التحفة السنية (مخطوط) - السيد عبد الله الجزائري - الصفحة ٣٣٤
والنفع والتأدب والتأديب والموانسة ومناولة الثواب والتجارب على اطلاق في بعضها وتفصيل في آخر أما التعلم فهو مقدم على العزلة لافتقار العبادة والتقوى المستفرغ لهما بها إليه فإن الانسان مطبوع على الجهل ولا يستفيد العلم إلا بالمخالطة والتردد إلى مجالس المعلمين والمذاكرين والجاهل المعتزل كالمريض إذا خلا بنفسه عن الطبيب قبل أن يتعلم الطب فإنه جدير بأن يتضاعف عليه المرض وقد سلف أن العمل بغير علم ضلال وأن العامل على غير بصيرة كالساير على غير الطريق لا يزيده كثرة السير إلا بعدا ومن ثم قيل تفقه ثم اعتزل وأما التعليم فهو أولى من العزلة أيضا إن كان في علم الآخرة دون الدنيا وقد عرفتهما في المقدمة ورعى حقه تعالى فيه بالاحتراز عن الذمايم كالرياء وحب الجاه والاستيكال بالعلم والمباهاة به ونحو ذلك مما سلف فإن العلماء الذين هم ورثة الأنبياء هم المرشدون الذين ينتفع الناس بعلومهم ولا مرتبة فوقها بل ربما يجب نشر العلم وبثه فتجب المخالطة من باب المقدمة فورد في التنزيل أن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون وعن النبي صلى الله عليه وآله من كتم علما نافعا ألجم بلجام من نار وفي حديث آخر إذا ظهرت الفتن وسكت العالم فعليه لعنة الله والعالم الغير المنتفع به كالمصباح المتوقد في بيت مغلق يحترق عبثا هذا كله بالشرطين وإلا فالعزلة أولى سواء كان في علم الدنيا أو في علم الآخرة مع عدم رعاية حقوق الله فيه فإنه حينئذ يلتحق بعلم الدنيا كما في زماننا هذا لذهاب علم الآخرة فإنك لا ترى مستفيدا يطلب فائدة لدينه أو يتسائل عن مسألة تنفعه في تهذيب أخلاقه واصلاح باطنه وتقربه إلى ربه وافحامه لشيطانه أو يصغى إلى حديث يزهده في الدنيا ويرغبه إلى الآخرة وإنما أقصى هممهم تعاطي بعض مسائل الفقه والخطابة ليتوسلوا به إلى اجتلاب العوام ويكون إليهم المرجع في العقود والايقاعات والأحكام وولاية أموال الغيب والسفهاء والأيتام ولو التفت أحدهم نادرا إلى شئ من علم الآخرة فإنما هو للتوسع في العلم إذ علموا أن العلم بكل شئ خير من الجهل به دون العمل عليه والتقيد به وقد استولت الذمايم على الطباع وصارت رينا بحيث آل الأمر إلى تعذر الاحتراز عنها ورعاية الحقوق ولم يبق لعلم الآخرة لو صودف قائم به وقع في النفوس ولا تأثير في القلوب بل تحديثهم به فتنة لهم بها يزيد موج الفتن وتنفتح أبواب الشين وسوء الظن وفوات النفع والانتفاع بالعزلة ظاهر لكنه لا يعد آفة مطلقا وتفصيله أن الانتفاع من الغير إما أن يكون بالكسب الطيب كالتجارة والصناعة أو غيره كالسؤول والكاسب إما محتاج يكسب للكفاية أو معه ما يكتفي به لو قنع وإنما يطلب الزيادة والأخير إما غرضه الادخار أو التوسع في فضول العيش أو الصدقة على المحتاجين ثم شأنه في عزلته إما الاشتغال بالأعمال البدنية كنوافل الصلوات وتلاوة القرآن والأوراد والأدعية أو الأعمال السرية كالذكر والفكر والنظر في ملكوت السماوات و الأرض والسير من عالم الشهادة إلى عالم الغيب وجملة القول فيها أن العزلة مرجوحة لطالب الكفاية مطلقا راجحة لطالب الادخار والتوسع كذلك وأما طالب الصدقة فإن كان كسبه طيبا وهو من أصل الأعمال الظاهرة فالعزلة المفوتة للاكتساب آفة في حقه فهو أولى من عمل الظاهر المقصود بالعزلة وإلا