التحفة السنية (مخطوط) - السيد عبد الله الجزائري - الصفحة ٧٠
وربما تتركب مثنى وثلاث فصاعدا ويؤثر الخوف مطلقا في البدن بالهزالة في الجسم والصفرة في البشرة والضعف في القوى والرقة في القلب ومن علامتها سرعة البكاء إذا وعظ أو تلي عليه إنذار من الكتاب المجيد وإذا كمل جدا ربما يؤدي إلى الجنون لاختلال حجب الدماغ الحاملة للقوى العاقلة وقد يؤدي إلى الموت لانقطاع نياط القلب كما اتفق لهمام الذي حدثه أمير المؤمنين (ع) بعد ما اقترح عليه وهو شهادة فورد من خاف ومات من خوفه فهو شهيد لكن الفضل الأتم لمن عاش وجاهد فإن كل ما يراد لأمر فالمحمود منه ما يفضي إلى المراد وفائدة الخوف الحذر والورع والتقوى والمجاهدة وسائر الأسباب المقربة إلى الله (تع) وكل ذلك يستدعي الحياة وسلامة العقل وله بإزاء كل مجاهدة مع النفس أجر الشهادة ومن ثمة ورد أن أفضل السعادات طول العمر في طاعة الله ومن غلب عليه خوف الله غلب خوفه على كل شئ وفي الحديث النبوي من خاف الله خافه كل شئ وعن أبي عبد الله (ع) من خاف الله أخاف الله منه كل شئ ومن لم يخف الله أخافه الله من كل شئ وهو مما لا بد منه أيضا فهو الذي يزجر النفس عن المعصية فعلا وتركا وهو مما ينفى العجب عن الطاعة فإن الخائف غير مستعظم نفسه وخصالها وضده الأمن كما تقدم وهو خسر وفي التنزيل لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون وفيه تنبيه على أن اليأس أفحش كما هو مقتضى الرحمة السابقة والطريق إليه النظر إلى صفاته (تع) الجلالية وأفعاله القاهرة فإن معرفتها موجبة للهيبة والحذر وفي الدعاء المأثور عجبا لمن عرفك كيف لا يخافك وعن أبي عبد الله (ع) من عرف الله خاف الله ومن ثم ورد قصره على أهلها في قوله عز وجل إنما يخشى الله من عباده العلماء وذكر الذنوب وتبعاتها والخصوم ومخاصمتهم في ديوان القيامة وشدة العذاب المستحق على ما اقترفه من الإثم وضعف النفس عن احتمال أيسره وما ورد فيه وفي طول زمانه المؤبد أو الممتد من الآيات والأخبار ثم الواجب على الخائف سلوك سبيل الحذر عما يفضي إلى المخوف من الأسباب المذكورة فإن خاف الموت قبل التوبة عن الذنوب بادر إليها وحذر التسويف ولا ينخدع بانتظار المكان الشريف والزمان الشريف فإنها من حبائل الشيطان وإن خاف استيلاء العادة عليه باتباع الشهوات واظب على تركها وفطم النفس عنها قبل أن تستحكم فيه داعية السوء مزيد استحكام وإن خاف اطلاعه (تع) عليه بما في سريرته من الذمايم الباطنة اشتغل بتنقية السر عنها بعلاجاتها الأهم فالأهم وإن خاف البطر بكثرة النعم ألزم نفسه الشكر والتواضع ومضادة كل ما يستشعره من نفسه من أقسام البطر وهكذا إلى بقية الأسباب والأفضل في الأغلب أن يعتدل الخوف مع الرجاء بحيث لا يرجح أحدهما على الآخر فعن أبي عبد الله (ع) في أعاجيب وصية لقمان لابنه خف الله خيفة لو جئته ببر الثقلين لعذبك وارج الله رجاء لو جئته بذنوب الثقلين لرحمك ثم قال أبو عبد الله (ع) كان أبي يقول إنه ليس من عبد مؤمن إلا وفي قلبه نوران نور خيفة ونور رجاء لو وزن هذا لم يزد على هذا ولو وزن هذا لم يزد على هذا وعنه (ع) الخوف رقيب القلب والرجاء شفيع النفس ومن كان بالله عارفا كان من الله خائفا وإليه راجيا وهما جناحا الايمان يطير بهما العبد المحقق إلى رضوان الله وعينا عقله يبصر بهما إلى وعد الله ووعيده وربما يقوى أحدهما ويضعف الآخر في بعض الأحوال