التحفة السنية (مخطوط) - السيد عبد الله الجزائري - الصفحة ١٣
الحديث ويتجنب الاكثار والالحاح في المسألة كما في الحديث المتقدم وفي حديث آخر نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن القيل والقال وافساد المال وكثرة السئول وعما لا يهمه فإنه من الخوض فيما لا يعني المذموم كما يأتي ويتخير الوقت المناسب ويغتنمها عند طيب نفس الشيخ وفراغ باله والخلوة وهذا حسن السئول وفي الحديث النبوي حسن السئول نصف العلم وكان النصف الآخر حسن الحفظ أو حسن التفكر وتقديم الأهم من العلوم فالأهم فإنها وإن كانت مرتبطة بعضها ببعض إلا أن لكل منها مرتبة ومقاما معلوما فلا يشتغل بالغايات قبل المبادي ولا بالنتائج قبل المقدمات ولا باختلاف العلماء في العقليات والسمعيات قبل إتقان الاعتقادات فيختل ذهنه ويحار عقله ويضيع سعيه ويعسر عليه طلبه بل يلاحظ الترتيب اللائق فيكون ممن أتى البيوت من أبوابها ويتسهل له درك البغية ونجح الأمنية فيشتغل أولا بحفظ كتاب الله وتجويده ليكون مفتاحا صالحا ومعينا ناجحا وليستنير القلب به ويستعد بسببه للإحاطة بباقي العلوم ثم بالعلوم العربية فإنها أول آلات الفهم وأعظم أسباب العلم الشرعي لأن الكتاب والسنة عربيان فيتقن التصريف والنحو واللغة والمعاني والبيان اتقانا جيدا بحيث إذا عرضت عليه عبارة عربية غير موحشة قوي عليها ويكفيه في غريب اللغة أصل مركون إليه يراجعه عند الحاجة ثم بالمنطق ويحقق مقاصده فإن له مدخلا عظيما في تقويم الفكر واصلاح صور الأقيسة ولا يبالغ فيه مبالغته في العربية إذ المقصود يحصل بدونها ثم بالعقليات كالإلهي وشئ من الطبيعي يتشحذ به ذهنه ويرسخ فيه ملكة الاستدلال وينظر في أصول الفقه ودراية الحديث والرجال ويتعرف الاصطلاحات الموضوعة بين أهلها ثم يشتغل بالحديث والتفسير وليمعن النظر في كشف أغوار كلام الله فإنها لا تقف على حد وهو بحر عميق ولا يقنع بما ذكره المفسرون وليكن كثير التفتيش عن الروايات المأثورة في تفسير الظهور والبطون فإن فيها من علوم الأسرار شيئا كثيرا وليتقن من فقه الأحكام الشرعية طرفا صالحا ويطلع على أقوال الفقهاء رضوان الله عليهم ومواقع الخلاف والاجماع ولا يكتفي في ذلك بالمتون الوجيزة فإن الشروح والكتب الاستدلالية أكثر فائدة وأوفى بالمقصود وإذا اشتغل بفن فلا ينتقل عنه حتى يتقن فيه كتابا أو أكثر إن أمكن وليحذر التنقل من كتاب إلى كتاب ومن فن إلى آخر من غير موجب فإن ذلك علامة العجز وعدم الفلاح وليأخذ من كل فن حظه ويصرف تمام قوته في العلوم الدينية الأخروية مما يوجب كمال النفس وتزكيتها بالأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة ومرجعه إلى معرفة الكتاب والسنة ومكارم الأخلاق وما ناسب ذلك والمذاكرة مع أقرانه من الطلبة الصالحين فإنها نعم المعين على الحفظ و رسوخ العلم في الذهن وانتعاش النفس وتوسع القلب وفي الحديث النبوي إن الله عز وجل يقول تذاكر العلم بين عبادي مما يحيي عليه القلوب الميتة إذا هم فيه انتهوا إلى أمري وفيه تذاكروا وتلاقوا وتحدثوا فإن الحديث جلاء للقلوب إن القلوب لترين كما يرين السيف جلاؤه الحديث وعن أبي جعفر (ع) رحم الله عبدا أحيى العلم قيل وما احياؤه قال إن يذاكر به أهل الدين وأهل الورع وعنه (ع) تذاكر العلم دراسة والدراسة صلاة حسنة وقد يترائى كون المناظرة من جملة أنواع المذا كرة بل أقوى أنواعها لما تلزمه غالبا من استحضار الذهن وتذكر الأدلة وتنقيحها والفحص عن دلالتها