التحفة السنية (مخطوط) - السيد عبد الله الجزائري - الصفحة ٧١
لعبد الله عمر إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء وإذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح وخذ من دنياك لآخرتك من حياتك لموتك ومن صحتك لسقمك فإنك يا عبد الله ما تدري ما اسمك غدا والأمل هو الإرادة للأمر المستقبل المشكوك في كونه بالحكم والبت من دون التفات إلى المشية اتكالا على الأسباب الظاهرة وهو من منشعبات حب الدنيا والناس متفاوتون فيه بحسب التفاوت في أصله على مراتب من أمل البقاء في الدنيا أبدا أو إلى ألف سنة كما أخبر الله عنهم بقوله ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة ومن البقاء إلى الهرم وهو أقصى العمر الذي شاهده في آحاد المعمرين وإلى السنة فلا يشتغل بتدبير ما وراءها ولا يقدر لنفسه وجودا في عام قابل ولكن يستعد في الصيف للشتاء وفي الشتاء للصيف وإذا أحرز ما يكفيه لسنته كف عن الطلب واشتغل بغيره وإلى التمام الفصل فلا يدخر في الصيف للشتاء ولا في الشتاء للصيف وإلى الشهر فلا يتأهب للشهر القابل وإلى اليوم الحاصر فلا يستعد لغد كما روي عن عيسى (ع) لا تهتموا برزق غد فإن يكن غد من آجالكم فسيأتي أرزاقكم مع آجالكم وإن لم يكن غد من آجالكم فلا تهتموا لأرزاق غيركم ومنهم من لا يتجاوز أمله الساعة كما في الحديث المتقدم ومنهم من يكون نصب عينه يترقبه في كل آن كما روي أن أسامة بن زيد اشترى وليدة بمائة دينار إلى شهر فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله فقال ألا تعجبون من أسامة المشتري إلى شهر إن أسامة لطويل الأمل والذي نفسي بيده ما طرفت عيناي ألا ظننت أن شفري لا يلتقيان حتى يقبض الله روحي ولا رفعت طرفي فظننت أني واضعه حتى أقبض ولا لقمت لقمة إلا ظننت أني لا أسيغها حتى أغص بها من الموت ثم قال يا بني آدم إن كنتم تعقلون فعدوا أنفسكم من الموتى والذي نفسي بيده أن ما توعدون لات وما أنتم بمعجزين وهو من مواضع الغرور فإن كل أحد يدعي من نفسه أنه قصير الأمل وإنما تظهر الحقيقة بالأعمال والآثار مثل الادخار لضرورات الحياة والتأهب للبقاء المقدر فإن من يدخر ويتأهب لسنة مثلا ليس صادقا في دعوى النقيصة أو المراد التأهب للموت فإن الاشتغال به علامة قصر الأمل والاغفال عنه علامة طوله وآفاته ترك المبادرة إلى الطاعة والكسل عنها والتسويف لها اتكالا على اتساع الوقت فإن من له غائبان ينتظر قدوم أحدهما في غد والآخر بعد سنة فلا يستعد للأخير وإنما يشتغل بالاستعداد لمن يستقرب قدومه فالمبادرة إلى الاستعداد من نتايج قرب الانتظار فمن أنتظر مجئ الموت بعد سنة اشتغل قلبه بالمدة ونسي ما ورائها ثم يصبح كل يوم وهو منتظر للسنة بكمالها لا ينقص منها اليوم الذي انقضى وذلك يمنعه من مبادرة العمل أبدا فإنه يرى لنفسه متسعا في تلك السنة فيكسل ويؤخر العمل ومن آفاته أيضا الحرص وحب المال كما سلف في باب حب الخمولة ونسيان الآخرة كما في حديث أمير المؤمنين (ع) إنما أخاف عليكم اثنتين اتباع الهوى وطول الأمل أما اتباع الهوى فإنه يصد عن الحق وأما طول الأمل فإنه ينسى الآخرة والقسوة ففي الحديث فيما ناجى الله عز وجل به موسى يا موسى لا تطول في الدنيا أملك فيقسو قلبك و القاسي القلب مني بعيد وسببه القريب حب الدنيا فإن المحب المتصل بمحبوبه مشتغل القلب بوصاله و التمتع به عن الالتفات إلى فراقه وزواله ولا يزال يقرر في نفسه لوازم الوصال من دار وأهل ومال