التحفة السنية (مخطوط) - السيد عبد الله الجزائري - الصفحة ٨٧
انتقل من مضيق العلم إلى عرصة العين وخرج من شتات الفرقة إلى نظام الجمع وسرى فيه الحب سريان النور في العين والقوة في السمع فيطرب بوصاله وينشد بلسان حاله جنوني فيك لا يخفى وناري منك لا تخبو فأنت السمع والابصار والأركان والقلب وفي الحديث القدسي المتفق عليه لا يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت له سمعا وبصرا وقلبا ويدا ورجلا إن دعاني أجبته وإن ناداني لبيته وإليه الإشارة بقوله سبحانه وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى وقول أمير المؤمنين (ع) ما قلعت باب خيبر بقوة جسدانية بل بقوة ربانية وقال المولوي إن پسر را كش خضر ببريد خلق سر انرا در نيا بد عام خلق انكه جان بخشد اكر بكشد روا است حاكم است و دست أو دست خدا است وهذا غاية السير أن تفقه منطق الطير وليس وراء عبادان قرية و هو إنما يتحقق بلزوم متابعته صلى الله عليه وآله في جميع ما يشرع فيه التأسي كما ينبه عليه حذف المتعلق والمهم من ذلك أمور منها الوضوء فإن الله يحب المتطهرين وهو ينور القلب لارتباط الملك بالملكوت كما مر والوضوء على الوضوء نور على نور ومنها الخلوة عن العوام فهي تفرغ القلب والبدن عن الشواغل كما ذكر دون الخواص فإن صحبتهم نعم العون وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يحب الخلوة وربما تتعذر عليه فيتدثر بكساء أو إزار كل ذلك لضبط المشاعر الظاهرة التي هي دهاليز القلب سيما السمع والبصر فإن أكثر الوساوس التي تدخل على القلب فتصده عن وجهته إنما تكون من جهتها وقد بلغه الحق و هو على تلك الصفة فقيل يا أيها المزمل يا أيها المدثر ومنها السكوت فهو يلقح العقل بالحكمة و يسهل الخلوة ويقوى التقوي بالعصمة عن آفات اللسان من الكذب والغيبة والنميمة وافشاء السر والقذف والسب واللعن والهجو والمراء والفخار وغيرهما مما يأتي في باب الكلام فإن اللسان أعصى الأعضاء على الانسان إذ لا تعب في تحريكه ولا مؤنة في اطلاقه ولا مؤنة لمجاله إذ ما موجود أو معدوم معلوم أو مظنون أو متخيل أو موهوم حق أو باطل إلا واللسان يتناوله ويتعرض له باثبات أو نفي فإن كل ما يتناوله العلم يعبر عنه اللسان ولا شئ إلا والعلم يتناوله وهذه خاصية لا توجد في سائر الأعضاء فإن العين لا تصل إلى غير الألوان والصور ولا الأذن إلى غير الأصوات ولا اليد إلى غير الأجسام وهكذا ومن ثم ورد فيه ما ورد ففي الحديث النبوي يعذب الله اللسان بعذاب لا يعذب به شيئا من الجوارح فيقول يا رب عذبتني بعذاب لم تعذب به شيئا فيقال له خرجت منك كلمة فبلغت مشارق الأرض و مغاربها فسفك بها الدم الحرام وانتهك بها الفرج الحرام وانتهب بها المال الحرام وعزتي لأعذبنك بعذاب لم أعذب به شيئا من جوارحك وفيه أنه جاء إليه رجل فقال يا رسول الله أوصني فقال احفظ لسانك يكرر ذلك ثلاثا ثم قال ويحك وهل يكب الناس على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم وعن أبي عبد الله (ع) ما من يوم إلا وكل عضو من أعضاء الجسد يكفر اللسان يقول نشدتك الله أن نعذب فيك وعنه (ع) لا يزال العبد المؤمن يكتب محسنا ما دام ساكتا فإذا تكلم كتب محسنا أو مسيئا وفي المستفيض المشهور من صمت نجا وقد سبق أنه من علامات الفقه