التحفة السنية (مخطوط) - السيد عبد الله الجزائري - الصفحة ٨٠
الشئ ويمتنع ذلك إلا بعد تفريغه عن غيره والعبادة هي التذلل والانقياد وفي الحديث من اصغي إلى ناطق فقد عبده فالمتقيد بالدنيا المتذلل لها عابد لها لا لله والعبودية هي تصحيح النسبة إلى المولى بصدق القصد إليه في سلوك طريقه فالمصحح نسبته إلى الدنيا عبد لها وإنما عبد الله من تحرز عن قيد الدنيا واستخلص نفسه لله عز وجل ومن ثم كان كثيرا يخاطب عيسى (ع) أصحابه بقوله يا عبيد الدنيا وعن النبي صلى الله عليه وآله تعس عبد الدنيا وتعس عبد الدرهم وعبد الحلة وعبد الخميصة ثم الصدق في النية كما مرت الإشارة إليه بتمحيضها له عز وجل وهو الاخلاص فالشوب يفوته يقال رمان صادق الحلاوة أي محضها غير مشوب حلاوته بشئ من الحموضة ثم الصدق في العزم وهو جزم قوي على الخير في زمان مستقبل عند التمكن من سببه كالتصدق والعدل إن نال مالا أو ولاية فهذه العزيمة قد يصادفها تصميم ورسوخ وربما يكون فيها نوع ميل وتردد وضعف فالصدق هنا عبارة عن التمام والقوة كما يقال لفلان شهوة صادقة ويقال هذا المريض شهوته كاذبة مهما لم تكن شهوته عن سبب ثابت قوي ثم الصدق في الوفاء بالعزم فالنفس قد تسمح بالعزم في الحال إذ لا مشقة فيه و المؤنة خفيفة فإذا حققت الحقايق وحصل التمكن وهاجت الشهوات انحلت العزيمة وغلبت الشهوة فتبرد النفس وتفتر رغبتها إلى الموعود وتتوانى بالوفاء فتخلف كما قال (تع) ومنهم من عاهد الله لئن أتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الشاكرين فلما أتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون ومدح الموفين بقوله من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ثم الصدق في العمل وهو تسوية السر والعلانية بأن يجتهد حتى لا تدل أعماله الظاهرة على أمر في باطنه لا يتصف هو به لا بأن يترك العمل ولكن بأن يستجر الباطن إلى تصديق الظاهر وهو غير ما تقدم من ترك الرياء لأن المرائي هو الذي يقصد ذلك لأجل الخلق وهذا ربما لا يقصد ذلك فكم واقف على هيئة الخشوع في صلاته ليس يريد مشاهدة غيره ولكن قلبه غافل عن الصلاة فمن نظر إليه رآه قائما بين يدي الله وهو بالباطن قائم في السوق بين يدي شهوة من شهواته ومن هنا قيل كم طائف يطوف بالبيت وهو بخراسان فهذه أعمال تعرب بلسان الحال عن الباطن اعرابا هو فيه كاذب وكذا الماشي على هدو واطمئنان إن خلا باطنه عن الوقار فهذا غير صادق في عمله وإن لم يكن ملتفتا إلى الخلق ولا مرائيا لهم ولا ينجو من هذا إلا من سوى بين سريرته وعلانيته بل ينبغي للحازم أن يجتهد أن تكون سريرته خيرا من العلانية كما ورد في الدعاء النبوي اللهم اجعل سريرتي خيرا من علانيتي واجعل علانيتي صالحة ثم الصدق في مقامات الدين من الخوف والرجاء والزهد والتوكل والصبر ونحوها فإن لهذه المقامات مبادي يطلق الاسم بظهورها ثم لها غايات وحقايق والصادق المحقق من نال حقيقتها وبلغ غايتها ولذلك علامات ولوازم غير منفكة إذا شوهدت استدل بها على بلوغ الغاية ودرك الحقيقة في ذلك المقام ففي مقام الخوف مثلا يستدل على الصدق بصفرة الوجه وقلق الباطن وترك المعاصي واللذات وإقامة الطاعات فإذا وجد المراقب هذه العلامات من نفسه فليعلمها صادقة فيما تدعيه من مقام الخوف أي بالغة غايته متجاوزة عن المرتبة التي يشترك فيها آحاد المؤمنين إذ ما من عبد يؤمن بالله إلا ويخافه خوفا يطلق عليه الاسم وقس على هذا معنى الصدق في غيره من المقامات وقد يكون