التحفة السنية (مخطوط) - السيد عبد الله الجزائري - الصفحة ٨٦
مدد الوجود ونفس الرحمن إليه على الدوام بلا انقطاع حتى يبقى موجودا به وهذا هو الاتصال وحينئذ لا فرق بينه وبين حبيبه كما في حديث أمير المؤمنين (ع) إن لله (تع) شرابا لأوليائه إذا شربوا سكروا وإذا سكروا طربوا وإذا طربوا طابوا وإذا طابوا ذابوا وإذا ذابوا خلصوا وإذا خلصوا طلبوا وإذا طلبوا وجدوا وإذا وجدوا وصلوا وإذا وصلوا اتصلوا وإذا اتصلوا لا فرق بينهم و بين حبيبهم وهو من محال الغرور ومظان التلبيس والحازم لا يغتر بخداع النفس مهما ادعت محبة الله ما لم يمتحنها بالعلامات ولم يطالبها بشواهد الصدق فإن على كل حق حقيقة وعلى كل صواب نورا وعلامتها كثيرة والمذكور منها بضعة وأن تداخل بعضها ببعض منها كتمانها واجتناب الدعوى والتوقي من إظهار الوجد والعشق تعظيما للمحبوب واجلالا له وهيبة منه وغيرة على سره فإن الحب سر من أسرار الحبيب لا يسوغ ابتذاله وفي هذا المعنى ما قيل كل كفت ببلبل مكن إظهار محبت سهل است متاعي كه بفرياد فروشند ولأنه قد يدخل في الدعوى ما يجاوز حد المعنى ويزيد عليه فيكون ذلك كذبا تعظم العقوبة عليه نعم قد يكون للمحب سكرة في حبه يدهش فيها وتضطرب أحواله فيقع في مقام الشطح ويظهر عليه حبه فإن وقع ذلك من غير تمحل وقصد فهو معذور إذ ربما تشتعل من الحب نيرانه فلا يطاق سلطانه وقد يفيض به القلب فلا يندفع فيضانه ومنها حب الموت فإنه موعد للقاء إلا أن ينتظر حسن التأهب كما تقدم ومنها الإطاعة في الأوامر و النواهي وايثار ما أحبه الله على ما يحبه في ظاهره وباطنه كما قال القائل:
تعصي الإله وأنت تظهر حبه * هذا لعمري في الفعال بديع لو كان حبك صادقا لأطعته * إن المحب لمن يحب مطيع وفي كلام بعضهم إن العصيان إنما ينافي كمال المحبة دون أصلها إذ لا يخلو عنها مؤمن وذلك كالمريض يحب نفسه ويحب الصحة وربما يأكل ما يضره وهو يعلم أنه يضره لا لعدم حبه لنفسه ولكن المعرفة قد تضعف والشهوة قد تغلب فتعجز عن القيام بحق المحبة ومنها التلذذ بالعبادة دون استثقالها كما يوجد في المشاهدات من نشاط العاشق في السعي في هوى المعشوق والاستلذاذ بخدمته بقلبه وإن كان شاقا على بدنه و مهما عجز بدنه كان أحب الأشياء إليه أن يعاوده القدرة ويفارقه العجز حتى يشتغل به وأعلى منه التلذذ بالمصيبة والشكر عليها فإن كل ما يفعل الحبيب حبيب كما مر ومنها الحرص في الخلوة عن الخلق والمناجاة مع الله بالسر وتلاوة القرآن فيغتنم هدو الليل وصفاء الوقت بانقطاع العوائق وفي بعض الآثار إن الله أوحى إلى بعض الصديقين أن لي عبادا من عبادي يحبونني وأحبهم ويشتاقون إلي و أشتاق إليهم ويذكرونني وأذكرهم وينظرون إلي وانظر إليهم فإن حذوت طريقهم أحببتك وإن عدلت عنهم مقتك قال يا رب وما علامتهم قال عز وجل يراعون الظلال بالنهار كما يراعى الراعي الشفيق غنمه ويحنون إلى غروب الشمس كما تحن الطير إلى أوكارها عند الغروب وإذا جنهم الليل واختلط الظلام وفرشت الفرش ونصبت الأسرة وخلا كل حبيب بحبيبه نصبوا إلي أقدامهم وفرشوا إلي جباههم وناجوني بكلامي وتملقوني بانعامي فبين صارخ وباك ومتأوه وشاك وبين قائم وقاعد وبين راكع وساجد الحديث ومنها الاستهتار بالذكر وهو الوقوع به بحيث لا يفتر عنه لسانه ولا