التحفة السنية (مخطوط) - السيد عبد الله الجزائري - الصفحة ٢٦١
صلحت ولطفت في أوعية الغذاء ثم في أوعية المني ثم في الرحم فالذاهب منها لا يستدرك بما لم ينضج إلا في أوعية الغذاء فقط فهو نظير فتيلة مشتعلة في سراج فيه مقدار من الزيت كلما ذهب شئ من الزيت صب بدله ماء حتى إذا فنى الزيت كله انطفت الفتيلة لا محالة وإن كان السراج مملوءا من الماء وهذا هو الموت الطبيعي مضافا إلى ما يعرض أكثر الأفراد من الأعراض والأمراض المزيلة للحياة قبل فناء الرطوبة الأصلية بأسرها وهي الآجال الاخترامية كما يكثر انطفاء المصباح مع بقاء زيته بسبب العواصف وغيرها فاقتضت العناية الإلهية المطردة في ربط الأسباب بالمسببات استبقاء النوع بالتوالد لينوب الخلف عن السلف في عمارة الدنيا إلى أن يبلغ الكتاب أجله وهو من أوضح الوجوه المعقولة في تسليط الشهوة وركوزها في جبلة الانسان لئلا يتقاعد الوهن بالنفوس الضعيفة الفاترة عن القيام بجفاء الأهل والولد عن التعرض لفضيلة الازدواج ويؤدي ذلك إلى انقطاع سلسلة الوجود المتصلة إليه من آدم أبي البشر والحرمان من خير السببية للوجود ووجوه أخر من الشقاء والخلل لا تستدرك بغيره و ومن فوائد الولد للوالد تحصيل بركة دعائه إن صلح وبقي في الدنيا بعده ففي عدة روايات أنه إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث أحدها ولد صالح يدعو له وتحصيل شفاعته في القيامة إن مات قبله ولو سقطا ففي الحديث النبوي في أطفال المسلمين إن الله (تع) يقول للملائكة اذهبوا بهؤلاء إلى الجنة فيقفون على باب الجنة فيقال لهم مرحبا بذراري المسلمين ادخلوا لا حساب عليكم فيقولون فأين آباؤنا وأمهاتنا فيقول الخزنة إن آبائكم وأمهاتكم ليسوا مثلكم أنه كانت لهم ذنوب وسيئات فهم يحاسبون عليها ويطالبون فيصائحون ويضجون فيقول الله سبحانه وهو أعلم بهم ما هذه الضجة فيقولون يا ربنا أطفال المسلمين قالوا لا ندخل الجنة إلا مع آبائنا فيقول الله (تع) فخذوا بأيدي آبائهم فادخلوهم الجنة وفيه أن السقط يجئ محبنطا على باب الجنة فيقال له ادخل فيقول لا حتى يدخل أبواي قبلي وهي وما في معناها خالية عن الاشتراط وتكثير الأمة المحمدية فعن النبي صلى الله عليه وآله تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم غدا في القيامة ومنها الاستنان بسنته النبوية فعنه صلى الله عليه وآله من أحب أن يتبع سنتي فإن من سنتي التزويج وعنه صلى الله عليه وآله النكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني ومن ضروريات الاسلام كراهية الرهبانية وأما مدح يحيى (ع) بالحصور وهو من لا يشتهي النساء فليس بمناف ذلك بوجه كما لا يخفى ومنها التحرز عن تعطيل الأعضاء عن المقاصد المخلوقة لأجلها فإن إهمال آلات التناسل تضييع للحكمة وابطال للمنفعة واعراض عن اكتساب الخير وتعرض للأئمة فإن للسيد إذا سلم إلى عبده البذر وآلات الحرث وهيا له أرضا معدة للحراثة وكان العبد قادرا على الحراثة ووكل به من يتقاضاه بها فإن تكاسل وعطل آلات الحرث وترك البذر ضايعا حتى فسد ودفع الموكل من نفسه بضرب من الحيلة كان مستحقا للعتاب من سيده أو فوق ذلك والله خلق الزوجين الذكر والأنثى وخلق النطفة في الفقار وهيا لها في الأنثيين عروقا ومجاري وخلق الرحم قرارا ومستودعا للنطفة وسلط متقاضي الشهوة على كل واحد من الزوجين ومن نظر في علم التشريح وما أعده الله بلطيف قدرته ودقيق صنعته في أوعية