التحفة السنية (مخطوط) - السيد عبد الله الجزائري - الصفحة ٥٢
هذه من قواصم الظهور ثم حب المدح وكراهة الذم في الباطن من دون إظهار قول ولا فعل يدل على ارتياح القلب بالمدح وتكدره بالذم وهذه مما لا تتعسر كثيرا على بعض ثم حب المدح مع إظهار القول والفعل الدالين عليه كالثناء والبشاشة والثواب وكراهة الذم باظهارهما كالسب والتقطيب والطرد أو الضمير راجع إلى الحب والكراهة وهذه أدون المراتب وأكثرها شيوعا وحب المدح كحب الجاه فيما ذكر من أحكامه حرمة إذا اشتمل على معصية من كذب أو ازراء بمؤمن ونحو ذلك وإباحة إن خلا عنها مع استثناء ما استثني ثمة مما يستعان به على الواجب فواجب أو المندوب فمندوب أو يراد بها المعنى العام وإنما أجمل اعتمادا على ما سبق من البيان والمدح كالجاه نفعا في الدنيا بالايصال إلى المقاصد والتذاذ النفس بحصول كمالها وضرا في الدنيا في الدين بالآفات المذكورة للجاه فيهما كلا أو بعضا و سبب حبه استلزامه أحد أمور ثلاثة أحدهما وهو الأقوى الشعور بكمال النفس فإن الكمال محبوب و الشعورية لذيذ والمدح مما يشعر به والثاني الشعور بالاستيلاء على المادح فإن المدح يدل عليه على أحد وجهين أما أن المادح محب ومريد للمدوح وأنه مستول على قلبه وأما أنه مغلوب متذلل له مضطر إلى الثناء عليه فإن الحشمة أيضا لذيذة لما فيها من القدرة والاستيلاء كيف كان محبوب كما تقدم فالشعور به لذيذ والثالث أن ثناء المثنى ومدح المادح سبب للصيت واستمالة قلوب السامعين إلى الممدوح وقد عرفت أنه محبوب لذيذ وهذا من أنواع الاستيلاء أيضا إلا أنه على غير المادح وتتفاوت مراتب حبه والالتذاذ به قوة وضعفا باختلاف الأشخاص والأحوال فيقوى الالتذاذ مهما صدر المدح من الخبير المعتبر القول الذي لا يجازف فيه لأن الشعور بكمال النفس فيه أقوى وأثبت فالفرح به أعظم كفرح التلميذ بثناء أستاذه عليه بالفضل والكياسة فإنه في غاية اللذة فإن صدر ممن لا خبرة له أو لا وثوق بقوله ضعفت وكذا إذا صدر من المترفع العظيم الخطر كالملوك والأكابر فإن العناية بالاستيلاء على قلوبهم شديدة والانتفاع باقتناصها عظيم وكذا المتمنع المتعزز إذا تذلل باطلاق اللسان بالثناء اضطرارا فإن الالتذاذ بمدحهم أعظم منه بمدح الاسقاط والسفلة وكذا يقوى الالتذاذ إذا اتفق المدح في الملأ والمجمع لكثرة السامعين المأمول استمالة قلوبهم فهو أقوى نفعا من المدح في الخلوة فيعظم حبه و الالتذاذ به وربما تجتمع هذه الأسباب في مدح مادح فتقوى اللذة به جدا وعلاجه علاج أصله الذي هو حب الجاه بما ذكر من العلم والعمل يزيد هنا في المسبب عن الأول علمه بأن الصفة الممدوح بها إن فقدت فيه فمدحه بها استهزأ به نظير أن يقال له ما أكثر العطر الذي في أحشائك وما أحسن الروايح التي تفوح منك إذا قضى حاجته وهو يعلم ما تشتمل عليه أمعاؤه من الأقذار والأنتان فإن الفرح بمثل هذا المدح غاية السفه وإن وجدت فيه فلا يخلو إما أن تكون دنيوية كالثروة والجاه ونحوهما أو دينية كالعلم والورع والدنيوية كمال وهمي كما علمت فلا تستحق الفرح بها وإن فرح فلا ينبغي أن يفرح بمدح المادح بل بوجودها والمدح ليس سبب وجودها والدينية وإن كانت كمالا حقيقيا تستحق الفرح بها إلا أنها إنما تستحقه من حيث إنها تقرب إلى الله زلفى وتنفع في القيامة فهي موقوفة على الخاتمة وهي غير معلومة وخطرها باق والفرحان بها على رجاء حسن الخاتمة ينبغي أن يكون فرحه بفضل