العبد صادقا في بعض المقامات دون بعض وببعض المعاني الست المذكورة دون آخر فيكون صادقا كاذبا من وجهين وقد يكون صادقا في أكثرها فهو صديق بالإضافة إلى من هو أقل صدقا والصديق المطلق من يتصف بالجميع و هي الغاية في الصدق فعن أبي جعفر (ع) إن الرجل ليصدق حتى يكتبه الله صديقا وليس يتخلل بينها وبين النبوة مرتبة كما ينبه عليه قوله سبحانه إنه كان صديقا نبيا وقوله عز شأنه أولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء باب التوحيد والتوكل ولكل منهما مراتب مترتبة وأدنى رتب التوحيد محض القول اللساني من غير اعتقاد للقلب عليه وهو من النفاق والعياذ بالله منها سواء كان معتقدا لخلافه أم غافلا خالي الذهن ولا يفيد بحال صاحبه شيئا إلا عصمة الدم والمال في الدنيا فورد في الحديث النبوي إني أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها وأما في الآخرة فحاله أشد من حال الكفار المكاشفين كما مرت الإشارة إليه ثم التصديق القلبي أما بالتقليد كما للعامي وأما بالاستدلال كما للمتكلم فإنه وإن كان أقوى علما من العامي إلا أنهما متشاركان في أصل المرتبة ولا يتميز عنه المتكلم إلا بالحيلة الدافعة تشويش المبتدعة وهي القدرة على صنعة الجدل والنظر في العقايد على طريق الفلاسفة من ترتيب المقدمات واستنتاج النتايج منها ومراعاة قوانين الميزان في صور الأفكار وهي وإن كانت من محدثات الأمور كما سبق التنبيه عليها إلا أنها صارت اليوم مما لا بد منه ومن ثم يقال بوجوبها كفاية حراسة لقلوب العوام عن تشكيكات المشككين وإنما حدث ذلك بحدوث الشكوك والبدع كما حدثت حاجة الحجاج إلى استيجار البدرقة في الطريق لحدوث ظلم العرب وقطعهم الطريق ولو تركت العرب عداوتهم لم يكن استيجار الحراس من الشروط ويفيد في الآخرة النجاة من الخلود في النار إذ لا يخلد فيها من كان في قلبه مثقال ذرة من الايمان ثم مشاهدة ذلك بطريق الكشف بواسطة نور الحق كما في الحديث أن المؤمن ينظر بنور الله وهو الذي يقذفه في قلب من يريد أن يهديه كما مر و هو مقام المقربين وذلك بأن يرى أشياء كثيرة لكن يرى صدور الكل من الله (تع) إذا انكشف له أنه لا فاعل بالحقيقة إلا هو لا أنه كلف نفسه أن تعتقد ذلك كالعامي والمتكلم وهو أول مراتب اليقين ويفيد اعتماد القلب عليه سبحانه وانقطاعه عما سواه وهو التوكل فهو حال حال ينشأ من علم هو ثالث المراتب التوحيد فهي المقصودة بالبيان لأنها التي يبتني عليها التوكل الذي هو من أصول المطهرات في موضوع الكتاب وما عداها فمذكور استطرادا أو من باب المقدمة وهو الوجه في ادراجه في العنوان أيضا وقد تقدم ما هو أبلغ منه فتأمل ثم رؤية عدم ما سواه (تع) فلا يحضر في شهوده غير الواحد ولا يرى الكل من حيث إنه كثير بل من حيث إنه واحد وهي الغاية القصوى في التوحيد وتفيد الاستغراق به والغيبة عن الغير حتى عن نفسه وهو الذي يسميه
(٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الطهارة 16
2 باب جرايم الجوارح 17
3 باب التوبة 24
4 باب التدارك 27
5 باب الحد والتعزير 28
6 باب الجناية 35
7 باب ذمايم القلب 40
8 باب الصبر 42
9 باب الحلم 45
10 باب النصيحة 47
11 باب حب الخمولة 49
12 باب التواضع 52
13 باب الفقر 57
14 باب الزهد 60
15 باب السخا 63
16 باب الرضا 65
17 باب الشكر 66
18 باب الرجاء والخوف 68
19 باب قصر الامل 70
20 باب النية 72
21 باب الاخلاص 75
22 باب الصدق 79
23 باب التوحيد والتوكل 80
24 باب تطهير السر عما سوى الله 83
