التحفة السنية (مخطوط) - السيد عبد الله الجزائري - الصفحة ٥٨
لما كان أتم كانت معرفته بعبوديته واقراره بها أوفى وأكمل وكذا ما ورد في فضل المسكنة المرادف أو المقارب له في اطلاقاته من قوله صلى الله عليه وآله اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين وأما الفقر المذموم والمستعاذ منه في قوله صلى الله عليه وآله كاد الفقر أن يكون كفرا والفقر سواد الوجه في الدارين واللهم أعوذ بك من الفقر فمحمول على معنى الاضطرار فلا منافاة هذا ما قرره أبو حامد وغيره في الجمع ويمكن أن يخص الممدوح ببعض أحواله المحمودة كالزهد والرضا وهو خير من الاشتراك أو يراد بالممدوح معناه العرفي أعني فقد المال وبالمذموم ما يلزمه غالبا من اضطراب النفس و ضعف التوكل وقد أطلق عليه الفقر في بعض الروايات ففي معاني الأخبار فيما سأل علي بن أبي طالب (ع) ابنه الحسن (ع) أنه قال له ما الفقر قال الحرص والشرة وفي بعضها خص المذموم بوجه آخر ففي الصحيح عن أبي عبد الله (ع) قال الفقر الموت الأحمر فقيل الفقر من الدنانير والدراهم قال لا ولكن من الدين واختلاف الأنظار في ترجيح الراجح من الفقر والغنى والقول الفصل فيه أن ما لا يراد لعينه بل يراد لغيره ينبغي أن يضاف إلى مقصوده إذ به يظهر فضيلته والدنيا ليست محذورة لعينها بل لكون الاشتغال بها عائقا عن الوصول إلى الله (تع) ولا الفقر مطلوب لعينه بل لأن فيه فقد العائق وعدم الشاغل عنه (تع) وكما أن الغنى قد يكون من الشواغل كذلك الفقر قد يكون منها وإنما الشاغل في الحقيقة حب الدنيا والمحب للشئ مشغول به سواء كان في فراقه أو وصاله وربما يكون الشغل في الفراق أكثر والشاغل عن الله مذموم دون غير الشاغل عنه فقرا كان أو غنى فإذا لا يمكن الترجيح المطلق من حيث الشغل بل نقول الراجح لكل أحد ما لا يشغله عن الله فإن كان الفقر يشغله فالغنى أولى به وإن كان الغنى يشغله فالفقر أولى به لما عرفت أن الفضل إنما هو في عدم تعلق القلب بالمال فإن تساويا فيه تساوت درجاتهما إلا أن ههنا من مزال الأقدام ومواقع الغرور فإن الغني ربما يظن أنه منقطع القلب عن المال ويكون حبه دفينا في باطنه وهو لا يشعر وإنما يشعر به إذا فقده فليجرب نفسه وهذا حال كل الأغنياء إلا الأنبياء والأولياء وإذا كان ذلك محالا أو بعيدا فليطلق القول بأن الفقر أصلح لكافة الخلق وأفضل لأنه أبعد عن الخطر بحسب الدنيا والدين أما الأول فلأن الأغنياء محسودون مقصودون بالأذى بخلاف الفقراء وأما الثاني فلأن فتنة السراء أشد من فتنة الضراء ومن ثم قالت الصحابة بلينا بفتنة الضراء فصبرنا وبلينا بفتنة السراء فلم نصبر وعن الأنس بالدنيا وتأكد حبها في القلب المستلزم لطول الأمل وعن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال له رجل ما لي لا أحب الموت فقال هل معك مال قال نعم يا رسول الله قال قدم مالك أمامك فإن قلب المؤمن مع ماله إن قدمه أحب أن يلحقه وإن خلفه أحب أن يتخلف معه أو المراد الأنس بالتنعم والألفة بالتوسع في المشتهيات ولو مباحة فإنه ينجر إلى اقتحام الشبهات إذا لم يمكن التوصل إليها بالمكاسب المباحة لتتسر له نعمة المانوسة فتتكثر حاجاته إلى الناس وإلى المداهنة و المنافقة معهم ومنها تنشأ العداوة والبغضاء والحسد والغيبة وسائر المعاصي القلبية والجوارحية وعن القدرة على الشهوة ومن العصمة أن لا يقدر فإن المريض الذي لا يجد شيئا أصبر منه على الحمية إذا وجد الأطعمة اللذيذة وعن طول الحساب في عرصات