التحفة السنية (مخطوط) - السيد عبد الله الجزائري - الصفحة ٨٤
لا يليق بهم التكلم في أمثاله كل ذلك لفرط لذة العلم وما يستشعره من كمال ذاته به وأنواع العلوم وإن كانت متفاضلة في الشرف إلا أنه لا ريب أن العلم به تعالى أشرف أنواع العلم إذ شرفه إما بشرف المعلوم أو الغاية أو وثاقة الدليل أو شدة الحاجة وكلها مجتمعة في العلم الإلهي على الوجه الأكمل وإنما اقتصر المصنف على الأول لأنه أقواها ومن ثمة يكون علم الفتوى أشرف من علم الخياطة فإن المعلوم في الأول الأحكام الشرعية وفي الثاني كيفية الوصل بين قطعات الكرباس ليلبس والمتطلع على أسرار الناس الفاحص عنها إن علم بواطن أحوال رئيس البلد وأسرار تدبيره في رياسته كان ذلك أجل وأطيب عنده من علمه بباطن أحوال حايك أو فلاح فإن اطلع على أخص أحوال الوزير وما هو عازم عليه من التدبير في أمور الوزارة فهي أشهى عنده وألذ فإن حصل له الوقوف على أسرار الملك تمدح بذلك وكان شغفه والتذاذه به أعظم لأن الملك أجل من الوزير وأعلى فالمعرفة بحاله أعظم موقعا من المعرفة بأحوال الوزير وإذ ليس في الوجود أشرف من الله (تع) لا جرم كان الاطلاع على أسرار الربوبية هو أعلى أنواع المعارف وألذها وأطيبها حتى أن للعارفين في معرفتهم به عز وجل لذات لو عرضت لهم الجنة في الدنيا بدلا عنها لأبوا أن يستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير وهذه اللذة العظيمة الحاصلة بالعلم أنما هي بالحقيقة بسبب استيلاء العالم على المعلوم وإحاطته به بانكشاف صورته لديه وحضورها عنده كما سبق فكلما كان العلم أقوى وأثبت وانكشاف صورة المعلوم في ذهن العالم أتم وأرسخ كان الالتذاذ أعظم وانبساط النفس أكثر ومن ثمة كان العلم الحاصل من الرؤية ألذ من العلم الحاصل من غيرها لازدياد الكشف فيها بسبب حضور نفس المعلوم عند الحس وصورته عند الذهن فاللذة الزايدة إنما هي باعتبار هذا الانكشاف الزايد من تصور معشوقه في خياله فإنه يلتذ بتصوره لا محالة لكن لا نسبة لهذه اللذة إلى اللذة الحاصلة من مشاهدته رأي العين وحيث إنها أقوى طرق الانكشاف ربما يعبر عن مطلق الانكشاف التام بأي طريق حصل بالرؤية والنظر كما في قوله سبحانه إلى ربها ناظرة وما ورد من بعض الطرق أن رسول الله صلى الله عليه وآله رأى ربه ليلة المعراج ونحو ذلك لتطابق العقل والنقل على امتناع الرؤية الحسية في حقه تعالى لاشتراطها بالوضع والجهة وكثافة المرئي وغير ذلك فالمراد بها أينما أطلقت في كلمات من يعتني بتصحيح كلامهم غاية الانكشاف التام الذي لا يمكن ما فوقه مجازا مقبولا لوجود العلاقة البينة إن ثبت كون اللفظ حقيقة في خصوص البصرية وإلا فمن استعمال المشترك في معناه الآخر حقيقة اعتمادا على وضوح القرنية وهي اشتراط الحسية بما يمتنع في حقه سبحانه وأحسن ما ينكشف به هذا المطلب ما سبقت روايته عن أمير المؤمنين (ع) من قوله لم أعبد ربا لم أره لا تدركه العيون بمشاهدة العيان ولكن تدركه القلوب بحقايق الايمان حيث أثبت (ع) الرؤية أولا ثم استدرك ذلك بصرفها من العينية لأنها المتبادر إلى القلبية و سبب المحبة أحد أمور ثلاثة الأول ذات المحبوب بنفسه لا لحظ ينال المحب منه وراء ذاته بل يكون ذاته عين حظه مثل محبة كل أحد لوجوده وبقائه وعافيته ونحو ذلك فإن هذه أمور محبوبة لذواتها لا لغرض