التحفة السنية (مخطوط) - السيد عبد الله الجزائري - الصفحة ٢٠٥
واستحبابه قولان باب الفتيا بضم الفاء مقصورا وهي الحكم في المسائل الكلية وتطبيقها على الوقايع الجزئية هو القضاء فكل قاض مفت ولا عكس وهي كإقامة الحدود ولا تزيد على قسمين وإنما هي للإمام أو نائبه الخاص أو العام وإن تعدد تعلق بهما الوجوب على الكفاية كما مر ولها جلالة فإن المفتي وارث الأنبياء وقائم بفرض الكفاية فيما يتوقف عليه نظام الدنيا والدين وفيه خطر عظيم فإن أجرأكم على الفتيا أجرأكم على الله كما في الحديث النبوي وورد عن أبي عبد الله (ع) كل مفت ضامن وفي حديث آخر لا تحل الفتيا في الحلال والحرام بين الخلق إلا لمن كان اتبع الخلق من أهل زمانه وبلده وناحيته بالنبي صلى الله عليه وآله وفي آخر لا تحل الفتيا لمن لا يستفتي من الله بصفاء سره واخلاص عمله وعلانيته وبرهان من ربه في كل حال ويجب السعي في تحصيل مرتبتها كفاية على جميع المستأهلين لها فإن أخلوا جميعا اشتركوا في الإثم فإذا شرع بعضهم في الاشتغال لم يسقط وجوبه عن الباقين ما لم يبلغ المرتبة المطلوبة بخلاف صلاة الجنازة مثلا ونحوها من الكفائيات التي يحكم بسقوط السعي إليها بمجرد شروع بعض المكلفين بها عن البعض الآخر لأنها أمور يسيرة إذا اشتغل بها الواحد حصل الظن القوي بخروجه عن العهدة وكفايته الفرض في أدنى زمان فلا مانع عن سقوط السعي عن الباقين سقوطا مراعى باستمرار الشارع إلى الغاية أما تحصيل مرتبة الفتيا فمن الأمور الصعبة البعيدة المنال التي لا تتأتى إلا بصرف أوقات مديدة وطي عقبات شديدة وكثيرا ما تعوق عنها العوايق وتحجز دونها البوائق أو يسبق طالبيها الحين أو يرجع بخفي حنين ومن ثم كثر الطالبون وقل الواصلون كما قيل خليلي قطاع الفيافي إلى الحمى كثير وأما الواصلون قليل فلا يمكن الحكم بسقوط الوجوب عن أحد إلا بعد حصول الكفاية بغيره ومتى تحقق بالوصف المعتبر وجب على الناس الرجوع إليه فإذا سئل عما يحتاج إليه وليس هناك غيره فمن يصلح للافتاء تعين عليه الجواب إن علمه حذرا عن اللعن والالجام بلجام من نار الموعودين على كتمان العلم كما سبق في المقدمة وإن كان ثمة غيره فالجواب في حقهما فرض كفاية وأن لا يعلمه بالفعل استفرع الوسع في تحصيله أو أرشده إلى العالم به إن أمكن شئ منهما وإلا أرشده إلى الاحتياط إن وجد إليه سبيلا كما إذا دار اشتباه بين الوجوب وما عدا التحريم من الأحكام الثلاثة أو التحريم وما عدا الوجوب أو فعلين وجوديين يعلم وجوب أحدهما لكن لا بعينه فيقول في الأول الاحتياط في الفعل وفي الثاني في الترك وفي الأخير الجمع ونحو ذلك وقد يتعارض الاحتياطان فيختار أقواهما دليلا وأوثقهما في نفسه وحقها أن لا يفتي في حال تغير خلقه وشغل قلبه بما يمنعه من كمال التأمل في السؤال والجواب كغضب أو جوع أو نعاس أو حزن أو فرح غالب أو نحو ذلك ما لم يتضيق وجوبه فليستحضر ذهنه ويكرر النظر حتى يطمئن ثم يجيب وإن أفتى في بعض هذه الأحوال معتقدا أنه لم يمنعه ذلك من ادراك الصواب صحت فتواه على كراهة كما قيل لما فيه من المخاطرة وأن يحسن التأمل في السئول فإن كان السائل قريبا راجعه في مواقع الاحتمال والاشتباه وإن كان بعيدا استوفى في الجواب جميع الشقوق المحتملة وإن اقتضى الحال الاقتصار على بعضها أفصح عنه بقوله إن كان المراد كذا فالجواب كذا