التحفة السنية (مخطوط) - السيد عبد الله الجزائري - الصفحة ٨
وأما لكون الكشف مفسدة للمستمعين وإن كان لا يتعسر عليهم ادراكه وسببا لافتتانهم أو لتفويت مصلحة راعاها الشارع الحكيم في التعبير عن بعض المسميات بغير أسمائها وتصوير بعض المعاني في غير قوالبها المعروفة تمثيلا ورمزا لكون ذلك أوقع في النفوس وأدخل في حصول الغرض المطلوب من الترغيب والترهيب والوعد والوعيد ومن ذلك بيان حقيقة الكسوف والخسوف على النهج المقرر في الهيئة وتأويل الملائكة الجاذبة الدافعة بروحانيات الشمس والبحر المظلم بظل الأرض ونحو ذلك وهذا النوع عريض جدا ويندرج تحته كثير من متشابهات الكتاب والسنة إلا أن الخوض فيه مما يختص بأهله وكان أكابر الصحابة مع ما هم فيه من تقارب المنازل والتشارك في بركة الصحبة يستخفى بعضهم من بعض بسره وفي الحديث لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله ولقد آخى رسول الله بينهما فما ظنك بساير الناس وعن أمير المؤمنين (ع) اندمجت على مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطوى البعيدة وعنه (ع) حملت عن النبي صلى الله عليه وآله دعامين من العلم أما واحد فبثثته فيكم وأما الآخر فلو بثثته قطع مني هذا البلعوم وسئله كميل بن زياد النخعي وقد بلغك جلالة قدره عن الحقيقة فقال (ع) مالك والحقيقة قال أولست صاحب سرك قال بلى ولكن يرشح عليك ما يطفح مني الحديث ومما نسبه المصنف في كثير من مسفوراته إلى علي بن الحسين صلوات الله عليهما وغيره إلى غيره. إني لأكتم من علمي جواهره كيلا يرى الحق ذو جهل فيفتتنا. وقد تقدم في هذا أبو حسن إلى الحسين ووصى قبله الحسنا يا رب جوهر علم لو أبوح به * لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا - ولاستحل رجال مسلمون دمي * يرون أقبح ما يأتونه حسنا - وهذا العلم هو المسمى باللدني وعلامته ما ورد في الحديث النبوي وقد سئل صلوات الله عليه عن قوله (تع) فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للاسلام ما هذا الشرح فقال النور إذا دخل القلب انشرح له الصدر وانفسح قيل يا رسول الله وهل لذلك علامة قال نعم التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود والتهيؤ للموت قبل نزوله وهو العلم الأفضل بقول مطلق لأنه المقصد الأقصى من الايجاد أو غاية مقاصد السالكين أو هو الغاية للقسم الآخر المقصود للعمل المتوسل به إليه والتقليدي هو تلقي بعض مسائل هذا العلم من صاحب الشرع على قدر الفهم والحوصلة كما وكيفا ثم التدين به و الآخر علم يقصد المعمل ظاهرا وباطنا ليتوسل به إلى ذلك النور وهو العلم بما يقرب إليه (تع) وما يبعد عنه من طاعات الجوارح ومعاصيها ومكارم الأخلاق ومساويها فهو قسمان علم الشرايع وعلم الأخلاق وكله تقليد لصاحب الشرع إما عن بصيرة أو استبصار إلا ما لا يختلف فيه العقول منه وربما يسمى الفقه ومن علاماته ما في حديث الرضا (ع) أن من علامات الفقه الحلم والصمت وليس المراد بالفقه فيه مجرد معرفة الفتاوى في المسائل الفرعية وحفظا لأقوال المختلفة فيها والإحاطة بمتعلقاتها لما يشاهد في ذويها غالبا من العلامة بنقيض ما هو مذكور في الحديث فإنهم أكثر الناس طيشا وهذرا وتصديق الفعل القول إذ به يعرف موافقة الباطن للظاهر والخروج عن ذميمة النفاق وعن أبي عبد الله (ع) في قول الله عز وجل إنما يخشى الله من عباده العلماء قال يعني بالعلماء من صدق فعله قوله ومن لم يصدق فعله قوله فليس بعالم وهذا العلم المقصود للعمل هو الأقدم