الله عليه بالعلم والتقوى لا بمدح المادح وسبب كراهة الذم نقائض الأسباب المذكورة لحب المدح وهي الشعور بنقص النفس وهو مكروه مؤلم فالذم المشعر به كذلك والشعور بالمغلوبية و استيلاء الذام وانحراف قلوب السامعين وتقوى حيث يقوى وربما تقوى من الساقط الذليل أيضا خصوصا للمتعزز وعلاجها زيادة على ما سبق العلم بأن الصفة المذموم على وجه التعنت إن وجدت فيه فالذم بها تبصير له بما عمى عنه من العيون لأن النفس المحبوبة لا تخلو عن ذمائم مغفول عنها بالجهل البسيط أو المركب أو معلومة مسامح بها وإنما ينبه بها ألسنة الأعداء ويبعث على التخلي عنها ذمهم فينبغي فيه الفرح وتقلد المنة عنهم والشغل بالإزالة فإن من قصد الدخول على الملك وثوبه ملوث بالعذرة وهو لا يدري ولو دخل كما هو لخيف عليه أن يحز رأسه لتلويثه المجلس بالعذرة فقال له قايل أيها الملوث بالعذرة طهر ثوبك فهذا يليق أن يفرح به ويغتنم ارشاده ونصحه ويشكر نعمته وجميع المساوي مهالك في الآخرة يفطن لها الانسان من مقالات أعدائه وأما قصد العدو التعنت فجناية منه على دين نفسه فالضرر عليه والنفع للمذموم وإن فقدت بأن افترى ما ليس فيه فكفارة الذنوب إذ لا يخلو عنها غالبا أو رفع الدرجات باهداء حسناته إليه واللايق فيه الشكر لله (تع) من وجوه أ سقوط سيئاته عنه من غير تعب فإن المفتري رماه بما هو عنه برئ وطهره عما هو عنه غير برئ ب توفر حسناته من غير تعب أيضا فيثقل في القيامة ميزانه بأعمال غيره وكلاهما من جلائل النعم المشكورة ج أنه وإن خلي عن الصفة المرمي بها فلا يخلو عن أمثالها وأخواتها وما سر الله على الذام من عيوبه أكثر فليشكر الله إذ لم يطلعه على عيوبه ودفعه عنه بذكر ما هو برئ عنه وينبغي الترحم عليه إذا هلك نفسه بالافتراء والتعرض للعقاب وتضييع الحسنات والدعاء له بالاصلاح والهداية كما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله من قوله اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون حيث كسروا سنه وسال الدم في وقعة أحد باب التواضع وهو عرفا الوسط العدل بين تفريط التكبر وافراط التخاسس كما سلف وعن أبي الحسن (ع) التواضع أن تعطي الناس ما تحب أن تعطاه وورد في الحديث النبوي ما تواضع أحد لله إلا رفعه الله وعن الصادق (ع) في عدة روايات من تواضع لله رفعه الله ومن تكبر وضعه الله وفي النبوي أيضا أنه الشرف وفي الصادقي أنه أصل كل شرف نفيس ومرتبة رفيعة ولو كان للتواضع لغة يفهمها الخلق لنطق عن حقايق ما في مخفيات العواقب وقد قوبل فيما مضى بالكبر وهو الخلق الباطن الكامن في الصدر كما قال (تع) إن في صدورهم إلا كبر و التكبر هو اتباع الكبر في الأعمال الظاهرة والحركات الخارجة والكبر هو أن يرى نفسه فوق غيره في صفة
(٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الطهارة 16
2 باب جرايم الجوارح 17
3 باب التوبة 24
4 باب التدارك 27
5 باب الحد والتعزير 28
6 باب الجناية 35
7 باب ذمايم القلب 40
8 باب الصبر 42
9 باب الحلم 45
10 باب النصيحة 47
11 باب حب الخمولة 49
12 باب التواضع 52
13 باب الفقر 57
14 باب الزهد 60
15 باب السخا 63
16 باب الرضا 65
17 باب الشكر 66
18 باب الرجاء والخوف 68
19 باب قصر الامل 70
20 باب النية 72
21 باب الاخلاص 75
22 باب الصدق 79
23 باب التوحيد والتوكل 80
24 باب تطهير السر عما سوى الله 83
25 باب الماء 88
26 باب الأخباث وتطهيرها 90
