التحفة السنية (مخطوط) - السيد عبد الله الجزائري - الصفحة ٤٧
في الحقد فإنه من فروع الغضب وهو ذميمة فاحشة منافية لكمال الايمان فورد في الحديث النبوي المؤمن ليس بحقود وهو من أصول الحسد كما يأتي وعلاجه قلع الغضب لأنه أصله وذكر ما ورد في فضل العفو الذي هو ضده مثل قوله (تع) والعافين عن الناس بعد قوله سبحانه والكاظمين الغيظ وعن النبي صلى الله عليه وآله عليكم بالعفو فإن العفو لا يزيد العبد إلا عزا فتعافوا يعزكم الله وما ارتكبه الحقود من لوازم الحقد من مكروه كترك كثير من التطوعات التي كان يستوجب فضلا عظيما بفعلها لولا الحقد كالمواساة والإعانة في قضاء الحاجة والدعاء والابتداء بالسلم والزيارة وتسميت العطسة والمجالسة على ذكر الله والوعظ والبشاشة وحسن اللقاء والرفق ونحو ذلك فإن التعرض للحرمان عن هذه الفضايل العظيمة غبن فاحش أو حرام كالشماتة بالمصائب والاعراض بالهجر والقطيعة والايذاء والإهانة وانطلاق اللسان بالفرية والغيبة وافشاء السر و ترك كثير من الواجبات الدينية مثل صلة الرحم إن كان المحقود من ذويها وهي مندرجة في الاعراض وأفردت بالذكر اهتماما وكذا ترك قضاء الحق الواجب كما في رواية معلى بن خنيس عن أبي عبد الله (ع) قال قلت له ما حق المسلم على المسلم قال له سبع حقوق واجبات ما منهن حق إلا وهو عليه واجب إن ضيع منها شيئا خرج من ولاية الله وطاعته ولم يكن لله فيه نصيب ثم قال (ع) أيسر حق منها أن تحب له ما تحب لنفسك وتكره له ما تكره لنفسك الحديث وبمعناه غيره كما يأتي في كتاب المعيشة وفي عدة أخبار أن من حق المؤمن على المؤمن النصيحة فهي داخلة في الحق وأفردت بالذكر افتتاحا للباب باب النصيحة وهي في اللغة الخلوص وفي العرف إرادة بقاء النعمة على المسلم أو حصولها له مما له فيه صلاح ديني وضدها الحسد وقوبل فيما مضى بالتسليم وما هنا أثبت وهو إرادة زوالها عنه أو كراهة حصولها له سواء أرادها لنفسه أم لا مما له فيه صلاح ديني والرسم بيان لحقيقته في الجملة وبانتفاء كل من القيدين ينتفى الحسد ويثبت غيره فإن انتفى الصلاح بثبوت الفساد فغيرة فهي كراهة النعمة على المسلم مما له فيه فساد كما لو استعان بها على تهييج الفتن وارتكاب المحارم فلا ضير في كراهتها من حيث إنها آلة للفساد لا من حيث إنها نعمة أنعم الله بها على غيره فإن أراد مثلها لنفسه دون أن يريد الزوال عنه سواء أراد البقاء عليه أم لم يرد شيئا منهما فغبطة من غبط كنصر فهي تمني حصول مثل نعمة الغير لنفسه لا غير وربما تسمى منافسة وأما من غبط كضرب وسمع فبمعنى الحسد فالأقسام ثلاثة وربما يطلق على بعضها اسم بعض والحسد حرام مطلقا لأنه كراهة نعمته تعالى وفي الحديث النبوي قال الله لموسى بن عمران يا بن عمران لا تحسدن الناس على ما آتيتهم من فضلي ولا تمدن عينيك إلى ذلك ولا تتبعه نفسك فإن الحاسد ساخط لنعمي صاد لقسمي الذي قسمت بين عبادي ومن يك كذلك فلست منه وليس مني وكراهة قضائه (تع) في تفضيل بعض عباده على بعض بما يشاء من نعمة وفي الحديث القدسي من لم يرض بقضائي ولم يصبر على بلائي فليطلب ربا سوائي وكراهة راحة المسلم بما ساقه الله إليه من النعمة ومن حقوقه الواجبة أن تحب له ما تحب لنفسك وورد في الحديث النبوي وغيره الحسد يأكل الحسنات وفي رواية الايمان كما يأكل النار الحطب وبمضمونها غيرها ولأنه يدعو إلى ضرب من المعاصي فالجملة معطوفة على خبر الناسخ دون المبتدأ أو هي معترضة لتقوية الكلام ببيان بعض نتايج الحسد كالتملق للمحسود وهو التودد والتلطف إليه باللسان فوق ما ينبغي مع غش القلب