وخوادم ودواب وآلات ومرافق وأسباب فيصير عاكفا على هذا الفكر فيلهو عن الموت وذكره فإن خطر له في بعض الأحوال عول على شبابه أو قوة مزاجه وصحة بدنه أو سول له الشيطان إن الأيام بين يديك فتقضي وطرك من بناء هذه الدار ثم تتفرغ للآخرة أو من عمارة هذه الضيغة وتدبير هذا الولد وجهازه ونحو ذلك والأصل فيه الجهل بالحقايق وأن الدنيا خسيسة لا تليق المحبة والاشتغال بها عن الآخرة وعلاجه علاجهما وذلك بالنظر في حقيقة الدنيا ومجابها الوهمية التي أعظم حظوظ طالبيها الحسرة الدائمة كما مر في الأبواب السابقة وذكر احتمال فجأة الموت وأن الشباب لا يصلح للتعويل فإن مشايخ البلد لو عدوا لكانوا أقل من عشر أهلها وإنما قلوا لأن الموت في الشبان أكثر وكذا صحة المزاج وقوة البدن فإن موت الفجأة يفشو غالبا في الأمزجة القوية و الموت ليس له وقت مخصوص من شيب أو شباب أو قوة أو ضعف وكثيرا ما يتفق بالأسباب البادية من الهدم و الغرق والسم والسبع والعدو ونحوها مما إذا التفت إليه العاقل لم يزايل هم الموت فكره ولم ينس ذكره فذكره مع استقرابه يوجب التأهب له كما ذكر في المثال الغائب المنتظر والتجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود وعن أبي عبد الله (ع) ذكر الموت يميت الشهوات في النفس ويقلع منابت الغفلة ويقوى القلب بمواعد الله ويرق الطبع ويكسر أعلام الهوى ويطفئ نار الحرص ويحقر الدنيا الحديث وحقه أن يذكر الموت رغبة إلى لقائه (تع) كما هو شأن العارفين المشتاقين إلى الخلاص من الدنيا والنظر إلى وجه الله وهو من أعلى الوجوه التي يذكر عليها الموت ودونه أن يذكر بعثا للخوف الموجب سرعة التدارك له كما هو شأن التائبين المنساقين بسوط الخوف إلى الوفاء بتمام التوبة واصلاح الزاد ودون الجميع أن يذكر على وجه التأسف على فوات الدنيا كما هو شأن المنهمكين فيها المحبين لها فإنهم يكرهون الموت ولا يذكرونه إلا على وجه الحسرة والتألم لفراق الدنيا وهم الذين قال الله فيهم أن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم فهو من الذكر المذموم لأنه مبعد عنه (تع) إلا أن يستفيد به تنغص اللذة وتكدر الشهوة فربما ينجر إلى النجاة فورد في النبوي المتفق عليه من أحب لقاء الله أحب الله لقائه ومن كره لقاء الله كره الله لقائه والمراد بلقاء الله المصير إلى دار الآخرة وبالمحب له العارف المشتاق إليه سبحانه كما مر فالموت موعده المنتظر والمحب لا ينسي موعد لقاء الحبيب بل يستبطئه وبالكاره الراغب إلى الدنيا المحب لها العازف عن الدنيا لذلك بخلاف الخائف هجومه قبل تمام التوبة والتدارك واصلاح الزاد فهو ليس يكره الموت واللقاء وإنما يكره فوت اللقاء لقصوره وتقصيره وهو كالذي يتأخر لقاء الحبيب مشتغلا بالاستعداد للقائه على وجه يرضاه فلا يعد كارها للقاء وهذا لو فرض له حصول العلم بغفران
(٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الطهارة 16
2 باب جرايم الجوارح 17
3 باب التوبة 24
4 باب التدارك 27
5 باب الحد والتعزير 28
6 باب الجناية 35
7 باب ذمايم القلب 40
8 باب الصبر 42
9 باب الحلم 45
10 باب النصيحة 47
11 باب حب الخمولة 49
12 باب التواضع 52
13 باب الفقر 57
14 باب الزهد 60
15 باب السخا 63
16 باب الرضا 65
17 باب الشكر 66
18 باب الرجاء والخوف 68
19 باب قصر الامل 70
20 باب النية 72
21 باب الاخلاص 75
22 باب الصدق 79
23 باب التوحيد والتوكل 80
24 باب تطهير السر عما سوى الله 83
