التحفة السنية (مخطوط) - السيد عبد الله الجزائري - الصفحة ٦٦
طاعة الله وهو فوق الصبر كما مر وقد تقدم بعض الأخبار فيه والطريق إليه أن يعلم بالنظر أن ما أصابه فهو من جملة ما قضى الله له وكل ما قضى الله له فهو الأصلح بحاله في الحال أو في المال أو فيهما جميعا فإن الله لا يفعل بعباده إلا الأصلح لهم كما سبق وإن لم يبلغ علمه بسره كالصبي الذي يحميه والده الحاذق الشفيق عن بعض مشتهياته ويذيقه حر الكي وألم الختان شفقة عليه و استصلاحا لشأنه وأن يعلم أن ما قضى الله لا مدخل للهم والاعتراض والسخط فيه ولا يتبدل القضاء به فإن ما قدر يكون لا محالة وما لم يقدر لم يكن كما دلت عليه أدلة العقل والنقل وحسرة الماضي و تدبير الآتي على وجه ينافي الرضا يذهبان ببركة الوقت وثواب الرضا بلا فائدة وتبقى تبعة السخط عليه وعن أبي جعفر (ع) من رضي بالقضاء أتى عليه القضاء وعظم الله أجره ومن سخط القضاء مضى عليه القضاء وأحبط الله أجره فإن قلت المتصور في المصائب والشدايد الصبر دون الرضا فإن الرضا بما يخالف الهوى مما لا تقبله العقول ولا نفقه كثيرا مما تقول قلت بل ينبغي أن تتلقاه بالقبول وقد سبقك إلى هذه الشبهة من أتى من ناحية انكار المحبة فأما إذا ثبت تصور الحب لله (تع) واستغراق الهم به جل جلاله فظاهر أن الحب يورث رضا المحب بأفعال الحبيب ويكون ذلك على وجهين أحدهما وهو الأعلى أن يدهشه غلبة الحب عن الإحساس بالألم حتى يجري إليه المؤلم ولا يشعر به كما يعرض هذا الحال للعاشق المستولي على قلبه سلطان الحب فإنه ينبهر به عن الشعور بما يصيبه من الآلام كما أخبر الله عن حال النسوة اللاتي قطعن أيديهن عند الاستهتار بمشاهدة جمال يوسف (ع) وعن سمنون المحب قال كان في جيراننا رجل له جارية يحبها غاية الحب فاعتلت الجارية وكان الرجل يعللها فنصب القدر يوما ليصلح لها طعاما وكان يسوط ما في القدر بملعقة في يده إذ أنت الجارية فدهش الرجل وسقطت الملعقة من يده وجعل يسوط القدر بيده حتى تساقطت أصابعه و هو لا يعقل وإذا كان يصدق بهذا وأمثاله في عشق الصور الجميلة بما فيها فالتصديق به في عشق الجمال المطلق لمن أنكشف شئ له أولى خصوصا إذا كان المؤلم من جهة المعشوق فإنه أعذب والرضا به أبرد على الفؤاد وأطيب وقد تقدم كلام سهل ضرب الحبيب لا يوجع وكذا الحريص على تحصيل شئ من المقاصد الجزئية الدنيوية ربما يصيبه أنواع الأذى في طلبه وهو لا يحس بها وانكار ذلك مكابرة وكلما كان المقصود أعظم وعلاقة القلب به أتم كان احتمال المشاق في تحصيله أسهل و القلب عن ادراكها أذهل وهو تعالى غاية المقاصد وأن إلى ربك المنتهى والأصل في ذلك ما سبق في باب الصبر أن استهتار النفس بشئ كائنا ما كان يشغلها عن غيره كائنا ما كان و كلما كان الاستهتار أكثر وأقوى كان الاشتغال أكمل وأوفى والآخر أن يحس به ويدرك شدة ألمه لكن يهون عليه العلم بجزالة الثواب الموعود عليه الشدة لأنه أعظم فيرضى به بل يرغب إليه بعقله وإن كرهه بطبعه كما يتفق للمريض والتاجر المتحملين بالرغبة والطلب شدة الحجامة والسفر مع ادراكها والاحساس بها شوقا إلى ما يأملانه من نعيم العافية وعظيم الربح فهذه حالة الراضي فيما يجري عليه من الألم ثقة بثواب الله فيفوض أمره إلى الله إن الله بصير بالعباد كما يفوض الصبي الموفق أمره إلى الوالد الشفيق متوكلا عليه فيما يسوسه به