التحفة السنية (مخطوط) - السيد عبد الله الجزائري - الصفحة ٦٨
في المصائب الدنيوية أما الصبر فظاهر وأما الشكر فعلى وجوه ستة أحدها أن لا يصيبه والصواب لم يصبه أكبر منها إذ كل مصيبة وإن كانت عظيمة يتصور ما هو أكبر منها فإن مقدورات الله (تع) غير متناهية فلو ضعفها الله وزاد عليه ماذا كان يردها ويحجزه فليشكر على عدم الزيادة وثانيها أن لا تكون في الدين ومصائب الدنيا مما يتسلى عنها بأسباب تهونها بخلاف مصائب الدين إذ لا سبيل إلى تخفيفها والسلوة عنها وعن سهل التستري أنه قال له رجل دخل اللص بيتي وأخذ جميع متاعي فقال اشكر الله لو دخل الشيطان قلبك وأفسد التوحيد ما إذا كنت تصنع وهذا يمكن ادراجه في الأول وثالثها أن تعجل عقوبته في الدنيا ولا تدخر للآخرة ففي المستفيضة من الطريقين أن نكبات الدنيا ومصائبها كفارات الذنوب وأن المؤمن إذا أذنب ذنبا فأصابه شدة أو بلاء فالله أكرم من أن يعاقبه مرة أخرى ورابعها أنها كانت مكتوبة عليه آتية لا محالة ففرغ منها واستراح بقية عمره وخامسها أن ثوابها خير له مما فاته بها وعن أبي عبد الله (ع) لو يعلم المؤمن ما له من الأجر في المصائب لتمني أنه قرض بالمقاريض وسادسها أنها تنقص من القلب حب الدنيا فإن مواتاة النعم على وفق المراد من غير امتزاج ببلاء ومصيبة تورث طمأنينة القلب إلى الدنيا وأنسه بها فيعظم بلاؤه عند الموت بسبب مفارقتها وإذا أفلقته المصائب انزعج قلبه عنها ولم يسكن إليها بل صارت كالسجن عليه يحب الخلاص عنها والخروج منها ومن ثم ورد الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر فهي في التحقيق نعم تستحق أن تشكر إذ لا تخلو عن تكفير الخطيئة أو رياضة النفس أو رفع الدرجة فهي نظير مؤاخذة الصبي وتعذيبه بالتأديب والتعليم وكسر المعازف والملاهي وأسباب اللعب استصلاحا لحاله وترشيحا له لمراتب الكمال باب الرجاء والخوف و يجمعهما تناسب التضاد وكلاهما توسط بين اليأس والأمن إلا أن الرجاء تفريطه اليأس وافراطه الأمن والخوف بالعكس كما مر ومن ثم حسن ايرادهما في باب واحد وهما خاطران يردان على القلب من دون تعمل للعبد فيهما فلا تكليف إلا في مقدماتهما وهي الأسباب الموصلة إليهما وكلما خطر بالبال من مكروه أو محبوب فإما أن يكون موجودا فيما مضى من الزمان ويسمى الذكر والتذكر أو في الحال ويسمى الوجد والذوق أو في المستقبل ويسمى الانتظار والتوقع فإن كان محبوبا عنده حصل من انتظاره وتعلق القلب به واخطار وجوده بالبال نشاط وفرح وهو الرجاء فإن كان مكروها حصل منه انقباض وغم وهو الخوف فالرجاء والخوف مبنيان على انتظار ما يستقبل فالمستغرق بذكره (تع) المشاهد لجمال الحق على الدوام يفقدهما لكونه ابن الوقت الحاضر لا التفات له إلى المستقبل لشغفه بوجده وذوقه قال صاحب الاصطلاحات الوقت ما حضرك في الحال فإن كان من تصريف الحق فعليك الرضا والاستسلام حتى تكون بحكم الوقت لا تخطر ببالك غيره وإن كان مما يتعلق بكسبك فالزم ما أهمك فيه لا تعلق بالك بالماضي والمستقبل فإن تدارك الماضي تضييع للوقت وكذا الفكر فيما يستقبل فإنه عسى أن لا تبلغه وقد فاتك الوقت ولذا قيل الصوفي ابن الوقت وفي كلام المولوي صوفي ابن الوقت بأشد أي رفيق نيست فردا كفتن از شرط طريق فابن الوقت ليس له خوف ولا رجاء بل صار حاله أعلى من الخوف