وتشحيذ الخاطر ورياضة الفكر وتقوية النفس لدرك المآخذ وترغيب الناس في العلم ونحو ذلك لكنها كثيرة الآفات غير مأمونة التبعات والتحفظ على شروطها وآدابها على وجه السلامة في غاية التعسر و الصعوبة إلا ما رحم ربي فالأولى ترك المناظرة إلا مع الاضطرار كتجدد قضية واقعة أو مترقبة لا يسعه الجهل بحكمها ولا يثق بنفسه إذا انفرد بالنظر فلا بد له من الاستعانة بنظر غيره من الثقات المأمونين فيقتصر على قدر الحاجة وهي معرفة حكم ذلك المشكل الواقع أو القريب منه ولا يتخطى إلى غيره من النواد وكما تتفق كثيرا وليكن ذلك في الخلوة فإنها أجمع للهم وأحرى بصفاء الفكر ودرك الحق وأبعد من حركة دواعي الريا والحرص على الافحام وأن يكون في طلب الحق كمنشد ضالة يكون شاكرا متى وجدها ولا يفرق بين أن يظهر على يده أو يد غيره فيرى طرفا مشيرا وناصحا ومعينا لا خصما ويتناظران على سبيل التشاور والتناصح والتعاون دون الخصومة والمغالبة شاكرا للمصيب إذا عرفه خطأه كما لو أخذ طريقا في طلب ضالته فنبهه غيره عليها في طريق آخر معترفا بالخطأ إذا ظهر منه غير مهتم بظهوره من الطرف فإنه من المراء المذموم وقد بلغك ما فيه مقدما لافحام النفس الأمارة بالمراء والخصومة وحب الافحام وكل سوء وطرد الشيطان المسؤول لهذه الذمايم وهو أول الممارين حيث قال خلقتني من نار وخلقته من طين فينبغي افتتاح الأمر بافحامه وابعاده و فهذه أصول ما يتأدب به المناظر ليخلص من آفاتها ويسلم من تبعاتها انشاء الله (تع) والتمسك في الأصول الاعتقادية من اثبات الصانع وصفاته وما يتبع ذلك من الإلهيات بمحكمات الكتاب والسنة بمعونة الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها فلا يقال إن ثبوت الكتاب والسنة والأنبياء والشرايع متوقف على ثبوت الصانع وصفاته فكيف يعرف الصانع وصفاته بالكتاب والسنة وذلك لأنه لو لم يكن الصادع بهذا الدين القويم الذي استوفى المحاسن كلها كما سبقت الإشارة إليه مقبول القول ومعصوم الفعل لكان فيه الحجة أيضا لمطابقته لمقتضى العقول الرزينة والفطر السليمة التي لم يخرجها عن صرافتها الأصلية مخرج على أن ما يتوقف عليه الشرع من معرفة الصانع وصفاته يجري مجرى الضروريات التي يحكم بها كل ذي أدنى مسكة ومن مواقع الاجماع المقطوع به قال الله (تع) ولئن سئلتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله فظهر أن ما ورد في الشرع كاف في الاهتداء إلى سبيل الحق مع ما جبل عليه أهل السلامة من الفطرة المعبر عنها في بعض كلمات أمير المؤمنين (ع) بالعقل المطبوع ولا حاجة إلى تكلفات المتكلفة وكلمات المتكلمين في إبداء الأدلة وإقامة الحجج ومن ثم لم يأمر النبي صلى الله عليه وآله الذي كان أعقل العقلاء باتفاق العقلاء إلا بالتمسك بالثقلين وأخبر في الروايات بين فرق الاسلام كلها أن المتمسك بهما لن يضل أبدا
(١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الطهارة 16
2 باب جرايم الجوارح 17
3 باب التوبة 24
4 باب التدارك 27
5 باب الحد والتعزير 28
6 باب الجناية 35
7 باب ذمايم القلب 40
8 باب الصبر 42
9 باب الحلم 45
10 باب النصيحة 47
11 باب حب الخمولة 49
12 باب التواضع 52
13 باب الفقر 57
14 باب الزهد 60
15 باب السخا 63
16 باب الرضا 65
17 باب الشكر 66
18 باب الرجاء والخوف 68
19 باب قصر الامل 70
20 باب النية 72
21 باب الاخلاص 75
22 باب الصدق 79
23 باب التوحيد والتوكل 80
24 باب تطهير السر عما سوى الله 83
