التحفة السنية (مخطوط) - السيد عبد الله الجزائري - الصفحة ٥٩
يوصف به الله سبحانه وهو الذي سميناه استغناء والاستغناء عن الشئ بعدم الالتفات إليه خير من الاستغناء به لأنه أقرب إلى التجرد وأشبه بالربوبية في التنبيه على غوائل الغنى بذكر فوائد الفقر وطي فوائده اقتفاء لما ورد عن الشارع الحكيم صلوات الله عليه من رعاية المصلحة الغالبة في ذم المال لأن إثمه أكبر من نفعه وقد تقدمت الإشارة في نظيره مما سلف إلى أن من أسرار الشريعة المقدسة أن كل ما يقوى إليه المحرك الطبيعي وتكثر فيه الرغبة النفسانية ويكون الافراط فيه مفسدة تتوارد الأوامر الشرعية بخلافه ليكون الباعث النفساني معارضا بالمانع الشرعي فيتقاومان ويحصل الاعتدال المطلوب نظير ما ورد في فضل الجوع والأمر به كما يأتي فإن ذلك كله راجع بالحقيقة إلى النهي عن الامتلاء والتخمة لا أمر بالكف عن تناول الرزق المباح بقدر ما يحفظ البدن عن الانتهاك ويتقوى به على العبادة والتردد في الكسب وقضاء حوائج المؤمنين وكذا ما ورد في فضل الصمت فإنه نهي عن الهذر لا أمر باهمال القوة الناطقة التي بها يمتاز عن الحيوانات العجم ولقد أحسن وأجاد من قال إن مثل المال مثل حية فيها سم وترياق فسمها آفاتها المذكورة وترياقها فوائدها الدنيوية والدينية كالخلاص عن مهانة السئول و ذل النفس واكتساب العز والمجد بين الخلق وكثرة الأعوان والإخوان والوقار والكرامة في القلوب والمروة وصيانة العرض والاقتدار على الخيرات زيادة على ما يوجب الثواب لترك الدنيا كالحج وبناء المساجد و المرابط ونحوها من الأوقاف المستجلبة لدعوات الصالحين في أزمنة متمادية ومن ثم سمى الله المال خيرا في عدة مواضع من القرآن وعن النبي صلى الله عليه وآله نعم المال الصالح للرجل الصالح ومما يشهد لما ذكرناه احتجاج أبي عبد الله (ع) على الصوفية لما دخلوا عليه قال ثم علم الله نبيه كيف ينفق وذلك أنه كانت عنده صلى الله عليه وآله أوقية من الذهب فكره أن تبيت عنده فتصدق بها وأصبح فجاءه سائل وليس عنده ما يعطيه فلامه السائل و أغنم هو وكان رحيما رفيقا فأدب الله نبيه بأمره فقال ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا يقول إن الناس قد يسألونك ولا يعذرونك فإذا أعطيت جميع ما عندك من المال كنت قد حسرت من المال قال ثم من علمتم من بعده في فضله وزهده سلمان الفارسي (رض) و أبو ذر (ره) فأما سلمان فكان إذا أخذ عطائه رفع منه قوته لسنته حتى يحضر عطائه من قابل فقيل له يا أبا عبد الله أنت في زهدك تصنع هذا وأنت لا تدري لعلك تموت اليوم أو غدا فكان جوابه أن قال ما لكم لا ترجون لي البقاء كما خفتم على الفناء أما علمتم يا جهلة أن النفس قد تلتاث على صاحبها إذا لم يكن لها من العيش ما تعتمد عليه فإذا هي أحرزت معيشتها اطمأنت وأما أبو ذر فكانت له نويقات وشويهات يحلبها ويذبح منها إذا اشتهى أهله اللحم أو نزل به ضيف أو رأى بأهل الماء الذين معه خصاصة نحر لهم الجزور أو من الشاء على قدر ما يذهب عنهم بقرم اللحم فيقسمه بينهم ويأخذ هو كنصيب واحد منهم لا يتفضل عليهم ومن أزهد من هؤلاء وقد قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وآله ما قال ولم يبلغ من أمرهما أن صار ألا يملكان شيئا البتة كما تأمرون الناس بالقاء أمتعتهم وشيئهم ويؤثرون به على أنفسهم وعيالاتهم الحديث والموفق يتحفظ عن سم المال وينتفع بترياقه ويحفظ لكل مقام مرتبة استحقاقه وفي الحديث القدسي