التحفة السنية (مخطوط) - السيد عبد الله الجزائري - الصفحة ٥٠
أفصحت الألسن بثنائه ويقنص بذلك قلوب السامعين فيسري من الواحد إلى العشرة ومن العشرة إلى الألف ويطير في الآفاق في أيسر وقت بخلاف المال فإنه لا يستنمي إلا بتعب شديد ومخاطرات كثيرة وربما يتوي فيها الأصل والفرع وأما رابعا فلأن المميل يطلب ملك الأرقاء والعبيد ببذل ما في يده والوجيه استرقاق الأحرار وملك رقابهم بملك قلوبهم والاستيلاء على ما في أيديهم بل مالك العبد لا يملكه إلا قهرا أو العبد متاب بطبعه ولو خلي ورأيه لا نسل عن الطاعة فهو وإن كان مخدوما مطاعا إلا أنه بالكره بخلاف الوجيه فإنه مخدوم مطاع بالطوع والإرادة مع الفرح وصدق الشوق بقدر ما يعتقدون فيه من الجميل وإن لم يكن كما لا في نفس الأمر والوجوه الأخيرة جارية في قسم المحبوب لذاته أيضا وهو المذموم مطلقا مثله من المال وأما المحبوب للغرض فينساق فيه التفصيل الجاري في نظيره أيضا وينقسم انقسامه إلى الأحكام وذلك أن الانسان لا بد له من طعام ومسكن ومصالح أخر لا يستقيم أمره إلا بها ولا تستقيم هي إلا بالمال فتحصيل شئ منه وحبه يصرف في تقويم هذه الضروريات مما لا ضير فيه بل ربما يستحب أو يجب مهما كان غير متخطي فيه عن قانون الشرع كان يتوصل إلى تحصيله بالاستراق والتلصص والخيانة أو يحمله حبه على البخل وحبس الحقوق فيحرم حينئذ وهكذا بعينه في الجاه وحبه وتحصيله فحرام إن كان التوصل إلى تحصيله أو ابقائه بارتكاب ذنب كالكذب في الأقوال والأفعال وهو الخداع باظهار أنه عالم أو ورع أو شريف ليعظم محله في القلوب بذلك وهو بخلافه ومن الخداع بيع العبادة وهو الرياء وهو في الأفعال والتورع في التروك وهذا هو الفرق فجعلها وسيلة الدنيا خيانة على الدين كما في حديث أمير المؤمنين (ع) في وصف حملة العلوم يستعمل آلة الدين للدنيا وإلا فمباح سواء كان باظهار ما فيه من المحامد كقول يوسف (ع) لما تعرف إلى الملك اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم وليس في الآية لفظ رب كما يوجد في النسخ فإن لم يكن سهوا فدعاء بما فيه إشارة إلى استدعاء نبي الله أو بكتمان ما فيه من المساوي كالذي يستر عيوبه عن الناس من غير أن يتجمل إليهم بالتورع فإنه ليس فيه تلبيس وقد ورد الأمر باخفاء العيوب والنهي عن التهتك كما مرت الإشارة إليه وسواء كان على وفق حاله بحسب شرفه ومروته أم لا فإن ذلك كله داخل في المباح إلا قدرا يعين على الطاعة أو ضرورات المعيشة مع الخلق كاستمالة قلب خادم يتعهد الخدمة فيتفرغ للتوجه إلى العبادة والمطالعة أو رفيق يعاون على بعض الخيرات التي لا يتخرج هو وحده عليها أو سلطان يدفع عنه الشر ويتقوى به على الخير فإن حب هذا القدر من الجاه متجاوز عن مرتبة الإباحة مستحب أو واجب بحسب قلة الاحتياج وكثرته وقوة النفس وضعفها وفيه آفات دينية ودنيوية كالنفاق ففي الحديث النبوي حب الجاه والمال ينبتان النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل واضطراب القلب لشغله برعاية القلوب لئلا تنفر عنه مع تخالف ميولها بحيث تتعذر مراضاتها جميعا وكثرة تقلبها ومن ثم سمي القلب قلبا وعدم ثباتها على حال واحدة حتى قيل إن الأمر المبتني على قلوب الناس أشبه شئ بما يبنى على أمواج البحر فالمشفق من تغير منزلته في القلوب قد أوقع نفسه في شغل شاغل التثبيت جاهه وحفظه ودفع كيد الحساد ومنع أذى الأعداء لأنه محسود مقصود بالايذاء من أكفائه وغيرهم وكل ذلك اشتغال عن الله وغموم عاجلة منغصة للذته