آخر ويرجع إليها محبة مثل الزوجة والولد والخادم والمنزل و غير ذلك من توابع الوجود المقصود بها حظوظ النفس فإنها كلها محبوبة بتبع الوجود المحبوب بالذات ومن هذا الباب التحابب المشاهد بين المتحابين يميل كل منهما إلى الآخر ويلتذ بمؤالفته بمجرد التلاقي والمشافهة من دون معرفة سابقة متأكدة ولا سبب ظاهر بل بمحض التناسب الذاتي والموافقة الروحانية كما في الحديث النبوي الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف والثاني الكمال المدرك في المحبوب سواء كان مدركه الحواس الظاهرة أو الباطنة فهو بأنواعه محبوب طبعا سواء كان للمحب منه حظ أم لا ومن ثمة أحب العالم من حيث علمه والصالح كذلك وإذ لم يشاهدهما المحب ولم يستفد من بركاتهما شيئا بل بمجرد سماع نعت عالم في أقصى البلاد أو في الأعصار السالفة أو الاطلاع على مصنف من مصنفاته تميل إليه النفس وتحبه وينطلق اللسان بمحمدته والثناء عليه ويلتذ بذكره ومنه حب الوجه الجميل من حيث جماله فإن حسن التشكل وتناسب الأعضاء غاية الكمال الممكن في الوجه وللنفس في ادراكه لذة عظيمة ولا يظن أن حب الصور الجميلة لا يتصور إلا لأجل قضاء الشهوة فإن قضاء الشهوة لذة أخرى قد يحب الصور الجميلة لأجلها وادراك الجمال لذيذ في نفسه أيضا فإن غير أولي الإربة من الرجال يلتذون به وكيف ينكر ذلك والخضرة والماء الجاري محبوبان لا ليشرب الماء وتؤكل الخضرة أو ينال منهما حظ سوى نفس الرؤية وعن النبي صلى الله عليه وآله أنه كان يعجبه الخضرة والماء الجاري والطباع السليمة قاضية باستلذاذ النظر إلى الأنوار والأزهار والأطيار المليحة الألوان الحسنة النقش المتناسبة الشكل حتى أن الانسان لتنفرج عنه الغموم بالنظر إليها لا لطلب حظ وراء النظر وكذا الكلام في الكلام البليغ والشعر الموزون والصوت الحسن ونحو ذلك والثالث الاحسان سواء كان متعديا إلى المحب أم لا أما الأول فإن الانسان عبيده كما في الحديث المشهور وفيه جبلت القلوب على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها وفي الدعاء النبوي اللهم لا تجعل لفاجر علي يدا فيحبه قلبي إشارة إلى أن حب القلب للحسن إليه اضطرار لا يستطاع دفعه وحيلة لا يمكن تغييرها وهذا إذا حقق رجع إلى السبب الأول فإن المحسن من أمد بالمال والمعونة وسائر الأسباب الموصلة إلى دوام الوجود أو كماله والطبيب محسن لأنه سبب للعافية والأستاذ لأنه سبب للعلم فمحبتهم من توابع المحبة الذاتية وأما الثاني فإن الموجود في الطباع أن من بلغه خبر ملك أو دستور مثلا
(٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الطهارة 16
2 باب جرايم الجوارح 17
3 باب التوبة 24
4 باب التدارك 27
5 باب الحد والتعزير 28
6 باب الجناية 35
7 باب ذمايم القلب 40
8 باب الصبر 42
9 باب الحلم 45
10 باب النصيحة 47
11 باب حب الخمولة 49
12 باب التواضع 52
13 باب الفقر 57
14 باب الزهد 60
15 باب السخا 63
16 باب الرضا 65
17 باب الشكر 66
18 باب الرجاء والخوف 68
19 باب قصر الامل 70
20 باب النية 72
21 باب الاخلاص 75
22 باب الصدق 79
23 باب التوحيد والتوكل 80
24 باب تطهير السر عما سوى الله 83
25 باب الماء 88
26 باب الأخباث وتطهيرها 90
27 باب آداب التخلي 95
28 باب الاتفاث وازالتها 96
29 باب آداب التنظيف 97
30 باب الاحداث ورفعها 100