25 باب الماء 88
26 باب الأخباث وتطهيرها 90
27 باب آداب التخلي 95
28 باب الاتفاث وازالتها 96
29 باب آداب التنظيف 97
30 باب الاحداث ورفعها 100
31 باب الوضوء 102
32 باب الغسل 104
33 باب التيمم 110
34 كتاب الصلاة 111
35 باب الشرايط 112
36 باب الأوقات 118
37 باب المكان 121
38 باب اللباس 125
39 باب القبلة 127
40 باب النداء 129
41 باب الهيئة 130
42 باب الآداب والسنن 132
43 باب المكروهات 135
44 باب وظائف يوم الجمعة والخطبتين 136
45 باب آداب العيدين وسننهما 137
46 باب آداب الآيات وسننها 138
47 باب الجماعة 139
48 باب الخلل 141
49 باب التعقيب 145
50 باب الدعاء 146
51 باب فضل قراءة القرآن 148
52 كتاب الزكاة 150
53 باب التعداد والشرايط 150
54 باب المقادير والنصب 153
55 باب المصرف 154
56 باب الأداء 155
57 باب الخمس 156
58 باب المعروف 158
59 باب آداب المعطى 159
60 باب آداب الآخذ 162
61 كتاب الصيام 163
62 باب الشرايط 165
63 باب الهيئة 167
64 باب الآداب 168
65 باب فوايد الجوع 173
66 باب الاعتكاف 174
67 كتاب الحج 175
68 باب الشرايط 177
69 باب الهيئة 178
70 باب المحرمات 181
71 باب الخلل 190
72 باب حرمة الحرم 195
73 باب الزيارات 196
74 كتاب الحسبة 198
75 باب الجهاد 198
76 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 201
77 باب إقامة الحدود 203
78 باب الفتيا 205
79 باب القضا 206
80 باب الشهادة 209
81 باب اخذ اللقيط 212
82 باب الحجر 212
83 كتاب البر 214
84 باب العطية 214
85 باب العتق 217
86 باب التدبير 219
87 باب الكتابة 220
88 باب النذر والعهد 220
89 باب اليمين 222
90 كتاب الكسب 224
91 باب الآداب 227
92 باب البيع 229
93 باب الربا 234
94 باب الشفعة 236
95 باب الشركة 237
96 باب القراض 238
97 باب الجعالة 240
98 باب الإجارة 242
99 باب المزارعة 244
100 باب المساقاة 245
101 باب احياء الموات 245
102 باب الغصب 248
103 باب اللقطة 250
104 باب السبق 251
105 باب الدين 252
106 باب الرهن 253
107 باب الضمان 254
108 باب الحوالة 255
109 باب الوكالة 256
110 باب الكفالة 257
111 باب الوديعة 258
112 باب الاقرار 259
113 باب الصلح 259
114 كتاب النكاح 260
115 باب التعداد والجدوى 260
116 باب المحارم 263
117 باب الولاية 271
118 باب العقد 272
119 باب الصداق 274
120 باب الخلوة 277
121 باب الحقوق 279
122 باب النشوز 281
123 باب الفسخ 282
124 باب الطلاق 284
125 باب الخلع والمباراة 286
126 باب الظهار 287
127 باب الايلاء 288
128 باب اللعان 289
129 باب العدد 290
130 باب الولد 294
131 باب القرابة 300
132 كتاب المعيشة 300
133 باب الطعام 301
134 باب الأكل 309
135 باب الشرب 312
136 باب الضيافة 313
137 باب اللباس 314
138 باب الطيب 315
139 باب المسكن 316
140 باب المنام 317
141 باب التحية 319
142 باب الكلام 321
143 باب الإخاء 326
144 باب المعاشرة 328
145 باب العزلة 333
146 باب الورد 335
147 باب السفر 338
148 كتاب الجنايز 343
149 باب المرض 343
150 باب الوصية 345
151 باب العيادة 346
152 باب الاحتضار 349
153 باب التغسيل 350
154 باب التكفين 351
155 باب التشييع والتربيع 353
156 باب الصلاة على الميت 354
157 باب الدفن 355
158 باب التعزية 357
159 باب الهدية للميت 357
160 باب زيارة القبر 358
161 كتاب الفرايض 358
162 باب الأسباب والطبقات 358
163 باب الموانع 360