التحفة السنية (مخطوط) - السيد عبد الله الجزائري - الصفحة ٤٥
تحسين بالألم فقالت إن حلاوة ثوابها أدهشتني عن مرارة المها ويعزى إلى علي بن الحسين (ع) يفرح هذا الورى بعيدهم ونحن أعيادنا مأتمنا وقيل بالفارسية تهنيت جز در مصيبت پيش ما عيب است عيب عبد را در شهر ما رسم مبارك باد نيست وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وآله أخبر أمير المؤمنين (ع) بشهادته وأنه تخضب هذه من هذه ثم قال له فكيف صبرك يا علي فقال ذاك مقام الشكر لا مقام الصبر وأنه لما أصيب على رأسه أهل فرحا فزت ورب الكعبة وعلم مما ذكر أن مقام الرضا فوق مقام الصبر ومقام الشكر فوقهما وفي ذلك يقول القائل وفوق مقام الصبر للمتصبر مقام الرضا فالشكر للمتصبر ومن الصريح في الأول قوله صلى الله عليه وآله ا عبد الله على الرضا فإن لم تستطع ففي الصبر على ما تكره خير كثير وهو إنما ينال بالغيبة عن حظوظ النفس بالموت الإرادي والفناء في الله كما ذكر والشهود معه (تع) وهو البقاء بالله والحياة الطيبة الموعودة في قوله عز وجل ولنحيينه حياة طيبة ويلزمه عدم التمييز بين الألم واللذة الحسيين لاستهتار القلب به (تع) الموجب لانقطاع الالتفات إلى ما سواه من المنافر والملائم وليس ذلك بمستنكر فإن القلب إذا قيل إلى شئ انصرف عن غيره وكلما كان تعلقه بما أقبل الله أقوى كان اعراضه عما عداه أكثر وينبه عليه قوله (تع) ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه والمشغوف بمغالبة العدو في الحرب ربما تصيبه الجراحات الهائلة وهو لا يشعر بها ولا يحس بألمها في حاله وقد قص الله قصة النسوة مع يوسف وأنه لما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن اشتغالا بما بهرهن من النظر إلى جماله عما أصبن بأنفسهن من الجراحة وسيأتي لهذا تتمة في موضعها الأليق انشاء الله (تع) باب الحلم وهو لغة العقل والأناة وشرعا يطلق على ما يناسب الأول وهو المقابل بالسفه والثاني وهو الصبر على كظم الغيظ وهو رده باحتمال سببه وضده الغضب أو خفته كما تقدم وهو غليان دم القلب بهيجان الجزء الناري الكامن في الجبلة لدفع المؤذي قبل وقوعه ولطلب الانتقام والتشفي بعده فينتشر في العروق ويرتفع إلى أعالي البدن كما يرتفع الماء الذي يغلي في القدور ومن ثم يحمر الوجه والعينان والبشرة بصفائها تحكي لون ما ورائها من حمرة الدم كما تحكي الزجاجة لون ما فيها وذلك إذا استشعر القدرة على الدفع والانتقام فإن غضب على المأيوس من القدرة عليه بهما تولد منه انقباض الدم من ظاهر الجلد إلى جوف القلب وصار خوفا أو حزنا ومن ثم يصفر اللون وإن كان على نظير يشك فيه تولد منه تردد بين انقباض وانبساط فيحمر تارة ويصفر أخرى والناس في هذا الخلق بحسب الجبلة الأولى على درجات ثلاث من التفريط والافراط والاعتدال ومحموده الاعتدال وهو الضبط تحت حكم الشرع والعقل بحيث لا يتقاصر عنهما ولا يزيد عليهما فالتفريط يضعف هذه القوة وسكونها حيث ينبغي لها الحركة شرعا وعقلا كالتقرير على المنكرات والاغضاء على قصد الحريم مع القدرة على الدفع مذموم و صاحبه ناقص ملوم كالافراط فيها بغلبتها حتى يخرج عن سياسة العقل والدين وطاعتهما فلا يبقى للمرء معها بصيرة ولا اختيار وأغلب ما يكون ذلك في المحرورين خصوصا المنتسبين بأمزجتهم إلى الخلط الناري ومن ثم ورد عن أبي جعفر (ع) أن هذا الغضب جمرة من الشيطان توقد في جوف ابن آدم فإن اللعين مخلوق من النار كما حكى الله عز وجل عنه خلقتني من نار وربما يكون افراط الغضب اعتياديا بأن يخالط قوما يتبجحون بتشفي الغيظ وطاعة الغضب