يخلو عنه قلبه فإن من أحب شيئا أكثر بالضرورة ذكره وذكر ما يتعلق به وينتسب إليه لسراية المحبة من المحبوب إلى متعلقاته فذكر القرآن والنبي والأئمة كله في حكم ذكر الله ومنها بغض الدنيا لأنها مبغوضة إليه (تع) كما ورد أن الله لم يخلق شيئا أبغض إليه من الدنيا وأنه لم ينظر إليها منذ خلقها ولأنها صادة له عن المحبوب فهي كالرقيب المبغوض إلى العاشق وقد عرفت معنى الدنيا المبغوضة فيما سبق ومنها الوحشة عن الخلق لأنهم وإن صحبوا الدنيا بأبدانهم فأرواحهم معلقة بالملأ الأعلى ولأن في الأنس بالخلق وصحبتهم لوازم يتتره المحبون عنها كالتعلق بالدنيا والاشتغال عن الحبيب والدخول فيما يخرج عن رضاه إلى سخطه ويجر إلى مقته وغير ذلك من المفاسد وأما الأنس بأولياء الله والمرشدين والمسترشدين للاستفادة من بركاتهم و الاستفاضة من خيراتهم فهو من الأنس بالله وعليه يحمل ما ورد في الحث على الصحبة والمواصلة وزيارة الإخوان وقضاء الحقوق ونحو ذلك كما يأتي ومنها اتحاد الهم كما قال القايل كانت لنفسي أهواء مفرقة فاستجمعت إذ رأتك النفس أهوائي فصار يحسدني من كنت أحسده فصرت مولى الورى مذ صرت مولائي تركت للناس دنياهم ودينهم شغلا بذكرك يا ديني ودنيائي وفي دعاء سيد الشهداء صلوات الله عليه أنت الذي أزلت الأغيار عن قلوب أحبائك حتى لم يحبوا سواك ولم يلجأوا إلى غيرك وطريقها السلوك وهو السير عن النفس إلى الله على الصراط المستقيم بقدم الصدق وزاد التقوى واتباع الرسول صلى الله عليه وآله المستجلب لمحبته (تع) للعبد كما قال سبحانه قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله وهي الجاذبة إلى حرم العزة في حضائر القدس المقربة على بساط الانبساط والأنس وبدونها تضل المساعي وتخيب ولا حظ إلا الحرمان ولا نصيب كما قيل تا كه از جانب معشوقه نباشد كششي كوشش عاشق بيچاره بجائي نرسد والمتأمل في عرض مراتب العشق الصوري والإلهي ومقاماتهما وانطباق كل على الآخر ينكشف له أن العشق الصوري أقوى معين في تهذيب النفس وتلطيف السر وتصفية الروح وتوحيد الهموم والاعداد للعشق الإلهي لمن سبقت لهم من الله الحسنى وهذا حقيقة ما قيل المجاز قنطرة الحقيقة ومعناها كشف حجاب البعد عن قلبه واتمام نوره ودعوته أن يغشى مجلس شهوده و مونس حضوره وسقيه من الشراب الذي سبق وصفه في حديث أمير المؤمنين (ع) جرعة تفرق عنه الأوصال ولا يصحو من سكرته إلا في مقام الاتصال وقد طوى بساط المغايرة من البين و
(٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الطهارة 16
2 باب جرايم الجوارح 17
3 باب التوبة 24
4 باب التدارك 27
5 باب الحد والتعزير 28
6 باب الجناية 35
7 باب ذمايم القلب 40
8 باب الصبر 42
9 باب الحلم 45
10 باب النصيحة 47
11 باب حب الخمولة 49
12 باب التواضع 52
13 باب الفقر 57
14 باب الزهد 60
15 باب السخا 63
16 باب الرضا 65
17 باب الشكر 66
18 باب الرجاء والخوف 68
19 باب قصر الامل 70
20 باب النية 72
21 باب الاخلاص 75
22 باب الصدق 79
23 باب التوحيد والتوكل 80
24 باب تطهير السر عما سوى الله 83
25 باب الماء 88
26 باب الأخباث وتطهيرها 90
27 باب آداب التخلي 95
28 باب الاتفاث وازالتها 96
29 باب آداب التنظيف 97
30 باب الاحداث ورفعها 100
31 باب الوضوء 102