لعروض بعض الأسباب وقد يكون فيه الفضل كما سيأتي أما الانفكاك من أحدهما بالكلية فلا يجوز لأحد في حال من الأحوال إذ لو عدم أحدهما صار الحال أمنا إن كان المعدوم الخوف أو قنوطا إن كان الرجاء وكلاهما معدودان من الكباير كما عرفت والعمل على الرجاء أعلى منه على الخوف لأنه أفضل من حيث هو لأنه طريق المحبة ومشربه من بحر الرحمة واللطف بخلاف الخوف فإنه طريق العنت ومشربه من بحر الغضب والقهر وكذا يترجح الرجاء إذا امتنعت النفس الخائفة عن التوبة بسبب غلبة اليأس لكثرة المعاصي وفترت عن فضايل الأعمال واقتصرت على الفرايض فينبغي المعالجة بتحصيل الرجا وتقوية أسبابه استصلاحا للنفس الخارجة عن الاعتدال لتتحرك إلى التوبة وتتنشط للعبادة أو ضعف البدن عن العمل وأشرف على الموت فإن الأصلح حينئذ الرجاء أيضا وحسن الظن بالله ليموت على المحبة إذ الخوف جار مجرى السوط الباعث على العمل وقد انقضى وقته وأسباب الخوف تقطع نياط قلبه وتعين على تعجيل موته وروح الرجاء يقوي قلبه ويحبب إليه ربه ولا ينبغي أن يفارق أحد الدنيا إلا محبا لله ليكون محبا للقائه حتى يحب لقائه وربما يكون الأصلح بحال العبد الخوف وتقوية أسبابه وذلك أن غلب عليه التمني والاغترار واعتاد المعاصي وأخلد إلى الأمن كما هو الغالب فيما يشاهد من أبناء زماننا حتى صار الخوف مع غلبة أسبابه أعز من الكبريت الأحمر لا يوجد منه إلا اسم يتذاكر في المحاورات ولفظ لا يشم معناه رائحة من الوجود كالأعيان الثابتات فيحسن اطلاق القول فيهم بأن الخوف أفضل لأنه الأصلح بحالهم وحديث الرجاء معهم يجري مجرى تقريب العسل إلى المريض الصفراوي بل أبلغ فيهم من السم الناقع والسيف القاطع والأصلح في نفس الأمر التسوية والاعتدال لكنه لمن اتقى ظاهر الإثم وباطنه وهم الذين مدحهم الله بقوله يدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين وقليل ما هم والأمر صعب بالله العياذ باب قصر الأمل وهو من منشعبات الزهد والمراد به أن لا يراد أمر مستقبل يشك في كونه إلا مقرونا بالاستثناء ويتأدى بذكر المشيئة على جهة التعليق عليها سواء أشكل على أدائه أم لا والأصل فيه قوله (تع) ولا تقولن لشئ إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله وقد ذم الله أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون وإنما يصدق بعقد القلب به رسوخه في البال سواء تلفظ به باللسان أو اكتفى بنيته والعلم به قلبا والمتلفظ به مع عدم رسوخه في نيته كالتارك له وإلى ذلك أشار القائل بقوله ترك استثناء مرادم قسوتيست ني همين كفتن كه عارض حالتيست أي بسانا ورده استثنا بكفت جان أو با جان استثنا ست جفت وورد في الحديث النبوي خطابا
(٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الطهارة 16
2 باب جرايم الجوارح 17
3 باب التوبة 24
4 باب التدارك 27
5 باب الحد والتعزير 28
6 باب الجناية 35
7 باب ذمايم القلب 40
8 باب الصبر 42
9 باب الحلم 45
10 باب النصيحة 47
11 باب حب الخمولة 49
12 باب التواضع 52
13 باب الفقر 57
14 باب الزهد 60
15 باب السخا 63
16 باب الرضا 65
17 باب الشكر 66
18 باب الرجاء والخوف 68
19 باب قصر الامل 70
20 باب النية 72
21 باب الاخلاص 75
22 باب الصدق 79
23 باب التوحيد والتوكل 80
24 باب تطهير السر عما سوى الله 83
25 باب الماء 88
26 باب الأخباث وتطهيرها 90
27 باب آداب التخلي 95
