التحفة السنية (مخطوط) - السيد عبد الله الجزائري - الصفحة ٤٤
له سرا ثم يذكرها فتمحي فتكتب له علانية ثم يذكرها فتمحي وتكتب له رياء وأما الثاني فإن المصائب على تكثر أنواعها ينظمها قسمان أحدهما ما هو من فعل الآدميين مثل قطع الطرف وقتل الولد ونحوهما مع تمكن المصاب من مكافآت الجاني بالاقتصاص وهذا ممكن المجازات والآخر ما كان من فعل الله تعالى مثل موت الأحباب وعروض الأمراض أو فعل غيره ممن لا يمكن مجازاته ويشترك القسمان في الصعوبة على النفس وكراهة الطبع لهما اضطرارا فليس المراد بالصبر فيهما أن لا يكون في نفس المصاب كراهية المصيبة فإن ذلك غير داخل تحت الاختيار بل الذي يكلف به الصابر أن يتحمل في المصيبة ويستعين بالله في تعزيته وتثبيت نفسه كما حكاه الله عن يعقوب (ع) لما أصيب بذهاب ولده فصبر جميل والله المستعان وذلك يختلف باختلاف القسمين فالتجمل في ممكن المجازات بترك المكافات والاعراض عنها قولا وفعلا افحاما للقوة الغضبية قال الله (تع) فإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين وينبغي تقييده بما إذا كان الفايت مما لا يستدرك كما مثلنا وهو المحكي في شأن النزول أما في مثل الأموال المغصوبة ونحوها مما يستدرك فائته فلا ضير في المكافاة بأخذ العين أو العوض ما لم يستلزم نقصا في المروة وفي عبارة المتن ما لا يخفى وفي غيره بترك الجزع كلطم الوجه وشق الجيب كما ذكر وترك الشكاية إلى غير الله كأن يقول ابتليت بما لم يبتل به أحد وأصابني ما لم يصب أحدا كما في الحديث قال وليس الشكوى أن يقول سهرت البارحة وحممت اليوم ونحو هذا وسئل أبو جعفر عليه السلام عن الصبر الجميل فقال ذلك صبر ليس فيه شكوى إلى الناس وكتمان المصيبة ففي الحديث النبوي من اجلال الله ومعرفة حقه أن لا تشكوا وجعك ولا تذكر مصيبتك واستمرار العادة من دون تغيير في اللباس والطعام والفراش ونحوها هذه كلها أمور اختيارية يحسن التكليف بها أما الشكاية إلى الله وسؤاله الرفع فيما يرجى رفعه كالأمراض فحسن كما حكى الله عن يعقوب إنما أشكو بثي وحزني إلى الله و عن أيوب الممدوح بالصبر قوله إني مسني الشيطان بنصب وعذاب وقوله رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ونقل المصنف طاب ثراه في الحاشية عن بعض أهل المعرفة أن من سوء الأدب مع الله أن لا يسأل العبد رفع البلاء عنه لأن فيه رائحة من مقاومة القهر الإلهي بما يجده من الصبر وقوته قال بعضهم إنما جوعني لأبكي فالعارف وإن وجد القوة الصبرية فليقر إلى موطن الضعف والعبودية وحسن الأدب فإن القوة لله جميعا فيسأل ربه رفع البلاء عنه أو عصمته منه إن توهم وقوعه وهذا لا يناقض الرضا بالقضاء ويسأل الله في رفع المقضي عنه فيكون راضيا صابرا وأنشد بعضهم ويحسن إظهار التجلد للعدى * ويقبح إلا العجز عند الأحبة وفي الفارسية در پيش حسود خود پسندي خوشتر * وز عجز وفروتني بلندي خوشتر وانجا كه زند دوست سرا پرده ء ناز * بيچاره كي ونياز مندي خوشتر انتهى وأما مثل التألم القلبي وجريان الدمع من غير رفع صوت فلا يدخل تحت الاختيار ولا ينافيه لأنه من مقتضيات الطبيعة البشرية وبكى يعقوب (ع) حتى ابيضت عيناه من الحزن وفي الحديث أنه دخل رسول الله صلى الله عليه وآله على ابنه إبراهيم وهو يجود بنفسه فوضعه في حجره فقال له يا بني إني لا أملك لك من الله شيئا وذرفت عيناه فقال له عبد الرحمن بن عوف يا رسول الله يبكي أما نهيتنا عن البكاء فقال إنما نهيت عن صوتين أحمقين صوت عند نعمة لعب ولهو ومزامير شيطان وصوت عند مصيبة خمش وجوه وشق جيوب