التحفة السنية (مخطوط) - السيد عبد الله الجزائري - الصفحة ٧٨
الحال كالفرح باطلاع الغير على العبادات الخالصة التي أداها في الخلوة بينه وبين ربه مع كمال التحفظ عن الرياء والمبالغة في الستر والكتمان ولكن لو اتفق اطلاع الناس عليها فرح بذلك ووجد في نفسه سرورا وارتياحا فهذا الفرح يدل على عرق خفي من الرياء مستكن في القلب إذ لولا التفاته إلى الناس لما ظهر عليه هذا الأثر من اطلاعهم على عبادته وهو من المضايق التي تتعسر جدا السلامة عنها فإن الفرح بظهور الخير كالطبيعة الثانية ومن ثم ورد أنه معفو ففي الحسن عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال سئلته عن الرجل يعمل العمل من الخير فيراه انسان فيسره ذلك فقال لا بأس ما من أحد إلا وهو يحب أن يظهر له في الناس الخير إذا لم يكن يصنع ذلك لذلك وفي المحجة والحقايق أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وآله أسر العمل لا أحب أن يطلع عليه أحد فيطلع عليه فيسرني فقال لك أجران أجر السر وأجر العلانية وربما تلتذ النفس بهذه اللذة فتتقاضاها إذا فقدتها وتتحرك إليها حركة خفيفة فتتكلف لها سببا كالتعريض في طي الكلام للاظهار وإن أمسكت عن التصريح به كقوله إن في جيران المسجد لعرسا كانوا يغنون البارحة إلى الصباح يؤذن بذلك أنه كان متهجدا ليلته في المسجد وربما يقع التعريض بغير النطق من الأحوال كالخفوق في الغدوات التي تقام لياليها وتبريد الأطراف بالماء في الأيام الصيفية التي تصام ونحو ذلك وهذا دون الأول في الخفاء ودونه أن يجد من نفسه أنه يحب إذا رأى الناس أن يؤدي عمله على أحسن الوجوه وأكملها ويخاف أن يكون ذلك من الرياء الممقوت فيدعوه الاحتراز عنه إلى تحسين الأداء في الخلاء أيضا لئلا يخالف أدائه في الملأ فيكون قد سوى بين الحالين زعما منه التخلص بذلك عن الرياء الذي هو الالتفات إلى الخلق وهو في الحالين مشغول القلب بهم وهذا سر ما ورد في الحديث النبوي لا يكمل ايمان العبد حتى يكون الناس عنده بمنزلة الأباعر ودون الجميع أن يسوي بين الحالين في تحسين الأداء ليتزين في الأعين بما اعتاده من طول التكلف والممارسة في الخلاء والملاء من ظهور أثر الخشوع في الأعضاء وهذا مما يكاد يلحق بأفراده الجلية وليس هذا من التزين الذي سبق عليه الحكم بالإباحة بل هو من الرياء المحرم وإن كان بعض أفراده أوضح منه كما أن الأمراض الطبيعية بعضها أوضح من بعض والعلاج الحاسم لجميع أنواعه قلع أسبابه عن القلب وهي حب الجاه وحب المدح وكراهة الذم وهي أشد مما قبلها فإن الانسان قد يصبر عن لذة المدح ولا يصبر على ألم الذم وقطع الطمع عما في أيدي الناس فإن حب المال من الدواهي العظيمة الجارة إلى فواحش كثيرة من جملتها الرياء فالمتقيد بتصحيح مزاج ايمانه عن هذا الداء الدفين يتحرى التدبيرات المعمولة في المعالجات الطبية فيبادر إلى قلع المادة أولا ثم الحمية واستعمال المقويات المعيدة للاعتدال الصحي فيزيل الأسباب المذكورة بما سبق ذكره فيما سبق ويحتمي بالتزام اخفاء العمل عن الأعين واغلاق الأبواب دونه كما تغلق الأبواب دون الفواحش حتى يقنع القلب بعلم الله واطلاعه عليه ولا تنازع النفس إلى طلب علم غيره وهذا وإن شق في بداية المجاهدة لكن إذا استمر عليه ولو متكلفا سقط عنه ثقله وهان عليه بتواصل ألطاف الله وما يمد به عباده من حسن التوفيق والتأييد فعلى العبد المجاهدة ومن الله الهداية ويقوى أمره بالمداومة على ذكر فوائد الاخلاص لتشتد إليه رغبته وآفات الرياء