وهو النفاق والغيبة له تشفيا لقلبه في الجملة والشماتة بمسائته كما قال (تع) إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وقد قيل للحاسد ثلاث علامات يتملق إذا شهد ويغتاب إذا غاب ويشمت بالمصيبة وإلى التعب في الدنيا إذ لا راحة لحسود كما ورد وقال بعضهم لم أر ظالما أشبه بالمظلوم من الحاسد نفس دايم وعقل هائم وغم لازم والعقاب في الآخرة لحبط حسناته واقترافه السيئات المذكورة فيكون قد خسر الدارين بلا نفع له إذ لا تزول النعمة عن المحسود بحسده وإلا لزم زوال نعمه بحسد حساده إذ لا ينفك هو عن النعمة ولا النعمة من المحسود كما في الحديث النبوي استعينوا على قضاء الحوائج بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود بل ينفع المحسود فيهما جميعا أما في الدنيا فلأن من المركوزات في طباع الخلق شهوتهم لمضرة العدو ومسائته ولا ضرر ولا مسائة أعظم مما أدخله الحسود على نفسه من الغم والشقاء وقد كان يريد ذلك للمحسود فتنجز لنفسه في الحال وعن أبي عبد الله (ع) الحاسد مضر بنفسه قبل المحسود وأما في الآخرة فلاستحقاقه لطلب المكافات لأنه مظلوم سيما إذا خرج إلى الوقيعة فيه بالقول والفعل فهي هدايا يهديها إليه بانتقال حسناته إلى ديوانه فيكون قد أضاف له نعمة إلى نعمة و عنه عليه السلام ميزان الحاسد أبدا خفيف بثقل ميزان المحسود ويدعو إلى عمى القلب بل عمى القلب يدعو إليه فعنه (ع) الحسد أصله من عمى القلب وجحود فضل الله وبالحسد وقع ابن آدم في حسرة الأبد وهلك مهلكا لا ينجو منه أبدا ولا توبة للحاسد أي لا يوفق للتوبة كما تقدمت الإشارة إليه وهو الخذلان فإن قلت كيف يطلق الحكم بتحريم الحسد وقد روى الصدوق بإسناده عن أبي عبد الله (ع) ثلاثة لم يعر منها نبي فمن دونه الطيرة والحسد والتفكر في الوسوسة في الخلق وعنه (ع) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله رفع عن أمتي تسعة الخطأ والنسيان وما أكرهوا عليه وما لا يطيقون وما لا يعلمون وما اضطروا إليه والحسد والطيرة والتفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق بشفة قلت لا ريب أن من المركوزات في فطرة الله التي فطر الناس عليها محبة الخير والنعمة كما قال الله (تع) وأنه لحب الخير لشديد وهذه حالة يجدها كل أحد من نفسه لا يليق المكابرة فيها وكل محبوب مراد ومشتاق إليه وهذا الشوق ربما يسكن ويكمن في النفس وربما يهيج بعروض بعض الأسباب ومن جملة الأسباب المهيجة له مشاهدة النعمة عند الغير فإن المحروم منها يثور شوقه إليها حينئذ ويتنبه لألم الحرمان الذي كان غافلا عنه قبل ذلك وهذا من الأمور التي لا تدخل تحت الاختيار ولا يصلح متعلقا للتكليف وهو الذي لم يعر منه نبي فمن دونه لأنه من مقتضيات البشرية من قبيل الهواجس والخواطر النفسانية فإن اعتقد قلبه بذلك وتظاهر بآثاره الاختيارية انقسم إلى الأقسام الثلاثة المذكورة والمحكوم بتحريمه هو أحد الأقسام الاختيارية دون الأول وإن سمي حسدا في الروايتين وهذا الوجه في الأخيرة منهما قريب جدا بارجاع
(٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الطهارة 16
2 باب جرايم الجوارح 17
3 باب التوبة 24
4 باب التدارك 27
5 باب الحد والتعزير 28
6 باب الجناية 35
7 باب ذمايم القلب 40
8 باب الصبر 42
9 باب الحلم 45
10 باب النصيحة 47
11 باب حب الخمولة 49
12 باب التواضع 52
13 باب الفقر 57
14 باب الزهد 60
15 باب السخا 63
16 باب الرضا 65
17 باب الشكر 66
18 باب الرجاء والخوف 68
19 باب قصر الامل 70
20 باب النية 72
21 باب الاخلاص 75