وذلك من أجل أن شهوة النفوس للكلام كثيرة والمحافظة عن آفاته عسيرة فاقتضت الحكمة المبالغة في المنع ليتقدر الأمر على الحد اللائق ويتقيد اللسان عن الكلام إلا بحقه وحينئذ فالكلام أدخل في النجاة من السكوت كما في حديث السجاد (ع) وقد سئل عن الكلام والسكوت أيهما أفضل قال (ع) لكل منهما آفات فإذا سلما من الآفات فالكلام أفضل من السكوت قيل وكيف ذلك يا بن رسول الله قال لأن الله عز وجل ما بعث الأنبياء و الأوصياء بالسكوت إنما بعثهم بالكلام ولا استحقت الجنة بالسكوت ولا استوجبت ولاية الله بالسكوت ولا توقيت النار بالسكوت ولا يجتنب سخط الله بالسكوت إنما ذلك كله بالكلام ما كنت لأعدل القمر بالشمس إنك تصف فضل السكوت بالكلام ولست تصف الكلام بالسكوت ومنها الجوع والسهر فهما نعم المطيتان للسالك ينوران القلب بتقليل دمه فيبيض و في بياضه نوره وذوبان شحمه فيرق وفي رقته صفاؤه وضياؤه فيصير كالكوكب الدري والمرآة المجلوة يلوح فيها جمال الحق وعن المسيح (ع) يا معشر الحواريين جوعوا لعل قلوبكم ترى ربكم وعن النبي صلى الله عليه وآله أفضلكم منزلة عند الله أطولكم جوعا وتفكرا وأبغضكم إلى الله كل نؤمة أكول شروب ولم يشبع صلى الله عليه وآله من طعام قط واختار لما خير أن يجوع يوما ويأكل يوما وكان يتهجد من الليل زيادة على الواجب حتى قيل له في ذلك فقال أفلا أكون عبدا شكورا وسيأتي تمام الكلام فيهما والمحمود منهما التوسط كما سبقت الإشارة إليه وإنما بولغ فيهما توقيفا للنفس على حد الاعتدال المطلوب والافراط فيهما شاغل عن القصد لأنه مضعف للمزاج منهك للبدن مسقط للقوة مضر بالأعضاء الرئيسة جدا سيما الدماغ والعافية من الشرايط المرعية في السلوك لأن البدن مركب النفس ومهما ضعف المركب تعسر السير فيكون مذموما كالتفريط و حد الاعتدال في الجوع أن يأكل الطعام وهو يشتهيه ويرفع يده عنه وهو يشتهيه وفي السهر أن لا ينام من الليل أكثر من ثلثيه ولا أقل من ثلثه وما يأتي وما يأتي في باب المنام تحديد لأكثره ومنها نفي الخواطر عن القلب بسد مداخلها ما أمكن فإنها شاغلة له وللبدن ومنها الاقتصار على أكل الحلال وهو ما يحكم بإباحته في ظاهر الشريعة مع ترك ما يريب فإن أكل الحرام يقسي القلب ويرد الدعاء بالخاصية ومنها الذكر الدايم لله سبحانه فعن النبي صلى الله عليه وآله من أكثر ذكر الله عز وجل أحبه الله وفي الحديث القدسي أنا جليس من ذكرني وعن أبي جعفر (ع) أن ذكرنا من ذكر الله وأفضله ما كان في السر كما تظافرت
(٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الطهارة 16
2 باب جرايم الجوارح 17
3 باب التوبة 24
4 باب التدارك 27
5 باب الحد والتعزير 28
6 باب الجناية 35
7 باب ذمايم القلب 40
8 باب الصبر 42
9 باب الحلم 45
10 باب النصيحة 47
11 باب حب الخمولة 49
12 باب التواضع 52
13 باب الفقر 57
14 باب الزهد 60
15 باب السخا 63
16 باب الرضا 65
17 باب الشكر 66
18 باب الرجاء والخوف 68
19 باب قصر الامل 70
20 باب النية 72
21 باب الاخلاص 75
22 باب الصدق 79
23 باب التوحيد والتوكل 80
24 باب تطهير السر عما سوى الله 83
25 باب الماء 88
26 باب الأخباث وتطهيرها 90
27 باب آداب التخلي 95
28 باب الاتفاث وازالتها 96
29 باب آداب التنظيف 97
30 باب الاحداث ورفعها 100
