التحفة السنية (مخطوط) - السيد عبد الله الجزائري - الصفحة ٢٥
المؤكد في مرتبة لا يعقل لها غاية وهذا العلم لا يحتاج إلى مزيد نظر لأنه داخل في الايمان ومن ثم خص الخطاب بالتوبة في الآية المذكورة بالمؤمنين ولكن ربما تذهل الغفلة عنه فينتبه عليه التوفيق و كما يلتفت به إلى أصل وجوبها في الجملة يلتفت إلى عموم وجوبها على كل أحد في كل حال لأن غرائز الشهوة و الغضب وسائر الذمايم تسابق إلى النفوس الانسانية على كمال العقل لأنه إنما يتحقق ببلوغ الأشد في حدود الأربعين وهي قد تكاملت قبل ذلك واستولت على المكان وألف بها القلب بمقتضى العادة ومن ثم الانسان أسلس قيادا للباطل منه للحق إلا من عصمه الله فلا جرم لا ينفك في كل وقت عن معصية بجوارحه فإن خلا في بعض الأوقات عن معصية الجوارح فبقلبه من هم بذنب أو تحديث النفس بوسوسة أو مداهنة في باطل أو تقاعد عن حق أو غير ذلك مما يحده كل أحد من نفسه وإلى وجوبها على الفور لأن العالم بأن الذنوب مهلكات لروح الايمان كالعالم بأن السموم مهلكات لروح الحياة وكما يجب على شارب السم المبادرة إلى التنقية و الاستفراغ تلافيا لحياته المشرفة على الزهوق والزوال كذلك يجب على صاحب الذنوب المبادرة إلى التوبة تلافيا لايمانه المشرف على الاضمحلال ومن أهمل المبادرة إلى وسوفها من وقت إلى وقت فهو بين خطرين عظيمين إن سلم من أحدهما فلعله لا يسلم من الآخر أحدهما أن يعاجله الأجل فلا يتيقظ من غفلته إلا وقد حضره الموت وفات وقت التدارك وضاقت عليه الأرض بما رحبت وانسدت أبواب التلافي وجاء الوقت الذي أشار إليه عز وجل بقوله وحيل بينهم وبين ما يشتهون وقوله (تع) وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن وصار يطلب المهلة والتأخير يوما أو ساعة فيقال له لا محصلة لك كما قال عز وجل من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين فيغلق عنه باب التوبة ويغرغر بروحه إلى النار ويتجرع غصة اليأس وحسرة الندامة على تضييع العمر فيما لا ينفع في القيامة وربما اختل أصل ايمانه في صدمات تلك الأهوال نعوذ بالله من ذلك وثانيهما أن تتراكم ظلمة المعاصي على قلبه إلى أن يصير زينا وطبعا فلا يقبل المحو فإن كل معصية يرتكبها الانسان يحصل منها ظلمة في قلبه كما يحصل من نفس الانسان ظلمة في المرآة كما تقدمت الإشارة إليه فإذا تراكمت ظلمة الذنوب صارت رينا كما يصير بخار النفس عند تراكمه على المرآة صداء وإذا تراكم الرين صار طبعا فيطبع على قلبه كالخبث على وجه المرآة إذا تراكم بعضه فوق بعض وطال مكثه وغاص في جرمها وأفسدها فصارت لا يقبل الصقل أبدا وقد يعبر عن هذا بالقلب المنكوس والقلب الأسود كما روي عن أبي جعفر (ع) ما من شئ أفسد للقلب من خطيئة إن القلب ليواقع الخطيئة فلا يزال به حتى تغلب عليه فيصير أعلاه أسفله وعنه (ع) ما من عبد إلا وفي قلبه نكتة بيضاء فإذا أذنب ذنبا خرج في النكتة نكتة سوداء فإن تاب ذهب ذلك السواد وإن تمادى في الذنوب زاد ذلك السواد حتى يغطي البياض فإذا غطى البياض لم يرجع صاحبه إلى خير أبدا وهو قول الله عز وجل بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون وربما يؤل حال صاحب القلب إلى قلة المبالاة بأمور الشريعة واختلال عقيدته وزوال ايمانه فيموت على غير الملة وهو المعبر عنه بسوء الخاتمة نعوذ بالله من ذلك هذا حاصل ما أفاده أبو حامد في ذا الباب ومن كلام بعضهم اغتنموا التوبة قبل أن يصير القريب نائيا والمستقبل