التحفة السنية (مخطوط) - السيد عبد الله الجزائري - الصفحة ٣٢٧
يحدث بالصدق فما يصدق ويغري بين الناس بالعداوة وينبت الشحناء في الصدور وفي آخر أنه بمنزلة السراب يقرب لك البعيد ويبعد لك القريب والناس في الإخاء على حدود أحدها الايثار كما سبق وهو أن يقدم حاجته في المال على حاجة نفسه فيجوع ليشبع أخوه كما يروى من حال بعض الصحابة أنه أهدي إليه رأس شاة وهو في غاية الضر فقال أخي فلان أحوج مني إليه فبعث به إليه وبعث به ذاك إلى آخر حتى رجع إلى الأول بعد أن تداوله سبعة بل وفي النفس أيضا فيتحمل المشاق لاستراحة أخيه كما قيل - إن أخاك الحر من يسعى معك - ومن يضر نفسه لينفعك - ومن إذا ريب منون صدعك - شتت شمل نفسه ليجمعك - بل ويتلقى الأخطار لسلامته كما فعله أمير المؤمنين (ع) لرسول الله صلى الله عليه وآله ليلة الغار ويوم أحد وهو الأولى ثم دونه المواساة وهي التسوية بينه وبين نفسه فيشركه في نفسه حاله ويشاطره بماله وإليهما وقعت الإشارة في حديث الرضا عن أبي جعفر (ع) قال أرأيت فيمن قبلكم إذا كان الرجل ليس عليه رداء وعند بعض إخوانه رداء يطرحه عليه قال قلت لا قال فإذا كان ليس عنده إزار يوصل إليه بعض إخوانه بفضل إزاره حتى يجد له إزارا قال قلت لا فضرب بيده على فخذه ثم ما هؤلاء بإخوة ثم دونهما التأخير وهو أن ينزله منزلة عياله فيقوم بحاجته من فضول ماله وهو آخر المراتب فإن عدم هذا فلا إخاء بينهما في الواقع وإن لهجا بألفاظ ومخاطبات رسمية لا وقع لها في العقل والدين وورد عن النبي صلى الله عليه وآله ما من صاحب يصحب صاحبا ولو ساعة من نهار إلا سئل عن صحبته هل أقام فيه حق الله أو أضاعه قاله حين دخل غيضة مع بعض أصحابه فاجتنيا منها مسواكين أحدهما معوج والآخر مستقيم وأعطى صلى الله عليه وآله أقوم المسواكين إلى المصاحب فامتنع من قبوله وقال أنت أحق به يا رسول الله وعن بعض السلف إذا كان لك أخ في الله فلا تعامله في أمور دنياك أراد به من في هذه المرتبة الرسمية وأما المرتبة العليا فهي التي وصف الله المؤمنين بها في قوله (تع) أمرهم شورى بينهم وقوله عز وجل ومما رزقناهم ينفقون أي ينفق كل واحد مما رزقنا كل واحد وإخوان الصفا من خيار السلف كانوا خلطاء في الأموال لا يميزون أملاكهم بعضها من بعض وعن السجاد (ع) أنه قال لرجل هل يدخل أحدكم يده في كم أخيه وكيسه فيأخذ ما يريد من غير إذن قال لا قال لستم بإخوان وينبغي أن يظهر البشاشة في قضاء حاجته والسرور جبرا لخاطره فإن لصاحب الحاجة مقام ذل و يقبل المنة فإنما هي رحمة ساقها الله إليه ويبتدئ بها إذا علمها ولا يحوج إلى السئول فهو تقصير و معروفه حينئذ مكافأة لوجهه المبذول كما سلف وورد عن النبي صلى الله عليه وآله من سعى في حاجة أخيه المسلم فكأنما عبد الله تسعة آلاف سنة صائما نهاره قائما ليله وعن أبي جعفر (ع) أوحى الله عز وجل إلى موسى أن من عبادي من يتقرب إلي بالحسنة فأحكمه في الجنة فقال موسى يا رب وما تلك الحسنة فقال يمشي مع أخيه المؤمن في حاجته قضيت أو لم تقض ويودد إلى أخيه والصواب من باب التفعيل كما في النبوي وغيره التودد إلى الناس نصف العقل وينطق بوداده باللسان فورد أنه أثبت للمودة بينهما وليس هذا من الرياء المذموم وإن كان الحب في الله ويتفقد الأحوال ويسأل عن السوانح ويظهر المشاركة في السراء فيحمد الله على عافيته وتوسعة رزقه وحصول