ويسمون ذلك شجاعة ورجولية فيجب التشبه بالقوم ويرسخ في نفسه الخلق المذموم ومن آثاره في الظاهر شدة الرعدة في الأطراف وخروج الأفعال عن الترتيب والنظام و اضطراب الحركة والكلام وأما ما ورد من أن في المؤمن حدة وخيار أمتي أحداؤها وما ورد في مدح الغيرة مثل قوله صلى الله عليه وآله إن سعدا لغيور وأنا أغير منه والله أغير منا ونحو ذلك فمحمول على ذم التفريط لا مدح الافراط ومرجعه إلى مدح الاعتدال واستعماله في مواقع الحاجة بقدرها فورد في مدح الصحابة أشداء على الكفار رحماء بينهم وفي جهاد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم وليجدوا فيكم غلظة وفي حد الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله فإن الشدة والغلظة والقسوة في الجهاد والنهي عن المنكر من الغضب المحمود وفي الحديث النبوي إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم ومن يتحر الخير يعطه ومن يتوق الشر يوقه وفيه إشارة إلى أنه كما يحصل للجاهل ملكة العلم بسبب الاستفادة والاكتساب شيئا فشيئا كذلك يمكن تحصيل ملكة الحلم وإزالة الغضب المذموم وقلعه من النفس بتكلف الحلم وبعثها على الاحتمال إلى أن تعتاد وتطمئن لكن ذلك ليس بمطرد فإن لاختلاف الأسباب والأحوال في ذلك مدخلا عظيما وذلك لأن المؤذي الذي يهيج الغضب لدفعه أو الانتقام منه أما أن تكون أذيته زوال ما يستغني عنه كفضول المال والجاه أو ما يحتاج إليه وجميع ما يفرض من أسباب الغضب مراجعة إليها وقلعه في زوال ما استغنى عنه بالتحلم والمجاهدة وقلع أسبابه بالعلاجات الآتية ممكن كما لو كان له دار زائدة على مسكنه فهدمها ظالم فيمكن أن يتحلم أو يكون بصيرا بأمر الدنيا وأن عروضها لا يزاد لأنفسها بل لتدفع بها الحاجات فيزهد في الزيادة على الحاجة ويفرع القلب عن حبها فلا يغضب لزوالها ولا يمكن قلعه في زوال ما احتيج إليه من الضروريات التي لا غنى عنها سواء كان ضروريا في حق الكافة كطعام يسد جوعته وجوعة عياله وثوب يستر عورته وعوراتهم ويقيهم الحر والبرد وبيت يواريه ويواريهم أو في حق بعض الناس كآلات يحترف بها الكاسب وكتاب يطالعه العالم لصعوبة تفريغ القلب عن حبها في حال من الأحوال إلا لمن غلب عليه التوحيد حتى يرى الأشياء كلها من الله كما قال (تع) قل كل من عند الله فلا يغضب على أحد من خلقه إذ يريهم مسخرين في قبضة قدرته كالقلم في يد الكاتب ومن وقع عليه الملك بضرب رقبته لم يغضب على القلم أو حسن الظن بالله وهو أن يرى أن الله لا يقدر له إلا ما فيه الخير كما ورد عن أبي جعفر (ع) أن الله لا يفعل بعباده إلا الأصلح لهم ولكن الناس يجهلون وربما تكون الخيرة في فقره ومرضه وضعفه فلا يغضب كما لا يغضب على الفصاد في إيلامه بالفصد لأنه يرى أن الخيرة فيه إلا أن غلبة التوحيد وحسن الظن على هذا الوجه إنما يكونان كالبرق الخاطف لا يدومان فلا يمكن قلع الغضب في زوال ما احتيج إليه بهما إلا في أحوال نادرة وأما في سائر الأحوال فالقدر الممكن فيه الكسر لسورته والتضعيف لقوته حتى لا يشتد هيجان الغيظ في الباطن ويتبين ضعفه
(٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الطهارة 16
2 باب جرايم الجوارح 17
3 باب التوبة 24
4 باب التدارك 27
5 باب الحد والتعزير 28
6 باب الجناية 35
7 باب ذمايم القلب 40
8 باب الصبر 42
9 باب الحلم 45
10 باب النصيحة 47
11 باب حب الخمولة 49
12 باب التواضع 52
13 باب الفقر 57
14 باب الزهد 60
15 باب السخا 63
16 باب الرضا 65
17 باب الشكر 66
18 باب الرجاء والخوف 68
19 باب قصر الامل 70
20 باب النية 72