إن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسده ذلك ومنهم من لا يصلحه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسده ذلك وهذا من الأمر بين الأمرين والحمد لله وحق الفقر أن لا يكره لأنه الأصلح وفي الحديث إذا رأيت الفقر مقبلا فقل مرحبا بشعار الصالحين وفيه يا معاشر الفقراء أعطوا الله الرضا من قلوبكم تظفروا بثواب فقركم وإلا فلا بل يتقلد الفقير المنة من الله تقلد المحجوم المنة من الحاجم لما يرجوه من فعله المؤلم من الصلاح ويستر فقره بالتجمل والتعفف ولا يظهر الشكوى وقد مدح الله قوما بذلك بقوله يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف وعن النبي صلى الله عليه وآله إن الله جعل الفقر أمانة عند خلقه فمن ستره أعطاه الله مثل أجر الصائم القائم ولا يتواضع للغني لغناه بل يترفع عليه فعن أمير المؤمنين (ع) ما أحسن تواضع الغني للفقير رغبة في ثواب الله وأحسن منه تيه الفقراء على الأغنياء ثقة بالله عز وجل وأقله أن لا يرغب في مجالسته لأن ذلك من مبادي الطمع ولا يتوانى بسبب الفقر في العبادة فإنه من علامات ضعف اليقين ولا يدخر شيئا مما يسوقه الله إليه بل يأخذ قدر الحاجة ويتصدق بالفاضل وإن كان قليلا فإن ذلك جهد المقل و فضله أكثر من أموال كثيرة تبذل عن ظهر غنى وفي الحديث النبوي درهم من الصدقة أفضل عند الله من مائة ألف درهم قيل وكيف ذلك يا رسول الله قال أخرج رجل من عرض ماله مائة ألف يتصدق بها وأخرج رجل درهما من درهمين لا يملك غيرهما طيبة به نفسه فصار صاحب الدرهم أفضل من صاحب مائة ألف ويستقرض حيث يستقرض تعويلا على الله تحسينا للظن به لا تعويلا على السلطان سواء كان له رزق راتب له أم لا ويكشف الحال للمقرض عند الاقتراض إن لم يكن مكشوف الحال عنده حرزا من الغرور ليقدم على اقراضه على بصيرة ولا يخدع بالمواعيد الغير المرجوة فإنه كذب ولا يسأل أحدا إلا الله سيما البخلاء ومستحدثي النعمة وفي الحديث لأن أدخل يدي في فم التنين أحب إلي من أن أسأل من لم يكن ثم كان وقد كثر النهي عن السئول في الأخبار وذلك لتضمنه عدة من المفاسد أحدها الشكاية منه تعالى بذكر قصور نعمته عليه كما أن العبد المملوك لو سأل كان سؤاله تشنيعا على سيده وشكاية عنه وثانيها اذلال النفس المؤمنة لغيره (تع) وليس للمؤمن أن يذل نفسه إلا لله فعن أبي عبد الله (ع) إن الله فوض إلى المؤمن أموره كلها ولم يفوض إليه أن يذل نفسه ألم تسمع لقول الله عز وجل ولله العزة ولرسوله و للمؤمنين الحديث وثالثها إيذاء المسؤول فربما لا تطيب نفسه بالبذل لكن يعطي حياء من السائل أو الحاضرين وهو الريا فيحرم المبذول على السائل فمن ثم حرم السئول إلا لضرورة مهلكة كالجوع في المخمصة أو ممرضة كالبرد في الشتاء لفاقد الدثار غالبا فيجوز حينئذ لمن عجز عن الكسب دون القادر البطال أو للحاجة الخفيفة
(٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الطهارة 16
2 باب جرايم الجوارح 17
3 باب التوبة 24
4 باب التدارك 27
5 باب الحد والتعزير 28
6 باب الجناية 35
7 باب ذمايم القلب 40
8 باب الصبر 42
9 باب الحلم 45
10 باب النصيحة 47
11 باب حب الخمولة 49
12 باب التواضع 52
13 باب الفقر 57
14 باب الزهد 60
15 باب السخا 63
16 باب الرضا 65
17 باب الشكر 66
18 باب الرجاء والخوف 68
19 باب قصر الامل 70
20 باب النية 72
21 باب الاخلاص 75
22 باب الصدق 79
23 باب التوحيد والتوكل 80
24 باب تطهير السر عما سوى الله 83
