التحفة السنية (مخطوط) - السيد عبد الله الجزائري - الصفحة ٧٣
الهداية والمعرفة وجعل لها أسباب ومداخل هي الحواس الباطنة والظاهرة وخلق الهمة وهي نزوع النفس وتوجه القلب نحو المقصود وخلق القدرة وآلاتها الأعضاء المتحركة إليه فإذا جزمت المعرفة الاعتقاد بأن الشئ موافق للغرض انبعثت الهمة وانتهضت القدرة لتحريك الأعضاء حتى يتم بهذه الأمور الثلاثة العمل وما لم يعتقد الانسان أن غرضه منوط بفعل من الأفعال فلا يميل إليه ولا يتوجه نحوه قصده و ذلك مما لا يقدر على اعتقاده في كل حين وإذا اعتقد فإنما يتوجه القلب إذا كان فارغا غير مصروف عنه بغرض أقوى منه وذلك لا يمكن في كل وقت والدواعي والصوارف لها أسباب كثيرة وتختلف بسببها الإرادات وقوتها وضعفها ولاختلاف الأحوال والأعمال والخواطر في ذلك مدخل عظيم فإذن لا تدخل النية تحت الاختيار ولا يمكن خلقها واختراعها في النفس ولا صرفها من وجه إلى آخر بالتصنع والتحريف فمن غلبته شهوة النكاح ولم يعتقد غرضا صحيحا في الولد وطئ حليلته لغلبة الشهوة البهيمية أنى ينفعه قوله الحسي باللسان والنفسي بالتصور نويت به إقامة السنة بالطروقة وتكثير الأمة بالتعرض لحصول الولد إذ لا وجه لفعله إلا قضاء الشهوة فلا ينفعه تكلف غيرها نعم طريق اكتساب هذه النية مثلا أن يقوي ايمانه بالشرع ويعظم ثواب من سعى في تكثير أمة محمد صلى الله عليه وآله ويدفع عن نفسه جميع المنفرات عن الولد من ثقل المؤنة وطول التعب وغيره وإذا فعل ذلك فربما انبعثت من قلبه رغبة إلى تحصيل الولد للثواب فتحركه تلك الرغبة وتحرك أعضائه لمباشرة الوطي فعند ذلك يكون ناويا للولد وهي المعبر عنها في الأخبار بالنية الصادقة إشارة إلى أن أكثر ما يقرره الناوون في أفكارهم ويرددونه في أذهانهم مما يخدعون به أنفسهم وسواس وهذيان ومن ثم كان يمتنع بعض المشايخ من بعض الطاعات أحيانا حين لم تحضرهم النية إذ علموا أن النية روح العمل وأنه بدونها تكلف وتصنع لا يسمن ولا يغني من جوع وهذه النية هي أحد جزئي العبادة والجزء الآخر العمل المنبعث عنها بمعونة القدرة فهي تتوقف عليها على حد توقفها على العمل ولا تتحقق إلا بالاتيان بهما مجتمعين فإن وجود المركب متوقف على وجود جميع أجزائه وكما لا يتعين الجسم المؤلف من اللحم والعظم وغيرهما لكونه حيوانا إلا باشتماله على الروح كذلك لا يتعين العمل المركب من القيام والقعود والانحناء والارغام وغيرها لكونه صلاة إلا باشتماله على النية ففي النبوي المتفق عليه حتى عد متواترا إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى وعن السجاد والرضا (ع) لا عمل إلا بنية وظاهر الحصرين انتفاء حقيقة العمل بدونها فليحمل على أقرب المجازات الممكنة حيث تتعذر الحقيقة والمشهور أنه الصحة كما في لا صلاة إلا بطهور على المشهور في الشرط الشرعي فاستدلوا به على اشتراط النية في العبادات وعلى اعتبار مقارنتها لأول جزء فلو أخرت عنه لوقع بعض الأجزاء بلا نية فيبطل وببطلان الجزء يبطل الكل وكذا لو قدمت ولم تستمر إلى الشروع إذ حينئذ يخلو جميعها عن النية وعلى استدامة حكمها إلى الفراغ وإن اختلفوا بعد ذلك في تفسيرها والمناقشة بأنه الثواب وإلا لزم التخصيص في الأعمال إذ لم يثبت كونها حقيقة شرعية في العبادات مما لا يثمر شيئا لأنا لا نعني بالعبادة الصحيحة إلا ما يثاب عليها نعم ما ذكره بعضهم من اعتبار قصد الوجوب أو الندب وسائر الخصوصيات في كل عبادة عبادة مثل رفع الحدث واستباحة