31 باب الوضوء 102
32 باب الغسل 104
33 باب التيمم 110
34 كتاب الصلاة 111
35 باب الشرايط 112
36 باب الأوقات 118
37 باب المكان 121
38 باب اللباس 125
39 باب القبلة 127
40 باب النداء 129
41 باب الهيئة 130
42 باب الآداب والسنن 132
43 باب المكروهات 135
44 باب وظائف يوم الجمعة والخطبتين 136
45 باب آداب العيدين وسننهما 137
46 باب آداب الآيات وسننها 138
47 باب الجماعة 139
48 باب الخلل 141
49 باب التعقيب 145
50 باب الدعاء 146
51 باب فضل قراءة القرآن 148
52 كتاب الزكاة 150
53 باب التعداد والشرايط 150
54 باب المقادير والنصب 153
55 باب المصرف 154
56 باب الأداء 155
57 باب الخمس 156
58 باب المعروف 158
59 باب آداب المعطى 159
60 باب آداب الآخذ 162
61 كتاب الصيام 163
62 باب الشرايط 165
63 باب الهيئة 167
64 باب الآداب 168
65 باب فوايد الجوع 173
66 باب الاعتكاف 174
67 كتاب الحج 175
68 باب الشرايط 177
69 باب الهيئة 178
70 باب المحرمات 181
71 باب الخلل 190
72 باب حرمة الحرم 195
73 باب الزيارات 196
74 كتاب الحسبة 198
75 باب الجهاد 198
76 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 201
77 باب إقامة الحدود 203
78 باب الفتيا 205
79 باب القضا 206
80 باب الشهادة 209
81 باب اخذ اللقيط 212
82 باب الحجر 212
83 كتاب البر 214
84 باب العطية 214
85 باب العتق 217
86 باب التدبير 219
87 باب الكتابة 220
88 باب النذر والعهد 220
89 باب اليمين 222
90 كتاب الكسب 224
91 باب الآداب 227
92 باب البيع 229
93 باب الربا 234
94 باب الشفعة 236
95 باب الشركة 237
96 باب القراض 238
97 باب الجعالة 240
98 باب الإجارة 242
99 باب المزارعة 244
100 باب المساقاة 245
101 باب احياء الموات 245
102 باب الغصب 248
103 باب اللقطة 250
104 باب السبق 251
105 باب الدين 252
106 باب الرهن 253
107 باب الضمان 254
108 باب الحوالة 255
109 باب الوكالة 256
110 باب الكفالة 257
111 باب الوديعة 258
112 باب الاقرار 259
113 باب الصلح 259
114 كتاب النكاح 260
115 باب التعداد والجدوى 260
116 باب المحارم 263
117 باب الولاية 271
118 باب العقد 272
119 باب الصداق 274
120 باب الخلوة 277
121 باب الحقوق 279
122 باب النشوز 281
123 باب الفسخ 282
124 باب الطلاق 284
125 باب الخلع والمباراة 286
126 باب الظهار 287
127 باب الايلاء 288
128 باب اللعان 289
129 باب العدد 290
130 باب الولد 294
131 باب القرابة 300
132 كتاب المعيشة 300
133 باب الطعام 301
134 باب الأكل 309
135 باب الشرب 312
136 باب الضيافة 313
137 باب اللباس 314
138 باب الطيب 315
139 باب المسكن 316
140 باب المنام 317
141 باب التحية 319
142 باب الكلام 321
143 باب الإخاء 326
144 باب المعاشرة 328
145 باب العزلة 333
146 باب الورد 335
147 باب السفر 338
148 كتاب الجنايز 343
149 باب المرض 343
150 باب الوصية 345
151 باب العيادة 346
152 باب الاحتضار 349
153 باب التغسيل 350
154 باب التكفين 351
155 باب التشييع والتربيع 353
156 باب الصلاة على الميت 354
157 باب الدفن 355
158 باب التعزية 357
159 باب الهدية للميت 357
160 باب زيارة القبر 358
161 كتاب الفرايض 358
162 باب الأسباب والطبقات 358
163 باب الموانع 360