في الدنيا قبل الآخرة وسببه هو سبب حب المال و هو أحد أمرين جلي وخفي أما الأول فهو طول الأمل وخوف الآفة فإن الانسان وإن كان مكتفيا في الحال إلا أنه يخطر بباله أن المال الذي فيه كفايته ربما يتلف بنوائب الزمان في المدد المتطاولة التي يقدر لنفسه الحياة فيها فيحتاج إلى غيره فإذا خطر له هذا الخاطر هاج الخوف من قلبه ولا يدفع هذا الخوف إلا الأمن الحاصل بوجود مال آخر يفرغ إليه إن أصاب هذا المال حائجه فهو أبدا لتقديره طول الحياة وهجوم الحاجات وتطرق الآفات إلى الأموال في وجل ولا موقف له عند مقدار مخصوص من المال حتى لو ملك واديين من ذهب لأحب أن يكون معهما ثالث كما في الحديث وفي آخر منهومان لا يشبعان منهوم بالعلم ومنهوم بالمال وهذه العلة بعينها مطردة في حب الجاه وقيام المنزلة في قلوب الأباعد عن وطنه وبلده فإنه لا يخلو عن تقدير سبب يزعجه عن الوطن أو يزعج أولئك عن أوطانهم إلى وطنه ويحتاج إلى الاستعانة بهم وهذا هو السبب في حب المال والجاه المقصودين لغيرهما وأما الثاني فهو استدعاء الطبع الكمال وهذا هو السبب في القسم المحبوب بالذات منهما وذلك لتحقق الطبع الربوبي المقتضي للكمال في الانسان كالسبعي و البهيمي والشيطاني فكما أن السبعي فيه يستدعي رغبته في الظفر والغلبة والبهيمي الأكل والنكاح والشيطاني الجربزة والخديعة وإن كانت الطباع متفاوتة في هذه المقتضيات كذلك يستدعي الطبع الربوبي الرغبة في مقتضاه وهو الكمال المطلق وإذ يمتنع عليه درك منتهى الكمال لا يسقط شوقه إلى القدر الممكن منه فهو طالب له ملتذ بقدر ما يناله منه لذاته لا لمعنى آخر وراء الكمال فيحب الاستيلاء على الموجودات لأنه غاية ما له القدرة عليه من كمال الربوبية وتختلف مراتبه باختلاف أحوال الموجودات وأبلغها الاستيلاء بالاسترقاق والتملك إن أمكن كما في الأجساد الأرضية وهي البسيطة بما عليها من المعدن والنبات و الحيوان وغيرها وهي متفاوتة في مراتب العزة والنفاسة ونقيضهما تفاوتا عريضا وتختلف درجات الشوق إلى تملكها والإحاطة بها بحسب ذلك ثم الاستيلاء بالاستمالة كما في القلوب فإنها ضرب من ضروب التملك به يسترق الأحرار كما عرفت وكلما كان الحر أجل قدرا وأوقع محلا كانت العناية باستمالة قلبه أكثر ثم بالاطلاع والإحاطة العلمية كما في السماويات من الأجرام والأوضاع وعالم الملكوت وما فيه من أسرار القدرة وكذا ذات الله وصفاته وعجايب عالم الملك من الجبال والبحار بما فيها وغير ذلك فإن النفس تلتذ بالعلم بها لأن المعلوم المحاط به كالداخل تحت القدرة والعالم كالمستولي عليه والاستيلاء كيف كان كمال محبوب بالطبع وعلاجه عدة أمور علمية وعملية فالعلمية ذكر آفات الدنيا وكثرة تقلبها بأهلها لا سيما ذوي الجاه فإن أعظمهم الملوك وهم أشفق الناس قلبا وأكثرهم قلقا وأقلهم أمنا لأنهم مقصودون بالأذى من إخوتهم وأولادهم وأخص خواصهم وأقاربهم فضلا عن الأباعد
(٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الطهارة 16
2 باب جرايم الجوارح 17
3 باب التوبة 24
4 باب التدارك 27
5 باب الحد والتعزير 28
6 باب الجناية 35
7 باب ذمايم القلب 40
8 باب الصبر 42
9 باب الحلم 45
10 باب النصيحة 47
11 باب حب الخمولة 49
12 باب التواضع 52
13 باب الفقر 57
14 باب الزهد 60
15 باب السخا 63
16 باب الرضا 65
17 باب الشكر 66
18 باب الرجاء والخوف 68
19 باب قصر الامل 70
20 باب النية 72
21 باب الاخلاص 75
22 باب الصدق 79
23 باب التوحيد والتوكل 80