ماضيا والمحصول ندما والموجود عدما ويضرب الأدبار على المصرين سرادق الخسار فلا إقالة عثار ولا توفيق إنابة واعتذار وربما يناقش في وجوبها العقلي عن الصغاير بأنها مكفرة باجتناب الكباير فلا حاجة إلى التوبة عنها وفيه أن الندم على القبيح من مقتضيات العقل الصحيح و من حفظ ما أوردناه من الأخبار في معنى الاصرار ظهر له سقوطها عن درجة الاعتبار وإن لم يتب عن الصغاير لم يجتنب الكبائر وفي الفورية بما رواه زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام أن العبد إذا أذنب ذنبا أجل من غدوة إلى الليل فإن استغفر الله لم يكتب عليه وعنه (ع) من عمل سيئة أجل فيها سبع ساعات فإن قال أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ثلاث مرات لم يكتب عليه وفي معناهما غيرهما وفيه أن تأخير الكتابة تفضلا ورحمة لا ينافي وجوب المبادرة إلى التوبة كما لا يخفى وجدواها حبه (تع) وهو ملاك كل خير لأن الله يحب التوابين والتائب حبيب الله والتوفيق على الطاعة لأن الذنوب حابسة عنها ففي الحديث أنه قال رجل لأمير المؤمنين (ع) قد حرمت صلاة الليل فقال (ع) أنت رجل قد قيدتك ذنوبك وعن أبي عبد الله (ع) إن الرجل يذنب الذنب فيحرم صلاة الليل وأن العمل السئ أسرع في صاحبه من السكين في اللحم وادراك حلاوتها فإن طعم العسل مما يختص باحساسه الذوق السليم دون الممرور وقبولها فعن أبي عبد الله (ع) لا والله لا يقبل الله شيئا من طاعته على الاصرار على شئ من معاصيه والعافية من الأمراض والنكبات فإنها من تبعات الذنوب فعنه (ع) أما أنه ليس من عرق يضرب ولا نكبة ولا صداع ولا مرض إلا بذنب وذلك قول الله عز وجل ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم والرزق لأن الذنوب محرمة عنه فعنه (ع) إن الذنب ليحرم العبد الرزق وعن أبي جعفر (ع) إن الرجل ليذنب الذنب فيدرأ عنه الرزق وتلا هذه الآية إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون وقضاء الحوائج فعنه (ع) إن العبد يسأل الله الحاجة فيكون من شأنه قضاؤها إلى أجل قريب أو إلى وقت بطئ فيذنب العبد ذنبا فيقول الله تبارك وتعالى للملك لا تقض حاجته وأحرمه إياه فإنه تعرض لسخطي واستوجب الحرمان مني وهي مقبولة مسقطة لعقاب الجريمة مع تحقق شروطها بلا شك بالكتاب والسنة والاجماع والخلاف بعد ذلك في أنه هل هو على وجه التفضل أو الاستحقاق وهل هو بنفس التوبة أو كثرة الثواب مما لا يهم وإنما الشك في تحققها وإلا فالقبول مبذول وتوهم أن التوبة تصح ولا تقبل كتوهم أن الثوب يعالج بالصابون والوسخ لا يزول اللهم إلا أن يكون قد غاص لطول لطول تراكمه في تجاويف الثوب وخلاله ولا يقوى الصابون على قلعه ومثال ذلك القلب المطبوع فإنه لا يرجع ولا يتوب كما ذكر نعم ربما يقول باللسان تبت فيكون كقول القصار بلسانه قد غسلت الثوب
(٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الطهارة 16
2 باب جرايم الجوارح 17
3 باب التوبة 24
4 باب التدارك 27
5 باب الحد والتعزير 28
6 باب الجناية 35
7 باب ذمايم القلب 40
8 باب الصبر 42
9 باب الحلم 45
10 باب النصيحة 47
11 باب حب الخمولة 49
12 باب التواضع 52
13 باب الفقر 57
14 باب الزهد 60
15 باب السخا 63
16 باب الرضا 65
17 باب الشكر 66
18 باب الرجاء والخوف 68
19 باب قصر الامل 70
20 باب النية 72
21 باب الاخلاص 75
22 باب الصدق 79
23 باب التوحيد والتوكل 80
24 باب تطهير السر عما سوى الله 83
25 باب الماء 88
