التحفة السنية (مخطوط) - السيد عبد الله الجزائري - الصفحة ١٦٠
بعد المسألة فلم اعطه إلا ثمن ما أخذت منه وذلك أني عرضته أن يبذل وجهه الذي يعفره في التراب لربي وربه وأن يعجل الأداء مبادرة في الائتمار واستباقا إلى الخير ومسرة للمستحق وصيانة لحلاوة احسانه عن الشوب بمرارة الانتظار وعنه (ع) إن من الخصال الثلاث التي لا يصلح المعروف إلا بها تعجيله فإنك إذا عجلته هناته وإلا محقته ونكدته وتحاميا عن طروق الآفات المانعة التي يستلزمها التأخير غالبا ولو من نفسه فإن الانسان ربما تقوى فيه داعية الخير في الباطن وهي لمة الملك والقلب سريع التقلب والشيطان يعد الفقر وله لمة عقيب لمة الملك فلا يؤمن المؤخر أن تفتر رغبته ويحرم الفضل وأن يعين لغير الموقت شرعا وقتا فاضلا كساعة العتمة ويوم الجمعة وشهر رمضان وسيما عشر آخره إذ فيها ليلة القدر وذي الحجة وسيما عشر أوله وسيما عرفه ويوم الغدير فإن الحسنة فيه تتضاعف وأن يستر في الانفاق المستحب مبالغا في ذلك بحيث لا يدري من في شماله ما يعطى من عن يمينه تبعيدا له عن الرياء وسترا على الفقير و هو من الخصال الثلاث وبه يتم المعروف وفيه من التأكيد ما فيه فورد في حديث أبي عبد الله (ع) الصدقة في السر والله أفضل من الصدقة في العلانية وفي الحديث النبوي هي تطفئ غضب الرب وأن يظهر في الواجب ففي الحسن عن أبي عبد الله (ع) في قوله عز وجل إنما الصدقات للفقراء والمساكين قال كل ما فرض الله عليك فاعلانه أفضل من اسراره وكل ما كان تطوعا فاسراره أفضل من اعلانه ولو أن رجلا حمل زكاة ماله على عاتقه فقسمها علانية كان ذلك حسنا جميلا ويستثنى من اسرار التطوع مواضع أحدها حيث سئل في ملأ من الناس وتحركت نفسه إلى الايتاء لله بحيث لا يتفاوت حضور الحاضرين وغيبتهم لكنهم لو لم يعلموا باتيانه نسبوه إلى البخل فلا ضير في التظاهر به حينئذ لا لأن يعتقد فيه الورع بل تحاميا عن أن يعتقد فيه اللوم فيذم بسبب ذلك والتألم بالذم من المباحات كما عرفت وليكن معتصما عن الرياء فإنه من مظانه ومظان الغرور والثاني حيث أمنه إما لتصحيح النية وضبطها وتهذيب النفس أو لأن الحاضرين ليسوا ممن يرائيهم ونحو ذلك فلا مانع من التظاهر والثالث ما إذا كان مقتدى به وقصد الترغيب مع أمن الرياء أيضا فإن الأفضل حينئذ الاظهار ليضاعف له الأجر وهذه صورة نادرة تستنبط مما تقدم في باب الاخلاص ومن ثم لم يلتفت إليها في اطلاقات الكتاب والسنة شفقة على النيات الضعيفة أن تفسد بمخالطة الرياء الخفي عند فتح باب الرخصة فورد عن أبي جعفر (ع) في قوله (تع) إن تبدوا الصدقات فنعما هي قال يعني الزكاة المفروضة قال الراوي قلت وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم قال يعني النافلة أنهم كانوا يستحبون إظهار الفرايض وكتمان النوافل وأن يعطي وهو صحيح شحيح مايل البقاء ويخشى الفاقة ولا يمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قال لفلان كذا ولفلان كذا كذا في الحديث النبوي وقد سئل أي الصدقة أفضل وأن يستصغر الاعطاء وهو من الخصال الثلاث أيضا ليعظم عنده (تع) كما قال (ع) فإنك إذا صغرته عظمته عند من تصنعه إليه وهو يتيسر بذكر التوفيق الذي هو كالسبب الفاعلي والثواب الذي هو الغاية فإذا تذكر ما يرجوه مما يزيد عليه أضعافا مضاعفة في فعل ليس هو بمستقل التأثير فيه استصغره لا محالة وأن يعطي الأجود من كل مال والأحب إليه والأبعد عن الشبهة فورد في الأول قوله (تع) ويجعلون لله ما