25 باب الماء 88
26 باب الأخباث وتطهيرها 90
27 باب آداب التخلي 95
28 باب الاتفاث وازالتها 96
29 باب آداب التنظيف 97
30 باب الاحداث ورفعها 100
31 باب الوضوء 102
32 باب الغسل 104
33 باب التيمم 110
34 كتاب الصلاة 111
35 باب الشرايط 112
36 باب الأوقات 118
37 باب المكان 121
38 باب اللباس 125
39 باب القبلة 127
40 باب النداء 129
41 باب الهيئة 130
42 باب الآداب والسنن 132
43 باب المكروهات 135
44 باب وظائف يوم الجمعة والخطبتين 136
45 باب آداب العيدين وسننهما 137
46 باب آداب الآيات وسننها 138
47 باب الجماعة 139
48 باب الخلل 141
49 باب التعقيب 145
50 باب الدعاء 146
51 باب فضل قراءة القرآن 148
52 كتاب الزكاة 150
53 باب التعداد والشرايط 150
54 باب المقادير والنصب 153
55 باب المصرف 154
56 باب الأداء 155
57 باب الخمس 156
58 باب المعروف 158
59 باب آداب المعطى 159
60 باب آداب الآخذ 162
61 كتاب الصيام 163
62 باب الشرايط 165
63 باب الهيئة 167
64 باب الآداب 168
65 باب فوايد الجوع 173
66 باب الاعتكاف 174
67 كتاب الحج 175
68 باب الشرايط 177
69 باب الهيئة 178
70 باب المحرمات 181
71 باب الخلل 190
72 باب حرمة الحرم 195
73 باب الزيارات 196
74 كتاب الحسبة 198
75 باب الجهاد 198
76 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 201
77 باب إقامة الحدود 203
78 باب الفتيا 205
79 باب القضا 206
80 باب الشهادة 209
81 باب اخذ اللقيط 212
82 باب الحجر 212
83 كتاب البر 214
84 باب العطية 214
85 باب العتق 217
86 باب التدبير 219
87 باب الكتابة 220
88 باب النذر والعهد 220
89 باب اليمين 222
90 كتاب الكسب 224
91 باب الآداب 227
92 باب البيع 229
93 باب الربا 234
94 باب الشفعة 236
95 باب الشركة 237
96 باب القراض 238
97 باب الجعالة 240
98 باب الإجارة 242
99 باب المزارعة 244
100 باب المساقاة 245
101 باب احياء الموات 245
102 باب الغصب 248
103 باب اللقطة 250
104 باب السبق 251
105 باب الدين 252
106 باب الرهن 253
107 باب الضمان 254
108 باب الحوالة 255
109 باب الوكالة 256
110 باب الكفالة 257
111 باب الوديعة 258
112 باب الاقرار 259
113 باب الصلح 259
114 كتاب النكاح 260
115 باب التعداد والجدوى 260
116 باب المحارم 263
117 باب الولاية 271
118 باب العقد 272
119 باب الصداق 274
120 باب الخلوة 277
121 باب الحقوق 279
122 باب النشوز 281
123 باب الفسخ 282
124 باب الطلاق 284
125 باب الخلع والمباراة 286
126 باب الظهار 287
127 باب الايلاء 288
128 باب اللعان 289
129 باب العدد 290
130 باب الولد 294
131 باب القرابة 300
132 كتاب المعيشة 300
133 باب الطعام 301
134 باب الأكل 309
135 باب الشرب 312
136 باب الضيافة 313
137 باب اللباس 314
138 باب الطيب 315
139 باب المسكن 316
140 باب المنام 317
141 باب التحية 319
142 باب الكلام 321
143 باب الإخاء 326
144 باب المعاشرة 328
145 باب العزلة 333
146 باب الورد 335
147 باب السفر 338
148 كتاب الجنايز 343
149 باب المرض 343
150 باب الوصية 345
151 باب العيادة 346
152 باب الاحتضار 349
153 باب التغسيل 350
154 باب التكفين 351
155 باب التشييع والتربيع 353
156 باب الصلاة على الميت 354
157 باب الدفن 355
158 باب التعزية 357
159 باب الهدية للميت 357
160 باب زيارة القبر 358
161 كتاب الفرايض 358
162 باب الأسباب والطبقات 358
163 باب الموانع 360