التحفة السنية (مخطوط) - السيد عبد الله الجزائري - الصفحة ٥٣
من صفات الكمال لخلوه عنها وعما يساويها بزعمه فيحصل به في قلبه نفخة وهي التي استعاذ عنها النبي صلى الله عليه وآله بقوله اللهم إني أعوذ بك من نفخة الكبرياء وآثاره كثيرة بعضها في نفسه وبعضها بالنسبة إلى غيره فمنها الترفع على المتكبر عليه في المجلس والتقدم عليه في الطرق أو في مضائقها والاختيال وهو التبختر في المشي ولو وحده والنظر إلى الأشياء بالمآقي وهو مؤخر العين آنفة عن التوجه إليها بتمام الوجه وإلى المتكبر عليه أو الأعم بعين الاستحقار إذ لا موقع للمنظور إليه في قلبه وتعويج العنق عند الالتفات إلى جانبيه آنفة عن التحول بالشق واطراق الرأس بارخاء العينين بالنظر إلى الأرض والاتكاء جالسا من غير ضرورة سيما على الوسائد وحب قيام الناس عنده له وبين يديه كسيرة الأعاجم والسير راكبا مع المشاة من غير علة به وترك الخروج من المنزل إلا بشخص أو أكثر عقيبه أو أمامه والاستنكاف من عمل البيت الغير المنافي لمروته بنفسه ومن حمل السلعة من السوق أو غيره إليه كذلك مع أنهما من سير الأولياء وفي المتفق عليه أن فاطمة (ع) كنست البيت حتى وكنت ثيابها وطحنت بالرحى حتى مجلت يداها وأن أمير المؤمنين (ع) اشترى لحما بدرهم فحمله في ملحفته فقيل له نحمل عنك قال لا أبو العيال أحق أن يحمل وعن أبي عبد الله (ع) أنه نظر إلى رجل من أهل المدينة قد اشترى لعياله شيئا وهو يحمله فلما رآه الرجل استحى منه فقال له أبو عبد الله (ع) اشتريته لعيالك وحملته إليهم أما والله لولا أهل المدينة لأحببت أن أشتري لعيالي الشئ ثم أحمله إليهم والاستنكاف من احتمال الأذى مع أنه من أحمد الصبر كما مر ومن لباس الدون بحسب حاله وفي الحديث جودة الثياب خيلاء القلب وعوتب علي (ع) في إزار مرقوع فقال يقتدي به المؤمن ويخشع له القلب وربما يكون تجويد الثياب من التجمل الممدوح كما يأتي في محله ومنها الغضب على من لا يبدء بالسلام عليه عند التلاقي وإن كان أكبر سنا أو ماشيا وهو راكب أو جماعة وهو منفرد والاهتمام بعدم ظهور إصابة الخصم المناظر له في المقاصد العلمية والانكار عليه آنفة عن الانقياد له بالحق كما أخبر الله تعالى عمن كانت هذه حالهم بقوله عز وجل وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا وهذه الآثار مما تختلف فيها أحوال المتكبرين فمنهم من تجتمع جملتها فيهم ومنهم من يتصف ببعضها مع الخلو عن البعض الآخر أو الاتصاف بنقائضها بحسب الداعي وقوته وضعفه والمجاهدة وعدمها وآفاته الدينية والدنيوية كثيرة منها منازعته (تع) في رداء جلاله فعن أبي جعفر (ع) الكبر رداء الله والمتكبر ينازع الله ردائه وبغضه لأن الله لا يحب المستكبرين وعن النبي صلى الله عليه وآله من تعظم في نفسه واختال في مشيته لقي الله وهو عليه غضبان فتأمل وعمى القلب لقوله عز وجل كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار وقيل في قوله (تع) سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق أن المعنى سأرفع فهم القرآن عن قلوبهم وقيل سأحجب قلوبهم عن الملكوت والذل في الناس فإن من تكبر وضعه الله كما تقدم وعن أبي عبد الله (ع) ما من عبد إلا وفي رأسه حكمة وملك يمسكها فإذا تكبر قال له اتضع وضعك الله فلا يزال أعظم الناس في نفسه وهو أصغر الناس في أعين الناس وإذا تواضع رفعه الله ثم قال له انتعش نعشك الله فلا يزال أصغر الناس في نفسه وأرفع الناس في أعين الناس والبعث على كثير من الذمايم فإن