32 باب الغسل 104
33 باب التيمم 110
34 كتاب الصلاة 111
35 باب الشرايط 112
36 باب الأوقات 118
37 باب المكان 121
38 باب اللباس 125
39 باب القبلة 127
40 باب النداء 129
41 باب الهيئة 130
42 باب الآداب والسنن 132
43 باب المكروهات 135
44 باب وظائف يوم الجمعة والخطبتين 136
45 باب آداب العيدين وسننهما 137
46 باب آداب الآيات وسننها 138
47 باب الجماعة 139
48 باب الخلل 141
49 باب التعقيب 145
50 باب الدعاء 146
51 باب فضل قراءة القرآن 148
52 كتاب الزكاة 150
53 باب التعداد والشرايط 150
54 باب المقادير والنصب 153
55 باب المصرف 154
56 باب الأداء 155
57 باب الخمس 156
58 باب المعروف 158
59 باب آداب المعطى 159
60 باب آداب الآخذ 162
61 كتاب الصيام 163
62 باب الشرايط 165
63 باب الهيئة 167
64 باب الآداب 168
65 باب فوايد الجوع 173
66 باب الاعتكاف 174
67 كتاب الحج 175
68 باب الشرايط 177
69 باب الهيئة 178
70 باب المحرمات 181
71 باب الخلل 190
72 باب حرمة الحرم 195
73 باب الزيارات 196
74 كتاب الحسبة 198
75 باب الجهاد 198
76 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 201
77 باب إقامة الحدود 203
78 باب الفتيا 205
79 باب القضا 206
80 باب الشهادة 209
81 باب اخذ اللقيط 212
82 باب الحجر 212
83 كتاب البر 214
84 باب العطية 214
85 باب العتق 217
86 باب التدبير 219
87 باب الكتابة 220
88 باب النذر والعهد 220
89 باب اليمين 222
90 كتاب الكسب 224
91 باب الآداب 227
92 باب البيع 229
93 باب الربا 234
94 باب الشفعة 236
95 باب الشركة 237
96 باب القراض 238
97 باب الجعالة 240
98 باب الإجارة 242
99 باب المزارعة 244
100 باب المساقاة 245
101 باب احياء الموات 245
102 باب الغصب 248
103 باب اللقطة 250
104 باب السبق 251
105 باب الدين 252
106 باب الرهن 253
107 باب الضمان 254
108 باب الحوالة 255
109 باب الوكالة 256
110 باب الكفالة 257
111 باب الوديعة 258
112 باب الاقرار 259
113 باب الصلح 259
114 كتاب النكاح 260
115 باب التعداد والجدوى 260
116 باب المحارم 263
117 باب الولاية 271
118 باب العقد 272
119 باب الصداق 274
120 باب الخلوة 277
121 باب الحقوق 279
122 باب النشوز 281
123 باب الفسخ 282
124 باب الطلاق 284
125 باب الخلع والمباراة 286
126 باب الظهار 287
127 باب الايلاء 288
128 باب اللعان 289
129 باب العدد 290
130 باب الولد 294
131 باب القرابة 300
132 كتاب المعيشة 300
133 باب الطعام 301
134 باب الأكل 309
135 باب الشرب 312
136 باب الضيافة 313
137 باب اللباس 314
138 باب الطيب 315
139 باب المسكن 316
140 باب المنام 317
141 باب التحية 319
142 باب الكلام 321
143 باب الإخاء 326
144 باب المعاشرة 328
145 باب العزلة 333
146 باب الورد 335
147 باب السفر 338
148 كتاب الجنايز 343
149 باب المرض 343
150 باب الوصية 345
151 باب العيادة 346
152 باب الاحتضار 349
153 باب التغسيل 350
154 باب التكفين 351
155 باب التشييع والتربيع 353
156 باب الصلاة على الميت 354
157 باب الدفن 355
158 باب التعزية 357
159 باب الهدية للميت 357
160 باب زيارة القبر 358
161 كتاب الفرايض 358
162 باب الأسباب والطبقات 358
163 باب الموانع 360