التحفة السنية (مخطوط) - السيد عبد الله الجزائري - الصفحة ١٨
الحديث وتنقسم الجرائم ثالثة إلى كبيرة وصغيرة ممتازة كل منهما عن الأخرى حقيقة وتكفر الصغيرة مطلقا باسقاط عقابها المستحق باجتناب الكبيرة مطلقا قال الله (تع) أن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم والمراد بالسيئات الكبائر بقرينة المقابلة وقيل إن الصغيرة المكفرة هي ما كانت مقدمة لكبيرة مجتنبة لله سبحانه بعد الاشراف عليها والتمكن منها كما لو تمكن من الزنا فكف نفسه عن الوقوع واقتصر على المس والنظر فإن مجاهدته نفسه في الكف عن الوقاع أشد تأثيرا في تنوير قلبه من اقدامه على المس والنظر في اظلامه ولو كان عنينا أو كان الامتناع لخوف ونحوه فلا تكفير ومن يشتهي الخمر والأوتار فأمسك نفسه بالجهد عن الخمر وأطلقها في السماع فمجاهدة النفس بالكف عن الخمر تمحو عن قلبه الظلمة التي ارتفعت عليه من معصيته السماع بخلاف من لا يشتهي الخمر بطبعه فإن سماعه للأوتار لا مكفر له حينئذ والكبيرة ما أوجب الله عليه النار كما في رواية الحلبي عن أبي عبد الله (ع) وكذا رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى (ع) وغيرهما وقيل ما أوعدها عليها وهو أعم من الأول لتطرق الاخلاف إلى الابعاد المطلق بخلاف الايجاب ولو ادعاء ويشهد له كثير من الروايات والوجه في الجمع حمل العام على الخاص وفي بعض الأخبار دلالة ظاهرة على ذلك مع التصريح بأنها سبع مثل صحيحة الحسن بن محبوب قال كتب معي بعض أصحابنا إلى أبي الحسن (ع) يسأله عن الكبائر كم هي وما هي فكتب (ع) الكبائر ما اجتنب ما أوعد الله عليه النار كفر عنه سيئاته إذا كان مؤمنا والسبع الموجبات قتل النفس الحرام وعقوق الوالدين وأكل الربا والتعرب بعد الهجرة وقذف المحصنة وأكل مال اليتيم والفرار من الزحف ومثله رواية أحمد بن عمرو الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام وفي صحيحة محمد بن مسلم عنه (ع) الكبائر سبع قتل المؤمن متعمدا وقذف المحصنة والفرار من الزحف والتعرب بعد الهجرة وأكل مال اليتيم ظلما وأكل الربا بعد البينة وكل ما أوجب الله تعالى عليه النار وفي معناها رواية العباس بن هلال عن أبي الحسن الرضا (ع) ويستفاد منهما أن للإيجاب درجات بعضها فوق بعض وأن المعدودات هي المؤكدات منها ويؤكده حديث أبي الصامت عن أبي عبد الله (ع) قال أكبر الكبائر سبع ثم عدها والمراد بقتل النفس الحرام ازهاق الحياة من النفس المحترمة بالاسلام أو ما في حكمه كما هو الظاهر أو بالايمان حرا كان أو رقا ذكرا أو أنثى صغيرا أو كبيرا حتى الجنين مباشرة أو تسبيبا بقطع أو ضرب أو احراق أو اغراق أو ارداء أو سقي سم أو اغراء كلب أو غير ذلك وإن لم يوجب القصاص والكفارة وقد شدد الله أمر القتل عظيما وجعل من قتل نفسا فكأنما قتل الناس جميعا لهتكه حرمة الدماء وتسنينه سنة القتل وتجرئة الناس عليه وعن أبي جعفر (ع) يوضع في موضع من جهنم إليه ينتهي شدة عذاب أهلها لو قتل الناس جميعا كان إنما يدخل ذلك المكان قيل فإن قتل أخر قال يضاعف عليه وعن أبي عبد الله (ع) من أخرجها من ضلال إلى هدى فكأنما أحياها ومن أخرجها من هدى إلى ضلال فقد قتلها وبعقوق الوالدين تضييع حقوقهما حيين أو ميتين وقد أمر الله سبحانه بالاحسان إليهما في سبعة مواضع من القرآن وعن أبي عبد الله (ع) أدنى العقوق أف ولو علم الله شيئا أهون منه لنهي عنه وفي حديث آخر من العقوق أن ينظر الرجل إلى والديه فيحد النظر إليهما وفي حديث هشام عنه (ع) أن صوم الولد تطوعا بدون إذن الوالد من العقوق ويلوح من بعض الأخبار أن تضييع الوالدين حقوق الولد عقوق أيضا ففي الحديث يلزم الآباء من العقوق لأولادهم ما يلزم الأولاد من العقوق لآبائهم