التحفة السنية (مخطوط) - السيد عبد الله الجزائري - الصفحة ٦٩
فهو الذي يبعث النفس على نوافل الطاعة وربما يبعثها على الفرائض أيضا ويهون عليها احتمال المشقة فيها احتمال التاجر مشاق السفر رجاء للربح وضده القنوط وهو ضلال منهي عنه قال الله (تع) في قصة ضيف إبراهيم لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم قال أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون وقال عز وجل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا واليأس وهو ضده فيما تقدم كفر قال الله (تع) في قصة يعقوب (ع) يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون وهما في اللغة بمعنى واحد إلا أن اقتفى ألفاظ الآيات وقال في الحاشية قد تكرر القنوط واليأس في الأخبار مجتمعين مشعرا بتعددهما ولعل اليأس إنما يكون في الأمور الدنيوية والقنوط في الأمور الأخروية كما يستفاد من موارد الآيات الثلاث أو يخص أحدهما بالثواب والآخر بترك العقاب انتهى وفيه أن كون التبشير بالولد من الأمور الأخروية غير ظاهر بل الظاهر أنه نظير آية اليأس والفرق الثاني غير واضح أيضا والظاهر الترادف واجتماعهما في بعض الأخبار مثل رواية الأعمش المتقدمة في الكباير ليس بظاهر في الاشعار بالتعدد بل يحتمل الاشعار بالتغليظ كما لا يخفى والطريق إليه لمن غلب عليه اليأس فترك العبادة أو الخوف فأسرف فيها حتى أضر بنفسه وبأهله ذكر سوابق فضله (تع) على عباده من دون استحقاق ولا سئول ولا شفيع إذ مهد لهم مهاد الوجود وغذاهم بالكرم والجود وأعد لهم كل ما يحتاجون إليه من الأعضاء والآلات وما لا يحتاجون إليه بل يحصل به مزيد زينة وجمال كاستقواس الحاجبين وحمرة الشفتين وبلقة العينين وغير ذلك مما كان لا ينثلم بفقده غرض مقصود فالعناية الإلهية إذا لم تقصر عن عباده في أمثال هذه الدقايق فكيف يرضى بسياقتهم إلى الهلاك المؤبد وذكر ما وعد من جزيل ثوابه وسابغ غفرانه من دون استحقاق والتأمل فيما أنعم في الدنيا بما يمد في الدارين من دون سئول فإذا كانت هذه مواهبه في الدنيا فالغالب أن أمر الآخرة كذلك أيضا لأن مدبرهما واحد ولن نجد لسنة الله تبديلا وتتبع ما ورد في سعة الرحمة وسبقها الغضب و إنها لتفيض يوم القيامة حتى أن إبليس ليرجو أن تشمله وفي النهي عن القنوط مثل قوله (تع) يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله وفي الحث على حسن الظن بالله فعن الرضا (ع) أحسن الظن بالله فإن الله (تع) يقول إنا عند ظن عبدي بي إن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا وعن أبي جعفر (ع) قال وجدنا في كتاب علي أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال وهو على منبره لا يحسن ظن عبد مؤمن بالله إلا كان الله عند ظن عبده المؤمن لأن الله كريم بيده الخيرات يستحي أن يكون عبده المؤمن قد أحسن به الظن ثم يخلف ظنه و رجاءه فأحسنوا بالله الظن وارغبوا إليه والخوف الغم لانتظار مكروه متوقع الصدور عن أحد أمور ثلاثة أما سوء الخاتمة عند الموت وهو أغلب مخاوف المتقين لأن الأمر فيه مخطر جدا بسبب أن الروح لشدة اعتلاقها بالبدن وأنسها به طول الحياة تكره مفارقته كما في الحديث دخلت فيه كرها وخرجت منه كرها فإذا رأت نفسها مغصوبة بالمفارقة فلقت واضطربت جدا فيقل حينئذ تفطنها لما يضرها مما ينفعها اشتغالا بما بها ويرحب مجال الشيطان ومن ثم ورد الأمر بتلقين المحتضر الشهادتين وقراءة القرآن