25 باب الماء 88
26 باب الأخباث وتطهيرها 90
27 باب آداب التخلي 95
28 باب الاتفاث وازالتها 96
29 باب آداب التنظيف 97
30 باب الاحداث ورفعها 100
31 باب الوضوء 102
32 باب الغسل 104
33 باب التيمم 110
34 كتاب الصلاة 111
35 باب الشرايط 112
36 باب الأوقات 118
37 باب المكان 121
38 باب اللباس 125
39 باب القبلة 127
40 باب النداء 129
41 باب الهيئة 130
42 باب الآداب والسنن 132
43 باب المكروهات 135
44 باب وظائف يوم الجمعة والخطبتين 136
45 باب آداب العيدين وسننهما 137
46 باب آداب الآيات وسننها 138
47 باب الجماعة 139
48 باب الخلل 141
49 باب التعقيب 145
50 باب الدعاء 146
51 باب فضل قراءة القرآن 148
52 كتاب الزكاة 150
53 باب التعداد والشرايط 150
54 باب المقادير والنصب 153
55 باب المصرف 154
56 باب الأداء 155
57 باب الخمس 156
58 باب المعروف 158
59 باب آداب المعطى 159
60 باب آداب الآخذ 162
61 كتاب الصيام 163
62 باب الشرايط 165
63 باب الهيئة 167
64 باب الآداب 168
65 باب فوايد الجوع 173
66 باب الاعتكاف 174
67 كتاب الحج 175
68 باب الشرايط 177
69 باب الهيئة 178
70 باب المحرمات 181
71 باب الخلل 190
72 باب حرمة الحرم 195
73 باب الزيارات 196
74 كتاب الحسبة 198
75 باب الجهاد 198
76 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 201
77 باب إقامة الحدود 203
78 باب الفتيا 205
79 باب القضا 206
80 باب الشهادة 209
81 باب اخذ اللقيط 212
82 باب الحجر 212
83 كتاب البر 214
84 باب العطية 214
85 باب العتق 217
86 باب التدبير 219
87 باب الكتابة 220
88 باب النذر والعهد 220
89 باب اليمين 222
90 كتاب الكسب 224
91 باب الآداب 227
92 باب البيع 229
93 باب الربا 234
94 باب الشفعة 236
95 باب الشركة 237
96 باب القراض 238
97 باب الجعالة 240
98 باب الإجارة 242
99 باب المزارعة 244
100 باب المساقاة 245
101 باب احياء الموات 245
102 باب الغصب 248
103 باب اللقطة 250
104 باب السبق 251
105 باب الدين 252
106 باب الرهن 253
107 باب الضمان 254
108 باب الحوالة 255
109 باب الوكالة 256
110 باب الكفالة 257
111 باب الوديعة 258
112 باب الاقرار 259
113 باب الصلح 259
114 كتاب النكاح 260
115 باب التعداد والجدوى 260
116 باب المحارم 263
117 باب الولاية 271
118 باب العقد 272
119 باب الصداق 274
120 باب الخلوة 277
121 باب الحقوق 279
122 باب النشوز 281
123 باب الفسخ 282
124 باب الطلاق 284
125 باب الخلع والمباراة 286
126 باب الظهار 287
127 باب الايلاء 288
128 باب اللعان 289
129 باب العدد 290
130 باب الولد 294
131 باب القرابة 300
132 كتاب المعيشة 300
133 باب الطعام 301
134 باب الأكل 309
135 باب الشرب 312
136 باب الضيافة 313
137 باب اللباس 314
138 باب الطيب 315
139 باب المسكن 316
140 باب المنام 317
141 باب التحية 319
142 باب الكلام 321
143 باب الإخاء 326
144 باب المعاشرة 328
145 باب العزلة 333
146 باب الورد 335
147 باب السفر 338
148 كتاب الجنايز 343
149 باب المرض 343
150 باب الوصية 345
151 باب العيادة 346
152 باب الاحتضار 349
153 باب التغسيل 350
154 باب التكفين 351
155 باب التشييع والتربيع 353
156 باب الصلاة على الميت 354
157 باب الدفن 355
158 باب التعزية 357
159 باب الهدية للميت 357
160 باب زيارة القبر 358
161 كتاب الفرايض 358
162 باب الأسباب والطبقات 358
163 باب الموانع 360