26 باب الأخباث وتطهيرها 90
27 باب آداب التخلي 95
28 باب الاتفاث وازالتها 96
29 باب آداب التنظيف 97
30 باب الاحداث ورفعها 100
31 باب الوضوء 102
32 باب الغسل 104
33 باب التيمم 110
34 كتاب الصلاة 111
35 باب الشرايط 112
36 باب الأوقات 118
37 باب المكان 121
38 باب اللباس 125
39 باب القبلة 127
40 باب النداء 129
41 باب الهيئة 130
42 باب الآداب والسنن 132
43 باب المكروهات 135
44 باب وظائف يوم الجمعة والخطبتين 136
45 باب آداب العيدين وسننهما 137
46 باب آداب الآيات وسننها 138
47 باب الجماعة 139
48 باب الخلل 141
49 باب التعقيب 145
50 باب الدعاء 146
51 باب فضل قراءة القرآن 148
52 كتاب الزكاة 150
53 باب التعداد والشرايط 150
54 باب المقادير والنصب 153
55 باب المصرف 154
56 باب الأداء 155
57 باب الخمس 156
58 باب المعروف 158
59 باب آداب المعطى 159
60 باب آداب الآخذ 162
61 كتاب الصيام 163
62 باب الشرايط 165
63 باب الهيئة 167
64 باب الآداب 168
65 باب فوايد الجوع 173
66 باب الاعتكاف 174
67 كتاب الحج 175
68 باب الشرايط 177
69 باب الهيئة 178
70 باب المحرمات 181
71 باب الخلل 190
72 باب حرمة الحرم 195
73 باب الزيارات 196
74 كتاب الحسبة 198
75 باب الجهاد 198
76 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 201
77 باب إقامة الحدود 203
78 باب الفتيا 205
79 باب القضا 206
80 باب الشهادة 209
81 باب اخذ اللقيط 212
82 باب الحجر 212
83 كتاب البر 214
84 باب العطية 214
85 باب العتق 217
86 باب التدبير 219
87 باب الكتابة 220
88 باب النذر والعهد 220
89 باب اليمين 222
90 كتاب الكسب 224
91 باب الآداب 227
92 باب البيع 229
93 باب الربا 234
94 باب الشفعة 236
95 باب الشركة 237
96 باب القراض 238
97 باب الجعالة 240
98 باب الإجارة 242
99 باب المزارعة 244
100 باب المساقاة 245
101 باب احياء الموات 245
102 باب الغصب 248
103 باب اللقطة 250
104 باب السبق 251
105 باب الدين 252
106 باب الرهن 253
107 باب الضمان 254
108 باب الحوالة 255
109 باب الوكالة 256
110 باب الكفالة 257
111 باب الوديعة 258
112 باب الاقرار 259
113 باب الصلح 259
114 كتاب النكاح 260
115 باب التعداد والجدوى 260
116 باب المحارم 263
117 باب الولاية 271
118 باب العقد 272
119 باب الصداق 274
120 باب الخلوة 277
121 باب الحقوق 279
122 باب النشوز 281
123 باب الفسخ 282
124 باب الطلاق 284
125 باب الخلع والمباراة 286
126 باب الظهار 287
127 باب الايلاء 288
128 باب اللعان 289
129 باب العدد 290
130 باب الولد 294
131 باب القرابة 300
132 كتاب المعيشة 300
133 باب الطعام 301
134 باب الأكل 309
135 باب الشرب 312
136 باب الضيافة 313
137 باب اللباس 314
138 باب الطيب 315
139 باب المسكن 316
140 باب المنام 317
141 باب التحية 319
142 باب الكلام 321
143 باب الإخاء 326
144 باب المعاشرة 328
145 باب العزلة 333
146 باب الورد 335
147 باب السفر 338
148 كتاب الجنايز 343
149 باب المرض 343
150 باب الوصية 345
151 باب العيادة 346
152 باب الاحتضار 349
153 باب التغسيل 350
154 باب التكفين 351
155 باب التشييع والتربيع 353
156 باب الصلاة على الميت 354
157 باب الدفن 355
158 باب التعزية 357
159 باب الهدية للميت 357
160 باب زيارة القبر 358
161 كتاب الفرايض 358
162 باب الأسباب والطبقات 358
163 باب الموانع 360