التحفة السنية (مخطوط) - السيد عبد الله الجزائري - الصفحة ٥٧
الكتب العلماء الماضين وتحقيقاتهم وإفاداتهم في المسايل العويصة التي لا يبلغها فهمه فإن ذلك يزيل عنه العجب ويحقر إليه علمه وكذا العابد يتوصل إلى مخالطة من هو أعبد منه فإن لم يجد فليتتبع أحوال العباد الكاملين من الكتب المشتملة عليها والمعجب بنسبه العلوي يتتبع أحوال الأكابر الذين كانوا أقرب نسبا وأمس رحما ويرون أنفسهم مع ما هم فيه من العبادة والاجتهاد على خطر عظيم من غير اتكال على نسبهم القريب وناهيك في ذلك بما تقدم من حديث السجاد والرضا (ع) والجميل ينظر إلى من هو أجمل منه والمميل يرى في عظماء النصارى والهنود من يملك أضعاف ما يملكه هذا المعجب والقوي يرى من الزنوج و الأكراد من هو أقوى منه بمراتب كثيرة فإن فقده فيهم وجده في البهائم البتة فإنه لا يطيق ما يطيقه الثور فضلا عن الجمل والفيل والمستعظم أتباعه وعشيرته إن لم يجد من هو أكمل منه في هذه الخاصة من أهل عصره ففي تتبع أحوال السابقين ما فيه كفاية ومعتبر فإن قلت هذا يجر إلى استحقار النعمة و الفتور عن الشكر قلت المعجب لم ير الخصلة من حيث إنها نعمة فائضة من الله وإنما نظر إليها بالعين العوراء فرآها من حيث إنها صفة قائمة به فهو ليس من أهل الشكر فلا يتجدد محذور في استحقاره النعمة على أن الجمع بين الحقين ليس بمستحيل فإن كل مرتبة من مراتب النعم مكتنفة بمرتبتين تحتانية وفوقانية فالسالك المتهذب إذا كان بصيرا ذا عينين يلاحظ المرتبتين جميعا ويراعى العمل بمقتضى كل واحدة في مقامها الأليق فبحسب المرتبة الفوقانية وملاحظة حال ذويها يجتهد في قلع العجب عن نفسه وبحسب التحتانية وذويها يجتهد في أداء الشكر فلا محذور باب الفقر بفتح الفاء وضمها وهو يطلق تارة بمعنى الاحتياج فيساوق الامكان إذ كل ممكن محتاج إلى الموجد البتة وهذا هو الفقر المطلق ويقابله الغنى المطلق وهو يساوق الوجوب قيل وهو المراد في قوله عز وجل والله الغني وأنتم الفقراء وأخرى على فقد ما يحتاج إليه بالفعل والقوة القريبة من المال وهذا هو الشايع في العرف العام حيث يسمون فاقد المال على الوجهين فقيرا وهو موضوع الباب فالواجد لا يسمى فقيرا وكذا فاقد ماله القدرة عليه بالكسب أو لا حاجة له إليه ويتصور للفاقد في فقده أحوال يخص في كل منها باسم فإن كان ما فقده ضروريا له كالخبز للجائع والثوب للعاري فمضطر سواء كان له رغبة في الطلب أم لا وقلما ينفك عن الرغبة وهذا مما لا بحث عنه وقد وسع الله عليه في الجملة مهما كان غير باغ ولا عاد ولا متجانف لإثم وأن لا يكن المفقود ضروريا فإن فرح بحالته تلك وكره المال الزايد على ما تندفع به الضرورة لو أتاه و تأذى منه وهرب من قبوله محترزا من شرة وشغله فزاهد من الزهد وهو ضد الرغبة وإن لم يكره كراهة يتأذى به ولم يرغب رغبة يفرح بحصوله ولو أتاه عفوا رضي به فراض وإن كان له رغبة فيه لكنها ضعيفة لا تنهضه للسعي والاشتغال بالتحصيل فقعد وترك الطلب مع أن الوجود عنده أحب ولو أتاه صفوا أخذه وفرح به فقانع إذ قنع نفسه بالموجود حتى ترك الطلب مع ما فيه من الرغبة وإن رغب فيه رغبة قوية تحثه على الطلب مهما وجد إليه سبيلا ولو بشق الأنفس فإن شغلته به وسعى للتحصيل فحريص من الحرص من الشق لأنه يشق قناع الحيا أو هو أن يأخذ نصيبه ويطمع في نصيب غيره وإن عجز عن الطلب وتركه للعجز فحريص أيضا كالساعي ومجرد قعوده عنه عجز إلا