التحفة السنية (مخطوط) - السيد عبد الله الجزائري - الصفحة ٢٧
غير ذلك مما يأتي في باب الدعاء ويضع الوجه على الأرض بهيئة الساجد لأنه أقرب ما يكون العبد من ربه و يمرغه في التراب لأنه أبلغ في التذلل وارغم للشيطان بدمع جار فإنه من علامات الإجابة وكل شئ له وزن و كيل سواه وقلب حزين وصوت علي لثكله بنفسه وفاجعة أشد منه فحق له الحزن والعويل ويذكر الذنوب واحدا واحدا على التفصيل ليتجدد ندمه كلما ذكر واحدا منها ولا يكتفى بالاجمال سيما مع الذكر فإن فيه اشكالا ويلوم النفس ويوبخها بإزاء كل منها والتوبيخ أشد اللوم ويرفع يديه وهو التضرع فإن تجاوز بهما رأسه فأكمل وهو الابتهال حامدا لله أولا ذاكر نعمه عنده شاكرا مصليا على النبي وآله داعيا بعد ذكر الذنوب بالمأثور أو غيره مستغفرا منها روى في الكافي عن أبي عبد الله (ع) قال من أطاع الله فيما أمره ثم دعاه من جهة الدعاء أجابه قيل وما جهة الدعاء قال تبدء فتحمد الله وتذكر نعمه عندك ثم تشكره ثم تصلي على النبي وآله ثم تذكر ذنوبك فتقر بها ثم تستغفر منها فهذا جهة الدعاء وتصح التوبة المبعضة على المشهور خلافا لمن أبطلها قالوا إن التوبة على الذنب إن كانت لكونه ذنبا فهو أمر مشترك بين الذنوب كلها وليس بعضها أرجح بالتوبة من بعض وهي نظير ما لو تاب شارب الخمر عن أحد الدنين مع ولوعه بالآخر وإن كانت لأمر آخر لم تكن توبة وأيضا إن الله يحب التوابين والتائب حبيب الله ومن يحبه لم يعذبه كما ورد والعاصي بغير المتوب عنه معذب البتة فلم تفد توبته شيئا والفاتك بابن الملك إذا أجنبت الجنابة بالسيف وجنى بالسكين لم يكن لاجتنابه السيف أثر والجواب أن الذنوب وإن كانت كلها متشاركة في الحقيقة الجنسية إلا أنها متخالفة بحسب الفصول وإلا عراض في مراتب التفاحش كالزنا بذات المحرم والأجنبية وفي مراتب استحقاق العقوبة شدة وضعفا كالسبع الموجبات وغيرها وحقوق الناس التي لا تترك وحقوق الله التي أن يتسارع العفو إليها وفي أمر التدارك عند التوبة يسرا وعسرا كترك الصلاة الموجب للقضاء وحده وافطار يوم من شهر رمضان الموجب للقضاء وصيام شهرين متتابعين فالأغلظ أحق بالتوبة فظهر الفرق بينها وبين الدنين إذ لا فرق بينهما و كذا الجناية بالسيف والسكين وإنما المثال المطابق الجناية على حرم الملك ودابته وأيضا الذنوب إنما تؤتى بحسب الدواعي وتترك بحسب الصوارف وهي متفاوتة في الأشخاص والأحوال تفاوتا لا ينكر فربما يضعف الداعي إلى بعضها ويقوى الصارف فيسهل التوبة عنه دون ما يقوى داعيه ويضعف صارفه كالموسر يضعف داعيه إلى السرقة ويقوى إلى الكبر والمعسر بالعكس فتتفاوت الذنوب بحسب تفاوت أحوال المذنبين في الدواعي والصوارف فلا مانع من التوبة عن البعض لضعف الداعي إليه وقوة الصارف عنه وإن أصر على البعض الآخر لكونه على العكس منه سيما مع فرض الرجحان في طرفه بأحد المرجحات المذكورة لكونه أفحش من غيره أو العقاب عليه أصعب أو التدارك أشق كما مثلنا وإلا لزم بقاء الكفر على التائب منه المقيم على صغيرة كاليهودي إذا سرق بيضة ثم أسلم ولم يتب عنها والتالي باطل بالاجماع فالمقدم مثله وتفيد نقصان العقوبة لأنها بحسب الذنب فكلما كثر كثرت وكلما قل قلت ولا تفيد النجاة عنها رأسا لأنها لا تحصل إلا بترك الكل وعليه يحمل ما ورد في كلام أهل البيت (ع) من الحكم على التوبة المبعضة بعدم الصحة بمعنى أنها لا تفيد النجاة المطلقة هكذا ذكر المحقق الطوسي (ره) أو تنزل على صورة عدم الرجحان في المتوب عنه والطريق إلى تحصيلها للتائب والمستتيب جميعا أمران أحدهما