في الوجود الخارجي بالنسبة إلى تحقيقي الأول لأنه الشرط فيه وفي الحديث من علم وعمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم وفيه إذا علمتم فاعملوا بما علمتم لعلكم تهتدون وبيان ذلك أن الانسان إذا عمل بمقتضى علمه يؤدي عمله إلى صفاء في قلبه فيستعد لعلم آخر فوق ما علمه أولا ثم إذا عمل بمقتضى هذا العلم يحصل له استعداد آخر وبسببه يحصل علم و انكشاف آخر وهكذا يتزايد العلم قوة وضياء بحسب تتابع الأعمال حتى ينتهى إلى الاهتداء بهدى الله وهو نور اليقين المقصود لذاته قالوا ومثال ذلك من يمشي بمصباح في ظلمة فكلما أضاء له من الطريق قطعة مشى فيها فيصير ذلك المشي سببا لإضاءة قطعة أخرى وهكذا تترادف الأضواء بتعاقب الحركات وتترادف الحركات بتعاقب الأضواء إلى أن يتأدى الماشي إلى الغاية وتنتهي الحركة وبحسب هذه الشرطية والتوسل تعد هذا العلم من علم الآخرة فإن أريد به الدنيا التحق بالدنيا وقد وقد وقع حصر العلم في هذه العلوم الثلاثة الأخروية في الحديث النبوي إنما العلم ثلاثة آية محكمة أو فريضة عادلة أو سنة قائمة وما خلاهن فهو فضل قيل الأول إشارة إلى أصول العقايد وأركانها المستفادة من الآيات المحكمات القرآنية والثاني إلى علم آفات النفس وتعديل قواها وتهذيب الأخلاق والثالث إلى علم الشرايع والحلال والحرام ويسمى كل منها علم الدين وعلم الفقه كما مر وأما مجادلة علم الكلام في أصول العقايد والتعمق في الفروع في فتاوي غير منصوصة تستنبط بالرأي فليسا في عرف الأولين من العلم والفقه في شئ بل لم يكن عندهم منهما عين ولا أثر وإنما هما من محدثات الأمور وقد ذكر أبو حامد وغيره في مبدأ نشوءهما وبسبب تدوينها كلاما ملخصه أنه لما انتهت الخلافة إلى أقوام تولوا بغير استحقاق واستيهال واستقلال بعلم الفتاوى والأحكام اضطروا إلى الاستعانة بالفقهاء وإلى استصحابهم في جميع أحوالهم لاستفتائهم في جميع مجاري أحكامهم وكان العلماء قد تفرعوا العلم الآخرة وتجردوا له وكانوا يتدافعون الفتاوي وما يتعلق بأحكام الخلق وأقبلوا على الله بكنه اجتهادهم فكانوا إذا طلبوهم هربوا وأعرضوا واضطروا الخلفاء إلى الالحاح في طلبهم لتولية القضاء والحكومات فرأى أهل تلك الأعصار عز العلماء واقبال الولاة إليهم مع اعراضهم عنهم ما شربوا لطلب العلم توصلا إلى نيل العز ودرك الجاه من قبل الولاة فأكبوا على علم الفتاوي وعرضوا أنفسهم على الولاة وتعرفوا إليهم وطلبوا الولايات والصلاة منهم فمنهم من حرم ومنهم من أنجح ومن أنجح لم يخل عن ذل الطلب ومهانة الابتذال فأصبح الفقهاء بعد أن كانوا مظلومين طالبين وبعد أن كانوا أعزة بالاعراض عن السلاطين أذلة بالاقبال عليهم إلا من وفقه الله في كل عصر من علماء دينه ثم لما اعتزل واصل بن عطاء مجلس الحسن البصري وقرر عقايده في العدل و الصفات وغيرهما ونشأ بعده الشيخ أبو الحسن الأشعري واشتغل بالرد عليه وابطال مقالاته وتبع
(٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الطهارة 16
2 باب جرايم الجوارح 17
3 باب التوبة 24
4 باب التدارك 27
5 باب الحد والتعزير 28
6 باب الجناية 35
7 باب ذمايم القلب 40
8 باب الصبر 42
9 باب الحلم 45
10 باب النصيحة 47
11 باب حب الخمولة 49
12 باب التواضع 52
13 باب الفقر 57
14 باب الزهد 60
15 باب السخا 63
16 باب الرضا 65
17 باب الشكر 66
18 باب الرجاء والخوف 68
19 باب قصر الامل 70
20 باب النية 72
21 باب الاخلاص 75
22 باب الصدق 79
23 باب التوحيد والتوكل 80