أمله وكذا الضراء فيتحزن لمصيبته ويستبطئ زمان مرضه ويتوجع لمسائته ونحو ذلك ويدعوه بأحب الأسماء إليه في غيبته وحضوره وورد تسميته في الغيبة وتكنيته في الحضور ويثني عليه بما يعرف من محاسن أحواله ولا سيما عند من يؤثر هو الثناء عنده فإن ذلك من أعظم الأسباب في جلب المحبة وكذلك الثناء على أولاده وأهله وصنعته وعقله وخلقه وشعره وتصنيفه وسائر ما يفرح به صادقا في جميع ذلك مقتصدا من غير افراط وليكن ذلك في مغيبه دون محضره لكن بحيث يبلغ إليه فهو يؤكد المحبة أكثر من الثناء في المحضر لأنه قليل الواقع وينبهه على ما فيه من العيوب فورد في النبوي المؤمن مرآة المؤمن أي يرى منه ما لا يرى من نفسه فإنها ربما تكون مغفولا عنها بسبب محبة كل أحد لنفسه وحب الشئ يعمى ويصم فيحتاج إلى من يقبح القبيح في عينه ويحسن الحسن وهو من الحقوق اللازمة فإن من رأى تحت ذيل أخيه حية وهو لا يشعر بها فإنه يجب عليه بالعقل الصراح اعلامه وإنذاره وإلا كان ممن شرك في دمه متلطفا بالتعريض ثم التصريح من غير تعنيف يؤدي إلى الايحاش في الخلاء فإنه النصيحة والشفقة لا الملأ ففيه افضاح وتشييع الفاحشة وفيه وعيد بالعقاب يوم القيامة قال الله (تع) إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم فإن نجعت فيه النصيحة وتخلى من عيبه وعاد إلى الصلاح فهو المطلوب وإن بقي مصرا ففي البقاء على إخائه أو مقاطعته خلاف بين السالكين فقيل يبغضه من حيث أحبه فهو من مقتضيات الحب في الله والبغض في الله ولأنه لا يجوز مواخاته ابتداء فكذا استدامة وقيل بل لا يقطع الطمع عن صلاحه حينئذ لرجاء تأثير الصحبة الصالحة فيه فيما بعد فإن الأحوال تتبذل وقلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن ومقتضى الحب في الله الاستمرار على حق الإخاء الثابت ومقتضى البغض في الله اجتناب مواخاته ابتداء دون الانقطاع عنه بعد سبق حقه فإن النسبة بينهما كنسبة الطلاق إلى ترك النكاح فإن الطلاق أبغض إلى الله (تع) من ترك النكاح فظهر الفرق بين الابتداء والاستدامة هذا كله إذا كانت ذلته في حق نفسه دينه أو دنياه وأما لو كان في حق الأخ فالأولى أن يتجاهل عن تقصيره إلا إذا أدى التجاهل إلى استمراره عليه وكان الاستمرار مما يؤدي إلى القطع لثقله على القلب جدا فالأولى الاحتمال والاغضاء ما أمكن فالتعرض لذلك ليس من النصح في شئ ثم العتاب فإنه خير من القطيعة وليكن في السر فإنه أبقى للحياء والكتابة خير من القول والكناية من التصريح ثم التصريح بالكتابة ثم المشافهة
(٣٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 322 323 324 325 326 327 328 329 330 331 332 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الطهارة 16
2 باب جرايم الجوارح 17
3 باب التوبة 24
4 باب التدارك 27
5 باب الحد والتعزير 28
6 باب الجناية 35
7 باب ذمايم القلب 40
8 باب الصبر 42
9 باب الحلم 45
10 باب النصيحة 47
11 باب حب الخمولة 49
12 باب التواضع 52
13 باب الفقر 57
14 باب الزهد 60
15 باب السخا 63
16 باب الرضا 65
17 باب الشكر 66
18 باب الرجاء والخوف 68
19 باب قصر الامل 70
20 باب النية 72
21 باب الاخلاص 75
22 باب الصدق 79
23 باب التوحيد والتوكل 80
24 باب تطهير السر عما سوى الله 83
25 باب الماء 88
26 باب الأخباث وتطهيرها 90
27 باب آداب التخلي 95
28 باب الاتفاث وازالتها 96