ودعاء العديلة لافحام الشيطان وتذكيره بعقائد الدين لئلا تزل قدمه بعد ثبوتها فتنحل عقدة ايمانه بما يلقى إليه من الوساوس التي ربما يذهل إذ ذاك عن التخلص منها فهذا أحد الأسباب في سوء الخاتمة وأيضا ربما ينكشف له عند كشف الغطاء بطلان بعض ما تمرن عليه من الاعتقادات الدينية فيتلجلج ويسري الشك إلى بقية اعتقاداته فإن اتفق زهوق روحه في هذه الخطرة قبل أن ينيب ويعود إلى أصل الايمان فالعياذ بالله ونكاية هذا الخطر على أرباب الفطانة الناقصة أعظم والبله بمعزل عنه وهم أصحاب الايمان المجمل بكليات أمور الديانة وظواهر الشرع وهذا سر ما ورد في الحديث أن أكثر أهل الجنة البله وأن البلاهة أقرب إلى السلامة من فطانة تبراء وربما يتمكن في القلب حب الدنيا بحيث لا يبقى فيه مجال لمحبة الله إلا من حيث حديث نفس لا يؤثر شيئا فيكره الموت ولقاء الله ومن كره لقاء الله كره الله لقائه كما يأتي وربما يترسخ بعض المأثم والأحوال الدنيوية في القلب بحيث لا يتمثل له عند ذلك سواها ولا يبقى له التفات إلى شئ من أمور الآخرة ويحكى عن بقال حضره الموت فكان يلقن كلمتي الشهادة وهو يقول خمسة ستة أربعة وكان مشغول القلب بالحساب الذي طال إلفه له فهذه جملة من أسباب سوء الخاتمة نعوذ بالله منها أو سوء السابقة التي سبقت له في الأزل وهذا أدل على كمال المعرفة من الأول لأن الخاتمة تبع السابقة ومن فروعها بعد تحلل أسباب كثيرة فالخاتمة تظهر ما سبق به القضاء في أم الكتاب والخائف من مكروه الخاتمة بالإضافة إلى السابقة مثل رجلين وقع الملك فيهما بتوقيع يحتمل أن يكون فيه حز الرقبة ويحتمل أن يكون فيه ولاية العهد مثلا ولم يصل التوقيع إليهما إلا أنهما يعلمان أن الملك وقع فيهما ما شاء ويتعلق قلب أحدهما بحالة وصول التوقيع إليهما وظهور ما فيه من خير أو شر وتعلق قلب الآخر بحالة توقيع الملك وكيفيته و أنه إذ ذاك ما الذي خطر له من رحمة أو غضب وهذا التفات إلى السبب فهو أعلى من الالتفات إلى الفرع أو غوائل المعاصي في الدنيا من غير التفات إلى السابقة ولا الخاتمة وهذا أغلب مخاوف الخائفين وهو على وجوه كثيرة مثل خوف الموت قبل التوبة عنها أو استيلاء العادة في ارتكابها فيتعسر عليه ترك الشهوات المألوفة أو أنه يشعر من نفسه الذمايم فيخاف اطلاع الله على سريرته أو خوف البطر بكثرة نعم الله عليه أو خوف تبعات الناس عنده في الغيبة والخيانة والغش واضمار السوء ونحو ذلك ثم خوفه إما أن يكون من السؤال في القبر أو يوم الحساب فيها ب موقفه ويستحي من كشف الستر أو الصراط وحدته وصعوبة العبور عليه أو العذاب بالنار وأغلالها وأهوالها أو فوت الجنة ونعيمها وسلسالها أو نقصان الدرجات والحجاب عن الله أو نحوها فهذه مجامع المخاوف وتختلف أحوال الخائفين فيها اختلافا فاحشا
(٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الطهارة 16
2 باب جرايم الجوارح 17
3 باب التوبة 24
4 باب التدارك 27
5 باب الحد والتعزير 28
6 باب الجناية 35
7 باب ذمايم القلب 40
8 باب الصبر 42
9 باب الحلم 45
10 باب النصيحة 47
11 باب حب الخمولة 49
12 باب التواضع 52
13 باب الفقر 57
14 باب الزهد 60
15 باب السخا 63
16 باب الرضا 65
17 باب الشكر 66
18 باب الرجاء والخوف 68
19 باب قصر الامل 70
20 باب النية 72
21 باب الاخلاص 75
22 باب الصدق 79
23 باب التوحيد والتوكل 80
24 باب تطهير السر عما سوى الله 83
25 باب الماء 88
