التحفة السنية (مخطوط) - السيد عبد الله الجزائري - الصفحة ٦٣
عقار ولا راتب ولا يأخذ شيئا من الأيدي فإن الادخار الزايد لا يخرجه عن الزهد إلا أنه يخرجه عن التوكل ولا يخلو عن مخاطرة الانجرار إلى الأنس بالدنيا ومع ذلك فهو أولى من وجه من التفريق المحوج إلى الأخذ من الأيدي والسالك الحذر يتحفظ في كل مقام على ما يأمن به الآفة ولا يوسع على نفسه بعلة الضرورة والحاجة فإن حدودها متشابهة وقليل الدنيا يجر إلى كثيرها والنفس أمارة بالسوء تابعة للرخص والتسهيلات ومن حام حول الحمى أوشك أن يقع فيه فالأولى المبالغة في التشديد و التضييق على النفس وافحامها فيما يتسلل إليه بالخدايع تحاميا عن الأنس بالدنيا الموجب لحبها و طول الأمل وعن طول المكث للحساب وطول الحبس عن الجنة لتفريغه فإن الانتظار خمسمائة عام كما مر من أشد العذاب واللوم والتغيير بسبب الاختيار اللذات اليسيرة الفانية على السعادات الجليلة الدائمة والحرمان عن الدرجات العالية المعدة للزاهدين عوضا عما فاتهم من زهائد الدنيا المنغصة الملعونة فورد في الحديث النبوي الدنيا ملعونة ملعون ما فيها الأمان لله منها والمستثنى فيه هو البلاغ المقاسم للملعونة في حديث حب الدنيا المتقدم باب السخاء وهو من منشعبات الزهد و ضده البخل من منشعبات الشح المطاع أو حب الدنيا وأجود ما يقال في رسمه أن يعطى أي يصرف ما يجب صرفه من الأعيان والمنافع في محله اللائق شرعا ومروة عن طيب نفسه ففيه قيود أ اعطاء الواجب فمانع الواجب ليس سخيا وإن تبرع بالنوافل سواء منع الواجب الشرعي كالذي يضن بالزكاة الواجبة ويبني المساجد أو العرفي كالذي يضايق في اليسير الذي لا يستقصى فيه ويتكرم بالعطايا و الصلات الجزيلة بل كلاهما بخيلان ومانع الواجب الشرعي أبخل إذ يستحق الذم والعقاب جميعا بخلاف مانع العرفي ب رعاية المحل فمن وضع زكاته في غير المستحق أو صرف بره ومروته عن أقاربه وجيرانه المحاويج إلى الأغنياء الذين لا تجمعه وإياهم رابطة لا يوصف بالسخاء المحمود بل هو مبذر ج أن يجمع بين الواجبين كما في الحديث النبوي ليس بالبخيل الذي يؤدي الزكاة المفروضة في ماله ويعطي النائبة في قومه فالمقتصر على أحدهما بخيل وربما يطلق السخاء على مجرد اعطاء الواجب الشرعي والبخل على منعه كما في حديث أبي عبد الله (ع) وسئل ما حد السخاء فقال تخرج من مالك الحق الذي أوجبه الله عليك فتضعه في موضعه وعن أبي الحسن (ع) البخيل من بخل بما افترض الله عليه إلا أن يعمم في الايجاب والافتراض د أن يكون ذلك عن طيب النفس فإن المعطي عن كراهة متسخي لا سخي كما سيأتي وجدواه أمور دينية ودنيوية وكلها راجعة إلى جلب منافع ودفع مضار إلا أنها في كلام المصنف مشوشة الترتيب وهي الابتلاء في حبه (تع) الباعث على امتثال أمره في أنفاق المال المحبوب وترك الدنيا فعن أبي عبد الله (ع) في حديث إنما وضعت الزكاة اختيارا للأغنياء وأن أحب الناس إلى الله أسخاهم كفا وأسخى الناس من أدى زكاة ماله ومعنى الابتلاء في أمثاله ظهور المراتب فيه في الخارج بحسب اختلاف الناس في الملكة الباطنة وتنقية الباطن عن ذميمة البخل فإن وجود أحد الضدين ينفي وجود الآخر وتحليته بالشكر فإن صرف النعمة في مصرفها اللائق من جملة الشكر كما يأتي وعن الرضا (ع) فيما كتبه لمحمد بن سنان أن اخراج الزكاة من أداء شكر نعم الله عز وجل وفي الصحيح عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله (ع) هل للشكر