21 باب الاخلاص 75
22 باب الصدق 79
23 باب التوحيد والتوكل 80
24 باب تطهير السر عما سوى الله 83
25 باب الماء 88
26 باب الأخباث وتطهيرها 90
27 باب آداب التخلي 95
28 باب الاتفاث وازالتها 96
29 باب آداب التنظيف 97
30 باب الاحداث ورفعها 100
31 باب الوضوء 102
32 باب الغسل 104
33 باب التيمم 110
34 كتاب الصلاة 111
35 باب الشرايط 112
36 باب الأوقات 118
37 باب المكان 121
38 باب اللباس 125
39 باب القبلة 127
40 باب النداء 129
41 باب الهيئة 130
42 باب الآداب والسنن 132
43 باب المكروهات 135
44 باب وظائف يوم الجمعة والخطبتين 136
45 باب آداب العيدين وسننهما 137
46 باب آداب الآيات وسننها 138
47 باب الجماعة 139
48 باب الخلل 141
49 باب التعقيب 145
50 باب الدعاء 146
51 باب فضل قراءة القرآن 148
52 كتاب الزكاة 150
53 باب التعداد والشرايط 150
54 باب المقادير والنصب 153
55 باب المصرف 154
56 باب الأداء 155
57 باب الخمس 156
58 باب المعروف 158
59 باب آداب المعطى 159
60 باب آداب الآخذ 162
61 كتاب الصيام 163
62 باب الشرايط 165
63 باب الهيئة 167
64 باب الآداب 168
65 باب فوايد الجوع 173
66 باب الاعتكاف 174
67 كتاب الحج 175
68 باب الشرايط 177
69 باب الهيئة 178
70 باب المحرمات 181
71 باب الخلل 190
72 باب حرمة الحرم 195
73 باب الزيارات 196
74 كتاب الحسبة 198
75 باب الجهاد 198
76 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 201
77 باب إقامة الحدود 203
78 باب الفتيا 205
79 باب القضا 206
80 باب الشهادة 209
81 باب اخذ اللقيط 212
82 باب الحجر 212
83 كتاب البر 214
84 باب العطية 214
85 باب العتق 217
86 باب التدبير 219
87 باب الكتابة 220
88 باب النذر والعهد 220
89 باب اليمين 222
90 كتاب الكسب 224
91 باب الآداب 227
92 باب البيع 229
93 باب الربا 234
94 باب الشفعة 236
95 باب الشركة 237
96 باب القراض 238
97 باب الجعالة 240
98 باب الإجارة 242
99 باب المزارعة 244
100 باب المساقاة 245
101 باب احياء الموات 245
102 باب الغصب 248
103 باب اللقطة 250
104 باب السبق 251
105 باب الدين 252
106 باب الرهن 253
107 باب الضمان 254
108 باب الحوالة 255
109 باب الوكالة 256
110 باب الكفالة 257
111 باب الوديعة 258
112 باب الاقرار 259
113 باب الصلح 259
114 كتاب النكاح 260
115 باب التعداد والجدوى 260
116 باب المحارم 263
117 باب الولاية 271
118 باب العقد 272
119 باب الصداق 274
120 باب الخلوة 277
121 باب الحقوق 279
122 باب النشوز 281
123 باب الفسخ 282
124 باب الطلاق 284
125 باب الخلع والمباراة 286
126 باب الظهار 287
127 باب الايلاء 288
128 باب اللعان 289
129 باب العدد 290
130 باب الولد 294
131 باب القرابة 300
132 كتاب المعيشة 300
133 باب الطعام 301
134 باب الأكل 309
135 باب الشرب 312
136 باب الضيافة 313
137 باب اللباس 314
138 باب الطيب 315
139 باب المسكن 316
140 باب المنام 317
141 باب التحية 319
142 باب الكلام 321
143 باب الإخاء 326
144 باب المعاشرة 328
145 باب العزلة 333
146 باب الورد 335
147 باب السفر 338
148 كتاب الجنايز 343
149 باب المرض 343
150 باب الوصية 345
151 باب العيادة 346
152 باب الاحتضار 349
153 باب التغسيل 350
154 باب التكفين 351
155 باب التشييع والتربيع 353
156 باب الصلاة على الميت 354
157 باب الدفن 355
158 باب التعزية 357
159 باب الهدية للميت 357
160 باب زيارة القبر 358
161 كتاب الفرايض 358
162 باب الأسباب والطبقات 358
163 باب الموانع 360