التوالد وقف على شئ من تفاصيل هذا الاجمال وكلها السنة ناطقة بمراد بارئها الحكيم مفصحة عما أعدت له في أتقن نظام وأحسن تقويم وآفاته كثيرة أيضا منها كثرة المؤنة المحوجة إلى كسب الحرام أو الشبهة للتوسع فإن الحلال غزير الوجود عسر الحصول لا يفي باقتراحات الزوجة ومن تستتبعه من الولد والخادم وغيرهما سيما في مثل هذا الزمان الذي صدق عليه قوله صلى الله عليه وآله سيأتي على أمتي زمان لا يسلم لذي دين دينه إلا من فر من كهف إلى كهف أو من شاهق إلى شاهق كالثعلب بأشباله فعند ذلك حلت العزوبة قالوا يا رسول الله أمرتنا بالتزويج قال نعم ولكن إذا كان ذلك الزمان كان هلاك الرجل على يدي زوجته فإن لم يكن له زوجة فعلى يدي قرابته قالوا وكيف ذلك يا رسول الله قال يعيرونه بضيق المعيشة حتى يوردوه موارد الهلكة ومنها فوات الحقوق الواجبة للنساء فإن لهن مثل الذي عليهن والقيام بها على وجه الايفاء مما يضيق به ذرع الأكثرين والانسان قد يعجز عن الوفاء بحق نفسه فكيف إذا انضافت إليها نفس أخرى تستتبع نفوسا أخر كلها أمارة بالسوء أو المراد حقوق الايمان التي يمكنه القيام بها لإخوانه ما دام متجردا وينقطع عنها بالتزويج لقلة الفرصة حينئذ وكثرة المؤنة من العيادة والزيارة والمواساة وغيرها مما يأتي في محله ومنها الشغل عنه (تع) بتدبير المعيشة وتقويم المدخل والمصرف واصلاح المنزل لها ولأولادها وجمع المال والادخار لأجلهم في حياته وبعد موته والتفاخر والتكاثر بهم وبالأموال المجموعة بسببهم وقد يتعلق القلب بالزوجة الخطية سيما للشاب الفارغ الواجد ويؤدي ذلك إلى الاستغراق بالتمتع والموانسة واغفال فكر الآخرة والاستعداد لها والشاغل عن الله (تع) مذموم كما سبق فهذه مجامع فوائد النكاح وآفاته وبسبب تعارضها ربما يتردد الذهن في ترجيح الراجح من فعله أو تركه والقول الفصل فيه أن الحكم بأحدهما على الاطلاق قصور عن الإحاطة بمجامع هذه الأمور بل ينبغي أن يتخذ ما ذكر من الفائدة والآفة معتبرا وأصلا يعرض عليه حال الشخص فإن تحققت الفائدة في حقه وانتفت الآفة بأن كان مال حلال وخلق حسن وجد تام في أمر الدين لا يشغله النكاح ولوازمه عن الله وهو مع ذلك شاب يحتاج إلى تسكين الشهوة ومنفرد يحتاج إلى تدبير المنزل والتحصن بالعشيرة فهو أفضل له من التجرد وإن انعكس الحال بتحقق الآفة وانتفاء الفائدة انعكس الترجيح وإن تقابلا بتحقق البعض وانتفاء البعض من كل منهما كما هو الغالب وزن بالميزان القسط حظ الفائدة في الزيادة من دينه وحظ الآفة في النقصان منه وأخذ بالراجح وأظهر الفوائد المتصورة في حق أكثر الناس تسكين الشهوة وتحصيل الولد وأظهر
(٢٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 256 257 258 259 260 261 262 263 264 265 266 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الطهارة 16
2 باب جرايم الجوارح 17
3 باب التوبة 24
4 باب التدارك 27
5 باب الحد والتعزير 28
6 باب الجناية 35
7 باب ذمايم القلب 40
8 باب الصبر 42
9 باب الحلم 45
10 باب النصيحة 47
11 باب حب الخمولة 49
12 باب التواضع 52
13 باب الفقر 57
14 باب الزهد 60
15 باب السخا 63
16 باب الرضا 65
17 باب الشكر 66
18 باب الرجاء والخوف 68
19 باب قصر الامل 70
20 باب النية 72
21 باب الاخلاص 75
22 باب الصدق 79
23 باب التوحيد والتوكل 80
24 باب تطهير السر عما سوى الله 83
25 باب الماء 88
26 باب الأخباث وتطهيرها 90
