادة 209
81 باب اخذ اللقيط 212
82 باب الحجر 212
83 كتاب البر 214
84 باب العطية 214
85 باب العتق 217
86 باب التدبير 219
87 باب الكتابة 220
88 باب النذر والعهد 220
89 باب اليمين 222
90 كتاب الكسب 224
91 باب الآداب 227
92 باب البيع 229
93 باب الربا 234
94 باب الشفعة 236
95 باب الشركة 237
96 باب القراض 238
97 باب الجعالة 240
98 باب الإجارة 242
99 باب المزارعة 244
100 باب المساقاة 245
101 باب احياء الموات 245
102 باب الغصب 248
103 باب اللقطة 250
104 باب السبق 251
105 باب الدين 252
106 باب الرهن 253
107 باب الضمان 254
108 باب الحوالة 255
109 باب الوكالة 256
110 باب الكفالة 257
111 باب الوديعة 258
112 باب الاقرار 259
113 باب الصلح 259
114 كتاب النكاح 260
115 باب التعداد والجدوى 260
116 باب المحارم 263
117 باب الولاية 271
118 باب العقد 272
119 باب الصداق 274
120 باب الخلوة 277
121 باب الحقوق 279
122 باب النشوز 281
123 باب الفسخ 282
124 باب الطلاق 284
125 باب الخلع والمباراة 286
126 باب الظهار 287
127 باب الايلاء 288
128 باب اللعان 289
129 باب العدد 290
130 باب الولد 294
131 باب القرابة 300
132 كتاب المعيشة 300
133 باب الطعام 301
134 باب الأكل 309
135 باب الشرب 312
136 باب الضيافة 313
137 باب اللباس 314
138 باب الطيب 315
139 باب المسكن 316
140 باب المنام 317
141 باب التحية 319
142 باب الكلام 321
143 باب الإخاء 326
144 باب المعاشرة 328
145 باب العزلة 333
146 باب الورد 335
147 باب السفر 338
148 كتاب الجنايز 343
149 باب المرض 343
150 باب الوصية 345
151 باب العيادة 346
152 باب الاحتضار 349
153 باب التغسيل 350
154 باب التكفين 351
155 باب التشييع والتربيع 353
156 باب الصلاة على الميت 354
157 باب الدفن 355
158 باب التعزية 357
159 باب الهدية للميت 357
160 باب زيارة القبر 358
161 كتاب الفرايض 358
162 باب الأسباب والطبقات 358
163 باب الموانع 360