28 باب الاتفاث وازالتها 96
29 باب آداب التنظيف 97
30 باب الاحداث ورفعها 100
31 باب الوضوء 102
32 باب الغسل 104
33 باب التيمم 110
34 كتاب الصلاة 111
35 باب الشرايط 112
36 باب الأوقات 118
37 باب المكان 121
38 باب اللباس 125
39 باب القبلة 127
40 باب النداء 129
41 باب الهيئة 130
42 باب الآداب والسنن 132
43 باب المكروهات 135
44 باب وظائف يوم الجمعة والخطبتين 136
45 باب آداب العيدين وسننهما 137
46 باب آداب الآيات وسننها 138
47 باب الجماعة 139
48 باب الخلل 141
49 باب التعقيب 145
50 باب الدعاء 146
51 باب فضل قراءة القرآن 148
52 كتاب الزكاة 150
53 باب التعداد والشرايط 150
54 باب المقادير والنصب 153
55 باب المصرف 154
56 باب الأداء 155
57 باب الخمس 156
58 باب المعروف 158
59 باب آداب المعطى 159
60 باب آداب الآخذ 162
61 كتاب الصيام 163
62 باب الشرايط 165
63 باب الهيئة 167
64 باب الآداب 168
65 باب فوايد الجوع 173
66 باب الاعتكاف 174
67 كتاب الحج 175
68 باب الشرايط 177
69 باب الهيئة 178
70 باب المحرمات 181
71 باب الخلل 190
72 باب حرمة الحرم 195
73 باب الزيارات 196
74 كتاب الحسبة 198
75 باب الجهاد 198
76 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 201
77 باب إقامة الحدود 203
78 باب الفتيا 205
79 باب القضا 206
80 باب الشهادة 209
81 باب اخذ اللقيط 212
82 باب الحجر 212
83 كتاب البر 214
84 باب العطية 214
85 باب العتق 217
86 باب التدبير 219
87 باب الكتابة 220
88 باب النذر والعهد 220
89 باب اليمين 222
90 كتاب الكسب 224
91 باب الآداب 227
92 باب البيع 229
93 باب الربا 234
94 باب الشفعة 236
95 باب الشركة 237
96 باب القراض 238
97 باب الجعالة 240
98 باب الإجارة 242
99 باب المزارعة 244
100 باب المساقاة 245
101 باب احياء الموات 245
102 باب الغصب 248
103 باب اللقطة 250
104 باب السبق 251
105 باب الدين 252
106 باب الرهن 253
107 باب الضمان 254
108 باب الحوالة 255
109 باب الوكالة 256
110 باب الكفالة 257
111 باب الوديعة 258
112 باب الاقرار 259
113 باب الصلح 259
114 كتاب النكاح 260
115 باب التعداد والجدوى 260
116 باب المحارم 263
117 باب الولاية 271
118 باب العقد 272
119 باب الصداق 274
120 باب الخلوة 277
121 باب الحقوق 279
122 باب النشوز 281
123 باب الفسخ 282
124 باب الطلاق 284
125 باب الخلع والمباراة 286
126 باب الظهار 287
127 باب الايلاء 288
128 باب اللعان 289
129 باب العدد 290
130 باب الولد 294
131 باب القرابة 300
132 كتاب المعيشة 300
133 باب الطعام 301
134 باب الأكل 309
135 باب الشرب 312
136 باب الضيافة 313
137 باب اللباس 314
138 باب الطيب 315
139 باب المسكن 316
140 باب المنام 317
141 باب التحية 319
142 باب الكلام 321
143 باب الإخاء 326
144 باب المعاشرة 328
145 باب العزلة 333
146 باب الورد 335
147 باب السفر 338
148 كتاب الجنايز 343
149 باب المرض 343
150 باب الوصية 345
151 باب العيادة 346
152 باب الاحتضار 349
153 باب التغسيل 350
154 باب التكفين 351
155 باب التشييع والتربيع 353
156 باب الصلاة على الميت 354
157 باب الدفن 355
158 باب التعزية 357
159 باب الهدية للميت 357
160 باب زيارة القبر 358
161 كتاب الفرايض 358
162 باب الأسباب والطبقات 358
163 باب الموانع 360