والرجاء فإنهما زمانان يمنعان النفس عن الخروج إلى رعوناتها وإلى هذا أشار من قال إذا ظهر الحق على السرائر لا يبقي فضلة لرجاء ولا خوف وبالجملة فالعاشق الفائز بمواصلة المعشوق قد بلغ منتهى أمله ولم يبق له رجاء وراء ذلك ولا شعور بالفراق حتى يخاف منه ومن هنا قيل إن المحب إذا شغل قلبه في مشاهدة المحبوب بخوف الفراق كان ذلك نقصا في الشهود وإنما دوام الشهود غاية المقامات ولكن كلامنا في أوائلها فالرجاء الفرح لانتظار محبوب متوقع وذلك المحبوب المتوقع لا بد وأن يكون له سبب فإن حصل أكثر أسبابه يقينا فالأصدق عليه اسم الرجاء المحمود كتوقع الخير يوم الحصاد فمن ألقى بذرا جيدا في أرض صالحة نقاها من الأشواك والأعشاب المفسدة وكرى أنهارها حتى يصلها الماء ثم جلس منتظرا من فضل الله دفع الآفات والصواعق إلى أن يتم الزرع ويبلغ غايته فرجاء العبد المغفرة أشبه شئ برجاء صاحب الزرع وأن الدنيا مزرعة الآخرة والقلب كالأرض والايمان كالبذر والأخلاق الصالحة والطاعات جارية مجرى تنقية الأرض واصلاحها وحفر الأنهار وسياقة الماء إليها والقلب المستهتر بالدنيا المستغرق بها كالأرض السبخة التي لا ينمي فيها البذر و يوم القيامة يوم الحصاد فلا يحصد أحد إلا ما زرع ولا ينمي زرع إلا من بذر الايمان وقلما ينفع ايمان مع خبث القلب وسوء أخلاقه كما لا ينمي بذر في أرض سبخة وإن فقد أكثر أسبابه يقينا فهو من الرجاء المذموم وإلا صدق اسم الغرور والحماقة كما لو ألقى بذره في أرض غير صالحة لا تصلها الماء يقينا وإن شك فيها فإلا صدق اسم التمني كما إذا صلحت الأرض ولكن لا ماء لها وأخذ ينتظر مياه الأمطار حيث لا تغلب الأمطار ولا تمتنع أيضا فإذن اسم الرجاء لا يصدق إلا على انتظار محبوب تمهدت جميع أسبابه الداخلة تحت اختيار العبد ولم يبق إلا ما لا يدخل تحت اختياره وهو فضل الله بصرف القواطع والمفسدات وورد في ذلك قوله (تع) إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله وقوله عز وجل فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا وفي الحديث النبوي الأحمق من اتبع نفسه هويها وتمنى على الله وعن أبي عبد الله (ع) أنه قيل له إن قوما من مواليك يلمون المعاصي ويقولون نرجو فقال كذبوا ليسوا لنا بموال أولئك قوم ترجحت بهم الأماني من رجا شيئا عمل له ومن خاف شيئا هرب منه وعنه (ع) لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يكون خائفا راجيا ولا يكون خائفا راجيا حتى يكون عاملا لما يخاف ويرجو والرجاء مما لا بد منه لكل مكلف
(٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الطهارة 16
2 باب جرايم الجوارح 17
3 باب التوبة 24
4 باب التدارك 27
5 باب الحد والتعزير 28
6 باب الجناية 35
7 باب ذمايم القلب 40
8 باب الصبر 42
9 باب الحلم 45
10 باب النصيحة 47
11 باب حب الخمولة 49
12 باب التواضع 52
13 باب الفقر 57
14 باب الزهد 60
15 باب السخا 63
16 باب الرضا 65
17 باب الشكر 66
18 باب الرجاء والخوف 68
19 باب قصر الامل 70
20 باب النية 72
21 باب الاخلاص 75
22 باب الصدق 79
23 باب التوحيد والتوكل 80
24 باب تطهير السر عما سوى الله 83
25 باب الماء 88
26 باب الأخباث وتطهيرها 90
27 باب آداب التخلي 95
28 باب الاتفاث وازالتها 96
29 باب آداب التنظيف 97
30 باب الاحداث ورفعها 100