ايجاد المقتضي وهو ذكر ما ورد من الآيات والأخبار في فوائد التوبة وفضلها والحث عليها وأن الله أفرح بتوبة العبد من أحدكم إذا فقد ضالة في مفازة ثم وجدها وقبح الاصرار على الذنب عقلا وشرعا وشدة العقوبة على المصرين في الدنيا بالنكبات والمصايب والأمراض والفقر وتعجيل الفناء وشماتة الأعداء وتسليط من لا يرحم وسلب التوفيق وفي الآخرة بالسلاسل والأغلال والجحيم والحميم والسموم والعقارب والحيات و نار يأكل بعضها بعضا ويصول بعضها على بعض في مدد لا يعلمه إلا الله وضعف النفس عن الاحتمال لا يسرها في أقصر الآنات وشرف نعيم الآخرة للتائبين مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر و مجاورة الملائكة المقربين ومرافقة الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ورضوان من الله أكبر كل ذلك أبد الأبدين ودهر الداهرين وخساسة الدنيا التي يعصي في مقاصدها الدنية وملتذاتها المنقصة المقرونة بالغموم المعجونة بالسموم الفانية لذاتها الباقية تبعاتها وقرب الموت الذي لا يسلم هاربه ولا يؤب غائبه واحتماله في كل لحظة وكل آن قريب ولذة المعرفة بالمعارف والمناجات مع الله بالسر المشروط بنور القلب وصفاء الباطن وطهارته ورقته الممتنعة مع الاصرار على المعصية لأنه يؤثر بالضد من ذلك كما تقدم وخوف الاملاء وهو في اللغة مطلق الانظار والامهال ويطلق على امهال الله المجرم بعدم الأخذ الحالي عليه قال الله عز وجل ولا يحسبن الذين كفروا إنما نملي لهم خيرا لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما وقال عز وجل وأملي لهم إن كيدي متين وقال سبحانه وكأين من قرية أمليت لها و هي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير وخوف الاستدراج وهو في الأصل الخداع واستدراج الله للعباد هو اغفال العصاة بالاحسان وتجديد النعم عليهم عقيب الإساءة فينسون الاستغفار وعن أبي عبد الله (ع) إن الله إذا أراد بعبد خيرا فأذنب ذنبا أتبعه بنقمه ويذكره الاستغفار وإذا أراد بعبد شرا فأذنب ذنبا أتبعه بنعمة لينسيه الاستغفار ويتمادى بها وهو قول الله عز وجل سنستدرجهم من حيث لا يعلمون بالنعم عند المعاصي وسئل عليه السلام عن الاستدراج فقال هو العبد يذنب الذنب فيملي له ويجدد له عنده النعم فيلهيه عن الاستغفار من الذنوب فهو مستدرج من حيث لا يعلم والآخر رفع المانع وهو قلع أسباب الاصرار عن القلب و هي الغرور وهو سكون النفس إلى اتباع الهوى الصاد عن الحق وحب الدنيا الذي هو رأس كل خطيئة وطول الأمل المنسي للآخرة وعلاجها بما يأتي في تضاعيف الأبواب الآتية وكان الثاني أولى بالتقديم لأن التخلية مقدم على التحلية والطبيب الطبيعي يبدء بالاستفراغات لقلع مادة المرض عن المزاج ثم يثني بالأدوية والأغذية المعيدة للصحة والروحاني مثله باب التدارك وهو يختلف باختلاف الجرايم المتوب عنها من حق الله وحق العبد وأصناف كل منهما بحيث لا ينتظم تحت قاعدة كلية إلا أنه في حقه (تع) لا يزيد الواجب على القضاء والكفارة بل يكتفي في بعضها
(٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الطهارة 16
2 باب جرايم الجوارح 17
3 باب التوبة 24
4 باب التدارك 27
5 باب الحد والتعزير 28
6 باب الجناية 35
7 باب ذمايم القلب 40
8 باب الصبر 42
9 باب الحلم 45
10 باب النصيحة 47
11 باب حب الخمولة 49
12 باب التواضع 52
13 باب الفقر 57
14 باب الزهد 60
15 باب السخا 63
16 باب الرضا 65
17 باب الشكر 66
18 باب الرجاء والخوف 68
19 باب قصر الامل 70
20 باب النية 72
21 باب الاخلاص 75
22 باب الصدق 79