29 باب آداب التنظيف 97
30 باب الاحداث ورفعها 100
31 باب الوضوء 102
32 باب الغسل 104
33 باب التيمم 110
34 كتاب الصلاة 111
35 باب الشرايط 112
36 باب الأوقات 118
37 باب المكان 121
38 باب اللباس 125
39 باب القبلة 127
40 باب النداء 129
41 باب الهيئة 130
42 باب الآداب والسنن 132
43 باب المكروهات 135
44 باب وظائف يوم الجمعة والخطبتين 136
45 باب آداب العيدين وسننهما 137
46 باب آداب الآيات وسننها 138
47 باب الجماعة 139
48 باب الخلل 141
49 باب التعقيب 145
50 باب الدعاء 146
51 باب فضل قراءة القرآن 148
52 كتاب الزكاة 150
53 باب التعداد والشرايط 150
54 باب المقادير والنصب 153
55 باب المصرف 154
56 باب الأداء 155
57 باب الخمس 156
58 باب المعروف 158
59 باب آداب المعطى 159
60 باب آداب الآخذ 162
61 كتاب الصيام 163
62 باب الشرايط 165
63 باب الهيئة 167
64 باب الآداب 168
65 باب فوايد الجوع 173
66 باب الاعتكاف 174
67 كتاب الحج 175
68 باب الشرايط 177
69 باب الهيئة 178
70 باب المحرمات 181
71 باب الخلل 190
72 باب حرمة الحرم 195
73 باب الزيارات 196
74 كتاب الحسبة 198
75 باب الجهاد 198
76 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 201
77 باب إقامة الحدود 203
78 باب الفتيا 205
79 باب القضا 206
80 باب الشهادة 209
81 باب اخذ اللقيط 212
82 باب الحجر 212
83 كتاب البر 214
84 باب العطية 214
85 باب العتق 217
86 باب التدبير 219
87 باب الكتابة 220
88 باب النذر والعهد 220
89 باب اليمين 222
90 كتاب الكسب 224
91 باب الآداب 227
92 باب البيع 229
93 باب الربا 234
94 باب الشفعة 236
95 باب الشركة 237
96 باب القراض 238
97 باب الجعالة 240
98 باب الإجارة 242
99 باب المزارعة 244
100 باب المساقاة 245
101 باب احياء الموات 245
102 باب الغصب 248
103 باب اللقطة 250
104 باب السبق 251
105 باب الدين 252
106 باب الرهن 253
107 باب الضمان 254
108 باب الحوالة 255
109 باب الوكالة 256
110 باب الكفالة 257
111 باب الوديعة 258
112 باب الاقرار 259
113 باب الصلح 259
114 كتاب النكاح 260
115 باب التعداد والجدوى 260
116 باب المحارم 263
117 باب الولاية 271
118 باب العقد 272
119 باب الصداق 274
120 باب الخلوة 277
121 باب الحقوق 279
122 باب النشوز 281
123 باب الفسخ 282
124 باب الطلاق 284
125 باب الخلع والمباراة 286
126 باب الظهار 287
127 باب الايلاء 288
128 باب اللعان 289
129 باب العدد 290
130 باب الولد 294
131 باب القرابة 300
132 كتاب المعيشة 300
133 باب الطعام 301
134 باب الأكل 309
135 باب الشرب 312
136 باب الضيافة 313
137 باب اللباس 314
138 باب الطيب 315
139 باب المسكن 316
140 باب المنام 317
141 باب التحية 319
142 باب الكلام 321
143 باب الإخاء 326
144 باب المعاشرة 328
145 باب العزلة 333
146 باب الورد 335
147 باب السفر 338
148 كتاب الجنايز 343
149 باب المرض 343
150 باب الوصية 345
151 باب العيادة 346
152 باب الاحتضار 349
153 باب التغسيل 350
154 باب التكفين 351
155 باب التشييع والتربيع 353
156 باب الصلاة على الميت 354
157 باب الدفن 355
158 باب التعزية 357
159 باب الهدية للميت 357
160 باب زيارة القبر 358
161 كتاب الفرايض 358
162 باب الأسباب والطبقات 358
163 باب الموانع 360