25 باب الماء 88
26 باب الأخباث وتطهيرها 90
27 باب آداب التخلي 95
28 باب الاتفاث وازالتها 96
29 باب آداب التنظيف 97
30 باب الاحداث ورفعها 100
31 باب الوضوء 102
32 باب الغسل 104
33 باب التيمم 110
34 كتاب الصلاة 111
35 باب الشرايط 112
36 باب الأوقات 118
37 باب المكان 121
38 باب اللباس 125
39 باب القبلة 127
40 باب النداء 129
41 باب الهيئة 130
42 باب الآداب والسنن 132
43 باب المكروهات 135
44 باب وظائف يوم الجمعة والخطبتين 136
45 باب آداب العيدين وسننهما 137
46 باب آداب الآيات وسننها 138
47 باب الجماعة 139
48 باب الخلل 141
49 باب التعقيب 145
50 باب الدعاء 146
51 باب فضل قراءة القرآن 148
52 كتاب الزكاة 150
53 باب التعداد والشرايط 150
54 باب المقادير والنصب 153
55 باب المصرف 154
56 باب الأداء 155
57 باب الخمس 156
58 باب المعروف 158
59 باب آداب المعطى 159
60 باب آداب الآخذ 162
61 كتاب الصيام 163
62 باب الشرايط 165
63 باب الهيئة 167
64 باب الآداب 168
65 باب فوايد الجوع 173
66 باب الاعتكاف 174
67 كتاب الحج 175
68 باب الشرايط 177
69 باب الهيئة 178
70 باب المحرمات 181
71 باب الخلل 190
72 باب حرمة الحرم 195
73 باب الزيارات 196
74 كتاب الحسبة 198
75 باب الجهاد 198
76 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 201
77 باب إقامة الحدود 203
78 باب الفتيا 205
79 باب القضا 206
80 باب الشهادة 209
81 باب اخذ اللقيط 212
82 باب الحجر 212
83 كتاب البر 214
84 باب العطية 214
85 باب العتق 217
86 باب التدبير 219
87 باب الكتابة 220
88 باب النذر والعهد 220
89 باب اليمين 222
90 كتاب الكسب 224
91 باب الآداب 227
92 باب البيع 229
93 باب الربا 234
94 باب الشفعة 236
95 باب الشركة 237
96 باب القراض 238
97 باب الجعالة 240
98 باب الإجارة 242
99 باب المزارعة 244
100 باب المساقاة 245
101 باب احياء الموات 245
102 باب الغصب 248
103 باب اللقطة 250
104 باب السبق 251
105 باب الدين 252
106 باب الرهن 253
107 باب الضمان 254
108 باب الحوالة 255
109 باب الوكالة 256
110 باب الكفالة 257
111 باب الوديعة 258
112 باب الاقرار 259
113 باب الصلح 259
114 كتاب النكاح 260
115 باب التعداد والجدوى 260
116 باب المحارم 263
117 باب الولاية 271
118 باب العقد 272
119 باب الصداق 274
120 باب الخلوة 277
121 باب الحقوق 279
122 باب النشوز 281
123 باب الفسخ 282
124 باب الطلاق 284
125 باب الخلع والمباراة 286
126 باب الظهار 287
127 باب الايلاء 288
128 باب اللعان 289
129 باب العدد 290
130 باب الولد 294
131 باب القرابة 300
132 كتاب المعيشة 300
133 باب الطعام 301
134 باب الأكل 309
135 باب الشرب 312
136 باب الضيافة 313
137 باب اللباس 314
138 باب الطيب 315
139 باب المسكن 316
140 باب المنام 317
141 باب التحية 319
142 باب الكلام 321
143 باب الإخاء 326
144 باب المعاشرة 328
145 باب العزلة 333
146 باب الورد 335
147 باب السفر 338
148 كتاب الجنايز 343
149 باب المرض 343
150 باب الوصية 345
151 باب العيادة 346
152 باب الاحتضار 349
153 باب التغسيل 350
154 باب التكفين 351
155 باب التشييع والتربيع 353
156 باب الصلاة على الميت 354
157 باب الدفن 355
158 باب التعزية 357
159 باب الهدية للميت 357
160 باب زيارة القبر 358
161 كتاب الفرايض 358
162 باب الأسباب والطبقات 358
163 باب الموانع 360