ويصرفه عنه وإليه يقينا برأفته وكرامته فإن الرضا والتوكل متتاخمان وقد يغلب الحب بحيث لا يلاحظ الثواب الذي يجازي به عليه بل يكون حظ المحب في مراد الحبيب ورضاه لا لمعنى آخر وراءه فيكون مراد حبيبه ورضاه محبوبا عنده مطلوبا لديه وكل ذلك موجود في المشاهدات في حب الخلق وقد تواصفها المتواصفون في نظمهم ونثرهم وهذا أحد الوجوه في قول من قال المجاز قنطرة الحقيقة باب الشكر وهو كغيره من المقامات الدينية ينتظم من علم هو كالأصل وحال هو كالشجرة وعمل هو كالثمرة فالعلم هو عرفان النعمة من المنعم والحال هو الفرح به من غير بطر والعمل هو القيام بما هو مقصود المنعم ومحبوبه وهو استعمالها في طاعته ورضاه فمن عرف أن النعم كلها من الله وأنه هو المنعم الحقيقي والوسائط مسخرون من جهته كالآلات وفرح بما يصل إليه منها مع هيئة الخضوع والتواضع وتوصل بها إلى التقرب إليه والتعرض لمراضيه والتجنب عن مساخطه ومناهيه فهو شكور فإن كان فرحه بها من حيث إنها وسيلة له إلى القرب منه (تع) والزلفى لديه وعلامته أن يكون فرحه من الدنيا بما كان مزرعة الآخرة فهذا غاية الشكر ومثال ذلك من أنعم عليه الملك بفرس فربما يكون فرحه بالفرس من حيث إنه مال حصل له مثل ما لو كان قد حصل له هذا المقدار من المال من غير جهة الملك وهذا أدون المراتب وربما يكون فرحه بفرس الملك أعظم من حيث إنها عطية الملك وعلامة العناية به وهذه فوق الأولى والأعلى أن يكون فرحه بها من حيث إنه يسرع بركوبها في تقديم خدمات الملك والسعي في امتثال أوامره ويتسهل له بها مرافقته في الأسفار وإذا خرج للاصطياد ونحوه فيدوم له الاحتظاء بالصحبة والانخراط في سلك المقربين فيترشح بذلك لمرتبة أخرى من الكرامة فوق عطاء الفرس لما يعلمه من سبوغ عطايا الملك وكرم أخلاقه ومن استعمل النعمة في المعصية فقد كفرها نظير ما لو ركب الفرس فأبق بها عن باب الملك المنعم إلى باب عدوه وجدواه استدامة النعمة ففي المشهور بالشكر تدوم النعم واستزادتها فعن أبي عبد الله (ع) من أعطى الشكر أعطي الزيادة قال الله (تع) ولئن شكرتم لأزيدنكم وعنه (ع) ما أنعم الله على عبد من نعمة فعرفها بقلبه وحمد الله ظاهرا بلسانه فتم كلامه حتى يؤمر له بالمزيد وهي أما دنيوية كالخلقة السوية الظاهرة والباطنة وتسهيل الملاذ الشهية المباحة وصرف أنواع المفاسد والمضار الممكنة في كل آن وتقريب المصالح والمنافع مما لو عمر الواحد عمر نوح وأراد علاج أدنى شئ منها بسعيه وقوته لتعذر عليه وأما دينية كالاسلام ومعرفة الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم على وجهها وهي الايمان و
(٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الطهارة 16
2 باب جرايم الجوارح 17
3 باب التوبة 24
4 باب التدارك 27
5 باب الحد والتعزير 28
6 باب الجناية 35
7 باب ذمايم القلب 40
8 باب الصبر 42
9 باب الحلم 45
10 باب النصيحة 47
11 باب حب الخمولة 49
12 باب التواضع 52
13 باب الفقر 57
14 باب الزهد 60
15 باب السخا 63
16 باب الرضا 65
17 باب الشكر 66
18 باب الرجاء والخوف 68
19 باب قصر الامل 70
20 باب النية 72
21 باب الاخلاص 75
22 باب الصدق 79
23 باب التوحيد والتوكل 80
24 باب تطهير السر عما سوى الله 83
25 باب الماء 88
26 باب الأخباث وتطهيرها 90
27 باب آداب التخلي 95
28 باب الاتفاث وازالتها 96