الصلاة في الوضوء قربة إلى الله واستحضار جميع ذلك بالبال على التفصيل مما لا تشمله أدلة النية لما عرفت من أنها ليست إلا القصد الباعث على العمل المعين وإنما الذي يدل عليه الدلايل هو اشتراط قصد القربة وهو الاخلاص المبحوث عنه في الباب الآتي وقصد الفعل المعين مما لا ينفك عنه العاقل العامد في أفعاله الاختيارية ومن ثم قيل لو كلفنا بايقاع الأعمال بغير نية لكان تكليفا بما لا يطاق فإن قلت التعيين لا يحصل إلا بملاحظة الخصوصيات لأنها بمنزلة الفصول المميزة للحقايق المختلفة المندرجة تحت الجنس فقصد الفعل المعين قصد لخصوصياته وهو عين ما ذكره البعض قلت لا نسلم أن جميع الخصوصيات التي ذكروها بمنزلة الفصول التي لها مدخل في التعيين فإن رفع الحدث واستباحة الصلاة مثلا ليسا منها بل هما من اللوازم فإذا تصور فعله بعنوان أنه وضوء فهو متعين ممتاز عن امساس الأعضاء بالماء على وجه النظافة مثلا واللوازم مندرجة فيه لا مدخل لها في التعيين وكذا قيد الوجوب أو الندب بعد تصور أنه وضوء فإنه إن كان لغاية واجبة فواجب وإلا فمندوب وبعد التسليم فلا ريب في الفرق بين حضور الشئ في الذهن اجمالا وحضور تفصيله في الفكر وقد يتصور الانسان شيئا بصورة واحدة تتضمن معاني كثيرة ويحكم عليه بحكم واحد يتضمن أحكاما كثيرة كقولك الانسان حادث فتصور الانسان يتضمن تصور الموجود والممكن والجوهر والجسم والمتحيز والنامي والمغتذي والمتحرك والحساس والعاقل والمختار والناطق والضاحك وغير ذلك و كذا الحكم بأنه حادث حكم بأنه موجود وأنه في زمان وأن لعدمه زمانا سابقا ولوجوده زمانا لاحقا وأن له موجدا فهذه أحكام متعددة يتضمنها الحكم بأنه حادث ولكن ليست هذه التفاصيل حاضرة في البال متميزة بعضها عن بعض واستحضارها جميعا عند الدخول في العبادة من الوسواس الذي ورد فيه أنه من عمل الشيطان فإن من دخل عليه وقت الظهر وهو يعلم وجوب الصلاة عليه فقام يصلي فهو نظير من دخل عليه عالم فقام لتعظيمه ولو قال انتصب قائما تعظيما لدخول هذا الفاضل لأجل فضله قياما مقارنا لدخوله مقبلا عليه بوجهي لعد سفيها في عقله لأن هذه المعاني مخطورة بالبال لا يستدعي حضورها جملة في القلب طولا في الزمان وإنما يطول زمان نظم الألفاظ الدالة عليها إما تلفظا باللسان أو حديثا بالنفس ومنه ينشأ شك آخر وهو فوات المقارنة حينئذ بمجموع النية لأنها مترتبة الأجزاء يتعذر تفصيلها دفعة واحدة فالمقارن لأول العمل هو الجزء الأخير منها لا غير ويقوى لو وقع التلفظ بهذه الألفاظ المستحدثة المرتلة بالاعراب والتجويد فإنه عمل يحتاج إلى قصد إليه ونية ينبعث منها فما بعده أن يكون هو النية بل هو إلى البدعة أقرب وأما المقارنة والاستدامة فيتبين حالهما مما قرره بعض المحققين ومحصوله مع تتميم أن الحركات الصادرة منا بالاختيار إنما تصدر بعد تصور الفعل والغاية
(٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الطهارة 16
2 باب جرايم الجوارح 17
3 باب التوبة 24
4 باب التدارك 27
5 باب الحد والتعزير 28
6 باب الجناية 35
7 باب ذمايم القلب 40
8 باب الصبر 42
9 باب الحلم 45
10 باب النصيحة 47
11 باب حب الخمولة 49
12 باب التواضع 52
13 باب الفقر 57
14 باب الزهد 60
15 باب السخا 63
16 باب الرضا 65
17 باب الشكر 66
18 باب الرجاء والخوف 68
19 باب قصر الامل 70
20 باب النية 72
21 باب الاخلاص 75
22 باب الصدق 79
23 باب التوحيد والتوكل 80
24 باب تطهير السر عما سوى الله 83