الرذائل يجر بعضها بعضا كما سلف كتعيير الخلق أي نسبتهم إلى العار وهو كل ما يلزم به عيب وجحد الحق كما حكى الله من أحوال الأمم واستكبارهم عن متابعة الأنبياء وقولهم أنؤمن لك واتبعك الأرذلون وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا ومن ثم فسر الكبر في الحديث النبوي وغيره بأنه تسفيه الحق وتغميص الناس أي تحقيرهم والطعن عليهم وحب الجاه والحسد كما سبق والحجب عن كثير من الفضايل كالتواضع فإن وجود أحد الضدين ينفي الآخر والحلم لاستنكافه عن احتمال الأذى والنصيحة فإنه يرى بنفسه ما لا يرى بغيره فلا يحب له ما يحب لها والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لاضطراره إلى مداهنة أهل المعاصي صيانة لحشمته والاستفادة عن المشايخ والمعلمين فإنها لا تتأتى إلا بالتواضع والتملق وقد تقدم حديث عيسى (ع) أن الحكمة تعمر بالتواضع لا بالتكبر وكذلك الزرع ينبت في السهل لا في الجبل ومجالسة الصالحين واكتساب الخيرات والسعادات من بركاتهم وغير ذلك مما يحرم عنه أصحاب هذا الخلق المذموم ثم التخاسس كتأخر العالم في المجلس والطريق عن الخصاف وهو راقع النعل واستقباله إلى باب الدار إذا دخل عليه وتقديم نعله إليه وتشييعه إليه عند الخروج ونحو ذلك مذموم أيضا كالتكبر فإن مثل هذا إنما يحمد منه بالنسبة إلى شيخه ومن يحذو حذوه من العلماء المبجلين دون الخصاف والتواضع المحمود معه إنما يتأدى بعدم الاستحقار له وتقريب مجلسه وترحيبه واظهار البشر في وجهه و الرفق والملاطفة في محاورته والاصغاء لكلامه وتطييب قلبه بالكرامة وإجابة الدعوة والسعي في الحاجة إن كانت إلى غيره وانجاحها إن كانت إليه ونحو ذلك لكن التكبر أفحش من التخاسس لأن آفاته أكثر كما أن البخل أفحش من الاسراف والفجور من الخمود والجربزة من البله والمحمود المطلق الذي لا فحش فيه هو الوسط العدل ووضع الأمور في مواضعها اللايقة بحسب الشرع والعادة وسببه العجب فإن المعجب بنفسه يستعظمها فيريها فوق الغير وهو الكبر الباطن وتترتب عليه الآثار المذكورة وغيرها في الخارج وهو التكبر حقيقة وقد يطلق اسم التكبر مجاز العلاقة المشابهة في وجود بعض آثاره على الأثر المنبعث من غيره أي غير العجب من الذمايم التي ربما تترتب عليها تلك الآثار كلا أو بعضا كالحقد فإنه ربما يبعث على الترفع على المحقود والاستنكاف عن مفاتحته بالسلام واحتمال أذاه ونحو ذلك فيسمى هذا الترفع والاستنكاف تكبرا وإن لم ير الحقود نفسه فوق المحقود وكذا الحسد فإن الحسود قد يجحد حق المحسود ويعيره ويستنكف عن التواضع له من غير أن يرى نفسه فوقه وكذا الرياء فإنه مما يبعث أيضا على أخلاق المتكبرين فإن الرجل قد يناظر من يعلم أنه أفضل منه وليس بينهما محاقدة ولا محاسدة ولكنه يتمنع من قبول الحق منه والاقرار له بالفضل حذرا عن مقالة الناس أنه أفضل منه ويختص هذا بالملأ ولو خلا معه بنفسه لأقر له وأما التكبر للعجب
(٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الطهارة 16
2 باب جرايم الجوارح 17
3 باب التوبة 24
4 باب التدارك 27
5 باب الحد والتعزير 28
6 باب الجناية 35
7 باب ذمايم القلب 40
8 باب الصبر 42
9 باب الحلم 45
10 باب النصيحة 47
11 باب حب الخمولة 49
12 باب التواضع 52
13 باب الفقر 57
14 باب الزهد 60
15 باب السخا 63
16 باب الرضا 65
17 باب الشكر 66
18 باب الرجاء والخوف 68
19 باب قصر الامل 70
20 باب النية 72
21 باب الاخلاص 75
22 باب الصدق 79
23 باب التوحيد والتوكل 80