29 باب آداب التنظيف 97
30 باب الاحداث ورفعها 100
31 باب الوضوء 102
32 باب الغسل 104
33 باب التيمم 110
34 كتاب الصلاة 111
35 باب الشرايط 112
36 باب الأوقات 118
37 باب المكان 121
38 باب اللباس 125
39 باب القبلة 127
40 باب النداء 129
41 باب الهيئة 130
42 باب الآداب والسنن 132
43 باب المكروهات 135
44 باب وظائف يوم الجمعة والخطبتين 136
45 باب آداب العيدين وسننهما 137
46 باب آداب الآيات وسننها 138
47 باب الجماعة 139
48 باب الخلل 141
49 باب التعقيب 145
50 باب الدعاء 146
51 باب فضل قراءة القرآن 148
52 كتاب الزكاة 150
53 باب التعداد والشرايط 150
54 باب المقادير والنصب 153
55 باب المصرف 154
56 باب الأداء 155
57 باب الخمس 156
58 باب المعروف 158
59 باب آداب المعطى 159
60 باب آداب الآخذ 162
61 كتاب الصيام 163
62 باب الشرايط 165
63 باب الهيئة 167
64 باب الآداب 168
65 باب فوايد الجوع 173
66 باب الاعتكاف 174
67 كتاب الحج 175
68 باب الشرايط 177
69 باب الهيئة 178
70 باب المحرمات 181
71 باب الخلل 190
72 باب حرمة الحرم 195
73 باب الزيارات 196
74 كتاب الحسبة 198
75 باب الجهاد 198
76 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 201
77 باب إقامة الحدود 203
78 باب الفتيا 205
79 باب القضا 206
80 باب الشهادة 209
81 باب اخذ اللقيط 212
82 باب الحجر 212
83 كتاب البر 214
84 باب العطية 214
85 باب العتق 217
86 باب التدبير 219
87 باب الكتابة 220
88 باب النذر والعهد 220
89 باب اليمين 222
90 كتاب الكسب 224
91 باب الآداب 227
92 باب البيع 229
93 باب الربا 234
94 باب الشفعة 236
95 باب الشركة 237
96 باب القراض 238
97 باب الجعالة 240
98 باب الإجارة 242
99 باب المزارعة 244
100 باب المساقاة 245
101 باب احياء الموات 245
102 باب الغصب 248
103 باب اللقطة 250
104 باب السبق 251
105 باب الدين 252
106 باب الرهن 253
107 باب الضمان 254
108 باب الحوالة 255
109 باب الوكالة 256
110 باب الكفالة 257
111 باب الوديعة 258
112 باب الاقرار 259
113 باب الصلح 259
114 كتاب النكاح 260
115 باب التعداد والجدوى 260
116 باب المحارم 263
117 باب الولاية 271
118 باب العقد 272
119 باب الصداق 274
120 باب الخلوة 277
121 باب الحقوق 279
122 باب النشوز 281
123 باب الفسخ 282
124 باب الطلاق 284
125 باب الخلع والمباراة 286
126 باب الظهار 287
127 باب الايلاء 288
128 باب اللعان 289
129 باب العدد 290
130 باب الولد 294
131 باب القرابة 300
132 كتاب المعيشة 300
133 باب الطعام 301
134 باب الأكل 309
135 باب الشرب 312
136 باب الضيافة 313
137 باب اللباس 314
138 باب الطيب 315
139 باب المسكن 316
140 باب المنام 317
141 باب التحية 319
142 باب الكلام 321
143 باب الإخاء 326
144 باب المعاشرة 328
145 باب العزلة 333
146 باب الورد 335
147 باب السفر 338
148 كتاب الجنايز 343
149 باب المرض 343
150 باب الوصية 345
151 باب العيادة 346
152 باب الاحتضار 349
153 باب التغسيل 350
154 باب التكفين 351
155 باب التشييع والتربيع 353
156 باب الصلاة على الميت 354
157 باب الدفن 355
158 باب التعزية 357
159 باب الهدية للميت 357
160 باب زيارة القبر 358
161 كتاب الفرايض 358
162 باب الأسباب والطبقات 358
163 باب الموانع 360