24 باب تطهير السر عما سوى الله 83
25 باب الماء 88
26 باب الأخباث وتطهيرها 90
27 باب آداب التخلي 95
28 باب الاتفاث وازالتها 96
29 باب آداب التنظيف 97
30 باب الاحداث ورفعها 100
31 باب الوضوء 102
32 باب الغسل 104
33 باب التيمم 110
34 كتاب الصلاة 111
35 باب الشرايط 112
36 باب الأوقات 118
37 باب المكان 121
38 باب اللباس 125
39 باب القبلة 127
40 باب النداء 129
41 باب الهيئة 130
42 باب الآداب والسنن 132
43 باب المكروهات 135
44 باب وظائف يوم الجمعة والخطبتين 136
45 باب آداب العيدين وسننهما 137
46 باب آداب الآيات وسننها 138
47 باب الجماعة 139
48 باب الخلل 141
49 باب التعقيب 145
50 باب الدعاء 146
51 باب فضل قراءة القرآن 148
52 كتاب الزكاة 150
53 باب التعداد والشرايط 150
54 باب المقادير والنصب 153
55 باب المصرف 154
56 باب الأداء 155
57 باب الخمس 156
58 باب المعروف 158
59 باب آداب المعطى 159
60 باب آداب الآخذ 162
61 كتاب الصيام 163
62 باب الشرايط 165
63 باب الهيئة 167
64 باب الآداب 168
65 باب فوايد الجوع 173
66 باب الاعتكاف 174
67 كتاب الحج 175
68 باب الشرايط 177
69 باب الهيئة 178
70 باب المحرمات 181
71 باب الخلل 190
72 باب حرمة الحرم 195
73 باب الزيارات 196
74 كتاب الحسبة 198
75 باب الجهاد 198
76 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 201
77 باب إقامة الحدود 203
78 باب الفتيا 205
79 باب القضا 206
80 باب الشهادة 209
81 باب اخذ اللقيط 212
82 باب الحجر 212
83 كتاب البر 214
84 باب العطية 214
85 باب العتق 217
86 باب التدبير 219
87 باب الكتابة 220
88 باب النذر والعهد 220
89 باب اليمين 222
90 كتاب الكسب 224
91 باب الآداب 227
92 باب البيع 229
93 باب الربا 234
94 باب الشفعة 236
95 باب الشركة 237
96 باب القراض 238
97 باب الجعالة 240
98 باب الإجارة 242
99 باب المزارعة 244
100 باب المساقاة 245
101 باب احياء الموات 245
102 باب الغصب 248
103 باب اللقطة 250
104 باب السبق 251
105 باب الدين 252
106 باب الرهن 253
107 باب الضمان 254
108 باب الحوالة 255
109 باب الوكالة 256
110 باب الكفالة 257
111 باب الوديعة 258
112 باب الاقرار 259
113 باب الصلح 259
114 كتاب النكاح 260
115 باب التعداد والجدوى 260
116 باب المحارم 263
117 باب الولاية 271
118 باب العقد 272
119 باب الصداق 274
120 باب الخلوة 277
121 باب الحقوق 279
122 باب النشوز 281
123 باب الفسخ 282
124 باب الطلاق 284
125 باب الخلع والمباراة 286
126 باب الظهار 287
127 باب الايلاء 288
128 باب اللعان 289
129 باب العدد 290
130 باب الولد 294
131 باب القرابة 300
132 كتاب المعيشة 300
133 باب الطعام 301
134 باب الأكل 309
135 باب الشرب 312
136 باب الضيافة 313
137 باب اللباس 314
138 باب الطيب 315
139 باب المسكن 316
140 باب المنام 317
141 باب التحية 319
142 باب الكلام 321
143 باب الإخاء 326
144 باب المعاشرة 328
145 باب العزلة 333
146 باب الورد 335
147 باب السفر 338
148 كتاب الجنايز 343
149 باب المرض 343
150 باب الوصية 345
151 باب العيادة 346
152 باب الاحتضار 349
153 باب التغسيل 350
154 باب التكفين 351
155 باب التشييع والتربيع 353
156 باب الصلاة على الميت 354
157 باب الدفن 355
158 باب التعزية 357
159 باب الهدية للميت 357
160 باب زيارة القبر 358
161 كتاب الفرايض 358
162 باب الأسباب والطبقات 358
163 باب الموانع 360