ورنة شيطان وإنما هذه رحمة من لا يرحم لا يرحم لولا أنه أمر حق ووعد صدق وسبيل ميتاء وأن آخرنا سيلحق آخرنا أولنا لحزنا عليك حزنا أشد من هذا وأنا بك لمحزونون العين تدمع و القلب تحزن ولا نقول ما يسخط الرب بل ذلك ليس مناف لمقام الرضاء الذي هو فوق الصبر فإن المقدم على الفصد والحجامة راض بهما وهو متألم بسببهما لا محالة كما يأتي ومما تقدم في حد الصبر وغيره ينكشف أن الصبر مما لا بد منه للمؤمن في جميع الأحوال والأوقات لأن الهوى مركوز في جبلة الانسان باق ببقائه مستصحب له بامتداد زمن الحياة لا مخلص منه إلا بالموت فعلى الحازم الموفق أن يتبادر بالموت الإرادي قبل الموت الطبيعي إلى مرتبة الفناء في الله كما ورد الأمر به في قوله صلى الله عليه وآله موتوا قبل أن تموتوا ليتخلص من غائلة الهوى وذلك بافحامها والتمرن على معصيتها والاصرار على مراغمتها حتى تضمحل وتتلاشى وتنقاد تحت حكم باعث الدين انقياد الميت في يد الغسال ومن ثم قيل كمال الصبر ترك كل حركة مذمومة بدنية ونفسانية فإن الحركات المذمومة إنما تصدر عن الهوى والميت لا حراك به وغاية هذا الكمال ترك جميع ما يشغل عنه (تع) ولو من المباحات التي ليست مذمومة في ظاهر الشريعة والطريق إليه تقوية باعث الدين وتضعيف باعث الهوى بالمجاهدة والرياضة وذكر قلة قدر الشدة وقصر وقتها و اضرار الجزع من سقوط الوقار وذهاب الهيبة وفوات الأجر المستحق بالصبر مع حصول وزر الجزع كل ذلك من غير فائدة وورد أن أمير المؤمنين (ع) عزى مصابا فقال إن جزعت فحق الرحم قضيت وإن صبرت فحق الله أديت على أنك إن صبرت جرى عليك القضاء وأنت مأجور وإن جزعت جرى عليك القضاء وأنت مأزور وأن يكثر فكرته فيما ورد في فضل الصبر وفي حسن عواقبه في الدنيا والآخرة وأن يعلم أن ثواب الصبر على مصيبة أكثر مما فات وأنه بسبب ذلك مغبوط بالمصيبة إذ فاته ما لا يبقى معه إلا مدة الحياة الدنيا وحصل له ما يبقى له بعد موته أبد الأبدين ومن أسلم خسيسا في نفيس فلا ينبغي أن يحزن لفوات الخسيس في الحال وأن يعود هذا الباعث مصارعة باعث الهوى تدريجا حتى يدرك لذة الظفر به فيستجري عليه ويقوى منته في مصارعته فإن الاعتياد والممارسة للأعمال الشاقة تؤكد القوى التي تصدر منها تلك الأعمال كما مر ومن عود نفسه مخالفة الهوى غلبه مهما أراد ثم إن الثبات في المصيبة تختلف أسماؤه باختلاف أحوال المصائب في الاحتمال فإن كان مبتديا في الرياضة لا يحتملها إلا بتعب قوي فتصبر وإن كان مستكملا في الجملة محتملا لها بيسير تعب فصبر وإن كان مترقيا عن مقام الصبر ذا جهدا لاحتمالها من غير تعب أصلا والجهد بفتح الجيم وضمها الطاقة فرضي كما يحكي عن سهل التستري أنه كان يطب المرضى وهو مريض فقيل له لم لا تعالج نفسك فقال يا دوست ضرب الحبيب لا يوجع وإن كان محتملا لها بتلذذ واستطابة فشكر فإن الشكور يتنعم بالمصيبة لما يرجوه بسببها من تكفير الخطيئة وادخار المثوبة كما يحكى عن رابعة العدوية أنها عثرت فانقطع ظفرها وسال الدم فضحكت فقيل لها أما
(٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الطهارة 16
2 باب جرايم الجوارح 17
3 باب التوبة 24
4 باب التدارك 27
5 باب الحد والتعزير 28
6 باب الجناية 35
7 باب ذمايم القلب 40
8 باب الصبر 42
9 باب الحلم 45
10 باب النصيحة 47
11 باب حب الخمولة 49
12 باب التواضع 52
13 باب الفقر 57
14 باب الزهد 60
15 باب السخا 63
16 باب الرضا 65
17 باب الشكر 66
18 باب الرجاء والخوف 68
19 باب قصر الامل 70
20 باب النية 72
21 باب الاخلاص 75
22 باب الصدق 79