22 باب الصدق 79
23 باب التوحيد والتوكل 80
24 باب تطهير السر عما سوى الله 83
25 باب الماء 88
26 باب الأخباث وتطهيرها 90
27 باب آداب التخلي 95
28 باب الاتفاث وازالتها 96
29 باب آداب التنظيف 97
30 باب الاحداث ورفعها 100
31 باب الوضوء 102
32 باب الغسل 104
33 باب التيمم 110
34 كتاب الصلاة 111
35 باب الشرايط 112
36 باب الأوقات 118
37 باب المكان 121
38 باب اللباس 125
39 باب القبلة 127
40 باب النداء 129
41 باب الهيئة 130
42 باب الآداب والسنن 132
43 باب المكروهات 135
44 باب وظائف يوم الجمعة والخطبتين 136
45 باب آداب العيدين وسننهما 137
46 باب آداب الآيات وسننها 138
47 باب الجماعة 139
48 باب الخلل 141
49 باب التعقيب 145
50 باب الدعاء 146
51 باب فضل قراءة القرآن 148
52 كتاب الزكاة 150
53 باب التعداد والشرايط 150
54 باب المقادير والنصب 153
55 باب المصرف 154
56 باب الأداء 155
57 باب الخمس 156
58 باب المعروف 158
59 باب آداب المعطى 159
60 باب آداب الآخذ 162
61 كتاب الصيام 163
62 باب الشرايط 165
63 باب الهيئة 167
64 باب الآداب 168
65 باب فوايد الجوع 173
66 باب الاعتكاف 174
67 كتاب الحج 175
68 باب الشرايط 177
69 باب الهيئة 178
70 باب المحرمات 181
71 باب الخلل 190
72 باب حرمة الحرم 195
73 باب الزيارات 196
74 كتاب الحسبة 198
75 باب الجهاد 198
76 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 201
77 باب إقامة الحدود 203
78 باب الفتيا 205
79 باب القضا 206
80 باب الشهادة 209
81 باب اخذ اللقيط 212
82 باب الحجر 212
83 كتاب البر 214
84 باب العطية 214
85 باب العتق 217
86 باب التدبير 219
87 باب الكتابة 220
88 باب النذر والعهد 220
89 باب اليمين 222
90 كتاب الكسب 224
91 باب الآداب 227
92 باب البيع 229
93 باب الربا 234
94 باب الشفعة 236
95 باب الشركة 237
96 باب القراض 238
97 باب الجعالة 240
98 باب الإجارة 242
99 باب المزارعة 244
100 باب المساقاة 245
101 باب احياء الموات 245
102 باب الغصب 248
103 باب اللقطة 250
104 باب السبق 251
105 باب الدين 252
106 باب الرهن 253
107 باب الضمان 254
108 باب الحوالة 255
109 باب الوكالة 256
110 باب الكفالة 257
111 باب الوديعة 258
112 باب الاقرار 259
113 باب الصلح 259
114 كتاب النكاح 260
115 باب التعداد والجدوى 260
116 باب المحارم 263
117 باب الولاية 271
118 باب العقد 272
119 باب الصداق 274
120 باب الخلوة 277
121 باب الحقوق 279
122 باب النشوز 281
123 باب الفسخ 282
124 باب الطلاق 284
125 باب الخلع والمباراة 286
126 باب الظهار 287
127 باب الايلاء 288
128 باب اللعان 289
129 باب العدد 290
130 باب الولد 294
131 باب القرابة 300
132 كتاب المعيشة 300
133 باب الطعام 301
134 باب الأكل 309
135 باب الشرب 312
136 باب الضيافة 313
137 باب اللباس 314
138 باب الطيب 315
139 باب المسكن 316
140 باب المنام 317
141 باب التحية 319
142 باب الكلام 321
143 باب الإخاء 326
144 باب المعاشرة 328
145 باب العزلة 333
146 باب الورد 335
147 باب السفر 338
148 كتاب الجنايز 343
149 باب المرض 343
150 باب الوصية 345
151 باب العيادة 346
152 باب الاحتضار 349
153 باب التغسيل 350
154 باب التكفين 351
155 باب التشييع والتربيع 353
156 باب الصلاة على الميت 354
157 باب الدفن 355
158 باب التعزية 357
159 باب الهدية للميت 357
160 باب زيارة القبر 358
161 كتاب الفرايض 358
162 باب الأسباب والطبقات 358
163 باب الموانع 360