24 باب تطهير السر عما سوى الله 83
25 باب الماء 88
26 باب الأخباث وتطهيرها 90
27 باب آداب التخلي 95
28 باب الاتفاث وازالتها 96
29 باب آداب التنظيف 97
30 باب الاحداث ورفعها 100
31 باب الوضوء 102
32 باب الغسل 104
33 باب التيمم 110
34 كتاب الصلاة 111
35 باب الشرايط 112
36 باب الأوقات 118
37 باب المكان 121
38 باب اللباس 125
39 باب القبلة 127
40 باب النداء 129
41 باب الهيئة 130
42 باب الآداب والسنن 132
43 باب المكروهات 135
44 باب وظائف يوم الجمعة والخطبتين 136
45 باب آداب العيدين وسننهما 137
46 باب آداب الآيات وسننها 138
47 باب الجماعة 139
48 باب الخلل 141
49 باب التعقيب 145
50 باب الدعاء 146
51 باب فضل قراءة القرآن 148
52 كتاب الزكاة 150
53 باب التعداد والشرايط 150
54 باب المقادير والنصب 153
55 باب المصرف 154
56 باب الأداء 155
57 باب الخمس 156
58 باب المعروف 158
59 باب آداب المعطى 159
60 باب آداب الآخذ 162
61 كتاب الصيام 163
62 باب الشرايط 165
63 باب الهيئة 167
64 باب الآداب 168
65 باب فوايد الجوع 173
66 باب الاعتكاف 174
67 كتاب الحج 175
68 باب الشرايط 177
69 باب الهيئة 178
70 باب المحرمات 181
71 باب الخلل 190
72 باب حرمة الحرم 195
73 باب الزيارات 196
74 كتاب الحسبة 198
75 باب الجهاد 198
76 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 201
77 باب إقامة الحدود 203
78 باب الفتيا 205
79 باب القضا 206
80 باب الشهادة 209
81 باب اخذ اللقيط 212
82 باب الحجر 212
83 كتاب البر 214
84 باب العطية 214
85 باب العتق 217
86 باب التدبير 219
87 باب الكتابة 220
88 باب النذر والعهد 220
89 باب اليمين 222
90 كتاب الكسب 224
91 باب الآداب 227
92 باب البيع 229
93 باب الربا 234
94 باب الشفعة 236
95 باب الشركة 237
96 باب القراض 238
97 باب الجعالة 240
98 باب الإجارة 242
99 باب المزارعة 244
100 باب المساقاة 245
101 باب احياء الموات 245
102 باب الغصب 248
103 باب اللقطة 250
104 باب السبق 251
105 باب الدين 252
106 باب الرهن 253
107 باب الضمان 254
108 باب الحوالة 255
109 باب الوكالة 256
110 باب الكفالة 257
111 باب الوديعة 258
112 باب الاقرار 259
113 باب الصلح 259
114 كتاب النكاح 260
115 باب التعداد والجدوى 260
116 باب المحارم 263
117 باب الولاية 271
118 باب العقد 272
119 باب الصداق 274
120 باب الخلوة 277
121 باب الحقوق 279
122 باب النشوز 281
123 باب الفسخ 282
124 باب الطلاق 284
125 باب الخلع والمباراة 286
126 باب الظهار 287
127 باب الايلاء 288
128 باب اللعان 289
129 باب العدد 290
130 باب الولد 294
131 باب القرابة 300
132 كتاب المعيشة 300
133 باب الطعام 301
134 باب الأكل 309
135 باب الشرب 312
136 باب الضيافة 313
137 باب اللباس 314
138 باب الطيب 315
139 باب المسكن 316
140 باب المنام 317
141 باب التحية 319
142 باب الكلام 321
143 باب الإخاء 326
144 باب المعاشرة 328
145 باب العزلة 333
146 باب الورد 335
147 باب السفر 338
148 كتاب الجنايز 343
149 باب المرض 343
150 باب الوصية 345
151 باب العيادة 346
152 باب الاحتضار 349
153 باب التغسيل 350
154 باب التكفين 351
155 باب التشييع والتربيع 353
156 باب الصلاة على الميت 354
157 باب الدفن 355
158 باب التعزية 357
159 باب الهدية للميت 357
160 باب زيارة القبر 358
161 كتاب الفرايض 358
162 باب الأسباب والطبقات 358
163 باب الموانع 360