26 باب الأخباث وتطهيرها 90
27 باب آداب التخلي 95
28 باب الاتفاث وازالتها 96
29 باب آداب التنظيف 97
30 باب الاحداث ورفعها 100
31 باب الوضوء 102
32 باب الغسل 104
33 باب التيمم 110
34 كتاب الصلاة 111
35 باب الشرايط 112
36 باب الأوقات 118
37 باب المكان 121
38 باب اللباس 125
39 باب القبلة 127
40 باب النداء 129
41 باب الهيئة 130
42 باب الآداب والسنن 132
43 باب المكروهات 135
44 باب وظائف يوم الجمعة والخطبتين 136
45 باب آداب العيدين وسننهما 137
46 باب آداب الآيات وسننها 138
47 باب الجماعة 139
48 باب الخلل 141
49 باب التعقيب 145
50 باب الدعاء 146
51 باب فضل قراءة القرآن 148
52 كتاب الزكاة 150
53 باب التعداد والشرايط 150
54 باب المقادير والنصب 153
55 باب المصرف 154
56 باب الأداء 155
57 باب الخمس 156
58 باب المعروف 158
59 باب آداب المعطى 159
60 باب آداب الآخذ 162
61 كتاب الصيام 163
62 باب الشرايط 165
63 باب الهيئة 167
64 باب الآداب 168
65 باب فوايد الجوع 173
66 باب الاعتكاف 174
67 كتاب الحج 175
68 باب الشرايط 177
69 باب الهيئة 178
70 باب المحرمات 181
71 باب الخلل 190
72 باب حرمة الحرم 195
73 باب الزيارات 196
74 كتاب الحسبة 198
75 باب الجهاد 198
76 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 201
77 باب إقامة الحدود 203
78 باب الفتيا 205
79 باب القضا 206
80 باب الشهادة 209
81 باب اخذ اللقيط 212
82 باب الحجر 212
83 كتاب البر 214
84 باب العطية 214
85 باب العتق 217
86 باب التدبير 219
87 باب الكتابة 220
88 باب النذر والعهد 220
89 باب اليمين 222
90 كتاب الكسب 224
91 باب الآداب 227
92 باب البيع 229
93 باب الربا 234
94 باب الشفعة 236
95 باب الشركة 237
96 باب القراض 238
97 باب الجعالة 240
98 باب الإجارة 242
99 باب المزارعة 244
100 باب المساقاة 245
101 باب احياء الموات 245
102 باب الغصب 248
103 باب اللقطة 250
104 باب السبق 251
105 باب الدين 252
106 باب الرهن 253
107 باب الضمان 254
108 باب الحوالة 255
109 باب الوكالة 256
110 باب الكفالة 257
111 باب الوديعة 258
112 باب الاقرار 259
113 باب الصلح 259
114 كتاب النكاح 260
115 باب التعداد والجدوى 260
116 باب المحارم 263
117 باب الولاية 271
118 باب العقد 272
119 باب الصداق 274
120 باب الخلوة 277
121 باب الحقوق 279
122 باب النشوز 281
123 باب الفسخ 282
124 باب الطلاق 284
125 باب الخلع والمباراة 286
126 باب الظهار 287
127 باب الايلاء 288
128 باب اللعان 289
129 باب العدد 290
130 باب الولد 294
131 باب القرابة 300
132 كتاب المعيشة 300
133 باب الطعام 301
134 باب الأكل 309
135 باب الشرب 312
136 باب الضيافة 313
137 باب اللباس 314
138 باب الطيب 315
139 باب المسكن 316
140 باب المنام 317
141 باب التحية 319
142 باب الكلام 321
143 باب الإخاء 326
144 باب المعاشرة 328
145 باب العزلة 333
146 باب الورد 335
147 باب السفر 338
148 كتاب الجنايز 343
149 باب المرض 343
150 باب الوصية 345
151 باب العيادة 346
152 باب الاحتضار 349
153 باب التغسيل 350
154 باب التكفين 351
155 باب التشييع والتربيع 353
156 باب الصلاة على الميت 354
157 باب الدفن 355
158 باب التعزية 357
159 باب الهدية للميت 357
160 باب زيارة القبر 358
161 كتاب الفرايض 358
162 باب الأسباب والطبقات 358
163 باب الموانع 360