27 باب آداب التخلي 95
28 باب الاتفاث وازالتها 96
29 باب آداب التنظيف 97
30 باب الاحداث ورفعها 100
31 باب الوضوء 102
32 باب الغسل 104
33 باب التيمم 110
34 كتاب الصلاة 111
35 باب الشرايط 112
36 باب الأوقات 118
37 باب المكان 121
38 باب اللباس 125
39 باب القبلة 127
40 باب النداء 129
41 باب الهيئة 130
42 باب الآداب والسنن 132
43 باب المكروهات 135
44 باب وظائف يوم الجمعة والخطبتين 136
45 باب آداب العيدين وسننهما 137
46 باب آداب الآيات وسننها 138
47 باب الجماعة 139
48 باب الخلل 141
49 باب التعقيب 145
50 باب الدعاء 146
51 باب فضل قراءة القرآن 148
52 كتاب الزكاة 150
53 باب التعداد والشرايط 150
54 باب المقادير والنصب 153
55 باب المصرف 154
56 باب الأداء 155
57 باب الخمس 156
58 باب المعروف 158
59 باب آداب المعطى 159
60 باب آداب الآخذ 162
61 كتاب الصيام 163
62 باب الشرايط 165
63 باب الهيئة 167
64 باب الآداب 168
65 باب فوايد الجوع 173
66 باب الاعتكاف 174
67 كتاب الحج 175
68 باب الشرايط 177
69 باب الهيئة 178
70 باب المحرمات 181
71 باب الخلل 190
72 باب حرمة الحرم 195
73 باب الزيارات 196
74 كتاب الحسبة 198
75 باب الجهاد 198
76 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 201
77 باب إقامة الحدود 203
78 باب الفتيا 205
79 باب القضا 206
80 باب الشهادة 209
81 باب اخذ اللقيط 212
82 باب الحجر 212
83 كتاب البر 214
84 باب العطية 214
85 باب العتق 217
86 باب التدبير 219
87 باب الكتابة 220
88 باب النذر والعهد 220
89 باب اليمين 222
90 كتاب الكسب 224
91 باب الآداب 227
92 باب البيع 229
93 باب الربا 234
94 باب الشفعة 236
95 باب الشركة 237
96 باب القراض 238
97 باب الجعالة 240
98 باب الإجارة 242
99 باب المزارعة 244
100 باب المساقاة 245
101 باب احياء الموات 245
102 باب الغصب 248
103 باب اللقطة 250
104 باب السبق 251
105 باب الدين 252
106 باب الرهن 253
107 باب الضمان 254
108 باب الحوالة 255
109 باب الوكالة 256
110 باب الكفالة 257
111 باب الوديعة 258
112 باب الاقرار 259
113 باب الصلح 259
114 كتاب النكاح 260
115 باب التعداد والجدوى 260
116 باب المحارم 263
117 باب الولاية 271
118 باب العقد 272
119 باب الصداق 274
120 باب الخلوة 277
121 باب الحقوق 279
122 باب النشوز 281
123 باب الفسخ 282
124 باب الطلاق 284
125 باب الخلع والمباراة 286
126 باب الظهار 287
127 باب الايلاء 288
128 باب اللعان 289
129 باب العدد 290
130 باب الولد 294
131 باب القرابة 300
132 كتاب المعيشة 300
133 باب الطعام 301
134 باب الأكل 309
135 باب الشرب 312
136 باب الضيافة 313
137 باب اللباس 314
138 باب الطيب 315
139 باب المسكن 316
140 باب المنام 317
141 باب التحية 319
142 باب الكلام 321
143 باب الإخاء 326
144 باب المعاشرة 328
145 باب العزلة 333
146 باب الورد 335
147 باب السفر 338
148 كتاب الجنايز 343
149 باب المرض 343
150 باب الوصية 345
151 باب العيادة 346
152 باب الاحتضار 349
153 باب التغسيل 350
154 باب التكفين 351
155 باب التشييع والتربيع 353
156 باب الصلاة على الميت 354
157 باب الدفن 355
158 باب التعزية 357
159 باب الهدية للميت 357
160 باب زيارة القبر 358
161 كتاب الفرايض 358
162 باب الأسباب والطبقات 358
163 باب الموانع 360