حد إذا فعله العبد كان شاكرا قال نعم قلت ما هو يحمد الله على كل نعمة عليه في أهل ومال وإن كان فيما أنعم عليه في ماله حق أداه الحديث والقرب من الله (تع) والناس والجنة فعن أبي الحسن (ع) السخي قريب من الله قريب من الناس قريب من الجنة والبعد من النار فعن النبي (ص) أنه قال لبعض جلسائه ألا أخبرك بشئ يقرب من الله ويقرب من الجنة ويبعد من النار فقال بلى فقال عليك بالسخاء الحديث واستحقاق المحبة من الله فعن أبي جعفر (ع) شاب سخي مرهق للذنوب أحب إلى الله من شيخ عابد بخيل ومن أهل السماوات والأرضين فعن النبي صلى الله عليه وآله السخي محبب في السماوات محبب في الأرض والبخيل مبغض في السماوات مبغض في الأرض وتحصيل الأخوة بصيغة المصدر أو الجمع والأول أقرب لفظا والثاني معنى والفتوة بالكرامات اللائقة مثل الضيافة فإن الله يحب اطعام الطعام والهدية فإنها مفتاح المحبة والإعانة قرضا أو تبرعا ولو للأغنياء ودفع الغيبة والعداوة والهجاء ببذله للشعراء والسفهاء والطامعين وقطع ألسنتهم وتطييب نفوسهم به فإن خير المال ما صين به العرض وأفضل الفعال صيانة العرض بالمال وما وقى المسلم به عرضه يكتب له صدقة والاستخدام بالاستيجار وشراء الرقيق لتدبير أمور المعاش ونظم أسبابه التي لو تولتها الانسان بنفسه ضاق وقته واشتغل قلبه عن العبادات العلمية والعملية فلا بد له لتفريغ القلب والوقت في الجملة لأداء العبادة من أن يسخو بشئ من المال ببذله لأهل الخدمة عوضا عما يكفونه منها وابقاء الذكر الجميل وتحصيل بركة الدعاء الصالح والثواب الجزيل بعد الموت في أوقات متمادية في الخيرات العامة والصدقات الجارية نحو بناء المسجد والجسر والرباط ودار المرضى والمدرسة ووقف كتب العلم والحوض والبئر سيما في البراري المقفرة إلى غير ذلك مما لا يحصى أفراده ولا ثوابه وفي الحديث إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ولد صالح يستغفر له أو ورقة علم ينتفع به من بعده أو صدقة جارية وحصول ملكة السخاء في النفس ربما يكون غريزيا موهبة من الله في النفوس المجبولة على الخير وربما يكون كسبيا لا يتأتى إلا بالعلاج والتحصيل ويحصل برفع المانع وإيجاد المقتضي والمانع إما من طرف التفريط أو من طرف الافراط وعلاج كل بقلع سببه فيرفع الأول بقلع أسباب الحرص هكذا فيما وجدناه من النسخ والصواب البخل لأنه المانع وإن كان بعض المعدودات من أسباب الحرص أيضا كحب عين المال لنفسه لا للتوصل به إلى مقصد فإن من الناس من معه من المال ما يعلم أنه يزيد على كفايته مدة عمره المديد إذا اقتصر على ما جرت عادته بنفقته أضعافا مضاعفة ولا تسمح نفسه باخراج الزكاة ولو علم أنه يموت غدا ولا بمداواة نفسه عند المرض بل صار محبا للمال عاشقا له يلتذ بوجوده في يده فيكنزه تحت الأرض وهو
(٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الطهارة 16
2 باب جرايم الجوارح 17
3 باب التوبة 24
4 باب التدارك 27
5 باب الحد والتعزير 28
6 باب الجناية 35
7 باب ذمايم القلب 40
8 باب الصبر 42
9 باب الحلم 45
10 باب النصيحة 47
11 باب حب الخمولة 49
12 باب التواضع 52
13 باب الفقر 57
14 باب الزهد 60
15 باب السخا 63
16 باب الرضا 65
17 باب الشكر 66
18 باب الرجاء والخوف 68
19 باب قصر الامل 70
20 باب النية 72
21 باب الاخلاص 75
22 باب الصدق 79
23 باب التوحيد والتوكل 80
24 باب تطهير السر عما سوى الله 83
25 باب الماء 88
