التحفة السنية (مخطوط) - السيد عبد الله الجزائري - الصفحة ٩
كلا منهما من تبعه وخرجوا من الطريقة الساذجة التي مشى عليها الصحابة والتابعون وأعانهم على ذلك أن نقلت الفلسفة اليونانية إلى العربية فخاض فيها الفريقان وطفقوا في الابرام والنقض وابطال بعضهم مذهب بعض فأخذوا ذلك فتاوسموه الكلام إما لأن مسألة الكلام كانت أشهر مباحثه أو أكثرها نزاعا وجدلا ويحكي أنه قتل فيها خلق كثيرا وأولها كما يحكي عن بعض الصحابة قال حضرت ذات يوم مجلس عمر فسأله رجل يا أمير المؤمنين أخبرني عن كلام الله مخلوق أم لا فتعجب عمر وأخذ بيد السائل حتى جاء به إلى أمير المؤمنين (ع) وقال يا أبا الحسن أما تسمع مقالة هذا الرجل فلما سمعها تغير وجهه ثم أقبل إلى عمر وقال إنها فتنة يكون لها شأن تثور في مستقبل الزمان أما أني لو كنت مكانك لقطعت وريديه أو لأنه يورث قدرة على الكلام والزام الخصوم كالمنطق أو لأنه إنما يتحقق بالمباحثة وإدارة الكلام من الجانبين وغيره قد يحصل بالتأمل والمطالعة أو لأنه أكثر العلوم خلافا فيشتد افتقاره إلى الكلام مع المخالفين و الرد عليهم أو لأنه لقوة أدلته صار كأنه هو الكلام دون ما عداه من العلوم كما يقال للأقوى من الكلامين هذا هو الكلام أو لأنه أشد العلوم تأثيرا في القلب وتغلغلا فيه فسمي الكلام من الكلم وهو الجرح أو لأنهم كانوا يعنونون مباحثه في المدونات بقولهم الكلام في كذا والكلام في كذا وظهر بعد ذلك من الصدور والأمراء من سمع هذه المقالات وقواعد العقايد ومالت نفسه إلى سماع الحجج فيها فعلمت رغبته إلى المناظرة والمجادلة في الكلام فانكب الناس إلى علم الكلام وأكثروا فيها التصانيف ورتبوا فيها فيها طرق المجادلات واستخرجوا فنون المناقضات والمقالات وزعموا أن غرضهم الذب عن دين الله والنضال عن الستة وقمع البدعة ثم ظهر بعد ذلك من الصدور من يستصوب الخوض في الكلام وفتح باب المناظرة فيه لما تولد من فتح بابه من التنعضات والخصومات الناشئة من اللداد المفضية إلى تخريب البلاد ومالت نفسه إلى المناظرة في الفقه وبيان الأولى من مذاهب المجتهدين فترك الناس الكلام وفنون العلم وأقبلوا على المسائل الخلافية وزعموا أن غرضهم استنباط دقائق الشرع وتقرير علل المذاهب وتمهيد أصول الفتاوي وأكثروا فيها الفتاوى والاستنباطات ورتبوا فيها أنواع المجادلات ولو مالت نفوس أرباب الدنيا إلى علم آخر من العلوم لمالوا أيضا إليه ولم يسكتوا عن التعلل والاعتذار بأن ما اشتغلوا به علم الدين وأن لا مطلب لهم سوى القيام بفرض الكفاية تقربا إلى رب العالمين والفطن يعلم أنه لو كان غرضهم ذلك لقدموا عليه فرض العين ترى الواحد منهم إذا سألته عن شئ من فقه الظهار أو اللعان أو السبق ليرد عليك من التفريعات الدقيقة أشياء كثيرة تنقضي الدهور ولا يتفق الاحتياج إلى شئ منها وإذا سألته عن معنى من معاني الاخلاص والتوكل والرضا ونحوهما مما يجب على كل مكلف في كل حال يتوقف في الجواب ويتلجلج في الكلام بل كثيرا من فروض الكفايات فكم من بلد ليس فيه طبيب إلا من أهل الذمة والاحتياج إليه فيما يتعلق بالأطباء من أحكام الفقه أكثر وقوعا منه إلى هذه التعمقات والفروض التي يتعبون ليلا ونهارا في حفظها ودرسها والبحث عنها ثم لا ترى أحدا يشتغل بالطب و يتهافتون على الفقه الذي شأنه ما عرفت والبلد مشحون من الفقهاء وليس الباعث إلا أن الطب لا يتيسر الوصول به