يسلب عنه هذا الاسم المذموم فهذه خمسة أحوال للفاقد في فقده مترتبة والأعلى الزهد وأعلى منه تسوية الوجود و العدم عنده فإن وجده لم يفرح ولم يتأذ وإن فقده كذلك والفرق بينه وبين الرضا أن الراضي وإن كان غير كاره لحصوله ولا راغبا إليه لكن ربما يتصور أن يتعلق به قلبه بعد الحصول ويحصل له الأنس به والاخلاد إليه فإن ذلك غير مناف لمرتبة الرضا بخلاف الأخير فإنه غير مقيد به قبل الحصول وبعده فلو كانت الدنيا بحذافيرها له لا يتفاوت حاله بين بقائها وذهابها ولا يشتغل قلبه بها بوجه وأما ترجيحه على الزهد فلأن الزاهد متعلق للقلب بكراهته والتجرح عنه ومشتغل بذلك عن الله ومثاله مثال الرقيب الحاضر في مجمع العاشق والمعشوق فإن التفت قلب العاشق إلى الرقيب وإلى بغضه و استثقاله وكراهة حضوره فهو في حالة اشتغال قلبه ببغضه مصروف عن التلذذ بمشاهدة المعشوق ولو استغرقه العشق لغفل عن غير المعشوق ولم يلتفت إليه وكما لا يجتمع في القلب حبان في حالة واحدة فلا يجتمع أيضا بغض وحب في حالة واحدة فالزاهد المشغول ببغض الدنيا محجوب عن الله كالمشغول بحبها إلا أن الأخير سالك في طريق البعد والأول في طريق القرب فيرجى له الوصول كرجلين في طريق الكعبة أحدهما مستقبل والآخر مستدبر فإنهما سيان في البعد عنها بحسب الحال إلا أن المستقبل أحسن حالا من المستدبر بحسب العاقبة المرجوة لكن الواصل المعتكف في الكعبة أحسن حالا منه لبلوغه المقصد واستغنائه عن الاستقبال والاستدبار وهذا الحال لا يكاد يوجد إلا في الأوحدي من الناس من ذوي النفوس القوية الموقنة المطمئنة المتخلقة بأخلاق الله فهو حقيق بأن يسمى استغناء إذ لا يعرف له اسم مخصوص في الشرع وصاحبه مستغنيا فإنه قريب من الغنى المطلق لاستغنائه عن حصول المال وبقائه وذهابه وعدم تأذيه بشئ منها وإنما اختير له اسم الاستغناء دون الغني تأدبا لاختصاص مطلقه حقيقة به (تع) كما نبه عليه الحصر المتقدم وشيوع اطلاقه العرفي على اليسار فيسمى الموسر غنيا مع أنه أكثر الناس حاجة وفي تغيير الأسلوب إيماء إلى مغايرة حال الاستغناء للأحوال الخمسة السابقة من حيث اندراجها تحت الفقر وصحة اطلاق اسم الفقير على ذويها بخلافه فإن تسمية المستغني فقيرا لا وجه له بل بالمعنى المذكور بل إن سمي فقيرا فبمعنى آخر وهو معرفته بكونه محتاجا إلى الله في جميع أموره عامة وفي بقاء استغنائه عن المال خاصة فيكون اسم الفقير له كاسم العبد لمن عرف نفسه بالعبودية وأقر بها فإنه أحق باطلاق اسم العبد من الغافلين وإن كان الاسم عاما للخلق واسم الفقير مشترك بين المعنيين والأخير هو المراد بما ورد في فضل الفقر من قوله صلى الله عليه وآله الفقر فخري وبه افتخر على سائر الأنبياء فإن اتصاله بالحضرة الربوبية
(٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الطهارة 16
2 باب جرايم الجوارح 17
3 باب التوبة 24
4 باب التدارك 27
5 باب الحد والتعزير 28
6 باب الجناية 35
7 باب ذمايم القلب 40
8 باب الصبر 42
9 باب الحلم 45
10 باب النصيحة 47
11 باب حب الخمولة 49
12 باب التواضع 52
13 باب الفقر 57
14 باب الزهد 60
15 باب السخا 63
16 باب الرضا 65
17 باب الشكر 66
18 باب الرجاء والخوف 68
19 باب قصر الامل 70
20 باب النية 72
21 باب الاخلاص 75
22 باب الصدق 79
23 باب التوحيد والتوكل 80
24 باب تطهير السر عما سوى الله 83
25 باب الماء 88
26 باب الأخباث وتطهيرها 90