ليفر عنه ميله فما أقبح من لا يكتفي بنظره (تع) في ساعة من العمل المعيوب و يتحرى نظر الخلق إليه مع علمه بأن ذلك يسقطه عن نظره (تع) وباعه بخسيس فإن لا يدري هل يحصل له أم لا فإن المنزلة المطلوبة للمرائي غير مقطوعة الحصول وأعرض عن بيعه بثواب الدارين المرجو عند الله بالاخلاص فإن الآخرة مبذولة لمن أخلص عمله لله وأما الدنيا فتأتيه وهي راغمة كما قال تعالى فآتهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة وقال عز من قابل من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة إشارة إلى أن المريد بعمله ثواب الدنيا مغبون محروم وأنه لو أراد به وجه الله لكان أوفى ثوابا وأعظم نفعا وعن النبي صلى الله عليه وآله إن الله يعطي الدنيا بعمل الآخرة ولا يعطي الآخرة بعمل الدنيا وربما حرمهما المرائي جميعا وهو الغالب وإذ قد عرفت حال إظهار العمل من جهة الرياء وأن الفرح بظهوره لا يخلو عن شوب ما وإن كان معفوا فاعلم أنه ربما يحمدان إذا كان الملحوظ فيهما جهة أخرى راجحة من الجهات الممكنة فتحمد الفرحة بالظهور ومن جهة دلالته على حسن نظر الله إليه ولطفه (تع) به باخفاء الذنوب واظهار الطاعات فإنه يخفيهما جميعا ثم الله يظهر له الجميل ويستر عليه القبيح فيكون فرحه بجميل نظر الله له لا بحمد الناس وقيام المنزلة في قلوبهم وقد قال الله (تع) قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا فهو من الفرح المأمور به لأن إظهار الجميل مع ستر القبيح من مخايل القبول أو من جهة دلالته في الدنيا على أنه تعالى يفعل به كذلك في الآخرة فإنه رب الدنيا والآخرة وعنايته سبحانه بعباده عظيمة فيهما وفي الحديث النبوي ما ستر الله على عبد ذنبا في الدنيا إلا وستره عليه في الآخرة فيكون الأول فرحا بالقبول في الحال وهذا التفات إلى المستقبل أو من جهة أنه ممن يقتدى به فيظن رغبة المطلعين إلى الاقتداء به في الطاعة فيضاعف له الأجر بذلك فيكون له أجر العلانية بما ظهر آخر أو أجر السر بما قصده أولا ومن اقتدى به في طاعة فله مثل أجر أعمال المقتدين به من غير أن ينقص من أجورهم شئ أو من جهة أن المطلعين يحبونه ويثنون عليه فيكونون قد أطاعوا الله فيه إذا حبوا رجلا من أهل الايمان والعبادة ففرحه ليس من أجل محبتهم له من حيث إنها محبة له بل فرح بحسن ايمان عباد الله حيث إنهم يثابون بمحبته والثناء عليه ويعرف الاخلاص في هذا النوع الذي هو من محال الغرور بتسوية مدحه ومدح صالح غيره في الفرح بهما ومقداره فإن فقدت التسوية فليعلم أنها من مكايد الشيطان ويحمد الاظهار فيما يمكن اخفاؤه من الأعمال للترغيب إن كان من أهله سواء كان بنفس العمل كالصدقة في الملأ أو التحدث به بعد ذلك ما تحفظ عن الزيادة فورد في المتفق عليه من سن سنة حسنة فله أجرها و أجر من عمل بها إلى يوم القيامة ونقل عن كثير من السلف التظاهر بالعمل لذلك فإن النفوس العامية
(٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الطهارة 16
2 باب جرايم الجوارح 17
3 باب التوبة 24
4 باب التدارك 27
5 باب الحد والتعزير 28
6 باب الجناية 35
7 باب ذمايم القلب 40
8 باب الصبر 42
9 باب الحلم 45
10 باب النصيحة 47
11 باب حب الخمولة 49
12 باب التواضع 52
13 باب الفقر 57
14 باب الزهد 60
15 باب السخا 63
16 باب الرضا 65
17 باب الشكر 66
18 باب الرجاء والخوف 68
19 باب قصر الامل 70
20 باب النية 72
21 باب الاخلاص 75
22 باب الصدق 79
23 باب التوحيد والتوكل 80
