التحفة السنية (مخطوط) - السيد عبد الله الجزائري - الصفحة ٥٥
مضطر لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا أو النظر في أعمالها وخساسة ثمنها فأجرة أجير يعمل طول النهار ويحمل الأثقال على ظهره في شمس الصيف أو يحرس طول الليل المظلم في برد الشتاء درهم أو درهمان في العرف العام وإنما يعطى هذا المال الخسيس بالاستخدام على الدوام في جميع الوقت المشروط ولو أخل بها في جزء يسير حوسب عليه ونقص من أجرته والالقاء بالنفس في الأخطار والمهالك كذلك فإذا علم هذا وشفع ذلك بالنظر في كرمه (تع) عليه بالتوفيق للعمل والاقدار عليه بتهيئة الأسباب التي لا تتهيأ إلا بكرمه عز وجل ورفع الموانع التي لا ترتفع إلا بكرمه سبحانه أيضا ووعده الثواب الجزيل المخلد على ساعة من العمل المعيوب استحى من نفسه واستحقر عمله ووجد نفسه في عجبه واستعظامه لصلاته أو تسبيحه أو غيرهما مما يعجب به نظير سوقي خامل بائس فاقد لقوة السمع والبصر والفهم والبطش والمشي وسائر الحركات فتفقده الملك وأكرمه وأسبغ عليه النعمة وأصلح أحواله حتى عاد سميعا بصيرا موسرا قادرا قويا ورتب له جميع ما يرتفق به في معاشه من المطعم والمسكن والملبس والمركب ومن أسباب الزينة والتجمل والتفكه مثل ذلك وأمره أن يأتي كل يوم باب السلم ويمكث هناك هنيئة مع أمثاله من المأمورين ويرجع ووعده أن يجزل له يوم العرض العام بإزاء هذه الخدمة اليسيرة ضروبا من الانعامات مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ثم إنه بعد ما اعتدلت أحواله يركب كل يوم مركبه الذي أعطاه الملك ويغدوا إلى الباب كما أمر لحظة خفيفة ثم يعود مرحا إلى مأواه مترفا مسرفا في اتباع هواه مشتغلا باللذات متوسعا في الشهوات متنعما بالطيبات التي أدرها له الملك ثم يكون هذا الغافل الكفور مستصغرا جميع هذه المحامد الجليلة ومستعظما غدوه إلى الباب ومعجبا به وهل هذا إلا جهل وشقاء وسفه وقلة حياء بل حال المعجب بعمله أفحش وأشنع من حال هذا الجاهل أضعافا مضاعفة لا تحصى على مقدار التفاوت بين كرمه ونعمه تعالى وكرم الملك المفروض ونعمه وفي بعض الآثار أن عابدا من بني إسرائيل كان مقيما في كهف وبجنبه عين ماء وأشجار مثمرة كان مكتفيا بها العابد فمكث ما شاء الله صايما نهاره قائما ليله فدخله العجب فلما أفطر ليلته بشئ من الثمار وذهب إلى العين ليشرب على عادته رآها قد غارت ولا ماء فاضطرب واشتد به العطش فانحدر من الجبل ليطلب الماء فلقيه ملك في هيئة رجل معه قربة من ماء فقال له العابد اسقني سقاك الله قال هات الثمن قال ما عندي شئ وأنا فلان العابد فقال هات عبادتك فقال العابد أنى يسوغ هذا وأنا أعبد الله منذ كذا سنة كيف أبذلها على شربة من ماء فقال الرجل لا بد من ذلك فساومه بالعشر والتسع ولا زال يزيد شيئا فشيئا والرجل لا يرضى إلى أن رضي العابد بالجميع فلما بذلها له جميعا ناوله الماء فلما شرب وارتوى عرك الملك أذنه وقال له مهلا أيها المعجب بأعمال قدرها شربة من ماء وأنت تشرب كل يوم كم شربة فأي شئ تستعظم من عملك فعلم العابد أن ذلك كان تنبيها من الله له والآخر بمعرفة حقيقة الكمال وانقسامه بادي الرأي إلى الديني والدنيوي وأن الكمال الدنيوي وهو ما عدا العلم والعمل من المفارقات وهمي لا حقيقة له كما تقدم فلا يحسن استعظامه والعجب به والكمال الديني وهو العلم النافع والعمل به ينافيه وينفيه فالعلم وهو في الحقيقة من جملة الأعمال القلبية وإذا قوبل به العمل أريد القسم البدني