31 باب الوضوء 102
32 باب الغسل 104
33 باب التيمم 110
34 كتاب الصلاة 111
35 باب الشرايط 112
36 باب الأوقات 118
37 باب المكان 121
38 باب اللباس 125
39 باب القبلة 127
40 باب النداء 129
41 باب الهيئة 130
42 باب الآداب والسنن 132
43 باب المكروهات 135
44 باب وظائف يوم الجمعة والخطبتين 136
45 باب آداب العيدين وسننهما 137
46 باب آداب الآيات وسننها 138
47 باب الجماعة 139
48 باب الخلل 141
49 باب التعقيب 145
50 باب الدعاء 146
51 باب فضل قراءة القرآن 148
52 كتاب الزكاة 150
53 باب التعداد والشرايط 150
54 باب المقادير والنصب 153
55 باب المصرف 154
56 باب الأداء 155
57 باب الخمس 156
58 باب المعروف 158
59 باب آداب المعطى 159
60 باب آداب الآخذ 162
61 كتاب الصيام 163
62 باب الشرايط 165
63 باب الهيئة 167
64 باب الآداب 168
65 باب فوايد الجوع 173
66 باب الاعتكاف 174
67 كتاب الحج 175
68 باب الشرايط 177
69 باب الهيئة 178
70 باب المحرمات 181
71 باب الخلل 190
72 باب حرمة الحرم 195
73 باب الزيارات 196
74 كتاب الحسبة 198
75 باب الجهاد 198
76 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 201
77 باب إقامة الحدود 203
78 باب الفتيا 205
79 باب القضا 206
80 باب الشهادة 209
81 باب اخذ اللقيط 212
82 باب الحجر 212
83 كتاب البر 214
84 باب العطية 214
85 باب العتق 217
86 باب التدبير 219
87 باب الكتابة 220
88 باب النذر والعهد 220
89 باب اليمين 222
90 كتاب الكسب 224
91 باب الآداب 227
92 باب البيع 229
93 باب الربا 234
94 باب الشفعة 236
95 باب الشركة 237
96 باب القراض 238
97 باب الجعالة 240
98 باب الإجارة 242
99 باب المزارعة 244
100 باب المساقاة 245
101 باب احياء الموات 245
102 باب الغصب 248
103 باب اللقطة 250
104 باب السبق 251
105 باب الدين 252
106 باب الرهن 253
107 باب الضمان 254
108 باب الحوالة 255
109 باب الوكالة 256
110 باب الكفالة 257
111 باب الوديعة 258
112 باب الاقرار 259
113 باب الصلح 259
114 كتاب النكاح 260
115 باب التعداد والجدوى 260
116 باب المحارم 263
117 باب الولاية 271
118 باب العقد 272
119 باب الصداق 274
120 باب الخلوة 277
121 باب الحقوق 279
122 باب النشوز 281
123 باب الفسخ 282
124 باب الطلاق 284
125 باب الخلع والمباراة 286
126 باب الظهار 287
127 باب الايلاء 288
128 باب اللعان 289
129 باب العدد 290
130 باب الولد 294
131 باب القرابة 300
132 كتاب المعيشة 300
133 باب الطعام 301
134 باب الأكل 309
135 باب الشرب 312
136 باب الضيافة 313
137 باب اللباس 314
138 باب الطيب 315
139 باب المسكن 316
140 باب المنام 317
141 باب التحية 319
142 باب الكلام 321
143 باب الإخاء 326
144 باب المعاشرة 328
145 باب العزلة 333
146 باب الورد 335
147 باب السفر 338
148 كتاب الجنايز 343
149 باب المرض 343
150 باب الوصية 345
151 باب العيادة 346
152 باب الاحتضار 349
153 باب التغسيل 350
154 باب التكفين 351
155 باب التشييع والتربيع 353
156 باب الصلاة على الميت 354
157 باب الدفن 355
158 باب التعزية 357
159 باب الهدية للميت 357
160 باب زيارة القبر 358
161 كتاب الفرايض 358
162 باب الأسباب والطبقات 358
163 باب الموانع 360