التحفة السنية (مخطوط) - السيد عبد الله الجزائري - الصفحة ٣٣٨
فكان رسول الله صلى الله عليه وآله يركب الحمار من غير أكاف ويردف الخادم والمرأة ولا يطلب الزايد على الكفاف فإنه من الحرص المذموم إلا للصدقة وورد في كتب الحديث والسير أن النبي صلى الله عليه وآله كان لا يدخل البيت حتى يتصدق بفاضل النفقة وأنه فضل ذات ليلة عنده مال فبات يتملل ولم يأخذه النوم حتى أخرجه ويسعى في الحاجات المهمة فإنه من الحزم ولا يتقاعد عنها بالكسل فإنه مقرون بالحرمان و يخصف النعل فهو من السنة ويخيط الثوب إذا انفتق ويرفعه إذا بلى وهذه من إتقان المعيشة كما سبق ولا يرفع في بيته عن أن يقطع اللحم بيده ويشتغل بأمر البيت بنفسه مع النساء والخدم فإنها جميعا من السنة ولا يتكلف بالتأنق في المأكل وغيره بالكلفة والمشقة ولا يحبه أن يفعل ذلك له فقد سبق أن الأتقياء براء منه ولا يصيد بنفسه فإن الاصطياد من الصنايع المكروهة وكان رسول الله صلى الله عليه وآله لا يتبع الصيد ويحبه أن يصاد له فيؤتى به فيأكله ويقبل الهدية من غير ريبة فإنها مفتاح المحبة وفي النبوي تهادوا تحاببوا وفي قبولها ادخال السرور على المؤمن ويكافئ عليها ولو بالثناء عند المعجز عن غيره وقد سبقتا في حديث الحقوق فإن كانت من الأدنى إلى الأعلى اشبهت المعاوضة و جب الثواب أخذا باليقين وفاقا لبعض القدماء ويرد المقرونة بالمنة وإن قلت فإن المنة ضرر لا يحسن تحمله وفي بعض النسخ وورد بالواو بدل الفاء فيحتمل أن تكون الضماير الأفعال التالية كلها راجعة إلى النبي وهذا أولى واعلم أن كثيرا من مقاصد هذا الباب كانت بباب المعاشرة أنسب وقد وجدنا النسخ مضطربة فيها جدا باب السفر السفر سفران سفر بظاهر البدن عن دار إقامته يقطع فيه الفلوات والفيافي إلى دار أخرى مثلها وسفر بسير القلب عن دار علائقه في أسفل السافلين يطوي فيه ملكوت السماوات والأرض إلى دار فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وسفر الباطن هو الأحمد الأربح فإن الواقف على الحالة التي نشأ عليها في مقر الطبيعة عند الولادة الجامد على ما تلقنه تقليدا من أمه وأبيه لازم درجة القصور وقانع برتبة النقص ومستبدل بجنة عرضها السماوات والأرض مظلمة الحرمان ومطمورة الجهل ذلك هو الخسران المبين ولم في عيوب الناس عيبا كعيب القادرين على الكمال وهو من فروض الأعيان لمن استطاع إليه سبيلا ولن تبلغ غايته إلا بشق الأنفس إذ الزاد الذي يتمتع به فيه التجرد و الخلوص عن الأسباب والاعراض والجوع والصمت والسهر والارتياض وغير ذلك مما تقدم كلها أمور مخالفة لما يهواه البدن والجزء الذي يلي تربيته من النفس وهو المركب الذي لا يتم السير إلا به ومن ثم كلما صادف في أثناء السير غفلة أو فتورا في الجد انقلب على وجهته إلى ما لو فاته كما كما قال القائل هوى ناقتي خلفي وقدامي الهوى وإني وإياها لمختلفان وهذا هو ما استعاذ منه النبي صلى الله عليه وآله في دعائه رب لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا إشارة إلى أن بلوغ الغاية لا يتيسر إلا بدوام التوفيق واتصال مدد العناية الرحمانية فإنهما بمنزلة القائد والسايق لايصال النفوس إلى سعاداتها وفي لوايح الكتاب والسنة ارشادات إلى هذا السفر ومدح أهله وهو السفر الذي لا تعسر فيه المناهل ولا تضيق الخانات والمنازل ولا يتصور التزاحم و