وفيه لعن الله والدين حملا ولدهما على عقوقهما وفي رواية الكناسي عن أبي عبد الله (ع) والذي إذا دعاه أبوه لعن أباه والذي إذا أجابه ابنه يضربه والاكثار في الحث على بر الوالدين والنهي عن عقوقهما دون الأولاد من أسرار حكمة الشريعة فإن كل ما إليه محرك من الطبع لا حاجة إلى الترغيب والتأكيد فيه كثيرا في الشرع بخلاف مالا باعث إليه طبعا فإن الحاجة إلى الحث عليه والمبالغة في المنع عن مخالفته شديدة جدا وهذا أصل ينفعك في مواضع كثيرة في الأفعال والتروك جميعا ويستفاد من كثير من الأخبار والآثار أن محافظة حقوق المشايخ والمعلمين من أقوى البر وتضييعها من أفحش العقوق وقد تقدمت الإشارة إليه ويأتي لهذا تتمة في باب المعاشرة وبأكل الربا الانتفاع بالمعاملة الخاصة مطلقا وإنما خص الأكل لأنه أظهر الانتفاعات ومثله في أكل مال اليتيم وورد أن رسول الله صلى الله عليه وآله لعن الربا وأكله وموكله وبايعه ومشتريه وكاتبه وشاهديه ومن تأمل في حكمة الباري جل شأنه في خلق النقود والأطعمة الربوية وعنايته (تع) بمصالح العباد وشدة احتياجهم إلى المعاوضات المقتضية لتحليل البيع انكشف له الوجه في تحريم الربا من غير ريب كما يأتي في كتاب الكسب وكذا تحريم أواني الذهب والفضة فإن ذلك كله ظلم ووضع للشئ في غير موضعه ومضادة للحكمة الإلهية وبالتعرب بعد الهجرة أن يعود إلى البادية ويقيم مع الأعراب بعد أن كان مهاجرا وكان من رجع بعد الهجرة إلى موضعه من غير عذر يعدونه كالمرتد قاله ابن الأثير وفي رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) التعرب و الشرك واحد وفي كلام بعض علمائنا أن التعرب في زماننا هذا أن يشتغل الانسان بتحصيل العلم ثم يتركه وقال المصنف في الوافي لا يبعد تعميمه لكل من تعلم آداب الشرع وسننه ثم تركها وأعرض عنها ولم يعمل بها وفي معاني الأخبار عن أبي عبد الله (ع) قال التعرب بعد الهجرة التارك لهذا الأمر بعد معرفته والمشهور أن التعرب بالمهملة وربما يضبط بالمعجمة والأول أوفق بالتعميم وبقذف المحصنة رمي العفيفة بالفاحشة حرة أو أمة ذات بعل أو خلية مواجهة أو غايته وبالفرار من الزحف الانهزام من جيش الكفار والزحف الجيش يزحفون إلى العدو أي يمشون وقيل الكثير بحيث يرون من كثرتهم كأنهم يزحفون أي يدبون من زحف الصبي إذا دب على مقعده والزحف أيضا تقارب القدم إلى القدم فهذا بيان السبع الموجبات المعدودة في حديث الحسن بن محبوب اجمالا وزيد في غيره ذنوب أخر روى ثقة الاسلام في الكافي والصدوق في الفقيه وعيون الأخبار في الصحيح عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال دخل عمرو بن عبيد على أبي عبد الله (ع) فلما سلم وجلس تلا هذه الآية الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش ثم أمسك فقال أبو عبد الله (ع) ما أسكتك قال أحب أن أعرف الكبائر من كتاب الله فقال نعم يا عمرو أكبر الكبائر الاشراك بالله يقول الله أنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة وبعده الإياس من روح الله لأن الله يقول إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون وبعده إلا من من مكر الله لأن الله يقول فلا يأمن من مكر الله إلا القوم الخاسرون ومنها عقوق الوالدين لأن الله جعل العاق جبارا شقيا وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق لأن
(١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الطهارة 16
2 باب جرايم الجوارح 17
3 باب التوبة 24
4 باب التدارك 27
5 باب الحد والتعزير 28
6 باب الجناية 35
7 باب ذمايم القلب 40
8 باب الصبر 42
9 باب الحلم 45
10 باب النصيحة 47
11 باب حب الخمولة 49
12 باب التواضع 52
13 باب الفقر 57
14 باب الزهد 60