23 باب التوحيد والتوكل 80
24 باب تطهير السر عما سوى الله 83
25 باب الماء 88
26 باب الأخباث وتطهيرها 90
27 باب آداب التخلي 95
28 باب الاتفاث وازالتها 96
29 باب آداب التنظيف 97
30 باب الاحداث ورفعها 100
31 باب الوضوء 102
32 باب الغسل 104
33 باب التيمم 110
34 كتاب الصلاة 111
35 باب الشرايط 112
36 باب الأوقات 118
37 باب المكان 121
38 باب اللباس 125
39 باب القبلة 127
40 باب النداء 129
41 باب الهيئة 130
42 باب الآداب والسنن 132
43 باب المكروهات 135
44 باب وظائف يوم الجمعة والخطبتين 136
45 باب آداب العيدين وسننهما 137
46 باب آداب الآيات وسننها 138
47 باب الجماعة 139
48 باب الخلل 141
49 باب التعقيب 145
50 باب الدعاء 146
51 باب فضل قراءة القرآن 148
52 كتاب الزكاة 150
53 باب التعداد والشرايط 150
54 باب المقادير والنصب 153
55 باب المصرف 154
56 باب الأداء 155
57 باب الخمس 156
58 باب المعروف 158
59 باب آداب المعطى 159
60 باب آداب الآخذ 162
61 كتاب الصيام 163
62 باب الشرايط 165
63 باب الهيئة 167
64 باب الآداب 168
65 باب فوايد الجوع 173
66 باب الاعتكاف 174
67 كتاب الحج 175
68 باب الشرايط 177
69 باب الهيئة 178
70 باب المحرمات 181
71 باب الخلل 190
72 باب حرمة الحرم 195
73 باب الزيارات 196
74 كتاب الحسبة 198
75 باب الجهاد 198
76 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 201
77 باب إقامة الحدود 203
78 باب الفتيا 205
79 باب القضا 206
80 باب الشهادة 209
81 باب اخذ اللقيط 212
82 باب الحجر 212
83 كتاب البر 214
84 باب العطية 214
85 باب العتق 217
86 باب التدبير 219
87 باب الكتابة 220
88 باب النذر والعهد 220
89 باب اليمين 222
90 كتاب الكسب 224
91 باب الآداب 227
92 باب البيع 229
93 باب الربا 234
94 باب الشفعة 236
95 باب الشركة 237
96 باب القراض 238
97 باب الجعالة 240
98 باب الإجارة 242
99 باب المزارعة 244
100 باب المساقاة 245
101 باب احياء الموات 245
102 باب الغصب 248
103 باب اللقطة 250
104 باب السبق 251
105 باب الدين 252
106 باب الرهن 253
107 باب الضمان 254
108 باب الحوالة 255
109 باب الوكالة 256
110 باب الكفالة 257
111 باب الوديعة 258
112 باب الاقرار 259
113 باب الصلح 259
114 كتاب النكاح 260
115 باب التعداد والجدوى 260
116 باب المحارم 263
117 باب الولاية 271
118 باب العقد 272
119 باب الصداق 274
120 باب الخلوة 277
121 باب الحقوق 279
122 باب النشوز 281
123 باب الفسخ 282
124 باب الطلاق 284
125 باب الخلع والمباراة 286
126 باب الظهار 287
127 باب الايلاء 288
128 باب اللعان 289
129 باب العدد 290
130 باب الولد 294
131 باب القرابة 300
132 كتاب المعيشة 300
133 باب الطعام 301
134 باب الأكل 309
135 باب الشرب 312
136 باب الضيافة 313
137 باب اللباس 314
138 باب الطيب 315
139 باب المسكن 316
140 باب المنام 317
141 باب التحية 319
142 باب الكلام 321
143 باب الإخاء 326
144 باب المعاشرة 328
145 باب العزلة 333
146 باب الورد 335
147 باب السفر 338
148 كتاب الجنايز 343
149 باب المرض 343
150 باب الوصية 345
151 باب العيادة 346
152 باب الاحتضار 349
153 باب التغسيل 350
154 باب التكفين 351
155 باب التشييع والتربيع 353
156 باب الصلاة على الميت 354
157 باب الدفن 355
158 باب التعزية 357
159 باب الهدية للميت 357
160 باب زيارة القبر 358
161 كتاب الفرايض 358
162 باب الأسباب والطبقات 358
163 باب الموانع 360