31 باب الوضوء 102
32 باب الغسل 104
33 باب التيمم 110
34 كتاب الصلاة 111
35 باب الشرايط 112
36 باب الأوقات 118
37 باب المكان 121
38 باب اللباس 125
39 باب القبلة 127
40 باب النداء 129
41 باب الهيئة 130
42 باب الآداب والسنن 132
43 باب المكروهات 135
44 باب وظائف يوم الجمعة والخطبتين 136
45 باب آداب العيدين وسننهما 137
46 باب آداب الآيات وسننها 138
47 باب الجماعة 139
48 باب الخلل 141
49 باب التعقيب 145
50 باب الدعاء 146
51 باب فضل قراءة القرآن 148
52 كتاب الزكاة 150
53 باب التعداد والشرايط 150
54 باب المقادير والنصب 153
55 باب المصرف 154
56 باب الأداء 155
57 باب الخمس 156
58 باب المعروف 158
59 باب آداب المعطى 159
60 باب آداب الآخذ 162
61 كتاب الصيام 163
62 باب الشرايط 165
63 باب الهيئة 167
64 باب الآداب 168
65 باب فوايد الجوع 173
66 باب الاعتكاف 174
67 كتاب الحج 175
68 باب الشرايط 177
69 باب الهيئة 178
70 باب المحرمات 181
71 باب الخلل 190
72 باب حرمة الحرم 195
73 باب الزيارات 196
74 كتاب الحسبة 198
75 باب الجهاد 198
76 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 201
77 باب إقامة الحدود 203
78 باب الفتيا 205
79 باب القضا 206
80 باب الشهادة 209
81 باب اخذ اللقيط 212
82 باب الحجر 212
83 كتاب البر 214
84 باب العطية 214
85 باب العتق 217
86 باب التدبير 219
87 باب الكتابة 220
88 باب النذر والعهد 220
89 باب اليمين 222
90 كتاب الكسب 224
91 باب الآداب 227
92 باب البيع 229
93 باب الربا 234
94 باب الشفعة 236
95 باب الشركة 237
96 باب القراض 238
97 باب الجعالة 240
98 باب الإجارة 242
99 باب المزارعة 244
100 باب المساقاة 245
101 باب احياء الموات 245
102 باب الغصب 248
103 باب اللقطة 250
104 باب السبق 251
105 باب الدين 252
106 باب الرهن 253
107 باب الضمان 254
108 باب الحوالة 255
109 باب الوكالة 256
110 باب الكفالة 257
111 باب الوديعة 258
112 باب الاقرار 259
113 باب الصلح 259
114 كتاب النكاح 260
115 باب التعداد والجدوى 260
116 باب المحارم 263
117 باب الولاية 271
118 باب العقد 272
119 باب الصداق 274
120 باب الخلوة 277
121 باب الحقوق 279
122 باب النشوز 281
123 باب الفسخ 282
124 باب الطلاق 284
125 باب الخلع والمباراة 286
126 باب الظهار 287
127 باب الايلاء 288
128 باب اللعان 289
129 باب العدد 290
130 باب الولد 294
131 باب القرابة 300
132 كتاب المعيشة 300
133 باب الطعام 301
134 باب الأكل 309
135 باب الشرب 312
136 باب الضيافة 313
137 باب اللباس 314
138 باب الطيب 315
139 باب المسكن 316
140 باب المنام 317
141 باب التحية 319
142 باب الكلام 321
143 باب الإخاء 326
144 باب المعاشرة 328
145 باب العزلة 333
146 باب الورد 335
147 باب السفر 338
148 كتاب الجنايز 343
149 باب المرض 343
150 باب الوصية 345
151 باب العيادة 346
152 باب الاحتضار 349
153 باب التغسيل 350
154 باب التكفين 351
155 باب التشييع والتربيع 353
156 باب الصلاة على الميت 354
157 باب الدفن 355
158 باب التعزية 357
159 باب الهدية للميت 357
160 باب زيارة القبر 358
161 كتاب الفرايض 358
162 باب الأسباب والطبقات 358
163 باب الموانع 360