25 باب الماء 88
26 باب الأخباث وتطهيرها 90
27 باب آداب التخلي 95
28 باب الاتفاث وازالتها 96
29 باب آداب التنظيف 97
30 باب الاحداث ورفعها 100
31 باب الوضوء 102
32 باب الغسل 104
33 باب التيمم 110
34 كتاب الصلاة 111
35 باب الشرايط 112
36 باب الأوقات 118
37 باب المكان 121
38 باب اللباس 125
39 باب القبلة 127
40 باب النداء 129
41 باب الهيئة 130
42 باب الآداب والسنن 132
43 باب المكروهات 135
44 باب وظائف يوم الجمعة والخطبتين 136
45 باب آداب العيدين وسننهما 137
46 باب آداب الآيات وسننها 138
47 باب الجماعة 139
48 باب الخلل 141
49 باب التعقيب 145
50 باب الدعاء 146
51 باب فضل قراءة القرآن 148
52 كتاب الزكاة 150
53 باب التعداد والشرايط 150
54 باب المقادير والنصب 153
55 باب المصرف 154
56 باب الأداء 155
57 باب الخمس 156
58 باب المعروف 158
59 باب آداب المعطى 159
60 باب آداب الآخذ 162
61 كتاب الصيام 163
62 باب الشرايط 165
63 باب الهيئة 167
64 باب الآداب 168
65 باب فوايد الجوع 173
66 باب الاعتكاف 174
67 كتاب الحج 175
68 باب الشرايط 177
69 باب الهيئة 178
70 باب المحرمات 181
71 باب الخلل 190
72 باب حرمة الحرم 195
73 باب الزيارات 196
74 كتاب الحسبة 198
75 باب الجهاد 198
76 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 201
77 باب إقامة الحدود 203
78 باب الفتيا 205
79 باب القضا 206
80 باب الشهادة 209
81 باب اخذ اللقيط 212
82 باب الحجر 212
83 كتاب البر 214
84 باب العطية 214
85 باب العتق 217
86 باب التدبير 219
87 باب الكتابة 220
88 باب النذر والعهد 220
89 باب اليمين 222
90 كتاب الكسب 224
91 باب الآداب 227
92 باب البيع 229
93 باب الربا 234
94 باب الشفعة 236
95 باب الشركة 237
96 باب القراض 238
97 باب الجعالة 240
98 باب الإجارة 242
99 باب المزارعة 244
100 باب المساقاة 245
101 باب احياء الموات 245
102 باب الغصب 248
103 باب اللقطة 250
104 باب السبق 251
105 باب الدين 252
106 باب الرهن 253
107 باب الضمان 254
108 باب الحوالة 255
109 باب الوكالة 256
110 باب الكفالة 257
111 باب الوديعة 258
112 باب الاقرار 259
113 باب الصلح 259
114 كتاب النكاح 260
115 باب التعداد والجدوى 260
116 باب المحارم 263
117 باب الولاية 271
118 باب العقد 272
119 باب الصداق 274
120 باب الخلوة 277
121 باب الحقوق 279
122 باب النشوز 281
123 باب الفسخ 282
124 باب الطلاق 284
125 باب الخلع والمباراة 286
126 باب الظهار 287
127 باب الايلاء 288
128 باب اللعان 289
129 باب العدد 290
130 باب الولد 294
131 باب القرابة 300
132 كتاب المعيشة 300
133 باب الطعام 301
134 باب الأكل 309
135 باب الشرب 312
136 باب الضيافة 313
137 باب اللباس 314
138 باب الطيب 315
139 باب المسكن 316
140 باب المنام 317
141 باب التحية 319
142 باب الكلام 321
143 باب الإخاء 326
144 باب المعاشرة 328
145 باب العزلة 333
146 باب الورد 335
147 باب السفر 338
148 كتاب الجنايز 343
149 باب المرض 343
150 باب الوصية 345
151 باب العيادة 346
152 باب الاحتضار 349
153 باب التغسيل 350
154 باب التكفين 351
155 باب التشييع والتربيع 353
156 باب الصلاة على الميت 354
157 باب الدفن 355
158 باب التعزية 357
159 باب الهدية للميت 357
160 باب زيارة القبر 358
161 كتاب الفرايض 358
162 باب الأسباب والطبقات 358
163 باب الموانع 360