التوارد ولا يعقل التحاقد والتحاسد بل تزيد بكثرة المسافرين مغانمه وبركاته وتتضاعف خيراته وفوائده وثمراته وأول مقام للمبتدئ بالسير من منازل النفس هو الأفق المبين فيحط رحله ويقيم ريثما يستريح ويتأهب ويستأنف الحد والاجتهاد للوصول إلى الأفق الأعلى وهو المقام الثاني فإن استأنف العمل وتواصلت إليه الجذبات الإلهية عرجت به إلى المقام الثالث وهو مقام قاب قوسين أو أدنى فمكث ثمة ما شاء الله ثم يتراجع بشطر منه لدلالة الطالبين وهداية المسترشدين والتحديث بما أنعم الله عليه في منزل قربه وما شاهده بعين اليقين من عجايب الصنع وبدايع القدرة وأسرار الملكوت وهو مقام التكميل والبقاء بعد الفناء ولكل من هذه المقامات مبادئ وأوساط وغايات ولم يبلغ غاياتها وخواتمها إلا من ختمت به مرتبة النبوة صلى الله عليه وآله وأما من عداه من الأنبياء والأولياء والملائكة المقربين فهم كما حكى الله عنهم بقوله وما منا إلا له مقام معلوم والمبحوث عنه هنا سفر الظاهر وهو إما طلب أو هرب وكل منهما إما ديني واجب أو مندوب كالحج والعمرة والجهاد والزيارات والتبرك بالأمكنة الشريفة والدعاء فيها وطلب العلم حيث يتعذر في دار الإقامة والتفكر في لطائف أفعاله تعالى الغريبة وعظيم صفاته بمشاهدة آيات الآفاق وتحصيل التجارب لاصلاح الأخلاق فإن النفس في الوطن مع مواتاة الأسباب قد لا تظهر ذمائمها لاستئناسها بما يوافق طبعها من المألوفات المعهودة فإنما السفر يسفر عنها للبعد عن المألوفات والامتحان بمشاق الغربة وملاقات الكبراء للاستفادة من مشاهدة أحوالهم وبركات أنفاسهم فإن فيها من تحريك الرغبة في الاقتداء بهم والتخلق بآدابهم ما ليس في حكاية الناطقين عنهم إذ لسان الحال أفصح من لسان المقال ومن ثم ورد أن النظر إلى وجوه العلماء والصلحاء عبادة والفرار عما يشوش العبادة أو يحرك إلى السوء في الوطن كالجاه والمال حيث لا مخلص عنهما فيه والهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الاسلام من حيث لا يتمكن فيه من إقامة شعاير الشرع إلى حيث يتمكن فورد في التنزيل إن الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها وطلب المال للتعفف عن السئول و التعفف على العيال والجاه لقضاء حوائج المسلمين ودفع الأذى عنهم كما سبق وغير ذلك من المقاصد الراجحة وكل ذلك ينسب إلى الدين بحسب مقصده الغالب كما علم مما مضى وأما دنيوي مباح أو مكروه أو حرام والمقصود بالبيان الأولان أو الأول خاصة فالهرب كالفرار
(٣٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 333 334 335 336 337 338 339 340 341 342 343 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الطهارة 16
2 باب جرايم الجوارح 17
3 باب التوبة 24
4 باب التدارك 27
5 باب الحد والتعزير 28
6 باب الجناية 35
7 باب ذمايم القلب 40
8 باب الصبر 42
9 باب الحلم 45
10 باب النصيحة 47
11 باب حب الخمولة 49
12 باب التواضع 52
13 باب الفقر 57
14 باب الزهد 60
15 باب السخا 63
16 باب الرضا 65
17 باب الشكر 66
18 باب الرجاء والخوف 68
19 باب قصر الامل 70
20 باب النية 72
21 باب الاخلاص 75
22 باب الصدق 79
23 باب التوحيد والتوكل 80
24 باب تطهير السر عما سوى الله 83
25 باب الماء 88
26 باب الأخباث وتطهيرها 90
27 باب آداب التخلي 95
28 باب الاتفاث وازالتها 96
