التحفة السنية (مخطوط) - السيد عبد الله الجزائري - الصفحة ٤٦
بأن لا يظهر الأثر منه في الوجه وغيره من الأعضاء الظاهرة لارتباط الملك بالملكوت كما تقدم وسببه في الجملة أحد أمور ستة الكبر والعجب والمزاح معه والاستهزاء به والايذاء له والحرص أي التشاح في الفضول من المال والجاه وغيرهما لكن سببية هذه الأسباب ليست على حد واحد والأصل العجب فإنه سبب الكبر كما يأتي فالمتكبر إذا أوذي بالتجري عليه بالمزاح أو الاستهزاء أو المساحة فيما هو منهوم به من مال أو جاه أو غيرهما غضب وحقد بل لا يكاد يتحقق ماهية الغضب إلا ممن يرى نفسه فوق المغضوب عليه كما سبق ثم لا يكاد يصدر الغضب منه من حيث إنه متكبر فقط بل إذا انضم إليه أحد الأمور المذكورة وعلاج كل من الكبر والعجب والحرص يأتي في موضعه الأنسب بالتفصيل وإذا عولجت هذه الذمايم فأزيلت عن النفس لزم ذلك زوال ذميمة الغضب لأن زوال السبب مستلزم لزوال المسبب كما مر ولنذكر هنا بالاجمال علاج الغضب عند هيجانه ليسكن ويفتر وهي عدة أمور عملية وعلمية يختار المعالج منها ما يناسب واحدا أو أكثر وربما لا يرجى برؤه إلا بالجميع وذلك بحسب قوة المادة وضعفها كما في الأمراض الطبيعية وهي التوضي والاغتسال بالماء البارد لتنطفئ نايرته وتبرد حرارته وروى أبو حامد مرسلا عن النبي صلى الله عليه وآله إذا غضب أحدكم فليتوضأ أو ليغتسل فإن الغضب من النار والقعود إن كان قائما والاتكاء إن كان قاعدا مستقلا وقد يتصور الاتكاء للقائم أيضا والقعود أبلغ والاضطجاع إن كان متكئا والنزول إن كان راكبا كل ذلك ليقرب من الأرض الذي منها خلق فيعرف ذل نفسه فيسكن وروى أبو حامد أيضا عن النبي صلى الله عليه وآله أن الغضب جمرة تتوقد في القلب ألم تر إلى انتفاخ أوداجه وحمرة عينه فإذا وجد أحدكم من ذلك شيئا فإن كان قائما فليجلس وإن كان جالسا فلينم والصاق الخد بالأرض لتستشعر به النفس الذل وتزايل الزهو الذي هو سبب الغضب و هو من اطفاء النار بالتراب وجعله صاحب الاحياء إشارة إلى السجود وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أن الغضب جمرة في قلب ابن آدم فمن وجد من ذلك شيئا فليلصق خده بالأرض والمروي من طرقنا ما أورده المصنف في الحقايق عن أبي جعفر (ع) وفيه فإذا خاف أحدكم ذلك من نفسه فليلزم الأرض فإن رجز الشيطان يذهب عنه عند ذلك وفي رواية أخرى فأيما رجل غضب على قوم وهو قائم فليجلس من فوره ذلك قال وأيما رجل غضب على ذي رحم فليدن منه وليمسه فإن الرحم إذا مست سكنت والاستعاذة بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم فإن المهيج للغضب كما ذكر والاستعانة به (تع) على كفايته وتتأدى الوظيفة بالبسملة على ما فسرت في الرواية المتقدمة في شرحها واستحضار العلم بثواب الحلم وفضله العظيم وما ورد في ذلك من الروايات فعن أبي عبد الله (ع) إذا وقع بين رجلين منازعة نزل ملكان فيقولان للسفيه منهما قلت و قلت وأنت أهل لما قلت ستجزى بما قلت ويقولان للحليم منهما صبرت وحملت سيغفر الله لك إن أتممت ذلك فإن رد الحليم عليه ارتفع الملكان وعن الرضا (ع) لا يكون الرجل عابدا حتى يكون حليما وفي الحديث النبوي إذا جمع الخلايق يوم القيامة نادى مناد أين أهل الفضل فيقول ناس وهم يصيرون فينطلقون سراعا إلى الجنة فتتلقاهم الملائكة فيقولون إنا نراكم سراعا إلى الجنة فيقولون نحن أهل الفضل فيقولون ما كان فضلكم فيقولون كنا إذا ظلمنا صبرنا وإذا أسيئ إلينا عفونا وإذا جهل علينا حلمنا فيقال لهم ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين وكذا التحلم فورد في التنزيل وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ أي المتحملين فإن كظم الغيظ عبارة عن التحلم وعن أبي عبد الله (ع) إذا لم تكن حليما فتحلم وعن أبي جعفر (ع) من كف غضبه عن الناس كف الله عنه عذابه يوم القيمة وليعلم أن غضبه وقدرته على المغضوب عليه بالنسبة إلى شدة غضبه (تع) الذي لا يقوم له شئ وقدرته عليه يسير فيستسهل كف اليسير في جنب ما يرجوه من كف الخطير وكذا فضيحة المغضوب عليه بالانتقام منه في الدنيا بالنسبة إلى فضيحته بالعذاب في الآخرة فليستر عليه رجاء أن يستر عليه وعن أبي عبد الله (ع) من كف غضبه ستر الله عورته أو المعنى أنه ربما يكون الباعث على الاصرار في الانتقام التحرز عن مقالة الناس فيه بالمهانة والذل والافتضاح بصغر النفس وجبن القلب فيحقر في الأعين ويجترى عليه وهذا من وساوس الشيطان فيأنف عن الاحتمال مخافة الفضيحة فليعلم أن جزى يوم القيامة والفضيحة فيه بانتقام المغضوب عليه في محضر الأولين والآخرين أشد وأحرى بالأنفة عنه وعن أبي عبد الله (ع) ما من عبد كظم غيظا إلا زاده الله عزا في الدنيا والآخرة والنظر في تشبه الحليم بالأنبياء والأولياء الذين هم أفضل البشر باتفاق العقلاء كافة حتى أن أجلاف العرب وأغنياء الترك والنفوس الغليظة الشريرة التي هي طرف النقيض المطلق في جميع الحالات والأخلاق منهم يعترفون بفضلهم ويتبركون بآثارهم ويفدونهم بأنفسهم وآبائهم و أمهاتهم وقد وصفهم الله بأنهم إذا مروا باللغو مروا كراما وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما و نحو ذلك وتشبه الغضوب بالسبع الضاري والكلب العاوي لا يشتفى إلا بالكلب والاغتيال والنظر إلى قبح هيئة غيره عند الغضب ليعلم بذلك قبح هيئته عنده بتغير اللون واحمرار الأحداق وظهور الزبد على الأشداق واستحالة الخلقة وانقلاب المناخر ولو رأى الغضبان في حال غضبه كراهة منظره لسكن غضبه حياء من قبح ظاهره وباطنه أقبح وإنما قبحت صورة الباطن أولا ثم سرى ذلك إلى الظاهر وأن يحدث نفسه عاقبة الضراوة وهي انتقام المغضوب عليه عند مساعدة الدهر الدواري والشماتة بمصائبه ونحو ذلك وما يستلزمه الغضب غالبا من حدوث الذنوب الظاهرة والباطنة كأخذ اللسان في الفحش والسب وقبيح الكلام الذي يستحي منه ذوو العقول ويستحي منه قايله عند فتور الغضب وذلك مع تخبط النظم واضطراب اللفظ والجوارح في التمزيق والضرب والجرح والقتل من غير مبالات فإن فاته المغضوب عليه بهرب أو سبب آخر رجع الغضب على صاحبه فيمزق ثوب نفسه ويلطم وجهه وربما يعدو عدوا لواله المدهوش وربما سقط سريعا لا يطيق النهوض وربما يضرب الحيوانات والجمادات ويكسر القصعة والخوان ويتعاطى أفعال المجانين وربما يجرح نفسه أو يخنقها أو يلقيها من شاهق ونحو ذلك وربما لا يحصل له التشفي فيحتقن في الباطن ويأخذ القلب
(٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الطهارة 16
2 باب جرايم الجوارح 17
3 باب التوبة 24
4 باب التدارك 27
5 باب الحد والتعزير 28
6 باب الجناية 35
7 باب ذمايم القلب 40
8 باب الصبر 42
9 باب الحلم 45
10 باب النصيحة 47
11 باب حب الخمولة 49
12 باب التواضع 52
13 باب الفقر 57
14 باب الزهد 60
15 باب السخا 63
16 باب الرضا 65
17 باب الشكر 66
18 باب الرجاء والخوف 68
19 باب قصر الامل 70
20 باب النية 72
21 باب الاخلاص 75
22 باب الصدق 79
23 باب التوحيد والتوكل 80