القيامة اللازم على الأغنياء وإن أخذوه حلالا وصرفوه حلالا وقد ورد أن الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام فيأكلون ويشربون والناس يترددون في الحساب وعن الغرور وهو سكون النفس إلى ما يوافق الهوى ويميل إليه الطبع وفي حديث أمير المؤمنين عليه السلام يا صفراء ويا بيضاء غري غيري لا حاجة لي فيك وهو من شعب الأنس بالدنيا أو هو هو فهذه كلها غوائل الغنى والسلامة عنها جميعا عسرة جدا إلا للنفوس الكاملة الملكوتية وهم الأقل وخطاب الشرع إنما هو مع الأكثر فمن ثم ورد في فضل الفقر وذم الغنى ما ورد ولا يعارض بكون الغنى من أخلاق الله كما يحكى عن ابن عطاء في ترجيحه لما أجابه به بعض الشيوخ من أن ذلك ليس بالاعراض والأسباب فانقطع ولم ينطق والغنى بالأسباب كالتكبر دون الاستحقاق في أنه ليس من صفات الله ولا محمودا في العباد وإن وصف الله نفسه بالمتكبر والتقييد بدون الاستحقاق للاحتراز عن مثل تكبر المؤمن على الكافر والعادل على الفاسق فإنه محمود لا ضير فيه وما قيل إن على العبد أن يعلم أن المؤمن أكبر من الكافر والمطيع من العاصي و الانسان من البهيمة وأقرب إلى الله منها ولو رأى الانسان نفسه بهذه الصفة روية محققة لا يشك فيه لكانت صفة الكبر لائقة به وفضيلة في حقه إلا أنه لا سبيل له إلى معرفته لأن ذلك موقوف على الخاتمة وليس يدري كيف تتفق فلجهله بها وجب أن لا يعتقد لنفسه رتبة فوق رتبة الكافر إذ ربما يختم له بالايمان وله بالكفر فمغالطة لأن الكلام ليس في القرب إلى الله ولا في الكبر النفساني بل التكبر أعني الترفع وغيره مما ذكر فيما سلف وما ورد في الحث على اذلال الكافر والفاسق واسقاط حرمتهما والتكبر على المتكبر ونحو ذلك مما يدل على رجحان هذا النوع من التكبر فهو من باب الاستحقاق فليتأمل ولا بالقدرة على العبادات المالية كالزكاة والصدقة ومواساة المحتاجين ونحوها مما يفوز بثوابه الأغنياء ويحرم عنه الفقراء كما زعمه بعض المنتصرين له لأنها لم يندب إليها الفقراء الذين لاحظ لهم من الدنيا وإنما يندب إليها ذوو الدنيا و توجب الثواب لترك شئ من الدنيا في ضمن ما أتوا به من الانفاق كالتوبة الموجبة للثواب لترك الذنب المتوب عنه فإنه لا شك أن الكاف نفسه عن الذنب ابتداء أحق بالمتوبة من الذي أتى به واستحق العقوبة ثم تاب عنه والثواب المستحق بالعبادة المالية نظير الصحة المكتسبة بالفصد الموجب لاخراج ما اجتمع في البدن من الدم الفاسد فإن البدن الذي لم يجتمع فيه الدم الفاسد ولم يندب إلى الفصد لا ريب أنه أصح وأعدل مزاجا وأرجى عافية كما لا يخفى وأيضا فإن اليسار ليس غنى بالحقيقة وهذا منع بعد التسليم فعن أمير المؤمنين (ع) وهو سيد السالكين وإمام العارفين باتفاق الكل ليس الغنى بكثرة العرض إنما الغنى غنى النفس وهو أن يستوي عنده وجود المال وعدمه فهو المضاهي بوجه من الوجوه للغنى الذي
(٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الطهارة 16
2 باب جرايم الجوارح 17
3 باب التوبة 24
4 باب التدارك 27
5 باب الحد والتعزير 28
6 باب الجناية 35
7 باب ذمايم القلب 40
8 باب الصبر 42
9 باب الحلم 45
10 باب النصيحة 47
11 باب حب الخمولة 49
12 باب التواضع 52
13 باب الفقر 57
14 باب الزهد 60
15 باب السخا 63
16 باب الرضا 65
17 باب الشكر 66
18 باب الرجاء والخوف 68
19 باب قصر الامل 70
20 باب النية 72
21 باب الاخلاص 75
22 باب الصدق 79
23 باب التوحيد والتوكل 80
24 باب تطهير السر عما سوى الله 83