29 باب آداب التنظيف 97
30 باب الاحداث ورفعها 100
31 باب الوضوء 102
32 باب الغسل 104
33 باب التيمم 110
34 كتاب الصلاة 111
35 باب الشرايط 112
36 باب الأوقات 118
37 باب المكان 121
38 باب اللباس 125
39 باب القبلة 127
40 باب النداء 129
41 باب الهيئة 130
42 باب الآداب والسنن 132
43 باب المكروهات 135
44 باب وظائف يوم الجمعة والخطبتين 136
45 باب آداب العيدين وسننهما 137
46 باب آداب الآيات وسننها 138
47 باب الجماعة 139
48 باب الخلل 141
49 باب التعقيب 145
50 باب الدعاء 146
51 باب فضل قراءة القرآن 148
52 كتاب الزكاة 150
53 باب التعداد والشرايط 150
54 باب المقادير والنصب 153
55 باب المصرف 154
56 باب الأداء 155
57 باب الخمس 156
58 باب المعروف 158
59 باب آداب المعطى 159
60 باب آداب الآخذ 162
61 كتاب الصيام 163
62 باب الشرايط 165
63 باب الهيئة 167
64 باب الآداب 168
65 باب فوايد الجوع 173
66 باب الاعتكاف 174
67 كتاب الحج 175
68 باب الشرايط 177
69 باب الهيئة 178
70 باب المحرمات 181
71 باب الخلل 190
72 باب حرمة الحرم 195
73 باب الزيارات 196
74 كتاب الحسبة 198
75 باب الجهاد 198
76 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 201
77 باب إقامة الحدود 203
78 باب الفتيا 205
79 باب القضا 206
80 باب الشهادة 209
81 باب اخذ اللقيط 212
82 باب الحجر 212
83 كتاب البر 214
84 باب العطية 214
85 باب العتق 217
86 باب التدبير 219
87 باب الكتابة 220
88 باب النذر والعهد 220
89 باب اليمين 222
90 كتاب الكسب 224
91 باب الآداب 227
92 باب البيع 229
93 باب الربا 234
94 باب الشفعة 236
95 باب الشركة 237
96 باب القراض 238
97 باب الجعالة 240
98 باب الإجارة 242
99 باب المزارعة 244
100 باب المساقاة 245
101 باب احياء الموات 245
102 باب الغصب 248
103 باب اللقطة 250
104 باب السبق 251
105 باب الدين 252
106 باب الرهن 253
107 باب الضمان 254
108 باب الحوالة 255
109 باب الوكالة 256
110 باب الكفالة 257
111 باب الوديعة 258
112 باب الاقرار 259
113 باب الصلح 259
114 كتاب النكاح 260
115 باب التعداد والجدوى 260
116 باب المحارم 263
117 باب الولاية 271
118 باب العقد 272
119 باب الصداق 274
120 باب الخلوة 277
121 باب الحقوق 279
122 باب النشوز 281
123 باب الفسخ 282
124 باب الطلاق 284
125 باب الخلع والمباراة 286
126 باب الظهار 287
127 باب الايلاء 288
128 باب اللعان 289
129 باب العدد 290
130 باب الولد 294
131 باب القرابة 300
132 كتاب المعيشة 300
133 باب الطعام 301
134 باب الأكل 309
135 باب الشرب 312
136 باب الضيافة 313
137 باب اللباس 314
138 باب الطيب 315
139 باب المسكن 316
140 باب المنام 317
141 باب التحية 319
142 باب الكلام 321
143 باب الإخاء 326
144 باب المعاشرة 328
145 باب العزلة 333
146 باب الورد 335
147 باب السفر 338
148 كتاب الجنايز 343
149 باب المرض 343
150 باب الوصية 345
151 باب العيادة 346
152 باب الاحتضار 349
153 باب التغسيل 350
154 باب التكفين 351
155 باب التشييع والتربيع 353
156 باب الصلاة على الميت 354
157 باب الدفن 355
158 باب التعزية 357
159 باب الهدية للميت 357
160 باب زيارة القبر 358
161 كتاب الفرايض 358
162 باب الأسباب والطبقات 358
163 باب الموانع 360