التحفة السنية (مخطوط) - السيد عبد الله الجزائري - الصفحة ١٢
والقناعة بذلك عما يشغل القلب عن طلب العلم ويفرق الهم ويحب ويكره له ما يحب لنفسه ويكره ويزجره عن سوء الأخلاق وارتكاب المناهي وكلما يؤدي إلى فساد حال أو بطالة عن اشتغال أو إساءة أدب أو كثرة كلام لغير فائدة أو معاشرة من لا يليق أو نحو ذلك بطريق التعريض ما أمكن فإن لم ينجع نهاه سرا ثم جهرا وغلظ عليه القول إن اقتضاه الحال لينزجر هو وغيره ويتأدب به كل سامع فإن لم ينته فلا بأس حينئذ بطرده والاعراض عنه إلى أن يرجع لا سيما إذا خاف على بعض رفقته من الطلبة موافقته و أن يسامح في نشر العلم وتقريبه إلى ذهنه متلطفا في الإفادة برفق ونصيحة وتحريض على حفظ ما يبذله له من الفوائد النفيسة ولا يدخر عنه من فنون العلم شيئا يحتاج إليه ويسأل عنه إذا كان أهلا لذلك فإن لم يتأهل بعد لما سئل عنه نبهه على أن ذلك يضره وأنه لم يمنعه عنه شحا بل شفة ولطفا ثم يرغبه بعد ذلك في الاجتهاد والتحصيل ليتأهل لذلك ولغيره وقد ورد في تفسير الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره ويأمر الطلبة بالاجتماع في الدرس لما يترتب عليه من الفائدة التي لا تحصل مع الانفراد وينصفهم في البحث فيعترف بفائدة يقولها بعضهم وإن كان صغيرا ويسمع السئول من مورده على وجهه ولا يترفع عن سماعه فيحرم عن الفائدة ويطرح عليهم أحيانا من النكات والدقايق الغريبة ما تتشحذ به أذهانهم وإذا سلك أحدهم في التحصيل فوق ما يقتضيه حاله أو فهمه حمله برفق على الاقتصار على مقتضى الحال وقدر الفهم أو المراد أنه يقتصر له في بيان المسائل وتوضيح المشكلات التي لها وجوه متعددة متفاوتة على ما يبلغه فهمه ويكتم عنه ما لا يبلغه فهمه لأنه يفرق عليه الهم وينفر الطبع ويفسد الحال وفي الحديث النبوي نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن ننزل الناس منازلهم فنكلمهم على قدر عقولهم وفيه ما أحد يحدث قوما بحديث لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنة على بعضهم وعلى الوجهين فهو من آداب المعلم ويحتمل أن يعتبر من آداب المتعلم بأن يكون المراد اقتصاره على ما يبلغه فهمه من المراتب مندرجا من كل مرتبة إلى ما فوقها ولا يخالف الترتيب فيتبلد ذهنه ويضيع سعيه وقطع الطمع عن المتعلمين لمنافاته الاخلاص فلا يسألهم عليه أجرا تأسيا بالأنبياء فإن العلماء ورثتهم بل يعلمهم لوجه الله لا يريد منهم جزاء ولا شكورا ولا يرى لنفسه منة عليهم وإن كانت المنة لازمة عليهم بل يرى الفضل لهم لأن ثوابه في التعليم أكثر من ثوابهم في التعلم عند الله ولولاهم لما نال هذا الثواب الجسيم والتواضع بخفض الجناح وحسن اللقاء والتلطف وبشاشة الوجه إلى غير ذلك للمتعلم لما له من المدخل في حصول الأجر للمعلم ولكونه باعثا لمزيد العلم له وتمرنه بالمذاكرة والتكرار معه وعن أبي عبد الله عليه السلام اطلبوا العلم وتزينوا معه بالحلم والوقار وتواضعوا لمن تعلمونه وتواضعوا لم طلبتم منه العلم ولا تكونوا علماء جبارين فيذهب باطلكم بحقكم وفي مرفوعة محمد بن سنان قال عيسى بن مريم يا معشر الحواريين لي إليكم حاجة اقضوها لي قالوا قضيت حاجتك يا روح الله فقام وقبل أقدامهم فقالوا كنا نحن أحق بهذا يا روح الله فقال إن أحق الناس بالخدمة العالم إنما تواضعت هكذا لكيما تتواضعوا بعدي في الناس كتواضعي لكم ثم قال (ع) بالتواضع تعمر الحكمة لا بالتكبر وكذلك في السهل ينبت الزرع لا في الجبل والتملق وهو التودد