27 باب آداب التخلي 95
28 باب الاتفاث وازالتها 96
29 باب آداب التنظيف 97
30 باب الاحداث ورفعها 100
31 باب الوضوء 102
32 باب الغسل 104
33 باب التيمم 110
34 كتاب الصلاة 111
35 باب الشرايط 112
36 باب الأوقات 118
37 باب المكان 121
38 باب اللباس 125
39 باب القبلة 127
40 باب النداء 129
41 باب الهيئة 130
42 باب الآداب والسنن 132
43 باب المكروهات 135
44 باب وظائف يوم الجمعة والخطبتين 136
45 باب آداب العيدين وسننهما 137
46 باب آداب الآيات وسننها 138
47 باب الجماعة 139
48 باب الخلل 141
49 باب التعقيب 145
50 باب الدعاء 146
51 باب فضل قراءة القرآن 148
52 كتاب الزكاة 150
53 باب التعداد والشرايط 150
54 باب المقادير والنصب 153
55 باب المصرف 154
56 باب الأداء 155
57 باب الخمس 156
58 باب المعروف 158
59 باب آداب المعطى 159
60 باب آداب الآخذ 162
61 كتاب الصيام 163
62 باب الشرايط 165
63 باب الهيئة 167
64 باب الآداب 168
65 باب فوايد الجوع 173
66 باب الاعتكاف 174
67 كتاب الحج 175
68 باب الشرايط 177
69 باب الهيئة 178
70 باب المحرمات 181
71 باب الخلل 190
72 باب حرمة الحرم 195
73 باب الزيارات 196
74 كتاب الحسبة 198
75 باب الجهاد 198
76 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 201
77 باب إقامة الحدود 203
78 باب الفتيا 205
79 باب القضا 206
80 باب الشهادة 209
81 باب اخذ اللقيط 212
82 باب الحجر 212
83 كتاب البر 214
84 باب العطية 214
85 باب العتق 217
86 باب التدبير 219
87 باب الكتابة 220
88 باب النذر والعهد 220
89 باب اليمين 222
90 كتاب الكسب 224
91 باب الآداب 227
92 باب البيع 229
93 باب الربا 234
94 باب الشفعة 236
95 باب الشركة 237
96 باب القراض 238
97 باب الجعالة 240
98 باب الإجارة 242
99 باب المزارعة 244
100 باب المساقاة 245
101 باب احياء الموات 245
102 باب الغصب 248
103 باب اللقطة 250
104 باب السبق 251
105 باب الدين 252
106 باب الرهن 253
107 باب الضمان 254
108 باب الحوالة 255
109 باب الوكالة 256
110 باب الكفالة 257
111 باب الوديعة 258
112 باب الاقرار 259
113 باب الصلح 259
114 كتاب النكاح 260
115 باب التعداد والجدوى 260
116 باب المحارم 263
117 باب الولاية 271
118 باب العقد 272
119 باب الصداق 274
120 باب الخلوة 277
121 باب الحقوق 279
122 باب النشوز 281
123 باب الفسخ 282
124 باب الطلاق 284
125 باب الخلع والمباراة 286
126 باب الظهار 287
127 باب الايلاء 288
128 باب اللعان 289
129 باب العدد 290
130 باب الولد 294
131 باب القرابة 300
132 كتاب المعيشة 300
133 باب الطعام 301
134 باب الأكل 309
135 باب الشرب 312
136 باب الضيافة 313
137 باب اللباس 314
138 باب الطيب 315
139 باب المسكن 316
140 باب المنام 317
141 باب التحية 319
142 باب الكلام 321
143 باب الإخاء 326
144 باب المعاشرة 328
145 باب العزلة 333
146 باب الورد 335
147 باب السفر 338
148 كتاب الجنايز 343
149 باب المرض 343
150 باب الوصية 345
151 باب العيادة 346
152 باب الاحتضار 349
153 باب التغسيل 350
154 باب التكفين 351
155 باب التشييع والتربيع 353
156 باب الصلاة على الميت 354
157 باب الدفن 355
158 باب التعزية 357
159 باب الهدية للميت 357
160 باب زيارة القبر 358
161 كتاب الفرايض 358
162 باب الأسباب والطبقات 358
163 باب الموانع 360