إلى ما يتوصل إليه بالفقه والله المستعان انتهى وليس الغرض اخراج علم الشرايع والفتاوي من الفقه وسلب صدق هذا الاسم المحمود عليه في الشرع عليه بل الفرق بين ما سبيله الكتاب والسنة على الوجه المتقدم وما سبيله الآراء والظنون التي يستمد بها المتعمقون والاجماعات التي حالها ما عرفت والأول معدود من الفقه وإن كان أحط أقسامه و تخصيص هذا الاسم به في عرف الآخرين من قبيل تخصيص اسم الحكمة بالطب الذي هو من فروع أدنى أقسامها أعني الطبيعي كما مر بخلاف الثاني وهذا التفصيل بعينه يجري في المجادلة فإن كانت بالتي هي أحسن دخلت تحت الاستثناء في قوله عز وجل ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن والأمر في قوله (تع) وجادلهم بالتي هي أحسن وإلا فهي المجادلة المذمومة نظير القسم المذموم من فقه الفتاوي وهما مما يقسي القلب ويبعد عن الله عز وجل فإن المتمرن فيهما يعتاد الاستعانة بقوة الشيطنة والخروج عن حد الحكمة والاعتدال في القوة الفكرية إلى افراط الجربزة وجحود ما تستيقن به نفسه وخلط الباطل بالحق إلى غير ذلك من الذمايم تقويا بذلك على ما هو بصدده من الفوز بالغلبة وادراك لذة الظفرة فيقسو قلبه عن قبول الحق إلى أن يعود كالسباع التي همها في الاعتداء ولذتها في الضراوة على من اعترضها وذلك من أقوى الأسباب في البعد عن الله سبحانه والحرمان عن نور الهداية لأنه من أشد أمراض القلوب وفي الحديث لا تخاصموا الناس لدينكم فإن المخاصمة ممرضة للقلب على أنه لا بد أن يعترض المتكلم في فنه الشكوك والشبه وربما يتشبث بدهنه شئ منها إذ الشبهة قد تكون جلية والجواب عنها دقيقا يقصر عن ادراكه فيخرج إلى الشك من اليقين وينسل من الدين انسلال الشعرة من العجين وعن أمير المؤمنين عليه السلام من طلب الدين بالجدل تزندق وفي حديث آخر الخصومة تمحق الدين وتحبط العمل وتورث الشك وإنما رخص في التكلم لضرورة دفع شبه المعاندين كما في حديث الشامي الذي جاء إلى أبي عبد الله (ع) وقال إني رجل صاحب كلام وفقه وفرايض وقد جئت لمناظرة أصحابك فكلمه أبو عبد الله (ع) ثم التفت إلى يونس بن يعقوب فقال يا يونس لو كنت تحسن الكلام كلمته فقال يونس فيا لها من حسرة فقلت جعلت فداك إني سمعتك تنهي عن الكلام وتقول ويل لأصحاب الكلام يقولون هذا ينقاد وهذا لا ينقاد وهذا ينساق وهذا لا ينساق وهذا نعقله وهذا لا نعقله فقال أبو عبد الله (ع) إنما قلت ويل لهم إن تركوا ما أقول وذهبوا إلى ما يريدون ثم قال أخرج إلى الباب فانظر من ترى من المتكلمين فأدخله قال فأدخلت حمران بن أعين والأحول وهشام بن سالم وقيس الماصر وكان عندي أحسنهم كلاما وكان قد تعلم الكلام من علي بن الحسين (ع) فلما
(٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الطهارة 16
2 باب جرايم الجوارح 17
3 باب التوبة 24
4 باب التدارك 27
5 باب الحد والتعزير 28
6 باب الجناية 35
7 باب ذمايم القلب 40
8 باب الصبر 42
9 باب الحلم 45
10 باب النصيحة 47
11 باب حب الخمولة 49
12 باب التواضع 52
13 باب الفقر 57
14 باب الزهد 60
15 باب السخا 63
16 باب الرضا 65
17 باب الشكر 66
18 باب الرجاء والخوف 68
19 باب قصر الامل 70
20 باب النية 72
21 باب الاخلاص 75
22 باب الصدق 79
23 باب التوحيد والتوكل 80
24 باب تطهير السر عما سوى الله 83
25 باب الماء 88
26 باب الأخباث وتطهيرها 90
27 باب آداب التخلي 95