26 باب الأخباث وتطهيرها 90
27 باب آداب التخلي 95
28 باب الاتفاث وازالتها 96
29 باب آداب التنظيف 97
30 باب الاحداث ورفعها 100
31 باب الوضوء 102
32 باب الغسل 104
33 باب التيمم 110
34 كتاب الصلاة 111
35 باب الشرايط 112
36 باب الأوقات 118
37 باب المكان 121
38 باب اللباس 125
39 باب القبلة 127
40 باب النداء 129
41 باب الهيئة 130
42 باب الآداب والسنن 132
43 باب المكروهات 135
44 باب وظائف يوم الجمعة والخطبتين 136
45 باب آداب العيدين وسننهما 137
46 باب آداب الآيات وسننها 138
47 باب الجماعة 139
48 باب الخلل 141
49 باب التعقيب 145
50 باب الدعاء 146
51 باب فضل قراءة القرآن 148
52 كتاب الزكاة 150
53 باب التعداد والشرايط 150
54 باب المقادير والنصب 153
55 باب المصرف 154
56 باب الأداء 155
57 باب الخمس 156
58 باب المعروف 158
59 باب آداب المعطى 159
60 باب آداب الآخذ 162
61 كتاب الصيام 163
62 باب الشرايط 165
63 باب الهيئة 167
64 باب الآداب 168
65 باب فوايد الجوع 173
66 باب الاعتكاف 174
67 كتاب الحج 175
68 باب الشرايط 177
69 باب الهيئة 178
70 باب المحرمات 181
71 باب الخلل 190
72 باب حرمة الحرم 195
73 باب الزيارات 196
74 كتاب الحسبة 198
75 باب الجهاد 198
76 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 201
77 باب إقامة الحدود 203
78 باب الفتيا 205
79 باب القضا 206
80 باب الشهادة 209
81 باب اخذ اللقيط 212
82 باب الحجر 212
83 كتاب البر 214
84 باب العطية 214
85 باب العتق 217
86 باب التدبير 219
87 باب الكتابة 220
88 باب النذر والعهد 220
89 باب اليمين 222
90 كتاب الكسب 224
91 باب الآداب 227
92 باب البيع 229
93 باب الربا 234
94 باب الشفعة 236
95 باب الشركة 237
96 باب القراض 238
97 باب الجعالة 240
98 باب الإجارة 242
99 باب المزارعة 244
100 باب المساقاة 245
101 باب احياء الموات 245
102 باب الغصب 248
103 باب اللقطة 250
104 باب السبق 251
105 باب الدين 252
106 باب الرهن 253
107 باب الضمان 254
108 باب الحوالة 255
109 باب الوكالة 256
110 باب الكفالة 257
111 باب الوديعة 258
112 باب الاقرار 259
113 باب الصلح 259
114 كتاب النكاح 260
115 باب التعداد والجدوى 260
116 باب المحارم 263
117 باب الولاية 271
118 باب العقد 272
119 باب الصداق 274
120 باب الخلوة 277
121 باب الحقوق 279
122 باب النشوز 281
123 باب الفسخ 282
124 باب الطلاق 284
125 باب الخلع والمباراة 286
126 باب الظهار 287
127 باب الايلاء 288
128 باب اللعان 289
129 باب العدد 290
130 باب الولد 294
131 باب القرابة 300
132 كتاب المعيشة 300
133 باب الطعام 301
134 باب الأكل 309
135 باب الشرب 312
136 باب الضيافة 313
137 باب اللباس 314
138 باب الطيب 315
139 باب المسكن 316
140 باب المنام 317
141 باب التحية 319
142 باب الكلام 321
143 باب الإخاء 326
144 باب المعاشرة 328
145 باب العزلة 333
146 باب الورد 335
147 باب السفر 338
148 كتاب الجنايز 343
149 باب المرض 343
150 باب الوصية 345
151 باب العيادة 346
152 باب الاحتضار 349
153 باب التغسيل 350
154 باب التكفين 351
155 باب التشييع والتربيع 353
156 باب الصلاة على الميت 354
157 باب الدفن 355
158 باب التعزية 357
159 باب الهدية للميت 357
160 باب زيارة القبر 358
161 كتاب الفرايض 358
162 باب الأسباب والطبقات 358
163 باب الموانع 360