والصناعي منه النافع منه ما يزيد خوفا منه (تع) بحمل المواطاة ومن ثم ينعكس كليا كما ينبه عليه الحصر في قوله عز وجل إنما يخشى الله من عباده العلماء ولا عبرة بغيره من العلوم لأنه من المفارقات فهو من الكمالات الوهمية بل لا يحسن اطلاق اسم العلم عليه كما سبق التنبيه عليه وكل عمل دونه من البدنيات والصناعيات فلا نفع له بدون العلم النافع النافي للعجب إذ هو شرط له في القبول وترتب الجزاء الموعود وإذا انتفى الشرط انتفى المشروط فلا يتحقق العمل النافع ما لم يتحقق العلم النافع وحينئذ لا عجب وبدونه فالعمل خيبة وضلال كما تقدم في الحديث أن العامل على غير بصيرة كالساير على غير الطريق لا يزيده كثرة السير إلا بعدا وعن أبي الحسن (ع) أنه سئل عن العجب الذي يفسد العمل فقال العجب درجات منها أن يزين للعبد سوء عمله فرآه حسنا فيعجبه ويحسب أنه يحسن صنعا الحديث و فيه تمليح إلى قوله (تع) قل هل أنبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا وأيضا فالاطلاع على تفاصيل الذنوب الباطنة الموبقة للعمل بالمنع عن القبول أو الاحباط صعب سيما لمن لم يتفرغ الفحص عن دقائقها وتهذيب الاخلاص فالخلوص عنها أصعب وما لم يتحقق الخلوص عنها والأمن من غوائلها فالعجب بالأعمال بناء على شفا جرف هار وفي الحديث النبوي أن الله خلق سبعة أملاك وجعلهم على أبواب السماوات فتكتب الحفظة عمل العبد من حين يصبح إلى حين يمسي ثم ترتفع الحفظة بعمله وله نور كنور الشمس حتى إذا بلغ السماء الدنيا فتزكيه وتكثره فيقول الملك قفوا و اضربوا بهذا العمل وجه صاحبه أنا ملك الغيبة فمن اغتاب لا أدع عمله يجاوزني إلى غيري ثم تجئ الحفظة من الغد ومعهم عمل صالح فتمر به حتى تبلغ السماء الثانية فيقول الملك قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه إنما أراد بهذا عرض الدنيا لا أدع عمله يجاوزني إلى غيري ويقول الملك الثالث أنا صاحب الكبر ويرد العمل والرابع صاحب العجب والخامس صاحب الحسد والسادس صاحب الرحمة يقول إن صاحب هذا العمل لا يرحم شيئا إذا أصاب عبد ذنبا للآخرة أو ضرا في الدنيا شمت به ويقول السابع أنا ملك الحجاب أحجب كل عمل ليس لله أنه أراد رفعة عند القواد وذكرا في المجالس وصيتا في المداين وتصعد الحفظة بعمل العبد تشيعه ملائكة السماوات بجماعتهم حتى يقوموا بين يدي سبحانه فيشهدوا له بعمل ودعاء فيقول أنتم حفظة عمل عبدي وأنا رقيب على ما في نفسه لم يردني بهذا العمل عليه لعنتي فتقول الملائكة عليه لعنتك ولعنتنا والحديث مختصر وأيضا فالأمور بخواتمها والخاتمة مستورة وسوءها غير مقطوع الانتفاء فلا يليق الركون إلى الأعمال الواقعة تحت الخطر وعن أبي عبد الله (ع) العجب كل العجب ممن يعجب بعمله وهو لا يدري بما يختم له فمن أعجب بنفسه وفعله فقد ضل عن نهج الرشاد وعنه (ع) قال الله لداود يا داود بشر المذنبين إني
(٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الطهارة 16
2 باب جرايم الجوارح 17
3 باب التوبة 24
4 باب التدارك 27
5 باب الحد والتعزير 28
6 باب الجناية 35
7 باب ذمايم القلب 40
8 باب الصبر 42
9 باب الحلم 45
10 باب النصيحة 47
11 باب حب الخمولة 49
12 باب التواضع 52
13 باب الفقر 57
14 باب الزهد 60
15 باب السخا 63
16 باب الرضا 65
17 باب الشكر 66
18 باب الرجاء والخوف 68
19 باب قصر الامل 70
20 باب النية 72
21 باب الاخلاص 75
22 باب الصدق 79
23 باب التوحيد والتوكل 80
24 باب تطهير السر عما سوى الله 83