25 باب الماء 88
26 باب الأخباث وتطهيرها 90
27 باب آداب التخلي 95
28 باب الاتفاث وازالتها 96
29 باب آداب التنظيف 97
30 باب الاحداث ورفعها 100
31 باب الوضوء 102
32 باب الغسل 104
33 باب التيمم 110
34 كتاب الصلاة 111
35 باب الشرايط 112
36 باب الأوقات 118
37 باب المكان 121
38 باب اللباس 125
39 باب القبلة 127
40 باب النداء 129
41 باب الهيئة 130
42 باب الآداب والسنن 132
43 باب المكروهات 135
44 باب وظائف يوم الجمعة والخطبتين 136
45 باب آداب العيدين وسننهما 137
46 باب آداب الآيات وسننها 138
47 باب الجماعة 139
48 باب الخلل 141
49 باب التعقيب 145
50 باب الدعاء 146
51 باب فضل قراءة القرآن 148
52 كتاب الزكاة 150
53 باب التعداد والشرايط 150
54 باب المقادير والنصب 153
55 باب المصرف 154
56 باب الأداء 155
57 باب الخمس 156
58 باب المعروف 158
59 باب آداب المعطى 159
60 باب آداب الآخذ 162
61 كتاب الصيام 163
62 باب الشرايط 165
63 باب الهيئة 167
64 باب الآداب 168
65 باب فوايد الجوع 173
66 باب الاعتكاف 174
67 كتاب الحج 175
68 باب الشرايط 177
69 باب الهيئة 178
70 باب المحرمات 181
71 باب الخلل 190
72 باب حرمة الحرم 195
73 باب الزيارات 196
74 كتاب الحسبة 198
75 باب الجهاد 198
76 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 201
77 باب إقامة الحدود 203
78 باب الفتيا 205
79 باب القضا 206
80 باب الشهادة 209
81 باب اخذ اللقيط 212
82 باب الحجر 212
83 كتاب البر 214
84 باب العطية 214
85 باب العتق 217
86 باب التدبير 219
87 باب الكتابة 220
88 باب النذر والعهد 220
89 باب اليمين 222
90 كتاب الكسب 224
91 باب الآداب 227
92 باب البيع 229
93 باب الربا 234
94 باب الشفعة 236
95 باب الشركة 237
96 باب القراض 238
97 باب الجعالة 240
98 باب الإجارة 242
99 باب المزارعة 244
100 باب المساقاة 245
101 باب احياء الموات 245
102 باب الغصب 248
103 باب اللقطة 250
104 باب السبق 251
105 باب الدين 252
106 باب الرهن 253
107 باب الضمان 254
108 باب الحوالة 255
109 باب الوكالة 256
110 باب الكفالة 257
111 باب الوديعة 258
112 باب الاقرار 259
113 باب الصلح 259
114 كتاب النكاح 260
115 باب التعداد والجدوى 260
116 باب المحارم 263
117 باب الولاية 271
118 باب العقد 272
119 باب الصداق 274
120 باب الخلوة 277
121 باب الحقوق 279
122 باب النشوز 281
123 باب الفسخ 282
124 باب الطلاق 284
125 باب الخلع والمباراة 286
126 باب الظهار 287
127 باب الايلاء 288
128 باب اللعان 289
129 باب العدد 290
130 باب الولد 294
131 باب القرابة 300
132 كتاب المعيشة 300
133 باب الطعام 301
134 باب الأكل 309
135 باب الشرب 312
136 باب الضيافة 313
137 باب اللباس 314
138 باب الطيب 315
139 باب المسكن 316
140 باب المنام 317
141 باب التحية 319
142 باب الكلام 321
143 باب الإخاء 326
144 باب المعاشرة 328
145 باب العزلة 333
146 باب الورد 335
147 باب السفر 338
148 كتاب الجنايز 343
149 باب المرض 343
150 باب الوصية 345
151 باب العيادة 346
152 باب الاحتضار 349
153 باب التغسيل 350
154 باب التكفين 351
155 باب التشييع والتربيع 353
156 باب الصلاة على الميت 354
157 باب الدفن 355
158 باب التعزية 357
159 باب الهدية للميت 357
160 باب زيارة القبر 358
161 كتاب الفرايض 358
162 باب الأسباب والطبقات 358
163 باب الموانع 360