يكرهون مذمة لهم على اختيار الردئ لله وفي الثاني قوله عز وجل لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وكان أبو عبد الله (ع) يتصدق بالسكر فقيل له في ذلك فقال ليس شئ أحب إلى منه فإنا أتصدق بأحب الأشياء إلي وفي الأخير قوله سبحانه انفقوا من طيبات ما كسبتم على أن يراد بالطيب الحلال كما روي عنه (ع) في شأن نزولها قال كان القوم قد كسبوا مكاسب سوء في الجاهلية فلما أسلموا أرادوا أن يخرجوها من أموالهم ليتصدقوا بها فأبى الله (تع) إلا أن يخرجوا من أطيب ما كسبوا ولعل المراد بمكاسب السوء كما في الوافي نحو الربا والميسر وثمن الخمور والميتة وفي تتمة الآية ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون وروي أنه كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أمر بالنخل أن يزكى يجئ قوم بألوان من التمر وهو من أردأ التمر يؤدونه من زكاتهم تمرة يقال لها الجعرور والمعافاراة قليلة اللحى عظيمة النوى وكان بعضهم يجي بها عن التمر الجيد فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لا تخرصوا هاتين التمرتين ولا تجيئوا منها بشئ وفي ذلك نزل ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه والاغماض أن يأخذ هاتين التمرتين فالمراد بالخبيث ليس ما يقابل الطيب في صدر الآية وكان الاستشهاد به لاختيار الأجود أجود لأن سياق الأولى إنما هو في اثبات البنات لله سبحانه وإن كان اللفظ محتملا وبالجملة فالفوائد المقصودة من الانفاق للفاعل والقابل جميعا لا يتم شئ منها إلا بانفاق الأجود الأحب الأطيب وأن يسبغ عليه العطاء بحيث يغنيه إن قدر فورد في موثقة عمار عن أبي عبد الله (ع) أنه سئل كم يعطى الرجل من الزكاة فقال إذا أعطيت فاغنه وفي المشهور خير الصدقة ما أبقت غنى وأن يقبل مناول السائل يده بعد الاعطاء والضمير المضاف إليه يحتمل المضاف والمضاف إليه وورد تقبيل المتصدق به أيضا لأنه يقع في يده (تع) أولا فعن أمير المؤمنين (ع) إذا ناولتم السائل شيئا فليرد الذي ناوله يده إلى فيه فليقبلها فإن الله عز وجل يأخذه قبل أن يقع في يده كما قال تعالى ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده و يأخذ الصدقات وعن أبي عبد الله (ع) إن الله يقول ما من شئ إلا وكلت به من يقبضه غيري إلا الصدقة فإني أتلقفها بيدي تلقفا وعن السجاد (ع) أنه كان إذا أعطى السائل قبل يد السائل فقيل له لم تفعل ذلك قال لأنها تقع في يد الله قبل يد العبد قال الراوي أظنه يقبل الخبز أو الدرهم وفي حديث آخر عن أبي عبد الله (ع) كان أبي إذا تصدق بشئ وضعه في يد السائل ثم ارتده منه فقبله وشمه ثم رده في يد السائل و أن يلتمس الدعاء من الأخذ لأن دعائه يستجاب فيه فعنه (ع) إذا أعطيتموهم فلقنوهم الدعاء فإنه يستجاب
(١٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 165 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الطهارة 16
2 باب جرايم الجوارح 17
3 باب التوبة 24
4 باب التدارك 27
5 باب الحد والتعزير 28
6 باب الجناية 35
7 باب ذمايم القلب 40
8 باب الصبر 42
9 باب الحلم 45
10 باب النصيحة 47
11 باب حب الخمولة 49
12 باب التواضع 52
13 باب الفقر 57
14 باب الزهد 60
15 باب السخا 63
16 باب الرضا 65
17 باب الشكر 66
18 باب الرجاء والخوف 68
19 باب قصر الامل 70
20 باب النية 72
21 باب الاخلاص 75
22 باب الصدق 79
23 باب التوحيد والتوكل 80
24 باب تطهير السر عما سوى الله 83