25 باب الماء 88
26 باب الأخباث وتطهيرها 90
27 باب آداب التخلي 95
28 باب الاتفاث وازالتها 96
29 باب آداب التنظيف 97
30 باب الاحداث ورفعها 100
31 باب الوضوء 102
32 باب الغسل 104
33 باب التيمم 110
34 كتاب الصلاة 111
35 باب الشرايط 112
36 باب الأوقات 118
37 باب المكان 121
38 باب اللباس 125
39 باب القبلة 127
40 باب النداء 129
41 باب الهيئة 130
42 باب الآداب والسنن 132
43 باب المكروهات 135
44 باب وظائف يوم الجمعة والخطبتين 136
45 باب آداب العيدين وسننهما 137
46 باب آداب الآيات وسننها 138
47 باب الجماعة 139
48 باب الخلل 141
49 باب التعقيب 145
50 باب الدعاء 146
51 باب فضل قراءة القرآن 148
52 كتاب الزكاة 150
53 باب التعداد والشرايط 150
54 باب المقادير والنصب 153
55 باب المصرف 154
56 باب الأداء 155
57 باب الخمس 156
58 باب المعروف 158
59 باب آداب المعطى 159
60 باب آداب الآخذ 162
61 كتاب الصيام 163
62 باب الشرايط 165
63 باب الهيئة 167
64 باب الآداب 168
65 باب فوايد الجوع 173
66 باب الاعتكاف 174
67 كتاب الحج 175
68 باب الشرايط 177
69 باب الهيئة 178
70 باب المحرمات 181
71 باب الخلل 190
72 باب حرمة الحرم 195
73 باب الزيارات 196
74 كتاب الحسبة 198
75 باب الجهاد 198
76 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 201
77 باب إقامة الحدود 203
78 باب الفتيا 205
79 باب القضا 206
80 باب الشهادة 209
81 باب اخذ اللقيط 212
82 باب الحجر 212
83 كتاب البر 214
84 باب العطية 214
85 باب العتق 217
86 باب التدبير 219
87 باب الكتابة 220
88 باب النذر والعهد 220
89 باب اليمين 222
90 كتاب الكسب 224
91 باب الآداب 227
92 باب البيع 229
93 باب الربا 234
94 باب الشفعة 236
95 باب الشركة 237
96 باب القراض 238
97 باب الجعالة 240
98 باب الإجارة 242
99 باب المزارعة 244
100 باب المساقاة 245
101 باب احياء الموات 245
102 باب الغصب 248
103 باب اللقطة 250
104 باب السبق 251
105 باب الدين 252
106 باب الرهن 253
107 باب الضمان 254
108 باب الحوالة 255
109 باب الوكالة 256
110 باب الكفالة 257
111 باب الوديعة 258
112 باب الاقرار 259
113 باب الصلح 259
114 كتاب النكاح 260
115 باب التعداد والجدوى 260
116 باب المحارم 263
117 باب الولاية 271
118 باب العقد 272
119 باب الصداق 274
120 باب الخلوة 277
121 باب الحقوق 279
122 باب النشوز 281
123 باب الفسخ 282
124 باب الطلاق 284
125 باب الخلع والمباراة 286
126 باب الظهار 287
127 باب الايلاء 288
128 باب اللعان 289
129 باب العدد 290
130 باب الولد 294
131 باب القرابة 300
132 كتاب المعيشة 300
133 باب الطعام 301
134 باب الأكل 309
135 باب الشرب 312
136 باب الضيافة 313
137 باب اللباس 314
138 باب الطيب 315
139 باب المسكن 316
140 باب المنام 317
141 باب التحية 319
142 باب الكلام 321
143 باب الإخاء 326
144 باب المعاشرة 328
145 باب العزلة 333
146 باب الورد 335
147 باب السفر 338
148 كتاب الجنايز 343
149 باب المرض 343
150 باب الوصية 345
151 باب العيادة 346
152 باب الاحتضار 349
153 باب التغسيل 350
154 باب التكفين 351
155 باب التشييع والتربيع 353
156 باب الصلاة على الميت 354
157 باب الدفن 355
158 باب التعزية 357
159 باب الهدية للميت 357
160 باب زيارة القبر 358
161 كتاب الفرايض 358
162 باب الأسباب والطبقات 358
163 باب الموانع 360