فآفته المخالطة وهو حكم النفع بالمال ومثله النفع بالبدن فإن النهوض بقضاء حوائج المسلمين على الوجه المحمود حسنة فوق عمل الظاهر ودون عمل الباطن وفسر التأدب بالارتياض بمقاساة الناس والمجاهدة في تحمل أذاهم كسرا للنفوس وقهرا لشهواتها ورعوناتها وهو من الملكات المستفادة بالمخالطة وتفضل على العزلة في البداية لمن لم تتهذب بعد أخلاقه ولم يبلغ أشده كالتعلم والتأديب بالرياضة وهو كالتعليم ويتطرق إليه من دقايق الآفات وما يتطرق إليه إلا أن مخائل طلب الدنيا من طلبه الارتياض أبعد منها من طلبه العلم ومن ثم ترى فيهم قلة وفي طلبة العلم كثرة وأما المؤانسة على الوجه المباح في الشريعة فهي مستحبة إذا كانت لقطع الملالة المنفرة للنفس عن العبادة فإنها إذا أكرهت عميت ومهما كانت في الوحدة وحشة وفي المجالسة أنس يروح القلب فهي أولى إذ الرفق في العبادة من الحزم في العبادة وورد في الخبر إن الدين متين فأوغلوا فيه برفق فلا يستغني المعتزل إذن عن رفيق يستأنس به ولو ساعة من النهار ولكن ليجتهد في طلب جليس صالح لا من يفسد عليه في تلك الساعة الواحدة سائر ساعاته ومناولة الثواب هي نيل ثواب الحسنات التي لا تتقوم بالواحد مثل إقامة الجمعة والجماعة والعيدين ونحوها وقضاء حقوق الإخوان كالعيادة والتشييع والتواضع والتبرك بزيارتهم فإنها جميعا ملزومة للمخالطة أو هي هي بعينها والمعتزل لا ينالها ولا ينالها أحد من جهته وكذا التجارب فإنه لا تستفاد إلا من جهة الناس ومعاشرتهم في مجاري أحوالهم ويتعلق بها كثير من مصالح الدارين لا سبيل إلى معرفتها إلا بها لقصور العقل الغريزي عن ادراكها والغمر الذي لم تحنكه التجارب لا خير في عزلته كالجاهل بل ينبغي تقديم شطر منها كالتعلم وتحصل بقيتها بسماع الأحوال ومن أهم التجارب أن يجرب نفسه وأخلاقه وصفات باطنه وذلك لا يقدر عليه في الخلوة فإن كل غضوب أو حقود أو حسود إذا خلا ونفسه لم يترشح منه خبثه وهذه الصفات مهلكات يجب قلعها عن النفس ولا يكفي تسكينها بالتباعد عما يحركها ومثاله مثل دمل ممتل بالقيح والمدة وقد لا يحس صاحبه بألمه ما لم يتحرك أو يمسه غيره فإذا لم يكن معه من يمسه ويحركه ربما ظن بنفسه السلامة وإذا أصيب أو حرك بمشرط حجام انفجر وفار منه القيح المحتقن فيه فالقلب إنما ينفجر منه خبائثه إذا حرك أو أصيب وهما من خصايص المخالطة فهذه مجامع فوائدها وفوائد العزلة وآفات كل منهما وبسبب تعارضها لا يصح ترجيح إحديهما على الأخرى بالاطلاق بل ينبغي اعتبار حال
(٣٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 329 330 331 332 333 334 335 336 337 338 339 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الطهارة 16
2 باب جرايم الجوارح 17
3 باب التوبة 24
4 باب التدارك 27
5 باب الحد والتعزير 28
6 باب الجناية 35
7 باب ذمايم القلب 40
8 باب الصبر 42
9 باب الحلم 45
10 باب النصيحة 47
11 باب حب الخمولة 49
12 باب التواضع 52
13 باب الفقر 57
14 باب الزهد 60
15 باب السخا 63
16 باب الرضا 65
17 باب الشكر 66
18 باب الرجاء والخوف 68
19 باب قصر الامل 70
20 باب النية 72
21 باب الاخلاص 75
22 باب الصدق 79
23 باب التوحيد والتوكل 80
24 باب تطهير السر عما سوى الله 83
25 باب الماء 88
26 باب الأخباث وتطهيرها 90
27 باب آداب التخلي 95
28 باب الاتفاث وازالتها 96