23 باب التوحيد والتوكل 80
24 باب تطهير السر عما سوى الله 83
25 باب الماء 88
26 باب الأخباث وتطهيرها 90
27 باب آداب التخلي 95
28 باب الاتفاث وازالتها 96
29 باب آداب التنظيف 97
30 باب الاحداث ورفعها 100
31 باب الوضوء 102
32 باب الغسل 104
33 باب التيمم 110
34 كتاب الصلاة 111
35 باب الشرايط 112
36 باب الأوقات 118
37 باب المكان 121
38 باب اللباس 125
39 باب القبلة 127
40 باب النداء 129
41 باب الهيئة 130
42 باب الآداب والسنن 132
43 باب المكروهات 135
44 باب وظائف يوم الجمعة والخطبتين 136
45 باب آداب العيدين وسننهما 137
46 باب آداب الآيات وسننها 138
47 باب الجماعة 139
48 باب الخلل 141
49 باب التعقيب 145
50 باب الدعاء 146
51 باب فضل قراءة القرآن 148
52 كتاب الزكاة 150
53 باب التعداد والشرايط 150
54 باب المقادير والنصب 153
55 باب المصرف 154
56 باب الأداء 155
57 باب الخمس 156
58 باب المعروف 158
59 باب آداب المعطى 159
60 باب آداب الآخذ 162
61 كتاب الصيام 163
62 باب الشرايط 165
63 باب الهيئة 167
64 باب الآداب 168
65 باب فوايد الجوع 173
66 باب الاعتكاف 174
67 كتاب الحج 175
68 باب الشرايط 177
69 باب الهيئة 178
70 باب المحرمات 181
71 باب الخلل 190
72 باب حرمة الحرم 195
73 باب الزيارات 196
74 كتاب الحسبة 198
75 باب الجهاد 198
76 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 201
77 باب إقامة الحدود 203
78 باب الفتيا 205
79 باب القضا 206
80 باب الشهادة 209
81 باب اخذ اللقيط 212
82 باب الحجر 212
83 كتاب البر 214
84 باب العطية 214
85 باب العتق 217
86 باب التدبير 219
87 باب الكتابة 220
88 باب النذر والعهد 220
89 باب اليمين 222
90 كتاب الكسب 224
91 باب الآداب 227
92 باب البيع 229
93 باب الربا 234
94 باب الشفعة 236
95 باب الشركة 237
96 باب القراض 238
97 باب الجعالة 240
98 باب الإجارة 242
99 باب المزارعة 244
100 باب المساقاة 245
101 باب احياء الموات 245
102 باب الغصب 248
103 باب اللقطة 250
104 باب السبق 251
105 باب الدين 252
106 باب الرهن 253
107 باب الضمان 254
108 باب الحوالة 255
109 باب الوكالة 256
110 باب الكفالة 257
111 باب الوديعة 258
112 باب الاقرار 259
113 باب الصلح 259
114 كتاب النكاح 260
115 باب التعداد والجدوى 260
116 باب المحارم 263
117 باب الولاية 271
118 باب العقد 272
119 باب الصداق 274
120 باب الخلوة 277
121 باب الحقوق 279
122 باب النشوز 281
123 باب الفسخ 282
124 باب الطلاق 284
125 باب الخلع والمباراة 286
126 باب الظهار 287
127 باب الايلاء 288
128 باب اللعان 289
129 باب العدد 290
130 باب الولد 294
131 باب القرابة 300
132 كتاب المعيشة 300
133 باب الطعام 301
134 باب الأكل 309
135 باب الشرب 312
136 باب الضيافة 313
137 باب اللباس 314
138 باب الطيب 315
139 باب المسكن 316
140 باب المنام 317
141 باب التحية 319
142 باب الكلام 321
143 باب الإخاء 326
144 باب المعاشرة 328
145 باب العزلة 333
146 باب الورد 335
147 باب السفر 338
148 كتاب الجنايز 343
149 باب المرض 343
150 باب الوصية 345
151 باب العيادة 346
152 باب الاحتضار 349
153 باب التغسيل 350
154 باب التكفين 351
155 باب التشييع والتربيع 353
156 باب الصلاة على الميت 354
157 باب الدفن 355
158 باب التعزية 357
159 باب الهدية للميت 357
160 باب زيارة القبر 358
161 كتاب الفرايض 358
162 باب الأسباب والطبقات 358
163 باب الموانع 360