25 باب الماء 88
26 باب الأخباث وتطهيرها 90
27 باب آداب التخلي 95
28 باب الاتفاث وازالتها 96
29 باب آداب التنظيف 97
30 باب الاحداث ورفعها 100
31 باب الوضوء 102
32 باب الغسل 104
33 باب التيمم 110
34 كتاب الصلاة 111
35 باب الشرايط 112
36 باب الأوقات 118
37 باب المكان 121
38 باب اللباس 125
39 باب القبلة 127
40 باب النداء 129
41 باب الهيئة 130
42 باب الآداب والسنن 132
43 باب المكروهات 135
44 باب وظائف يوم الجمعة والخطبتين 136
45 باب آداب العيدين وسننهما 137
46 باب آداب الآيات وسننها 138
47 باب الجماعة 139
48 باب الخلل 141
49 باب التعقيب 145
50 باب الدعاء 146
51 باب فضل قراءة القرآن 148
52 كتاب الزكاة 150
53 باب التعداد والشرايط 150
54 باب المقادير والنصب 153
55 باب المصرف 154
56 باب الأداء 155
57 باب الخمس 156
58 باب المعروف 158
59 باب آداب المعطى 159
60 باب آداب الآخذ 162
61 كتاب الصيام 163
62 باب الشرايط 165
63 باب الهيئة 167
64 باب الآداب 168
65 باب فوايد الجوع 173
66 باب الاعتكاف 174
67 كتاب الحج 175
68 باب الشرايط 177
69 باب الهيئة 178
70 باب المحرمات 181
71 باب الخلل 190
72 باب حرمة الحرم 195
73 باب الزيارات 196
74 كتاب الحسبة 198
75 باب الجهاد 198
76 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 201
77 باب إقامة الحدود 203
78 باب الفتيا 205
79 باب القضا 206
80 باب الشهادة 209
81 باب اخذ اللقيط 212
82 باب الحجر 212
83 كتاب البر 214
84 باب العطية 214
85 باب العتق 217
86 باب التدبير 219
87 باب الكتابة 220
88 باب النذر والعهد 220
89 باب اليمين 222
90 كتاب الكسب 224
91 باب الآداب 227
92 باب البيع 229
93 باب الربا 234
94 باب الشفعة 236
95 باب الشركة 237
96 باب القراض 238
97 باب الجعالة 240
98 باب الإجارة 242
99 باب المزارعة 244
100 باب المساقاة 245
101 باب احياء الموات 245
102 باب الغصب 248
103 باب اللقطة 250
104 باب السبق 251
105 باب الدين 252
106 باب الرهن 253
107 باب الضمان 254
108 باب الحوالة 255
109 باب الوكالة 256
110 باب الكفالة 257
111 باب الوديعة 258
112 باب الاقرار 259
113 باب الصلح 259
114 كتاب النكاح 260
115 باب التعداد والجدوى 260
116 باب المحارم 263
117 باب الولاية 271
118 باب العقد 272
119 باب الصداق 274
120 باب الخلوة 277
121 باب الحقوق 279
122 باب النشوز 281
123 باب الفسخ 282
124 باب الطلاق 284
125 باب الخلع والمباراة 286
126 باب الظهار 287
127 باب الايلاء 288
128 باب اللعان 289
129 باب العدد 290
130 باب الولد 294
131 باب القرابة 300
132 كتاب المعيشة 300
133 باب الطعام 301
134 باب الأكل 309
135 باب الشرب 312
136 باب الضيافة 313
137 باب اللباس 314
138 باب الطيب 315
139 باب المسكن 316
140 باب المنام 317
141 باب التحية 319
142 باب الكلام 321
143 باب الإخاء 326
144 باب المعاشرة 328
145 باب العزلة 333
146 باب الورد 335
147 باب السفر 338
148 كتاب الجنايز 343
149 باب المرض 343
150 باب الوصية 345
151 باب العيادة 346
152 باب الاحتضار 349
153 باب التغسيل 350
154 باب التكفين 351
155 باب التشييع والتربيع 353
156 باب الصلاة على الميت 354
157 باب الدفن 355
158 باب التعزية 357
159 باب الهدية للميت 357
160 باب زيارة القبر 358
161 كتاب الفرايض 358
162 باب الأسباب والطبقات 358
163 باب الموانع 360