24 باب تطهير السر عما سوى الله 83
25 باب الماء 88
26 باب الأخباث وتطهيرها 90
27 باب آداب التخلي 95
28 باب الاتفاث وازالتها 96
29 باب آداب التنظيف 97
30 باب الاحداث ورفعها 100
31 باب الوضوء 102
32 باب الغسل 104
33 باب التيمم 110
34 كتاب الصلاة 111
35 باب الشرايط 112
36 باب الأوقات 118
37 باب المكان 121
38 باب اللباس 125
39 باب القبلة 127
40 باب النداء 129
41 باب الهيئة 130
42 باب الآداب والسنن 132
43 باب المكروهات 135
44 باب وظائف يوم الجمعة والخطبتين 136
45 باب آداب العيدين وسننهما 137
46 باب آداب الآيات وسننها 138
47 باب الجماعة 139
48 باب الخلل 141
49 باب التعقيب 145
50 باب الدعاء 146
51 باب فضل قراءة القرآن 148
52 كتاب الزكاة 150
53 باب التعداد والشرايط 150
54 باب المقادير والنصب 153
55 باب المصرف 154
56 باب الأداء 155
57 باب الخمس 156
58 باب المعروف 158
59 باب آداب المعطى 159
60 باب آداب الآخذ 162
61 كتاب الصيام 163
62 باب الشرايط 165
63 باب الهيئة 167
64 باب الآداب 168
65 باب فوايد الجوع 173
66 باب الاعتكاف 174
67 كتاب الحج 175
68 باب الشرايط 177
69 باب الهيئة 178
70 باب المحرمات 181
71 باب الخلل 190
72 باب حرمة الحرم 195
73 باب الزيارات 196
74 كتاب الحسبة 198
75 باب الجهاد 198
76 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 201
77 باب إقامة الحدود 203
78 باب الفتيا 205
79 باب القضا 206
80 باب الشهادة 209
81 باب اخذ اللقيط 212
82 باب الحجر 212
83 كتاب البر 214
84 باب العطية 214
85 باب العتق 217
86 باب التدبير 219
87 باب الكتابة 220
88 باب النذر والعهد 220
89 باب اليمين 222
90 كتاب الكسب 224
91 باب الآداب 227
92 باب البيع 229
93 باب الربا 234
94 باب الشفعة 236
95 باب الشركة 237
96 باب القراض 238
97 باب الجعالة 240
98 باب الإجارة 242
99 باب المزارعة 244
100 باب المساقاة 245
101 باب احياء الموات 245
102 باب الغصب 248
103 باب اللقطة 250
104 باب السبق 251
105 باب الدين 252
106 باب الرهن 253
107 باب الضمان 254
108 باب الحوالة 255
109 باب الوكالة 256
110 باب الكفالة 257
111 باب الوديعة 258
112 باب الاقرار 259
113 باب الصلح 259
114 كتاب النكاح 260
115 باب التعداد والجدوى 260
116 باب المحارم 263
117 باب الولاية 271
118 باب العقد 272
119 باب الصداق 274
120 باب الخلوة 277
121 باب الحقوق 279
122 باب النشوز 281
123 باب الفسخ 282
124 باب الطلاق 284
125 باب الخلع والمباراة 286
126 باب الظهار 287
127 باب الايلاء 288
128 باب اللعان 289
129 باب العدد 290
130 باب الولد 294
131 باب القرابة 300
132 كتاب المعيشة 300
133 باب الطعام 301
134 باب الأكل 309
135 باب الشرب 312
136 باب الضيافة 313
137 باب اللباس 314
138 باب الطيب 315
139 باب المسكن 316
140 باب المنام 317
141 باب التحية 319
142 باب الكلام 321
143 باب الإخاء 326
144 باب المعاشرة 328
145 باب العزلة 333
146 باب الورد 335
147 باب السفر 338
148 كتاب الجنايز 343
149 باب المرض 343
150 باب الوصية 345
151 باب العيادة 346
152 باب الاحتضار 349
153 باب التغسيل 350
154 باب التكفين 351
155 باب التشييع والتربيع 353
156 باب الصلاة على الميت 354
157 باب الدفن 355
158 باب التعزية 357
159 باب الهدية للميت 357
160 باب زيارة القبر 358
161 كتاب الفرايض 358
162 باب الأسباب والطبقات 358
163 باب الموانع 360