ولين الجانب والمراد هنا أبلغ التواضع للمعلم زيادة على غيره من ذوي الحقوق حتى الأبوين كما يأتي من المصنف التصريح به لأنهما وإن تسببا لوجوده فإن ذلك إنما اتفق منهما من غير قصد له في الأغلب بل بمقتضى الشهوة البهيمية المركوزة فيهما وهو وجود ناقص في أخس المراتب يشترك فيه الديدان والخنافس والمعلم المرشد يتسبب بقصده وعنايته لتكميل هذا الوجود الناقص وايصاله إلى أقصاها واستخراج ما فيه بالقوة إلى الفعل فحقه أعظم و نعمته أحق بالشكر والموفق لا يألوا جهدا في تعظيمه وحسن الأدب والخدمة له في محضره ومغيبه وفي الحديث النبوي ليس من أخلاق المؤمن الملق إلا في طلب العلم وسئل إسكندر ما بالك توقر معلمك أكثر من والدك فقال لأن الوالد سبب لحياتي الفانية والمعلم سبب لحياتي الباقية والتسليم بأن يلقي إليه زمام أمره بالكلية ويذعن له في كل ما يعين له من العلم المناسب لمرتبته وحاله حتى يجعل نفسه بين يديه كالمريض المجاهل بين يدي الطبيب الحاذق يداويه بما يشاء من الدواء بل كالميت بين يدي الغاسل يقلبه كيف يشاء فيذعن لما ينقله من علم إلى علم واحضار القلب والاقبال بكليته عليه في مجلسه متعقلا لقوله بحيث لا يحوجه إلى إعادة الكلام ولا يلتفت من غير ضرورة ولا سيما عند بحثه معه أو كلامه له وقد اشتمل على جملة من آداب المتعلم مرسلة الجعفري عن أبي عبد الله (ع) قال كان أمير المؤمنين (ع) يقول إن من حق العالم أن لا تكثر عليه السؤل ولا تأخذ بثوبه وإذا دخلت عليه وعنده قوم فسلم عليهم جميعا وخصه بالتحية دونه واجلس بين يديه ولا تجلس خلفه ولا تغمز بعينيك ولا تشر بيدك ولا تكثر من القول قال فلان وقال فلان خلافا لقوله ولا تضجر بطول صحبته فإنما مثل العالم مثل النخلة تنتظرها متى يسقط عليك منها شئ الحديث وفي حديث الحقوق وحق سايسك بالعلم التعظيم له والتوقير لمجلسه وحسن الاستماع إليه والاقبال عليه وأن لا ترفع عليه صوتك ولا تجيب أحدا يسأله عن شئ حتى يكون هو الذي يجيب ولا تحدث في مجلسه أحدا ولا تغتاب عنده أحدا وأن تدفع عنه إذا ذكر عندك بسوء وأن تستر عيوبه وتظهر مناقبه ولا تجالس له عدوا ولا تعادي له وليا فإذا فعلت ذلك شهد لك ملائكة الله عز وجل بأنك قصدته وتعلمت علمه لله جل اسمه لا للناس والسؤال فإنه دواء العي كما ورد عن أبي عبد الله (ع) إنما هلك الناس لأنهم لا يسألون وعنه (ع) أن هذا العلم قفل ومفتاحه السئول وينبغي ترك الحياء والاستنكاف عنه فإن من رق وجهه رق علمه ومن رق وجهه عند السئول ظهر نقصه عند اجتماع الرجال وفي الصحيح عن أمير المؤمنين (ع) قوام الدين بأربعة عالم ناطق مستعمل له وغني لا يبخل بفضله على أهل دين الله وفقير لا يبيع آخرته بدنياه وجاهل لا يتكبر عن طلب العلم فإذا كتم العالم علمه وبخل الغني بماله على مستحقه وباع الفقير آخرته بدنياه واستكبر الجاهل عن طلب العلم رجعت الدنيا على ورائها قهقري
(١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الطهارة 16
2 باب جرايم الجوارح 17
3 باب التوبة 24
4 باب التدارك 27
5 باب الحد والتعزير 28
6 باب الجناية 35
7 باب ذمايم القلب 40
8 باب الصبر 42
9 باب الحلم 45
10 باب النصيحة 47
11 باب حب الخمولة 49
12 باب التواضع 52
13 باب الفقر 57
14 باب الزهد 60
15 باب السخا 63
16 باب الرضا 65
17 باب الشكر 66
18 باب الرجاء والخوف 68
19 باب قصر الامل 70
20 باب النية 72
21 باب الاخلاص 75
22 باب الصدق 79
23 باب التوحيد والتوكل 80
24 باب تطهير السر عما سوى الله 83