ويرفق بالمستفتى وإن أساء الأدب فإن الخرق ربما يوجب تلجلجه في السئول أو قصوره عن الافصاح به ويصبر على تفهم سؤاله إذا كان معقد اللفظ ولا يتضجر بذلك وعلى تفهيم جوابه إذا كان بعيد الفهم فيكرر عليه بالألفاظ المانوسة ويمثل له المعقول بالمحسوس وكان بعض مشايخنا رحمة الله عليه يستثفر على ثيابه لتعليم المستحاضة ويرفع رجله إلى الحايط لتعليم استبراء الحائض ونحو ذلك ويبين الجواب بيانا شافيا يزيل الاشكال على وفق ما يقتضيه حال السائل فإن كان عاميا محضا صرح له بالجواز أو عدمه أو الوجوب ونحوه وإن كان من أهل المعرفة في الجملة أشار إلى الدليل والمعارض والتأويل وأنه من مواقع الاجماع أو الخلاف فإن ذلك مما يوجب مزيد الوثوق بالفتوى كل ذلك بالعبارات الصحيحة الفصيحة وإن كتب الجواب حيث تمس الحاجة إليها كتب بخط واضح عند المستفتي ولينقط ويعرب مظان الاحتمال وعبارة صحيحة سلسة غير مغلقة ولا غريبة ولا مستهجنة وليتحرز عن الألفاظ التي يمكن تصحيفها بسهولة إلى ما يغير المعنى وهذه كلها داخلة في التبيين وأن يستعيذ عن الشيطان أولا ويسمي الله ويحمده ويصلي ويسلم على النبي صلى الله عليه وآله ويدعو بقوله رب اشرح لي صدري الآية ونحو ذلك ويحولق بقوله لا حول ولا قوة إلا بالله وليحذر كل الحذر إذا علم بالمواقعة أن يميل في فتواه إلى أحد الخصمين أو يخصه بحيل شرعية أو يأتي في جوابه بما هو له دون ما هو عليه أو يعلمه ما يدفع به حجة صاحبه أو نحو ذلك وفي التحذير عن الميل غنى عما بعده وإنما ذكره تأكيدا كيلا يتوصل بذلك إلى أن يبطل حقا أو يحق باطلا وربما يوجد من قوله وإن كتب إلى هنا مخطوطا عليه في بعض النسخ المصححة ويلزم على المستفتي أن يبحث عمن له أهلية الافتاء بحيث يحصل له العلم أو الظن الغالب بأهليته وذلك إما بالممارسة المطلعة على حاله إن كان من أهلها أو بشهادة عدلين أو بشياع حاله بكونه متصفا بذلك أو باذعان جماعة من العلماء العالمين بالطريق كما ذكره الشهيد الثاني وغيره وأن لا يرجع إلا إلى ثقة ناقل عن المعصوم على الوجه المعتبر وفي اشتراط الأهلية غنى عن هذا وكأنه أراد تفصيل ما أجمله أولا مما تتحقق به الأهلية فإن اتحد تعين ووجب قبول قوله والراد عليه كالراد على أهل البيت وهو كالراد على الله وهو على حد الشرك بالله عز وجل وإن تعددوا وتوافقوا فكذلك بل أبلغ وإن اختلفوا فليرجع إلى الأعلم الأتقى منهم لأن الظن به أقوى وأوثق فإن تعارض الوصفان بأن كان أحدهما أعلم والآخر أورع فالأعلم وكذا إن تساويا في الورع وتفاضلا في العلم فإن تساويا في العلم وتفاضلا في الورع
(٢٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الطهارة 16
2 باب جرايم الجوارح 17
3 باب التوبة 24
4 باب التدارك 27
5 باب الحد والتعزير 28
6 باب الجناية 35
7 باب ذمايم القلب 40
8 باب الصبر 42
9 باب الحلم 45
10 باب النصيحة 47
11 باب حب الخمولة 49
12 باب التواضع 52
13 باب الفقر 57
14 باب الزهد 60
15 باب السخا 63
16 باب الرضا 65
17 باب الشكر 66
18 باب الرجاء والخوف 68
19 باب قصر الامل 70
20 باب النية 72
21 باب الاخلاص 75
22 باب الصدق 79
23 باب التوحيد والتوكل 80
24 باب تطهير السر عما سوى الله 83
25 باب الماء 88
26 باب الأخباث وتطهيرها 90
27 باب آداب التخلي 95
28 باب الاتفاث وازالتها 96
29 باب آداب التنظيف 97