24 باب تطهير السر عما سوى الله 83
25 باب الماء 88
26 باب الأخباث وتطهيرها 90
27 باب آداب التخلي 95
28 باب الاتفاث وازالتها 96
29 باب آداب التنظيف 97
30 باب الاحداث ورفعها 100
31 باب الوضوء 102
32 باب الغسل 104
33 باب التيمم 110
34 كتاب الصلاة 111
35 باب الشرايط 112
36 باب الأوقات 118
37 باب المكان 121
38 باب اللباس 125
39 باب القبلة 127
40 باب النداء 129
41 باب الهيئة 130
42 باب الآداب والسنن 132
43 باب المكروهات 135
44 باب وظائف يوم الجمعة والخطبتين 136
45 باب آداب العيدين وسننهما 137
46 باب آداب الآيات وسننها 138
47 باب الجماعة 139
48 باب الخلل 141
49 باب التعقيب 145
50 باب الدعاء 146
51 باب فضل قراءة القرآن 148
52 كتاب الزكاة 150
53 باب التعداد والشرايط 150
54 باب المقادير والنصب 153
55 باب المصرف 154
56 باب الأداء 155
57 باب الخمس 156
58 باب المعروف 158
59 باب آداب المعطى 159
60 باب آداب الآخذ 162
61 كتاب الصيام 163
62 باب الشرايط 165
63 باب الهيئة 167
64 باب الآداب 168
65 باب فوايد الجوع 173
66 باب الاعتكاف 174
67 كتاب الحج 175
68 باب الشرايط 177
69 باب الهيئة 178
70 باب المحرمات 181
71 باب الخلل 190
72 باب حرمة الحرم 195
73 باب الزيارات 196
74 كتاب الحسبة 198
75 باب الجهاد 198
76 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 201
77 باب إقامة الحدود 203
78 باب الفتيا 205
79 باب القضا 206
80 باب الشهادة 209
81 باب اخذ اللقيط 212
82 باب الحجر 212
83 كتاب البر 214
84 باب العطية 214
85 باب العتق 217
86 باب التدبير 219
87 باب الكتابة 220
88 باب النذر والعهد 220
89 باب اليمين 222
90 كتاب الكسب 224
91 باب الآداب 227
92 باب البيع 229
93 باب الربا 234
94 باب الشفعة 236
95 باب الشركة 237
96 باب القراض 238
97 باب الجعالة 240
98 باب الإجارة 242
99 باب المزارعة 244
100 باب المساقاة 245
101 باب احياء الموات 245
102 باب الغصب 248
103 باب اللقطة 250
104 باب السبق 251
105 باب الدين 252
106 باب الرهن 253
107 باب الضمان 254
108 باب الحوالة 255
109 باب الوكالة 256
110 باب الكفالة 257
111 باب الوديعة 258
112 باب الاقرار 259
113 باب الصلح 259
114 كتاب النكاح 260
115 باب التعداد والجدوى 260
116 باب المحارم 263
117 باب الولاية 271
118 باب العقد 272
119 باب الصداق 274
120 باب الخلوة 277
121 باب الحقوق 279
122 باب النشوز 281
123 باب الفسخ 282
124 باب الطلاق 284
125 باب الخلع والمباراة 286
126 باب الظهار 287
127 باب الايلاء 288
128 باب اللعان 289
129 باب العدد 290
130 باب الولد 294
131 باب القرابة 300
132 كتاب المعيشة 300
133 باب الطعام 301
134 باب الأكل 309
135 باب الشرب 312
136 باب الضيافة 313
137 باب اللباس 314
138 باب الطيب 315
139 باب المسكن 316
140 باب المنام 317
141 باب التحية 319
142 باب الكلام 321
143 باب الإخاء 326
144 باب المعاشرة 328
145 باب العزلة 333
146 باب الورد 335
147 باب السفر 338
148 كتاب الجنايز 343
149 باب المرض 343
150 باب الوصية 345
151 باب العيادة 346
152 باب الاحتضار 349
153 باب التغسيل 350
154 باب التكفين 351
155 باب التشييع والتربيع 353
156 باب الصلاة على الميت 354
157 باب الدفن 355
158 باب التعزية 357
159 باب الهدية للميت 357
160 باب زيارة القبر 358
161 كتاب الفرايض 358
162 باب الأسباب والطبقات 358
163 باب الموانع 360