التحفة السنية (مخطوط) - السيد عبد الله الجزائري - الصفحة ٣٣٥
الشخص المعتزل في نفسه وفي وقته وفي خليطه وسائر خصوصياته وعرضها عليه فإن تحققت الفوائد أو أكثرها في حقه وانتفت الآفات أو أكثرها فهي أولى له من المخالطة وإن انعكس انعكس و هو أيضا من الأمر بين الأمرين وحقها نية الاحتراز عن ثوران شر النفس بسبب المخالطة أو تعديه إلى الغير وتعدى شر الغير إليه والاحتراز عن التقصير في رعاية الحقوق فإنها جمة يتعسر ابقاؤها فهي مظنة التقصير والتجرد بكنه الهمة للعبادة ومن أهمها تهذيب الأخلاق والسلوك في طريقه (تع) وعلامة صدقه في هذه النية اجتنابه في عزلته عن كل ما يشوش وقته مثل أن يكثر غشيانه وزيارته ويتحاكى في محضره بأحوال الناس وأراجيف البلد وما الناس مشغولون به فإن كل ذلك ينغرس في القلب حتى ينبعث في أثناء الصلاة أو الفكر من حيث لا يحتسب فوقوع الأخبار في السمع كوقوع البذر في الأرض لا بد أن ينبت وتتفرع عروقها وأغصانها ويتداعى بعضها إلى بعض وتثمر الوساوس الشاغلة للقلب العائقة له عن السير إلى وجهته فإنه أما بالمواظبة على ورد وذكر مع حضور قلب وأما بالفكر في جلال الله وصفاته وأفعاله وملكوته وأما بالتأمل في دقايق الأعمال ومفسدات للقلوب وطلب طرق التخلص منها وكل ذلك يستدعي الفراغ وانقطاع الالتفاف إلى ما عداه من الشواغل الواهية وأما الحضور في محاضر الخير نحو الجمعة والجماعة والعيد والحج والزيارة ومجلس العلم وحلقة الذكر فليس بمناف للعزلة بل هو من العبادة المقصودة بها ولا يجوز الترك إلا عند معارضة أمر أفحش منه يتحقق في ضمن الحضور مثل التعرف إلى الطلمة بما يستتبعه من الآفات وكثرة الأتباع والمريدين المحركة لدواعي العجب والرياء حيث لا يجد في نفسه الخلوص عنهما بالكلية ونحو ذلك والأحب حينئذ أن يسكن موضعا يسقطها عنه عملا بظاهر الشرع وباطنه والطريق إليها الاستغراق بالعبادة ظاهرا وباطنا لتصير ذاته محشوة بالفضايل فتطلب الوحدة والخلوة فإنما يطلب الانسان معاشرة الناس إذا كانت نفسه خالية فيجب فحينئذ أن يتكثر بهم ويطرد عن نفسه الوحشة ومن ثم قيل الاستيناس بالناس من علامة الافلاس وعن بعض السالكين قال وجدت في البادية عجوزا حدباء بيدها عكاز فقلت أين تريدين فأشارت بعكازها إلى السماء فقلت أنت وحدك فقالت ويحك هل يوجد مع الله وحدة وقطع الطمع عما في أيدي الناس فإنه الذي يحوج إليهم غالبا وهذا قلع للسبب و ذكر الآفات المذكورة للمخالطة وايثار الخمولة فإنها من مقدماتها أو ضرب منها وقد مر فضلها في كتاب الطهارة وعن أبي عبد الله (ع) صاحب العزلة متحصن بحصن الله ومحرس بحراسته فيا طوبى لمن تفرد به سرا وعلانية وهو يحتاج إلى عشر خصال علم الحق والباطل وتحبب الفقر واختيار الشدة والزهد واغتنام الخلوة والنظر في العواقب ورؤية التقصير في العبادة مع بذل المجهود وترك العجب وكثرة الذكر بلا غفلة فإن الغفلة مصطاد الشيطان ورأس كل بلية وسبب كل حجاب وخلوة البيت عما لا يحتاج إليه في الوقت قال عيسى بن مريم أخزن لسانك لعمارة قلبك وليسعك بيتك وفر من الرياء وفضول معاشك وابك على خطيئتك وفر من الناس فرارك من الأسد والأفعى فإنهم كانوا دواء فصاروا اليوم داء ثم الق الله متى شئت باب الورد بكسر الواو وهو في الأصل النصيب من الماء والمراد هنا الأعمال التي يوظفه الانسان على نفسه في أوقاته ضبطا لها عن الانتشار وحفظا عن الضياع إنما خلق الانسان