25 باب الماء 88
26 باب الأخباث وتطهيرها 90
27 باب آداب التخلي 95
28 باب الاتفاث وازالتها 96
29 باب آداب التنظيف 97
30 باب الاحداث ورفعها 100
31 باب الوضوء 102
32 باب الغسل 104
33 باب التيمم 110
34 كتاب الصلاة 111
35 باب الشرايط 112
36 باب الأوقات 118
37 باب المكان 121
38 باب اللباس 125
39 باب القبلة 127
40 باب النداء 129
41 باب الهيئة 130
42 باب الآداب والسنن 132
43 باب المكروهات 135
44 باب وظائف يوم الجمعة والخطبتين 136
45 باب آداب العيدين وسننهما 137
46 باب آداب الآيات وسننها 138
47 باب الجماعة 139
48 باب الخلل 141
49 باب التعقيب 145
50 باب الدعاء 146
51 باب فضل قراءة القرآن 148
52 كتاب الزكاة 150
53 باب التعداد والشرايط 150
54 باب المقادير والنصب 153
55 باب المصرف 154
56 باب الأداء 155
57 باب الخمس 156
58 باب المعروف 158
59 باب آداب المعطى 159
60 باب آداب الآخذ 162
61 كتاب الصيام 163
62 باب الشرايط 165
63 باب الهيئة 167
64 باب الآداب 168
65 باب فوايد الجوع 173
66 باب الاعتكاف 174
67 كتاب الحج 175
68 باب الشرايط 177
69 باب الهيئة 178
70 باب المحرمات 181
71 باب الخلل 190
72 باب حرمة الحرم 195
73 باب الزيارات 196
74 كتاب الحسبة 198
75 باب الجهاد 198
76 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 201
77 باب إقامة الحدود 203
78 باب الفتيا 205
79 باب القضا 206
80 باب الشهادة 209
81 باب اخذ اللقيط 212
82 باب الحجر 212
83 كتاب البر 214
84 باب العطية 214
85 باب العتق 217
86 باب التدبير 219
87 باب الكتابة 220
88 باب النذر والعهد 220
89 باب اليمين 222
90 كتاب الكسب 224
91 باب الآداب 227
92 باب البيع 229
93 باب الربا 234
94 باب الشفعة 236
95 باب الشركة 237
96 باب القراض 238
97 باب الجعالة 240
98 باب الإجارة 242
99 باب المزارعة 244
100 باب المساقاة 245
101 باب احياء الموات 245
102 باب الغصب 248
103 باب اللقطة 250
104 باب السبق 251
105 باب الدين 252
106 باب الرهن 253
107 باب الضمان 254
108 باب الحوالة 255
109 باب الوكالة 256
110 باب الكفالة 257
111 باب الوديعة 258
112 باب الاقرار 259
113 باب الصلح 259
114 كتاب النكاح 260
115 باب التعداد والجدوى 260
116 باب المحارم 263
117 باب الولاية 271
118 باب العقد 272
119 باب الصداق 274
120 باب الخلوة 277
121 باب الحقوق 279
122 باب النشوز 281
123 باب الفسخ 282
124 باب الطلاق 284
125 باب الخلع والمباراة 286
126 باب الظهار 287
127 باب الايلاء 288
128 باب اللعان 289
129 باب العدد 290
130 باب الولد 294
131 باب القرابة 300
132 كتاب المعيشة 300
133 باب الطعام 301
134 باب الأكل 309
135 باب الشرب 312
136 باب الضيافة 313
137 باب اللباس 314
138 باب الطيب 315
139 باب المسكن 316
140 باب المنام 317
141 باب التحية 319
142 باب الكلام 321
143 باب الإخاء 326
144 باب المعاشرة 328
145 باب العزلة 333
146 باب الورد 335
147 باب السفر 338
148 كتاب الجنايز 343
149 باب المرض 343
150 باب الوصية 345
151 باب العيادة 346
152 باب الاحتضار 349
153 باب التغسيل 350
154 باب التكفين 351
155 باب التشييع والتربيع 353
156 باب الصلاة على الميت 354
157 باب الدفن 355
158 باب التعزية 357
159 باب الهدية للميت 357
160 باب زيارة القبر 358
161 كتاب الفرايض 358
162 باب الأسباب والطبقات 358
163 باب الموانع 360