24 باب تطهير السر عما سوى الله 83
25 باب الماء 88
26 باب الأخباث وتطهيرها 90
27 باب آداب التخلي 95
28 باب الاتفاث وازالتها 96
29 باب آداب التنظيف 97
30 باب الاحداث ورفعها 100
31 باب الوضوء 102
32 باب الغسل 104
33 باب التيمم 110
34 كتاب الصلاة 111
35 باب الشرايط 112
36 باب الأوقات 118
37 باب المكان 121
38 باب اللباس 125
39 باب القبلة 127
40 باب النداء 129
41 باب الهيئة 130
42 باب الآداب والسنن 132
43 باب المكروهات 135
44 باب وظائف يوم الجمعة والخطبتين 136
45 باب آداب العيدين وسننهما 137
46 باب آداب الآيات وسننها 138
47 باب الجماعة 139
48 باب الخلل 141
49 باب التعقيب 145
50 باب الدعاء 146
51 باب فضل قراءة القرآن 148
52 كتاب الزكاة 150
53 باب التعداد والشرايط 150
54 باب المقادير والنصب 153
55 باب المصرف 154
56 باب الأداء 155
57 باب الخمس 156
58 باب المعروف 158
59 باب آداب المعطى 159
60 باب آداب الآخذ 162
61 كتاب الصيام 163
62 باب الشرايط 165
63 باب الهيئة 167
64 باب الآداب 168
65 باب فوايد الجوع 173
66 باب الاعتكاف 174
67 كتاب الحج 175
68 باب الشرايط 177
69 باب الهيئة 178
70 باب المحرمات 181
71 باب الخلل 190
72 باب حرمة الحرم 195
73 باب الزيارات 196
74 كتاب الحسبة 198
75 باب الجهاد 198
76 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 201
77 باب إقامة الحدود 203
78 باب الفتيا 205
79 باب القضا 206
80 باب الشهادة 209
81 باب اخذ اللقيط 212
82 باب الحجر 212
83 كتاب البر 214
84 باب العطية 214
85 باب العتق 217
86 باب التدبير 219
87 باب الكتابة 220
88 باب النذر والعهد 220
89 باب اليمين 222
90 كتاب الكسب 224
91 باب الآداب 227
92 باب البيع 229
93 باب الربا 234
94 باب الشفعة 236
95 باب الشركة 237
96 باب القراض 238
97 باب الجعالة 240
98 باب الإجارة 242
99 باب المزارعة 244
100 باب المساقاة 245
101 باب احياء الموات 245
102 باب الغصب 248
103 باب اللقطة 250
104 باب السبق 251
105 باب الدين 252
106 باب الرهن 253
107 باب الضمان 254
108 باب الحوالة 255
109 باب الوكالة 256
110 باب الكفالة 257
111 باب الوديعة 258
112 باب الاقرار 259
113 باب الصلح 259
114 كتاب النكاح 260
115 باب التعداد والجدوى 260
116 باب المحارم 263
117 باب الولاية 271
118 باب العقد 272
119 باب الصداق 274
120 باب الخلوة 277
121 باب الحقوق 279
122 باب النشوز 281
123 باب الفسخ 282
124 باب الطلاق 284
125 باب الخلع والمباراة 286
126 باب الظهار 287
127 باب الايلاء 288
128 باب اللعان 289
129 باب العدد 290
130 باب الولد 294
131 باب القرابة 300
132 كتاب المعيشة 300
133 باب الطعام 301
134 باب الأكل 309
135 باب الشرب 312
136 باب الضيافة 313
137 باب اللباس 314
138 باب الطيب 315
139 باب المسكن 316
140 باب المنام 317
141 باب التحية 319
142 باب الكلام 321
143 باب الإخاء 326
144 باب المعاشرة 328
145 باب العزلة 333
146 باب الورد 335
147 باب السفر 338
148 كتاب الجنايز 343
149 باب المرض 343
150 باب الوصية 345
151 باب العيادة 346
152 باب الاحتضار 349
153 باب التغسيل 350
154 باب التكفين 351
155 باب التشييع والتربيع 353
156 باب الصلاة على الميت 354
157 باب الدفن 355
158 باب التعزية 357
159 باب الهدية للميت 357
160 باب زيارة القبر 358
161 كتاب الفرايض 358
162 باب الأسباب والطبقات 358
163 باب الموانع 360