للعبادة كما قال (تع) وما خلقت الجن والإنس لا ليعبدون وغايتها تحصيل محبته (تع) له بحيث يكون سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به كما سبق فينبغي له استغراق الأوقات بالعبادة ظاهرا وباطنا توسعا إلى السعادة التي لا سعادة فوقها وذلك بأن يذكر الله في مجامع أحواله كلها رجاء الفلاح كما قال (تع) في غير موضع من كتابه العزيز اذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ففي النهار يشتغل بعد صلاة الفجر إلى الاشراق وهو ساعة طلوع الشمس بالأذكار والأدعية المأثورة عن أهل البيت (ع) أفضل لازما هيئته في الصلاة ومكانه الذي أدى فيه الفرض في المسجد أو غيره إلا أن يخاف في المسجد مداخلة الرياء فيبطل عمله أو التشويش فينقص بسبب ما يفوته من حضور القلب فالأولى حينئذ أن يرجع إلى بيته ويلزم زاوية للخلوة بورده حذرا عن مراءات أهل البيت وتشويشهم وبهذا التفصيل يجمع بين ما يدل على أن العبادة في المسجد أفضل وكذا التعقيب في محل الصلاة وبين ما يدل على أن الاسرار بالتطوعات أفضل ولا يتكلم في أثناء تعقيبه لغير ضرورة فإنه يضر بالتعقيب ما يضر بالصلاة كما عرفت ويشغل بها بعد العصر إلى المغرب كذلك فورد الأمر بالذكر في الوقتين قال الله (تع) واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا على أن المراد بالبكرة أول النهار دون الساعة التالية للاشراق والأصيل آخر النهار وقال سبحانه وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها وقال عز وجل وسبح بحمد ربك بالعشي والابكار والعشي أيضا آخر النهار وفي الحديث القدسي يا بن آدم اذكرني بعد الفجر ساعة وبعد العصر ساعة أكفك ما بينهما وعن النبي صلى الله عليه وآله أيما امرء مسلم جلس في مصلاه الذي صلى فيه الفجر يذكر الله حتى تطلع الشمس كان له من الأجر كحاج بيت الله وفي رواية أخرى ستره الله من النار ثم بعد الفراغ من ذلك يشتغل أهل الأشغال الراتبة بأشغالهم فالعالم والمتعلم المتجردان لهما بالعلم النافع وهو علم الآخرة ومقدماته فورد أن طلبه فريضة على كل مسلم وأن الله يحب بغاته وأنه يرجح مداد أهله على دماء الشهداء وأن الملائكة لتضع أجنحتها لطالبيه وأنه أفضل من صلاة ألف ركعة وشهود ألف جنازة وعيادة ألف مريض وقراءة القرآن والمشتغل بأمور الناس كالقاضي والمفتي والوالي ومن يرتبط بهم كالكاتب والقسام والمحتسب والمحاسب أو بأمور نفسه كالكاسب والأجير يشتغل بتلك الأمور ناويا بها القيام بالفرض العيني أو الكفائي وغير ذلك من القصود الممكنة مراعيا شروطها المعتبرة في الشرع ذاكرا لله (تع) بقلبه في أثنائها
(٣٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 330 331 332 333 334 335 336 337 338 339 340 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الطهارة 16
2 باب جرايم الجوارح 17
3 باب التوبة 24
4 باب التدارك 27
5 باب الحد والتعزير 28
6 باب الجناية 35
7 باب ذمايم القلب 40
8 باب الصبر 42
9 باب الحلم 45
10 باب النصيحة 47
11 باب حب الخمولة 49
12 باب التواضع 52
13 باب الفقر 57
14 باب الزهد 60
15 باب السخا 63
16 باب الرضا 65
17 باب الشكر 66
18 باب الرجاء والخوف 68
19 باب قصر الامل 70
20 باب النية 72
21 باب الاخلاص 75
22 باب الصدق 79
23 باب التوحيد والتوكل 80
24 باب تطهير السر عما سوى الله 83
25 باب الماء 88
26 باب الأخباث وتطهيرها 90