29 باب آداب التنظيف 97
30 باب الاحداث ورفعها 100
31 باب الوضوء 102
32 باب الغسل 104
33 باب التيمم 110
34 كتاب الصلاة 111
35 باب الشرايط 112
36 باب الأوقات 118
37 باب المكان 121
38 باب اللباس 125
39 باب القبلة 127
40 باب النداء 129
41 باب الهيئة 130
42 باب الآداب والسنن 132
43 باب المكروهات 135
44 باب وظائف يوم الجمعة والخطبتين 136
45 باب آداب العيدين وسننهما 137
46 باب آداب الآيات وسننها 138
47 باب الجماعة 139
48 باب الخلل 141
49 باب التعقيب 145
50 باب الدعاء 146
51 باب فضل قراءة القرآن 148
52 كتاب الزكاة 150
53 باب التعداد والشرايط 150
54 باب المقادير والنصب 153
55 باب المصرف 154
56 باب الأداء 155
57 باب الخمس 156
58 باب المعروف 158
59 باب آداب المعطى 159
60 باب آداب الآخذ 162
61 كتاب الصيام 163
62 باب الشرايط 165
63 باب الهيئة 167
64 باب الآداب 168
65 باب فوايد الجوع 173
66 باب الاعتكاف 174
67 كتاب الحج 175
68 باب الشرايط 177
69 باب الهيئة 178
70 باب المحرمات 181
71 باب الخلل 190
72 باب حرمة الحرم 195
73 باب الزيارات 196
74 كتاب الحسبة 198
75 باب الجهاد 198
76 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 201
77 باب إقامة الحدود 203
78 باب الفتيا 205
79 باب القضا 206
80 باب الشهادة 209
81 باب اخذ اللقيط 212
82 باب الحجر 212
83 كتاب البر 214
84 باب العطية 214
85 باب العتق 217
86 باب التدبير 219
87 باب الكتابة 220
88 باب النذر والعهد 220
89 باب اليمين 222
90 كتاب الكسب 224
91 باب الآداب 227
92 باب البيع 229
93 باب الربا 234
94 باب الشفعة 236
95 باب الشركة 237
96 باب القراض 238
97 باب الجعالة 240
98 باب الإجارة 242
99 باب المزارعة 244
100 باب المساقاة 245
101 باب احياء الموات 245
102 باب الغصب 248
103 باب اللقطة 250
104 باب السبق 251
105 باب الدين 252
106 باب الرهن 253
107 باب الضمان 254
108 باب الحوالة 255
109 باب الوكالة 256
110 باب الكفالة 257
111 باب الوديعة 258
112 باب الاقرار 259
113 باب الصلح 259
114 كتاب النكاح 260
115 باب التعداد والجدوى 260
116 باب المحارم 263
117 باب الولاية 271
118 باب العقد 272
119 باب الصداق 274
120 باب الخلوة 277
121 باب الحقوق 279
122 باب النشوز 281
123 باب الفسخ 282
124 باب الطلاق 284
125 باب الخلع والمباراة 286
126 باب الظهار 287
127 باب الايلاء 288
128 باب اللعان 289
129 باب العدد 290
130 باب الولد 294
131 باب القرابة 300
132 كتاب المعيشة 300
133 باب الطعام 301
134 باب الأكل 309
135 باب الشرب 312
136 باب الضيافة 313
137 باب اللباس 314
138 باب الطيب 315
139 باب المسكن 316
140 باب المنام 317
141 باب التحية 319
142 باب الكلام 321
143 باب الإخاء 326
144 باب المعاشرة 328
145 باب العزلة 333
146 باب الورد 335
147 باب السفر 338
148 كتاب الجنايز 343
149 باب المرض 343
150 باب الوصية 345
151 باب العيادة 346
152 باب الاحتضار 349
153 باب التغسيل 350
154 باب التكفين 351
155 باب التشييع والتربيع 353
156 باب الصلاة على الميت 354
157 باب الدفن 355
158 باب التعزية 357
159 باب الهدية للميت 357
160 باب زيارة القبر 358
161 كتاب الفرايض 358
162 باب الأسباب والطبقات 358
163 باب الموانع 360