15 باب السخا 63
16 باب الرضا 65
17 باب الشكر 66
18 باب الرجاء والخوف 68
19 باب قصر الامل 70
20 باب النية 72
21 باب الاخلاص 75
22 باب الصدق 79
23 باب التوحيد والتوكل 80
24 باب تطهير السر عما سوى الله 83
25 باب الماء 88
26 باب الأخباث وتطهيرها 90
27 باب آداب التخلي 95
28 باب الاتفاث وازالتها 96
29 باب آداب التنظيف 97
30 باب الاحداث ورفعها 100
31 باب الوضوء 102
32 باب الغسل 104
33 باب التيمم 110
34 كتاب الصلاة 111
35 باب الشرايط 112
36 باب الأوقات 118
37 باب المكان 121
38 باب اللباس 125
39 باب القبلة 127
40 باب النداء 129
41 باب الهيئة 130
42 باب الآداب والسنن 132
43 باب المكروهات 135
44 باب وظائف يوم الجمعة والخطبتين 136
45 باب آداب العيدين وسننهما 137
46 باب آداب الآيات وسننها 138
47 باب الجماعة 139
48 باب الخلل 141
49 باب التعقيب 145
50 باب الدعاء 146
51 باب فضل قراءة القرآن 148
52 كتاب الزكاة 150
53 باب التعداد والشرايط 150
54 باب المقادير والنصب 153
55 باب المصرف 154
56 باب الأداء 155
57 باب الخمس 156
58 باب المعروف 158
59 باب آداب المعطى 159
60 باب آداب الآخذ 162
61 كتاب الصيام 163
62 باب الشرايط 165
63 باب الهيئة 167
64 باب الآداب 168
65 باب فوايد الجوع 173
66 باب الاعتكاف 174
67 كتاب الحج 175
68 باب الشرايط 177
69 باب الهيئة 178
70 باب المحرمات 181
71 باب الخلل 190
72 باب حرمة الحرم 195
73 باب الزيارات 196
74 كتاب الحسبة 198
75 باب الجهاد 198
76 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 201
77 باب إقامة الحدود 203
78 باب الفتيا 205
79 باب القضا 206
80 باب الشهادة 209
81 باب اخذ اللقيط 212
82 باب الحجر 212
83 كتاب البر 214
84 باب العطية 214
85 باب العتق 217
86 باب التدبير 219
87 باب الكتابة 220
88 باب النذر والعهد 220
89 باب اليمين 222
90 كتاب الكسب 224
91 باب الآداب 227
92 باب البيع 229
93 باب الربا 234
94 باب الشفعة 236
95 باب الشركة 237
96 باب القراض 238
97 باب الجعالة 240
98 باب الإجارة 242
99 باب المزارعة 244
100 باب المساقاة 245
101 باب احياء الموات 245
102 باب الغصب 248
103 باب اللقطة 250
104 باب السبق 251
105 باب الدين 252
106 باب الرهن 253
107 باب الضمان 254
108 باب الحوالة 255
109 باب الوكالة 256
110 باب الكفالة 257
111 باب الوديعة 258
112 باب الاقرار 259
113 باب الصلح 259
114 كتاب النكاح 260
115 باب التعداد والجدوى 260
116 باب المحارم 263
117 باب الولاية 271
118 باب العقد 272
119 باب الصداق 274
120 باب الخلوة 277
121 باب الحقوق 279
122 باب النشوز 281
123 باب الفسخ 282
124 باب الطلاق 284
125 باب الخلع والمباراة 286
126 باب الظهار 287
127 باب الايلاء 288
128 باب اللعان 289
129 باب العدد 290
130 باب الولد 294
131 باب القرابة 300
132 كتاب المعيشة 300
133 باب الطعام 301
134 باب الأكل 309
135 باب الشرب 312
136 باب الضيافة 313
137 باب اللباس 314
138 باب الطيب 315
139 باب المسكن 316
140 باب المنام 317
141 باب التحية 319
142 باب الكلام 321
143 باب الإخاء 326
144 باب المعاشرة 328
145 باب العزلة 333
146 باب الورد 335
147 باب السفر 338
148 كتاب الجنايز 343
149 باب المرض 343
150 باب الوصية 345
151 باب العيادة 346
152 باب الاحتضار 349
153 باب التغسيل 350
154 باب التكفين 351
155 باب التشييع والتربيع 353
156 باب الصلاة على الميت 354
157 باب الدفن 355
158 باب التعزية 357
159 باب الهدية للميت 357
160 باب زيارة القبر 358
161 كتاب الفرايض 358
162 باب الأسباب والطبقات 358
163 باب الموانع 360