27 باب آداب التخلي 95
28 باب الاتفاث وازالتها 96
29 باب آداب التنظيف 97
30 باب الاحداث ورفعها 100
31 باب الوضوء 102
32 باب الغسل 104
33 باب التيمم 110
34 كتاب الصلاة 111
35 باب الشرايط 112
36 باب الأوقات 118
37 باب المكان 121
38 باب اللباس 125
39 باب القبلة 127
40 باب النداء 129
41 باب الهيئة 130
42 باب الآداب والسنن 132
43 باب المكروهات 135
44 باب وظائف يوم الجمعة والخطبتين 136
45 باب آداب العيدين وسننهما 137
46 باب آداب الآيات وسننها 138
47 باب الجماعة 139
48 باب الخلل 141
49 باب التعقيب 145
50 باب الدعاء 146
51 باب فضل قراءة القرآن 148
52 كتاب الزكاة 150
53 باب التعداد والشرايط 150
54 باب المقادير والنصب 153
55 باب المصرف 154
56 باب الأداء 155
57 باب الخمس 156
58 باب المعروف 158
59 باب آداب المعطى 159
60 باب آداب الآخذ 162
61 كتاب الصيام 163
62 باب الشرايط 165
63 باب الهيئة 167
64 باب الآداب 168
65 باب فوايد الجوع 173
66 باب الاعتكاف 174
67 كتاب الحج 175
68 باب الشرايط 177
69 باب الهيئة 178
70 باب المحرمات 181
71 باب الخلل 190
72 باب حرمة الحرم 195
73 باب الزيارات 196
74 كتاب الحسبة 198
75 باب الجهاد 198
76 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 201
77 باب إقامة الحدود 203
78 باب الفتيا 205
79 باب القضا 206
80 باب الشهادة 209
81 باب اخذ اللقيط 212
82 باب الحجر 212
83 كتاب البر 214
84 باب العطية 214
85 باب العتق 217
86 باب التدبير 219
87 باب الكتابة 220
88 باب النذر والعهد 220
89 باب اليمين 222
90 كتاب الكسب 224
91 باب الآداب 227
92 باب البيع 229
93 باب الربا 234
94 باب الشفعة 236
95 باب الشركة 237
96 باب القراض 238
97 باب الجعالة 240
98 باب الإجارة 242
99 باب المزارعة 244
100 باب المساقاة 245
101 باب احياء الموات 245
102 باب الغصب 248
103 باب اللقطة 250
104 باب السبق 251
105 باب الدين 252
106 باب الرهن 253
107 باب الضمان 254
108 باب الحوالة 255
109 باب الوكالة 256
110 باب الكفالة 257
111 باب الوديعة 258
112 باب الاقرار 259
113 باب الصلح 259
114 كتاب النكاح 260
115 باب التعداد والجدوى 260
116 باب المحارم 263
117 باب الولاية 271
118 باب العقد 272
119 باب الصداق 274
120 باب الخلوة 277
121 باب الحقوق 279
122 باب النشوز 281
123 باب الفسخ 282
124 باب الطلاق 284
125 باب الخلع والمباراة 286
126 باب الظهار 287
127 باب الايلاء 288
128 باب اللعان 289
129 باب العدد 290
130 باب الولد 294
131 باب القرابة 300
132 كتاب المعيشة 300
133 باب الطعام 301
134 باب الأكل 309
135 باب الشرب 312
136 باب الضيافة 313
137 باب اللباس 314
138 باب الطيب 315
139 باب المسكن 316
140 باب المنام 317
141 باب التحية 319
142 باب الكلام 321
143 باب الإخاء 326
144 باب المعاشرة 328
145 باب العزلة 333
146 باب الورد 335
147 باب السفر 338
148 كتاب الجنايز 343
149 باب المرض 343
150 باب الوصية 345
151 باب العيادة 346
152 باب الاحتضار 349
153 باب التغسيل 350
154 باب التكفين 351
155 باب التشييع والتربيع 353
156 باب الصلاة على الميت 354
157 باب الدفن 355
158 باب التعزية 357
159 باب الهدية للميت 357
160 باب زيارة القبر 358
161 كتاب الفرايض 358
162 باب الأسباب والطبقات 358
163 باب الموانع 360