28 باب الاتفاث وازالتها 96
29 باب آداب التنظيف 97
30 باب الاحداث ورفعها 100
31 باب الوضوء 102
32 باب الغسل 104
33 باب التيمم 110
34 كتاب الصلاة 111
35 باب الشرايط 112
36 باب الأوقات 118
37 باب المكان 121
38 باب اللباس 125
39 باب القبلة 127
40 باب النداء 129
41 باب الهيئة 130
42 باب الآداب والسنن 132
43 باب المكروهات 135
44 باب وظائف يوم الجمعة والخطبتين 136
45 باب آداب العيدين وسننهما 137
46 باب آداب الآيات وسننها 138
47 باب الجماعة 139
48 باب الخلل 141
49 باب التعقيب 145
50 باب الدعاء 146
51 باب فضل قراءة القرآن 148
52 كتاب الزكاة 150
53 باب التعداد والشرايط 150
54 باب المقادير والنصب 153
55 باب المصرف 154
56 باب الأداء 155
57 باب الخمس 156
58 باب المعروف 158
59 باب آداب المعطى 159
60 باب آداب الآخذ 162
61 كتاب الصيام 163
62 باب الشرايط 165
63 باب الهيئة 167
64 باب الآداب 168
65 باب فوايد الجوع 173
66 باب الاعتكاف 174
67 كتاب الحج 175
68 باب الشرايط 177
69 باب الهيئة 178
70 باب المحرمات 181
71 باب الخلل 190
72 باب حرمة الحرم 195
73 باب الزيارات 196
74 كتاب الحسبة 198
75 باب الجهاد 198
76 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 201
77 باب إقامة الحدود 203
78 باب الفتيا 205
79 باب القضا 206
80 باب الشهادة 209
81 باب اخذ اللقيط 212
82 باب الحجر 212
83 كتاب البر 214
84 باب العطية 214
85 باب العتق 217
86 باب التدبير 219
87 باب الكتابة 220
88 باب النذر والعهد 220
89 باب اليمين 222
90 كتاب الكسب 224
91 باب الآداب 227
92 باب البيع 229
93 باب الربا 234
94 باب الشفعة 236
95 باب الشركة 237
96 باب القراض 238
97 باب الجعالة 240
98 باب الإجارة 242
99 باب المزارعة 244
100 باب المساقاة 245
101 باب احياء الموات 245
102 باب الغصب 248
103 باب اللقطة 250
104 باب السبق 251
105 باب الدين 252
106 باب الرهن 253
107 باب الضمان 254
108 باب الحوالة 255
109 باب الوكالة 256
110 باب الكفالة 257
111 باب الوديعة 258
112 باب الاقرار 259
113 باب الصلح 259
114 كتاب النكاح 260
115 باب التعداد والجدوى 260
116 باب المحارم 263
117 باب الولاية 271
118 باب العقد 272
119 باب الصداق 274
120 باب الخلوة 277
121 باب الحقوق 279
122 باب النشوز 281
123 باب الفسخ 282
124 باب الطلاق 284
125 باب الخلع والمباراة 286
126 باب الظهار 287
127 باب الايلاء 288
128 باب اللعان 289
129 باب العدد 290
130 باب الولد 294
131 باب القرابة 300
132 كتاب المعيشة 300
133 باب الطعام 301
134 باب الأكل 309
135 باب الشرب 312
136 باب الضيافة 313
137 باب اللباس 314
138 باب الطيب 315
139 باب المسكن 316
140 باب المنام 317
141 باب التحية 319
142 باب الكلام 321
143 باب الإخاء 326
144 باب المعاشرة 328
145 باب العزلة 333
146 باب الورد 335
147 باب السفر 338
148 كتاب الجنايز 343
149 باب المرض 343
150 باب الوصية 345
151 باب العيادة 346
152 باب الاحتضار 349
153 باب التغسيل 350
154 باب التكفين 351
155 باب التشييع والتربيع 353
156 باب الصلاة على الميت 354
157 باب الدفن 355
158 باب التعزية 357
159 باب الهدية للميت 357
160 باب زيارة القبر 358
161 كتاب الفرايض 358
162 باب الأسباب والطبقات 358
163 باب الموانع 360