30 باب الاحداث ورفعها 100
31 باب الوضوء 102
32 باب الغسل 104
33 باب التيمم 110
34 كتاب الصلاة 111
35 باب الشرايط 112
36 باب الأوقات 118
37 باب المكان 121
38 باب اللباس 125
39 باب القبلة 127
40 باب النداء 129
41 باب الهيئة 130
42 باب الآداب والسنن 132
43 باب المكروهات 135
44 باب وظائف يوم الجمعة والخطبتين 136
45 باب آداب العيدين وسننهما 137
46 باب آداب الآيات وسننها 138
47 باب الجماعة 139
48 باب الخلل 141
49 باب التعقيب 145
50 باب الدعاء 146
51 باب فضل قراءة القرآن 148
52 كتاب الزكاة 150
53 باب التعداد والشرايط 150
54 باب المقادير والنصب 153
55 باب المصرف 154
56 باب الأداء 155
57 باب الخمس 156
58 باب المعروف 158
59 باب آداب المعطى 159
60 باب آداب الآخذ 162
61 كتاب الصيام 163
62 باب الشرايط 165
63 باب الهيئة 167
64 باب الآداب 168
65 باب فوايد الجوع 173
66 باب الاعتكاف 174
67 كتاب الحج 175
68 باب الشرايط 177
69 باب الهيئة 178
70 باب المحرمات 181
71 باب الخلل 190
72 باب حرمة الحرم 195
73 باب الزيارات 196
74 كتاب الحسبة 198
75 باب الجهاد 198
76 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 201
77 باب إقامة الحدود 203
78 باب الفتيا 205
79 باب القضا 206
80 باب الشهادة 209
81 باب اخذ اللقيط 212
82 باب الحجر 212
83 كتاب البر 214
84 باب العطية 214
85 باب العتق 217
86 باب التدبير 219
87 باب الكتابة 220
88 باب النذر والعهد 220
89 باب اليمين 222
90 كتاب الكسب 224
91 باب الآداب 227
92 باب البيع 229
93 باب الربا 234
94 باب الشفعة 236
95 باب الشركة 237
96 باب القراض 238
97 باب الجعالة 240
98 باب الإجارة 242
99 باب المزارعة 244
100 باب المساقاة 245
101 باب احياء الموات 245
102 باب الغصب 248
103 باب اللقطة 250
104 باب السبق 251
105 باب الدين 252
106 باب الرهن 253
107 باب الضمان 254
108 باب الحوالة 255
109 باب الوكالة 256
110 باب الكفالة 257
111 باب الوديعة 258
112 باب الاقرار 259
113 باب الصلح 259
114 كتاب النكاح 260
115 باب التعداد والجدوى 260
116 باب المحارم 263
117 باب الولاية 271
118 باب العقد 272
119 باب الصداق 274
120 باب الخلوة 277
121 باب الحقوق 279
122 باب النشوز 281
123 باب الفسخ 282
124 باب الطلاق 284
125 باب الخلع والمباراة 286
126 باب الظهار 287
127 باب الايلاء 288
128 باب اللعان 289
129 باب العدد 290
130 باب الولد 294
131 باب القرابة 300
132 كتاب المعيشة 300
133 باب الطعام 301
134 باب الأكل 309
135 باب الشرب 312
136 باب الضيافة 313
137 باب اللباس 314
138 باب الطيب 315
139 باب المسكن 316
140 باب المنام 317
141 باب التحية 319
142 باب الكلام 321
143 باب الإخاء 326
144 باب المعاشرة 328
145 باب العزلة 333
146 باب الورد 335
147 باب السفر 338
148 كتاب الجنايز 343
149 باب المرض 343
150 باب الوصية 345
151 باب العيادة 346
152 باب الاحتضار 349
153 باب التغسيل 350
154 باب التكفين 351
155 باب التشييع والتربيع 353
156 باب الصلاة على الميت 354
157 باب الدفن 355
158 باب التعزية 357
159 باب الهدية للميت 357
160 باب زيارة القبر 358
161 كتاب الفرايض 358
162 باب الأسباب والطبقات 358
163 باب الموانع 360