27 باب آداب التخلي 95
28 باب الاتفاث وازالتها 96
29 باب آداب التنظيف 97
30 باب الاحداث ورفعها 100
31 باب الوضوء 102
32 باب الغسل 104
33 باب التيمم 110
34 كتاب الصلاة 111
35 باب الشرايط 112
36 باب الأوقات 118
37 باب المكان 121
38 باب اللباس 125
39 باب القبلة 127
40 باب النداء 129
41 باب الهيئة 130
42 باب الآداب والسنن 132
43 باب المكروهات 135
44 باب وظائف يوم الجمعة والخطبتين 136
45 باب آداب العيدين وسننهما 137
46 باب آداب الآيات وسننها 138
47 باب الجماعة 139
48 باب الخلل 141
49 باب التعقيب 145
50 باب الدعاء 146
51 باب فضل قراءة القرآن 148
52 كتاب الزكاة 150
53 باب التعداد والشرايط 150
54 باب المقادير والنصب 153
55 باب المصرف 154
56 باب الأداء 155
57 باب الخمس 156
58 باب المعروف 158
59 باب آداب المعطى 159
60 باب آداب الآخذ 162
61 كتاب الصيام 163
62 باب الشرايط 165
63 باب الهيئة 167
64 باب الآداب 168
65 باب فوايد الجوع 173
66 باب الاعتكاف 174
67 كتاب الحج 175
68 باب الشرايط 177
69 باب الهيئة 178
70 باب المحرمات 181
71 باب الخلل 190
72 باب حرمة الحرم 195
73 باب الزيارات 196
74 كتاب الحسبة 198
75 باب الجهاد 198
76 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 201
77 باب إقامة الحدود 203
78 باب الفتيا 205
79 باب القضا 206
80 باب الشهادة 209
81 باب اخذ اللقيط 212
82 باب الحجر 212
83 كتاب البر 214
84 باب العطية 214
85 باب العتق 217
86 باب التدبير 219
87 باب الكتابة 220
88 باب النذر والعهد 220
89 باب اليمين 222
90 كتاب الكسب 224
91 باب الآداب 227
92 باب البيع 229
93 باب الربا 234
94 باب الشفعة 236
95 باب الشركة 237
96 باب القراض 238
97 باب الجعالة 240
98 باب الإجارة 242
99 باب المزارعة 244
100 باب المساقاة 245
101 باب احياء الموات 245
102 باب الغصب 248
103 باب اللقطة 250
104 باب السبق 251
105 باب الدين 252
106 باب الرهن 253
107 باب الضمان 254
108 باب الحوالة 255
109 باب الوكالة 256
110 باب الكفالة 257
111 باب الوديعة 258
112 باب الاقرار 259
113 باب الصلح 259
114 كتاب النكاح 260
115 باب التعداد والجدوى 260
116 باب المحارم 263
117 باب الولاية 271
118 باب العقد 272
119 باب الصداق 274
120 باب الخلوة 277
121 باب الحقوق 279
122 باب النشوز 281
123 باب الفسخ 282
124 باب الطلاق 284
125 باب الخلع والمباراة 286
126 باب الظهار 287
127 باب الايلاء 288
128 باب اللعان 289
129 باب العدد 290
130 باب الولد 294
131 باب القرابة 300
132 كتاب المعيشة 300
133 باب الطعام 301
134 باب الأكل 309
135 باب الشرب 312
136 باب الضيافة 313
137 باب اللباس 314
138 باب الطيب 315
139 باب المسكن 316
140 باب المنام 317
141 باب التحية 319
142 باب الكلام 321
143 باب الإخاء 326
144 باب المعاشرة 328
145 باب العزلة 333
146 باب الورد 335
147 باب السفر 338
148 كتاب الجنايز 343
149 باب المرض 343
150 باب الوصية 345
151 باب العيادة 346
152 باب الاحتضار 349
153 باب التغسيل 350
154 باب التكفين 351
155 باب التشييع والتربيع 353
156 باب الصلاة على الميت 354
157 باب الدفن 355
158 باب التعزية 357
159 باب الهدية للميت 357
160 باب زيارة القبر 358
161 كتاب الفرايض 358
162 باب الأسباب والطبقات 358
163 باب الموانع 360